|
برهان الخواقين والأمر الواقع
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 6969 - 2021 / 7 / 25 - 22:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مشكلة الاسلام السياسي الحديث هي عدم الاعتراف بتغيّر وقائع العصور والوقوع في وهم يتصادم مع الواقع، يحاول تطبيق ما تم في شبه الجزيرة العربية منذ 1442 سنة في عالم اليوم، حيث يستحيل تطبيق ما نُفِذَ بالأخذ عنوة في مجرد قرى صغيرة أو حاميات عسكرية في امبراطوريات تعدادها مجرد مئات، في دول كبيرة تعدادها ملايين تحكمها شرعة حقوق الانسان والمواثيق والمعاهدات الدولية. ما سبق جوهر مشكلة الاسلام السياسي الحديث في التعامل مع الواقع الذي تغيّر، لكن مشكلة إردوغان أعمق بكثير، لأنه ورث عن أسلافه العقلية نفسها التي يبدو أن أتاتورك جمّلها فقط ولم يغيّرها. أسلافه الذين طبقوا ما قيل عن غير المسلمين حتى على المسلمين أنفسهم، الذين رضخوا وكانت النتيجة الخضوع للاستعمار التركي أكثر من اربعمائة سنة، بسبب انتمائه للدين الاسلامي، لدرجة التغاضى عن سرقة الخلافة التي كانت في القاهرة وسياسة فرق تسد وجعل المسلمين في تخلف. بسبب هذا الانصياع الديني وأد العثمنليون قوميات وقضموا أراضي الدول الاسلامية المجاورة وأشهرها محافظة الاسكندرون الذي دخلته قوات تركية سنة 1939، وقامت بضمه وإعلانه جزءاً من الجمهورية التركية تحت اسم هاتاي، وهو مخالفة لصك الانتداب الفرنسي الذي يُلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدولة المنتدب عليها. يدغدغ أردوغان اليوم مشاعر المسلمين لإستحالة غزوهم كما فعل أسلافه، بينما يتحدث عن ليبيا وغيرها كوقف عثمنلي يحق له استرداده، وله أطماع باسترداد الأراضي التي فقدتها الامبراطورية العثمنلية وتنصيب نفسه خليفة المسلمين عليها، وتصحيح الخطأ التاريخي الذي قامت به تركيا الفتاة وكمال أتاتورك. ورقة قبرص مشكلة قبرص تقع في نطاق أحلام الاسلام السياسي التركي الحديث، باعتبار أن قبرص وقف عثمنلي "أُخذ عنوة" بعدما ضمه السلطان سليم الثاني سنة 1571، واعتبر العثمنليون حين كان إردوغان شاباً سنة 1974 أن غزو الجزيرة متمما للسيطرة العثمنلية التي كانت على شرقي البحر المتوسط لتأمين طرق الملاحة التجارية بين الباب العالي وولايته مصر. يتجاهل إردوغان المادة 20 من اتفاقية لوزان سنة 1932 ، بعدما وافق وفد الجمعية الوطنية التركية الكبرى، الممثل الجديد للأمة التركية بعد إلغاء السلطنة العثمانية على الاعتراف بسيادة بريطانيا على قبرص في تشرين الثاني 1914، وفي المادة 21 مُنح المواطنون الأتراك في قبرص الجنسية البريطانية ليتمكنوا من العيش فيها، وفرضت المادة عليهم الرحيل من الجزيرة إذا رفضوا تلك الجنسية، حيث لم يوجد ولا يوجد في قبرص حتى اليوم أي أكثرية عددية للقبارصة من أصول تركية، على عكس القبرصيين اليونانيين الذين يمثلون الأغلبية العُظمى في شمال الجزيرة أو جنوبها، يليهم القبرصيين الأتراك، ثم الأرمن والموارنة واللاتين وكلهم يحملون الجنسية القبرصية وجواز سفر الدولة المستقلة عن الاستعمار البريطاني. واقع سياسي يستحيل إنكاره منذ استقلال قبرص. واقع تاريخي في سنة 1974 حدث انقلاب في قبرص بتدبير المجلس العسكري في اليونان، وقام به الحرس الوطني القبرصي بالاشتراك مع المنظمة الوطنية للمقاتلين القبارصة لتوحيد قبرص واليونان، لإرجاع واقع تاريخي قديم استمر لقرون منذ الحضارة الهلّينية، وأطاح الانقلاب بالرئيس القبرصي الأسقف مكاريوس الثالث، ونُصِّب نيكوس سامبسون رئيساً، وكان الهدف إعلان جمهورية قبرص اليونانية، لتصحيح وضع تاريخي غيّرته الخلافة العثمنلية. غزا الجيش التركي قبرص لإجهاض تلك المحاولة وسيطر على %3 من الجزيرة قبل إعلان وقف إطلاق النار، وانهار المجلس العسكري اليوناني وحلّت محله حكومة مدنية، وسيطر غزو تركي آخر، بسبب الترهل الأوروبي وقِصر نظر دوله، على نحو %37 من الجزيرة، وأصبح خط وقف النار بدءاً من آب/أغسطس 1974 منطقةً عازلة تابعة للأمم المتحدة في قبرص، وهي منطقة منزوعة السلاح تسيطر عليها قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام. خلال الغزوين طرد الجيش التركي، بعد فظائع واغتصابات وقتل، نحو 150,000 شخصاً يشكلون أكثر من ربع مجموع سكان قبرص، وثلث سكانها القبرصيين اليونانيين من الجزء الشمالي المحتل من الجزيرة، حيث يشكل القبرصيون اليونانيون %80 من السكان، وفي عام 1975 نزح نحو 60 ألف قبرصي قبرصي تركي من الجنوب إلى الشمال بمباركة وإيعاز من أنقرة لتتريكه،وهم يعادلون نصف السكان القبارصة الأتراك، وانتهت سياسة التهجير والنزوح بتقسيم قبرص دينياً وليس سياسياً لصعوبة حدوث الأمر على جزيرة، وشكلّت تركيا إدارة قبرصية تركية مستقلة بحكم الأمر الواقع في الشمال، وأعلنت هذه الادارة استقلالها باسم "جمهورية شمال قبرص التركية" سنة 1983، واعترفت بها منفردة تركيا التي أجهضت محاولة انتماء قبرص التاريخي لليونان، ويرفض المجتمع الدولي"جمهورية شمال قبرص التركية" القائمة تحت الاحتلال التركي غير القانوني بموجب القانون الدولي، كما تُعد احتلالًا لأراض في الاتحاد الأوروبي لأن قبرص عضو فيه. التنمّر والترهل حرّك برهان الخواقين إردوغان بتنمّره بسبب ترهل دول العالم خصوصاً أوروبا ورقة قبرص مرة ثانية بسبب غاز شرقي البحر المتوسط، وزار مدينة ڤاروشا التي تشكل رمز تقسيم قبرص، ومثّلت زيارته طموحه بحلّ الدولتين في الجزيرة، وترسيخ حضوره شخصياً شرقي المتوسط، في الذكرى السابعة والأربعين للغزو التركي للجزيرة، بعد فتح قسم صغير منها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي تحت بصر أوروبا المترهلة، والرسالة واضحة، فهو يريد نسف قواعد المفاوضات مستقبلا بسياسة فرض الأمر الواقع بالتنمّر. وهي سياسة سينفذها لاحقاً داخل دول أوروبا نفسها بالجزر التركية التي صنعها، لو امتد به العمر سياسياً وبيولوجياً. البراكين الخامدة الاتحاد الأوروبي حذّر برهان الخواقين قبيل زيارته بأنه "لن يقبل أبدا وعلى الإطلاق بحلّ الدولتين"، وجامعة الدول العربية لا تقبل بهذا الحل أيضا، ومصر تقف بالمرصاد لأطماع إردوغان في الدول العربية وقبرص وغاز شرقي المتوسط، بينما يضرب برهان الخواقين عرض الحائط بكل الأعراف الدولية، ويقول عن غار شرقي البحر المتوسط "إن ما يسمى باتفاقية ترسيم مناطق الصلاحية البحرية بين مصر واليونان لا قيمة له، مشيرا ، في الوقت نفسه، إلى التزام بلاده بالاتفاق المبرم مع حكومة الوفاق المعترف بها دوليا في ليبيا. هل يغامر أعلى حضرة أقدس همايون السُلطان خان المُعظَّم إردوغان ويُصّر على الفرمان العثمنلي الذي يخالف ما يوافق عليه الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والمجتمع الدولي؟ وهل يعتبر المجتمع الدولي في نهاية المطاف فرمان أعلى أقدس همايون السلطان المُعظّم قراراً داخلياً لا شأن له به مثلما حدث مع قضية أكراد تركيا ومع "آية صوفيا" وغيرها؟ صحيح أن المصالح الاقتصادية عصب سيطرة وقوة السياسة والاديان، لكن هناك أماكن في العالم مثل البراكين الخامدة تنفجر بعد قرون، ومنها بؤر الصراع الأرثوذكسي العثمنلي.
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التنمّر بالدين والتسوّل بالانسانية
-
السيدة التي هزمت الشيخ البذيء
-
الأساطير التي ترسم المستقبل
-
الأحمقرور
-
فخامة الرئيس الدستوري اللبناني (4)
-
فخامة الرئيس الدستوري اللبناني (3)
-
أرشيف برنامج -رحلة في الذاكرة-
-
قانون صامويل باتي وأعراف العشائر
-
تجديد الخطاب الديني أم السياسي؟
-
نائب ما قبل عصر البرلمانات
-
الباقي من الزمن ثمانون سنة
-
شكراً يا يسوع المسيح
-
موقف سياسي أم خلفية دينية؟
-
فخامة الرئيس الدستوري اللبناني (2)
-
الليبرالية المطلوبة من البابا فرنسيس
-
خلية ثانية في منظومة الشيزوفرانيا
-
خلية في منظومة الشيزوفرانيا
-
فخامة الرئيس الدستوري اللبناني
-
رفيق الحريري راح ضحية جريمة شرف!
-
الضحك دواء بدون أعراض جانبية
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|