أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - شيلنج وقلق الله














المزيد.....

شيلنج وقلق الله


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6969 - 2021 / 7 / 25 - 14:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٥٧ - شيلنج وعودة الله

يشار إلى المصطلح اليوناني "άγχω " على أنه أصل مصطلح القلق. إنه يعني حرفياً "الاختناق والضغط والتضييق". إنه يشير إلى حالة حقيقية من الاختناق وضيق الصدر، ولكنه لا يشير إلى هذا المعنى المجازي لهذا الإحساس الذي يمكن العثور عليه في الوصف السريري للقلق في العصر الحديث. وعند استخدام هذا الفعل آغو akhô في العصور القديمة، فإنه لا يعني وصف شعور أو حالة من الخوف أو القلق أمام العالم، أو الدوار الذي يجتاح الإنسان في مواجهة احتمالات حريتة في إختيار هذا السلوك أو ذاك، بل بالأحرى تحديد الارتباطات المادية المتعلقة بـه. ذلك أنه في اليونان القديمة، لم يكن يُنظر إلى العالم على أنه مخيف أو مرعب، بل كان يُنظر إليه على أنه كوزموس Κόσμος - kosmos منظم ومستقر ومعد من أجل راحة الإنسان وسعادته، أما القلق، وهو نوع من الخوف الميتافيزيقي الغير محدد كما سبق القول، فهو مرتبط بالأشياء أو الأشخاص أو بالمواقف التي تجعل الإنسان في علاقة مبهمة مع هذه الأشياء وهؤلاء والأشخاص، ولا يتم توجيهه أو الشعور به تجاه العالم كمحيط كلي. غير أنه فيما بعد، حين تهز الأحداث التاريخية المختلفة تدريجياً هذه الثقة والبراءة اليونانية في العالم المنظم والمستقر، وخاصة مع الديانة المسيحية، حيث يحدث تغيير حقيقي في المنظور : لم يعد يُنظر إلى العالم على أنه عالم منظم وثابت ويبعث على الطمأنينة، ولكنه يصبح عالما محزنا ويبعث على الكآبة والقلق، ويصبح مصدرا للخطر والخطيئة، ومكانا للعقاب، ألقي فيه الإنسان لعدم طاعته للأوامر الإلهية.
غير أن مصطلح القلق، كما نعرفه اليوم، أي كحالة نفسية أو كأحاسيس وجودية تنتمي في جوهرها إلى طبيعة الوعي البشري، ظهر لأول مرة في القرن التاسع عشر، مع الفيلسوف الألماني شيلينج Schelling في بحثه عن الحرية الإنسانية. حيث القلق هو "قلق من الحياة"، وهو الكرب الذي يدفع الإنسان إلى خارج المركز الذي خلق فيه، وهو المركز الذي يمثل الجوهر الأكثر نقاء حيث يتحد مع الله - الذي هو إرادة عليا، وحيث تكون الإرادة الفردية الخاصة لا فرصة لها للحياة؛ مما دفع الإنسان للإبتعاد ومغادرة هذا المركز والذهاب إلى الضواحي أو الحواشي بحثًا عن الراحة لإرادته الخاصة.
لقد كان شيلنج ابنا لقس بروتستانتي (من أتباع لوثر) في فورتمبرج Wurttemberg، وكان أبوه غنيا من ذوي الممتلكات، وراح يهيء ابنه ليشغل منصبا كهنوتياً ليكون أحد رجال الدين، فألحقه بكلية اللاهوت في توبنجن Tubingen، وهناك أصبح شيلنج وهولدرلين Holderlin وهيجل يشكلون مجموعة نشيطة من الدارسين الراديكاليين الذين احتفوا بالثورة الفرنسية ـ بل أن شيلنج هو أول من ترجم نشيد الثورة La Marseillaise لإلى الألمانية - وأعادوا تعريف الإله و تحديد معنى جديد له، وشيدواا فلسفة جديدة قائمة على التركيب والمزج بين أفكار سبينوزا وكانط وفيخته Fichte· وأضاف شيلنج قصيدة بعنوان عقيدة أبيقوري The Creed of an Epicurean يندد فيها بموضة العودة إلى الدين والتصوف التي أجتاحت الحركة الرومانسية في ذلك الوقت. لقد شخص شيلنج قضية الفلسفة الأساسية بأنها المأزق الواضح بين المادة والعقل، إذ كان من المستحيل (من وجهة نظره) أن نفكر في أن أحدهما ينتج عنه الآخر، وانتهى، وهو في هذا يعود مرة أخرى إلى فكر سبينوزا، إلى أنَّ أفضل مخرج من هذا المأزق هو أن نفكر في المادة والعقل كوجهين لحقيقة واحدة معقدة ولكنها متحدة، فكل فلسفة تقوم على العقل الخالص وحده هي فلسفة سبينوزية أو ستصبح كذلك، لكن هذه الفلسفة في رأي شيلنج منطقية على نحو صارم ومبالغ فيه بشكل يُفقدها الحيوية والعفوية والروح.
واشتغل لبضع سنين مدرساً، مثل فيخته وهيجل ونشر وهو في العشرين مقالاً عن أسس الفلسفة لفت أنظار فيخته وضمن لشيلنج دعوة لتدريس الفلسفة في يينا Jena، وكان وقتها في الثالثة والعشرين· وكان راضياً - لفترة - بوصف نفسه بأنه أحد أتباع فيخته، وأنه يقبل العقل كحقيقة وحيدة، لكن في يينا Jena، وبعد ذلك في برلين انضم للرومانسيين وأتاح لنفسه نشوة عابرة : لن أطيق هذا طويلاً، لابد أن أمارس الحياةَ بشكل أعمق، لا بد أن أترك حواسي حرّة - فهذه الحواس هي - تقريباً - أساسي الذي خرجت منه أو اشتُقِقتُ منه. على وفق ما تقول به النظريات الكبرى التي تتناول ما وراء الخبرة البشرية transcendental theories ولكنني أيضاً سأعترف الآن كيف أن قلبي يثب والدماء الحارة تندفع في عروقي·· ليس لي دين إلا هذا، وهو أنني أحب الرُّكب الجميلة التكوين والصدور الناهدة والخصور النحيلة والورود التي تفوح عطراً، والإرضاء الكامل لرغباتي، وتلبية كل حب أطلبه، وإذا كان لا بد أن يكون لي دين (رغم أنني أستطيع أن أعيش بدونه بسعادة أكثر) فلا بد أن يكون هذا الدين هو الكاثوليكية في شكلها القديم حيث كان القسس والمصلون من غير رجال الدين يعيشون معاً·· ويمارسون يومياً في بيت الرب House of God المرحَ الصاخب ويعربدون.
في المرحلة الأخيرة من حياته، يتخلى شيلينج عن فلسفة المطلق ويتحول تدريجيا إلى كتابة تاريخ المطلق. ينتقل من السؤال "ما هو الكائن؟ وما هو المطلق؟ " إلى السؤال الأكثر تحديدا " من هو الكائن؟ ومن هو المطلق؟ ". عندئذ يكون المطلق شخصًا حيا وليس مادة ميتة. الخطأ في رأيه هو إقامة "ذات" محايدة ومجردة كمبدأ أولي، بالعكس يجب أن يكون هناك موضوع شخصي يحمل اسم الله الصحيح. وهكذا يتم التحول تدريجيا في فكر شيلينج، من عالم لاهوت ملحد يؤمن بالعقل، ليصبح مفكرًا مسيحيًا يؤمن أكثر فأكثر بنوع من عودة المتعالي، هو الذي كان في البداية مؤمنًا بوحدة الوجود ويسخر من عودة الأفكار الدينية، ينتقل تدريجياً إلى الإيمان بوجود إله شخصي متعالي، ليؤسس ما يمكن تسميته بالمسيحية السبينوزيه، رغم أن السؤال "من هو المطلق؟" ليس سؤالا سبينوزيا.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ونجرجر هزيمتنا
- ذوبان الملل
- القلق الفردي
- الحروف المسطولة
- الوقت من ذهب
- السقوط الحضاري
- الله والفراغ والذرة
- عيون الكلاب
- ظاهرة الوحي والهلوسة
- الفكر بين العقل والإيمان
- إشكالية الحرية والموت
- نيوتن والجاذبية الغائبة
- مجون وإنحلال
- زندقة
- القاطعة
- الحكم بإسم الله
- ديالكتيك السيد والعبد
- الصندوق الزجاجي
- صناعة الإنسان الفاني
- ثورة الآلهة


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - شيلنج وقلق الله