|
زها حديد وفن العمارة التفكيكي
حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق
الحوار المتمدن-العدد: 6964 - 2021 / 7 / 20 - 20:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
" التعليم والإسكان والمستشفيات، هم الأشياء الأكثر أهمية في المجتمع، زها حديد." المقدمة: أن علمائنا العرب الذين يعيشون في الغرب وامريكا، هم ليس علماء مهجر بل هم منفيون قسرا واجبارا على ترك أوطانهم، فوطنهم لا تقدر علومهم ولا توفر لهم بيئة ، وفي كثير من الاحيان يتعرضون للاغتيال والاضطهاد وتقليل من شأنهم وعلومهم، فهم لم يختاروا الهجرة طوعا، وإنما كرها هم علماء منفيون، هذا الوصف اصدق من كونهم علماء المهجر، وزها حديد واحدة من العلماء المنفيون بالخارج. زها حديد اسم عراقي لامع في مجال الهندسة المعمارية، تركت لنا أعمالا إبداعية تتميز عن المشاريع التي اعتدنا رؤيتها، زها حديد عراقية الأصل ، ترعرعت في بلدها الأم، وشقت طريقها إلى العالمية متحدية كل المصاعب والمتاعب التي واجھتھا في ميدان بات وقفا على الذكور، وفي بيئة قلما تعترف للمرأة بوجود، فتفوقت بإبداعاتها وفنھا رابطة بين تشكيل جمالية المعمار ووظيفة الفضاء، ومكسرة الحجم مخضعة إياه لمتطلباته الوظيفية. وأن مجرد ذكر اسم المهندسة المعمارية زها حديد تقفز إلى الأذهان قصة امرأة مبدعة ذاع صيتها في العواصم الأوربية والعالم بعد أن وضعت بصمة إبداع في فن العمارة الحديثة، وأثبتت أن الموهبة الممتزجة بالإبداع هي طريق التميز، ولقد كتب الكثير عن زها حديد، ولربما هذا مقالي عن زها حديد لا يحمل شيء عن زها غير معروف، لكني رأيت ولاحظت أن الكتابات الغربية والعربية كثيرة جداً عن زها حديد، مقارنة مع الكتابات العراقية التي تكون قليلة جداً، وللأسف لربما اصبحت هذه طبيعتنا العلماء لا يكرمون وليس غريباً علينا، فهذا علي الوردي العالم الاجتماعي، على حدود علمي لا أعرف مركزاً كبير أو مدينة سميت باسم الوردي، كما فعلت مصر مع العالم الجليل احمد زويل، الذي سميت باسمه مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وغيره الكثير من العلماء... زها حديد ، كانت ترفض أن تسمى المرأة المهندسة، وهي هنا تعطي درساً كبيراً أنه لا يوجد فرق بين عقل الرجل والمرأة، وزها حديد خير دليل للذين يعتقدون من الغرب والعرب بأن العقل الاوربي افضل من عقول العرب، فهنا زها كسرت هذه القاعدة التي اصلا لم تكن موجودة فقط عند المتخلفين، وقد اعتقدت زها حديد بأن الهندسة المعمارية ممكن في أبنيتها ممكن تساهم في تغيير المجتمع نحو الافضل، وتحث زها حديد على العلم أن يكون مستمر في حياة كل شخص وليس فقط في المدارس بل في جميع مراحل الحياة. شرف لي وتكريم من نوع كبير جداً أني أكتب عن عالمة جليلة كانت لها بصمة في الكثير من الدول. زها حديد، سيرة وفكر: زها حديد واسمها الكامل زها محمد حسين حديد اللهيبي، هي معمارية عراقية ، ولدت في بغداد يوم 31 أكتوبر 1950، والدها محمد حديد، كان أحد قادة الحزب الوطني الديمقراطي العراقي والوزير الأسبق للمالية العراقية بين عامي 1958-1960م، ووالدتها وجيهة الصابونجي كانت فنانة تشكيلية، وتُحب الرسم وتمارسه بشكل جيد، وهي من علمتها الرسم، حيث كان لها ذوق رائع ونظرة حادة للأشكال الجميلة، وقد زرع والداها بها حب المعرفة وأهمية الدراسة والتحصيل العلمي كجواز سفر الإنسان في الحياة، فقد اعتبرتهم زها بمثابة الإنارة في حياتها، اللذان وفرا لها الدعم الكبير حين اختارت دراسة العمارة في الخارج، وتقول زها من الصعب علي جداً الكلام عن ابي، فقد كان والدي هو احد مؤسسي الحزب الديمقراطي العراقي، كان صناعياً مهماً، وكان يؤمن بضرورة تشجيع الصناعة في الدول العربية، حتى لا يبقى الاعتماد على دول اخرى، وقد تعلمت منه حماسته الليبرالية والانفتاح، كما تعلمت منه كرم الروح وقبول الآخر بمعزل عن مشابهته لي او اختلافه عني، وقد بقي في العراق ولم يغادره إلا مطلع التسعينات، حيث اقام في لندن حتى وفاته. وعندما كنت اتصل به، اسأله من معك، فيقول اخوان، وخلال مراسم جنازته رأيت اناساً لا اعرفهم ولم المحهم طوال حياتي، عندها علمت مدى قيمة والدي وكيف كان بابه مفتوحاً لجميع الناس. ولزها شقيق أكبر هو هيثم وهو اقتصادي يقيم في لبنان، وشقيق أصغر هو فولاذ المتوفى قبلها في 2012، الذي درس القانون ثم الأعمال وأسس شركة للمحاسبة في بيروت، لكنه اعتبر المغرب وطنه الثاني إذ تزوج فيه من العائلة المالكة، كما كان كاتبا له مؤلفات في الشؤون السياسية العراقية والعربية. وظلت زها تدرس في مدارس بغداد حتى انتهائها من دراستها الثانوية، وعن طفولتها تقول زها حديد، خلال طفولتي ترددت على مدرسة دينية متواجدة بأحد المعابد ببغداد، كانت المديرة صارمة رغم كونها تحررية، وكانت التلميذات من ديانات مختلفة: مسلمات ومسيحيات ويهوديات، ثم ذهبت زها إلى بيروت وحصلت على شهادة الليسانس في الرياضيات من الجامعة الأميركية 1971، و تخرجت عام 1977 من الجمعية المعمارية بلندن، وعملت كمعيدة في كلية العمارة ، وانتظمت كأستاذة زائرة في عدة جامعات في دول أوروبا وأمريكا منها هارفرد وشيكاغو وهامبورغ وأوهايو وكولومبيا ونيويورك وييل، وبدأت حياتها العملية بعد تخرجها في مكتب المعمار المدني في روتردام، هولندا، ثم عادت محاضرة إلى كلية الرابطة المعمارية في لندن. وفي 1980 أنشأت بالعاصمة البريطانية شركتها الخاصة مكتب زها حديد المعماري الذي يعمل به أكثر من 350 مهندسا، وصارت أعلى المعماريين أجرا على مستوى العالم. كرست زها حديد جل حياتها لعملها، دون مبالاة بأي عادات اجتماعية سائدة. وكانت زها حديد أعلى المعماريين أجراً على مستوى العالم. وفي وقت وفاتها، كانت ثروتها تقدر بـ215 مليون دولار، شاملة ممتلكاتها العقارية واستثماراتها في الأسهم، ومشاريعها في مجالات التجميل، والمطاعم، وفريق لكرة القدم، والعطور، وأزياء. توفيت المعمارية العراقية زها حديد في ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية في 31 مارس 2016، عن عمر ناهز ال65 عاماً، إثر نوبة قلبية مفاجئة، حيث كانت قد وصلت إلى ميامي لتلقي العلاج من التهاب الشعب الهوائي، وقال مكتبها في لندن في بيان ينعيها أن زها حديد توفيت بشكل مفاجئ في ميامي هذا الصباح، حيث كانت تعاني من التهاب رئوي أصيبت به مطلع الأسبوع وتعرضت لأزمة قلبية أثناء علاجها في المستشفى، وأضاف البيان أيضاً إلى أن زها حديد كانت تعتبر إلى حد كبير أهم مهندسة معمارية في العالم اليوم، وفاء لذكراها فقد أطفأت دولة الإمارات جسر الشيخ زايد الذي حققته في أبوظبي والذي يعتبر واحداً من الجسور المتميزة، أما الحكومة العراقية فقد تم نعيها من قبل الرئاسات الثلاث في العراق وايضا البنك المركزي العراقي، إلا أنه نعي خجول جدا ولا يليق بعالمة ساهمت بتغير فن العمارة والتأثير على حياة الناس، ومصدر إلهام للكثير من المعماريين وغير المعماريين. وكانت هناك عوامل أثرت على تطور فكر زها حديد المعماري ومنها، سفرها وهي صبية مع أسرتها في رحلة لزيارة الآثار السومرية في جنوب العراق. وتقول زها في لقاء صحفي اصطحبنا أبي لزيارة المدن السومرية، وقد ذهبنا بقارب مصنوع من حِزم القصب. ظل جمال المناظر الطبيعية هناك من أطلال ومبان ورمال وماء وطيور وأناس محفورا في ذاكرتي منذ تلك اللحظة، و أنا أحاول اكتشاف أو اختراع طراز معماري وأشكال من التخطيط العمراني يكون لها التأثير نفسه ولكن بصورة أكثر عصرية. وأيضا مرافقتها مع والدها لزيارة معرض للهندسة المعمارية الذي نظم آنذاك ببغداد. وكان اهتمام والدة زها بالفن والرسم أثر في تكوين شخصيتها وأسلوبها المعماري حيث أنشأها والداها على حب العلم و المعرفة والدراسة وكان والد زها يوفران لها الدعم في دراستها وحتى عندما اختارت دراسة العمارة خارج البلاد. لم يبديا معارضة، بل العكس ساعدتها العائلة في اكمال دراستها، فوالدها ترك زها وهي صغيرة تختار أثاث وديكور غرفتها الخاص وغرفة استقبال الضيوف، وبذلك ساهمت تربية زها على يد والدها في تكوين شخصيتها الباهرة ، كما كانت تقول، لم أشك يوماً في إنني سأصبح محترفة، ومن العوامل المؤثر أيضاً مشروع تخرجها من الجامعة الأميركية، عام 1977، في بيروت في مجال الهندسة المعمارية، فاستقت فكرة التصميم من الفن التجريدي الحديث، وظهر مشروع تخرجها مليئا بالكسور والأشكال الهندسية غير المنظمة وكأنه عمارة مناهضة للعمارة، وأيضاً عندما كانت شابة فازت بمسابقة عالمية في تصميم ناد ترفيهي في هونج كونج. ولقد كان الفوز بالمسابقة أحد أهم الأحداث المفصلية في حياة زها حديد، إذ كان اعترافا عالميا بأسلوبها غير العادي. أقامت زها حديد العديد من المعارض الدولية لأعمالها الفنية تشمل التصاميم المعمارية والرسومات واللوحات الفنية. وقد بدأتها بمعرض كبير في الجمعية المعمارية بلندن عام 1983. كما أقامت مجموعة من المعارض الأخرى الكبيرة في متحف جوجنهايم بنيويورك ، ومعرض بطوكيو عام 1985 ومتحف الفن الحديث في نيويورك عام 1988، وقسم الدراسات العليا للتصميم في جامعة هارفارد عام 1994، وصالة الانتظار في المحطة المركزية الكبرى بنيويورك عام 1995. كما شكلت أعمال زها حديد جزءاً من المعارض الدائمة في متحف الفن الحديث بنيويورك ومتحف العمارة الألمانية في فرانكفورت. وتصل مشاريعها إلى 950 مشروعا تعطي انطباعا أن مصممها فنانة معمارية قديرة ، ورغم رحيل زها قبل خمس سنوات، إلا أنها تركت معالمها كإرث عمراني عالمي بلمسة معمارية خاصة، فقد تركت زها بذلك بصمتها في 44 بلدا وحفرت اسمها في قلوب كل عاشق للعمارة حول العالم، وفندت عملياً المعمارية العراقية اتهامات بعض النقاد بأنها مهندسة قرطاس، أي يصعب تنفيذ تصميماتها، لكن بعد اكتمال تشييد متحف العلوم في فولفسبيوج شمال ألمانيا، الذي اُفتتح في نوفمبر 2005، والذي يؤكد على أن مقولة مهندسة قرطاس ليس إلا إدعاءاً كاذباً من معماريين يعيشون مع الماضي، لأن كل الذي وضعته على شاشة حاسوبها استطاع الآخرون تنفيذه. ومن أهم أعمالها: محطة إطفاء الحريق فيترا بألمانيا (1991 - 1993)، مركز روزنتال للفن المعاصر (1997 - 2003)، محطة قطار ستراسبورج ألمانيا (1998- 2001)، قاعة العقل بقبة الألفية بلندن (1998 - 2000)، منصة التزحلق في إنسبروك (1999 - 2002)، قاعة عرض في حديقة بألمانيا 1999، مركز فاينو للعلوم (2000 - 2005)، مشروع محطة البواخر في ساليرنو 2000 ، مبنى بي إم دبليو (2001 - 2005)، دار الأوبرا في غوانزو (2003 - 2010)، مركز الفنون الحديثة بروما ماكسي (2003 - 2009)، متحف ريفرسايد (2004 - 2011)، محطة قطار نوردبارك بالنمسا (2004 - 2007)، ساحة إليفثيريا(2005 - )، برج سي إم أيه-سي جي إم بمارسيليا (2005 - 2010)، مركز حيدر علييف في باكو (2006 - 2013)، متحف الفن إيلي وإيديثي (2007 - 2012)، دونج دايمون ديزاين بلازا (2007 -2013)،جسر الشيخ زايد (2007 - 2010)، مركز الألعاب المائية (2008- 2011)، الجسر الجناح 2008، متحف غوغنهايم والإرميتاج (2009 - 2013)، جناح برنهام بشيكاغو 2009،برج الابتكار (2009 - 2014)، قاعة بيتهوفن للموسيقى 2009، مبنى سوهو جالاكسي (2009 - 2012)، القاهرة إكسبو سيتي (2009 - )، مسجد في الكويت (2010 - )، دار الملك عبد الله للثقافة والفنون في الأردن (2010 - )،مبنى البنك المركزي العراقي (2012 - )، مكتبة ومركز تعليمي في فيينا 2012، تصميم مجموعة من اليخوت الفاخرة 2013، المبنى العائم بدبي (2013 - 2016)، مركز تشانغشا ميكسيهو العالمي للفنون والثقافة 2013، دار دبي للأوبرا (2013 - 2016)، محطة مترو الرياض (2013 - 2017)، معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت 2014، المسرح الكبير في مدينة الرباط بالمغرب (2014 - )، مبنى مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكسفورد ببريطانيا 2015، الاستاد الوطني الجديد في اليابان (2015 - 2019)، مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية كابسارك 2016، ستاد الجنوب بقطر (2016 - 2018). مثلت زها حديد قصة نجاح بطلتها امرأة عراقية معمارية معروفة، جابت العالم محققة إنجازات مهمة. وحصدت زها حديد العديد من الجوائز والأوسمة والميداليات والألقاب الشرفية وشهادات التقدير من أساطير العمارة مثل الياباني كنزو تانغه، واُختيرت كرابع أقوى امرأة في العالم في 2010 حسب تصنيف مجلة التايمز. وكانت اليونسكو قد وضعت زها حديد ضمن لائحة فناني السلام الذين يستعملون نفوذهم وسمعتهم العالمية لتعزيز المثل العليا للمنظمة، حيث أثنت في بيان لها على جهود زها حديد في مجال الفن المعماري ودورها في رفع مستوى الوعي العام للحوار الفكري والتميز في مجال التصميم والإبداع وتفانيها في خدمة المثل العليا وأهداف المنظمة. وجاءت عملية الاختيار عقب تصدرها فئة المفكرين في لائحة مجلة تايم الأمريكية للشخصيات المائة الأكثر تأثيراً في العالم. وقد تبوأت زها حديد المرتبة الثامنة والستين بين أقوى نساء العالم حسب التصنيف السنوي الذي تعلنه مجلة الأعمال فوربس، و لقبتها مجلة فوربس الأمريكية بلقب أقوى مهندسة في العالم. واحتلت المرتبة الأولى وللعام الثاني على التوالي على لائحة أقوى مائة امرأة في العالم للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. أن لزها حديد سجل حافل بالأعمال ورحلة مهنية دامت 39 سنة مكللة بالنجاحات المتواصلة، تمردت واقتحمت مجالا ذكوريا بحتا وكانت رائدة فيه عن جدارة، وقد توجت خلال حياتها المهنية بعدد لا يحصى ولا يعد من الأوسمة والجوائز حيث قضت حياتها تجوب العالم بفخر إما لتدشين تصاميمها التي أصبحت قيد التنفيذ ونقلتها من عالم الخيال إلى أرض الواقع أو لتتسلم الجوائز والأوسمة التشريفية والتي تتعدى المئة جائزة. وتعتبر زها حديد من الرائدات في مجال العمارة وهي أول امرأة تحصل على جائزة بريتزكر للهندسة المعمارية عام 2004 الجائزة الأكبر والأهم في مجال العمارة في العالم التي تعادل في قيمتها جائزة نوبل، كما كانت أول امرأة تحصل على الميدالية الذهبية الملكية من المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين. كما منحت وسام الشرف الفرنسي في الفنون والآداب برتبة كومندور. ومن الجوائز التي حصلت عليها زها حديد، الميدالية الذهبية للتصميمات المعمارية بلندن عام 1982 وكانت اولى جوائزها، جائزة الاتحاد الاوربى للعمارة المعاصرة عام 2003، حصلت على جائزة برتزكر2004 للعمارة حيث تعد أصغر وأول امرأة حصلت على هذه الجائزة ، جائزة ريبا عام 2005 عن تصميمها مبنى بي أم دبليو المركزي، حصلت على جائزة ريبا في العام التالي 2006 عن تصميمها مبنى مركز فانو للعلوم، وحصلت أيضا على ميدالية جيفرسون للعمارة عام 2007، وحصلت على جائزة ريبا مرة أخرى عام 2008 عن تصميمها مبنى محطة سكة حديد، كما أنها حصلت على جائزة وسام الشرف البريطاني في عام 2012، برتبة سيدة قائد . وحصلت على جائزة تصميم العام للمتاحف عن تصميمها مبنى متحف لمركز حيدر علييف الثقافي عام 2014. الخيال والتفكيك في مشاريع زها حديد: التفكيكية، هي فلسفة وثيقة الصلة بالفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (1930 – 2004)، وهي استراتيجية اعتمدها دريدا لا تعترف بسلطة ووحدة المعنى العام للنص بل بتعدديته، لذلك فقد صيغ التفكيك في البداية كتكنيك لتفسير الأعمال المرئية والمكتوبة المعقدة، وهي أيضاً محاولة لاستخراج المعاني الباطنية للنصوص والتي قد لا يقصدها مؤلف النص اصلا، وتحتوي النصوص على معاني أكثر مما قد يمكن استيعابه عبر القراءة البديهية للكلمات والمفاهيم بشكل مبسط، والتفكيكية محاولة لقراءة ما بين السطور والتي لا يعلم مؤلفها أنها موجودة، ويعتقد جاك دريدا حول ذلك، أن التفكيك يهدف إلى إيجاد الصدع الذي يمكن من خلاله رؤية بصيص غير مسمى أبعد من الفتحة التي يمكن رؤيتها، والتفكيكية حين تبلورت في السبعينات اجتاحت عدة مجالات خارج الفلسفة فوصلت الأدب والفن بما فيهم فن العمارة، واستطاع رواد الهندسة المعمارية التفكيكية أن يثوروا على المفاهيم الكلاسيكية للبناء الكلاسيكي، والتفكيكية المعمارية هي تفكيك البنايات وتمرد على القواعد المتعارف عليها، ويتميز تيار التفكيكية في القيمة التعبيرية للإنشاء، بتحطيمه الفروق القائمة بين الرسم والنحت ودمجها في بوتقة معمارية متكاملة، لا تخلو من تلمس الاتجاه الوظيفي فيها، ومع التفكيكية نجد القيمة الجمالية للمبنى تنحصر فيما تبديه العلاقات الشكلية للأحجام والكتل والفراغات كما تبرزها المعطيات الإنشائية، باستعمال خامات جديدة كالمعدن والزجاج وغيرها. وتدعو عمارة التفكيكية إلى هدم كل الأسس الهندسية الإقليدية، بتفكيك المنشآت إلى أجزاء تستدعي إعادة النظر في العلاقات القائمة بين الإنسان والعمران، فيغيب التباين المألوف بين شكل المبنى والأرض المقام عليها، أي التباين التقليدي بين الهيكل الإنشائي والمحيط العمراني. ارتبطت زها بالتفكيكية بشكل رسمي بعد مشاركتها في المعرض الذي أقيم في متحف الفن الحديث في نيويورك عام 1988 مع العديد من المعماريين الذين ارتبطوا بنفس الحركة، واستطاعت زها في السنوات القليلة التي تلت ذلك خلق عدد من المباني ذات التصميم المبسط مثل مركز الفنون في سينسيناتي. ومع بداية الألفية وتطور التكنولوجيا وبرمجيات الحاسوب، استعملت زها حديد الواقع باستعمال الأدوات الرقمية لتأخذ أعمالها منحى بعيداً عن التفكيكية المبسطة لتدخل عالم المنحنيات التي تمحي الخط الفاصل بين الأرض والعمارة والسماء، و أن مشاريع زها حديد تشبه سفن الفضاء، التي تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، لا فيها جزء عال ولا منخفض، ولا وجه ولا ظهر، فهي مبانٍ تظهر وكأنها في حركة انسيابية في الفضاء المحيط، ومن مرحلة الفكرة الأولية لمشاريع زها إلى مرحلة التنفيذ؛ تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تعتبر أكبر عملية مناورة في مجال العمارة، وتعد تصميمات زها حديد المعمارية راديكالية، بمعنى إيغالها في الخروج على المألوف، إذ اتسمت بالانسيابية والاستدارة التي تأتت من قناعتها القديمة بأنه لا مكان للزاوية القائمة في المعمار، فتميزت أعمال زها حديد بالتفكيكية وظهور المبنى وكأنه يتحدى الجاذبية الأرضية لأنه عبارة عن أسقف وأقواس طائرة، مع التأكيد على ديناميكية التشكيل. ولذا فقد أُطلق على أعمالها اسم التجريد الديناميكي، الذي يبدو وكأنه أسلوب مستقى من كوكب آخر وليس من عالمنا هذا، و تضعك مباني زها بأسطحها الحادة ومنحنياتها المتطرفة في عالم فضائي يبدو للوهلة الأولى أنه منبثق من فيلم هوليود حول الحياة في الفضاء أو عالم المستقبل، و تعتمد زها حديد في تصاميمها بما يعرف بالعمارة التفكيكية، وهو أسلوب حديث يعتمد التعددية ولا يعترف بوحدة المعنى، وقد طُور الأسلوب التفكيكي في القرن العشرين في أوروبا وأمريكا وشهد طفرة نوعية بقلم حديد التي نفذت ما يقارب 950 مشروع في 44 دولة، وتتميز اعمال زها حديد، بالمتانة، إذ تستعمل الحديد في مبانيها والذي يعطى تحملا اكبر للشد والضغط والاحمال ويعطي مجالا اكبر لتكوين تشكيلات اكثر حرية ومعقدة أحيانا. و تتميز بالانسيابية وكثرة المنحنيات المتناغمة مع بعضها. و تمتاز أيضاً بالخيال حتى أن البعض كان يراها مستحيلة أو غير قابلة للتنفيذ، ولكن كل تصميمات زها حديد تم تنفيذها واستطاعت زها ان تثبت أنها ليست مستحيلة. ومن الصعب جدا تقليد أي مِن أعمال زها حديد المعمارية، فكل مبنى هو حالة خاصة فريدة. فهي لا تستقي أفكارها مِن أي معماري سابق لها، بل تخلق العمل وتبتكره ابتكارا، وقد فرضت زها حديد لغة معمارية خاصة فازدهرت معها هندسة فريدة تتّسم فيها التصاميم بالحركة والانسيابية، وقد وصفتها النيويورك تايمز بأنها ملكة المنعطفات التي حررت الهندسة المعمارية وأعطتها هوية جديدة ، ففي عالم زها حديد تذوب الفوارق بين الأفقي والعمودي والأرض والبناء والمنحنى والمستقيم فاستطاعت بذلك إذابة الفارق بين تصميم العمارة والأزياء والسيارات، ونجحت في أن تتعدى الحواجز والعوائق.
#حيدر_جواد_السهلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دجلة
-
العمل التطوعي ، الثقافة الغائبة
-
ظاهرة التفاهة
-
المنطق عند جوزايا رويس
-
مفهوم الولاء عند جوزايا رويس
-
مفهوم البطل عند توماس كارليل
-
فلسفة العلم واللاعلم عند كارل بوبر
-
مفهوم الإرهاب
-
مفهوم الاستبداد
-
حفار اليقينيات عبدالرزاق الجبران
-
المرأة في فكر قاسم أمين
-
الدين والدولة في فلسفة مارسيل غوشيه
-
الثقافة عند سلامة موسى
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|