|
القلق الفردي
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 6964 - 2021 / 7 / 20 - 12:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أركيولوجيا العدم ٥٦ - القلق العاري
القلق علي مر العصور كان جزءا من حياة الناس، فهو تنظيم انفعالي داخل الـنفس، كما دلت العديد من الدراسات أنه محور لاضطرابات وعلل نفسية كثيرة، ولكنه في نفس الوقت جزء من الوجود الإنساني المكثف في العالم وهو الذي يشير إلى الحرية والمسؤولية ويظهر إمكانية العدم في الكينونة وبالتالي إمكانية الوجود. القلق هو الانفعال الذي نشعر به عندما نجـد أنفـسنا محاصرين في ركن ضيق، إننا نشعر حينئذ بأننا مهددون بالإختناق، علي الرغم مـن أن مـصدر التهديد قد لا يكون دائماً واضحاً لنا، غير أن الشعور بالخطر حاضر بطريقة واضحة ومؤثرة على الجسد نفسيا وماديا. والقلق في حد ذاته ليس مرضا، يل هو ضروري للحياة، فهو الذي يدفع الإنسان للنشاط والإعداد للمستقبل ومواجهة المواقف المختلفة والأخطار الفعلية، ويجعل الحياة الداخلية للإنسان تنبض بالأحاسيس والعواطف والأفكار، ومثل هذا النوع من القلق يختلف عن القلق - المرضي - الذي يتميز بحدته أو بدوامه لفترات طويلة أو لتكراره، ففي هذه الحالة فإنه يمعطل الإمكانيات الإبداعية للإنسان وقدراته وتقدمه نحو حيـاه أفـضل وأكثر ثراء. وللتعرف علي القلق - المرضي - يجب ملاحظة النواحي العضوية، والنواحي الوجدانية أو النفسية، وكذلك النواحي الفكرية أو العقلية، ففي حالات هذا النوع من القلق تحدث تغيرات عضوية غـير طبيعية يمكن معاينتها وتحليلها علميا، بعضها داخلي يرتبط بتوترات المعدة، وضغط الدم وزيادة الإفرازات الهرمونيه، وبعضها خارجي يرتبط بالتوترات العضلية واحمرار الوجه وكذلك زيادة إفراز العـرق والرعشة وزيادة الحركة بدون داع ولا ضرورة. والتغيرات العضوية هذه تكـون نتيجة أو سبب في استثارة مشاعر وجدانية وفكرية محورها الانشغال الشديد، والاستثارة السريعة والهواجس، والأحلام المزعجة، والإرهاق السريع، وتوقع المـصائب، وتعمـيم الخبرات السيئة علي مواقف لا تتسم بالضرورة بالسوء. والقلق عموما هو شعور داخلي يجعل الإنسان غير قادر علـي التفاعـل مـع محيطـة الاجتماعي ولا القيام بأداء وظائفه العقلية والاجتماعية بشكل مناسب. الانفعال الذي نشعر به عندما نجد أنفسنا محاصرين في ركـن ضيق ونشعر بأننا وقعنا في المصيدة مثل الفئران، هذا هوالقلق الفردي أو الذاتي. فهو حالة نفسية وفسيولوجية تتركب من تضافر عناصر إدراكية وجسدية وسلوكية ترتبط بالموقف الذي يعيشه الفرد والظروف المحيطة به وذاكرته وتجاربه السابقة، فينبثق شعور أو إحساس بخوف مبهم بلا هوية محددة مما يخلق نوعا من عدم الارتياح والتوتر أو التردد وعدم الإستقرار. غالباً ما يكون القلق مصحوباً بسلوكيات تتسم بالغرابة والإرتجالية مثل الحركة النزقة والسير بخطوات ثابتة ذهاباً وإياباً بدون هدف. القلق هو حالة مزاجية عامة تحدث من دون التعرف على آثار تحفيزها، ولهذا يختلف القلق عن الخوف، الذي يحدث في وجود تهديد ملحوظ ومعروف ومحدد، وبالإضافة إلى ذلك، يتصل الخوف بسلوكيات واستراتيجيات موضوعية مثل الهروب من الخطر والتجنب والإختباء، في حين أن القلق هو نتيجة لتهديدات لا يمكن السيطرة عليها ولا يمكن تجنبها ولا يمكن تحديدها بالدقة الكافية. في حالة القلق تظهر مبالغة في رد الفعل اتجاه موقف يراه الشخص مهدداً بشكل غير موضوعي، وقد يصحب القلق تغيرات جسدية وفسيولوجية مثل التشنج العضلي، الأرق، التعب والإرهاق وفقدان الشهية وصعوبة التنفس وضيق الصدر ومشاكل في التركيز إلخ. ومصدر كلمة قلق في اللغات الأوروبية هي الكلمة اليونانية " άγχω - آغو" التي تشير إلى "الاختناق ، والضغط"، فقد حددت ظاهرة القلق في العصور القديمة الأعراض الجسدية لحالة القلق أمام العالم، وليس هذه الحالة نفسها. بعبارة أخرى، حدث تطور وتغير في معنى مفهوم القلق منذ اليونان القديمة، حيث لم يكن العالم، الذي كان يُنظر إليه آنذاك على أنه نظام مستقر وثابت، مصدرا للقلق، ومع ذلك فإن الفلسفة الإفلاطونية كان من خصائصها علاج القلق، والحصول على السلام والإستقرار النفسي الداخلي، ونجد هذه الفكرة عند أبيقور وأيضا عند الرواقيين، التأمل الفلسفي عموما كان يعتبرهدفا في ح ذاته لأنه يجعل الإنسان أكثر حرية وأكثرقدرة على تحمل مسؤولية الحياة. القلق هو أحد المفاهيم الرئيسية للفلسفة الوجودية، مرتبط بمفهوم الحرية في إتخاذ القرارات المصيرية كما هو الحال عند كيركيغارد، بحرية الإلتزام ومسؤولية الفرد عن وجوده كما هو عند عند سارتر، أو القلق الوجودي للإنسان في مواجهة الموت عند هايدجر، يُعرَّف القلق فلسفيا على أنه خوف أنطولوجي شبحي غير محدد المصدر يشترك فيه جميع البشر. وهو يتميز عن الخوف، الذي هو دائمًا الخوف من "الشيء - objet"، بأنه لا يتعلق بأي شيء معين، ومن هنا طبيعته العامة والمقلقة بشكل خاص. إن القلق من الموت في حد ذاته هو قلق غامض للغاية ولا يصاحبه أي تمثيل دقيق، مجرد شعور بالسقوط وانحلال كل تمثيلاتنا. لقد اتخذت كلمة "القلق" في الفلسفة الوجودية معنى "القلق الميتافيزيقي" الذي يشعر به الإنسان من خلال الهواجس والوساوس الفردية. والقلق في نهاية الأمر يكشف عبثية الوجود. تمت معالجة موضوع القلق من قبل العديد من الفلاسفة في المدرسة الوجودية بفرعيها الوجودية المادية والوجودية الروحية أو المسيحية والتي أعتبرت القلق نافذة على الوعي ووسيلة للتشكيك ومسائلة الحالة الإنسانية la condition humaine. في علم النفس المرضي psychopathologie، يشير إلى حالة من التعاسة mal-être التي تتجلى من خلال الإحساس الداخلي بالقمع والتوتر والضيق الذي يشعر به الجسد، عادة ما يكون هذا مصحوبًا بالخوف من مصيبة أو كارثة ما أو الموت الوشيك الذي يشعر الشخص بأنه لا حول له ولا قوة. القلق ليس علامة نفسية مرضية في حد ذاته ولكنه مرآة لمجموعة من الظواهر العاطفية. ومع ذلك ، إذا أصبح القلق متكررًا جدًا أو مستمرًا، فإنه يصبح أحد الأعراض التي يمكن ربطها بعلامات معينة أخرى لتشكيل متلازمة syndrome، تظهر منعزلة من خلال القلق العام، أو في عصاب القلق névrose d angoisse. في بعض الحالات السريرية ، يمكن أن يكون غياب القلق مزعجًا مثل الإفراط في ظهوره. في التحليل النفسي الفرويدي ، القلق هو مفهوم ميتابسيكولوجي métapsychologique تم تطويره في المرحلة الأولى من نظرية فرويد كنتيجة لقمع بعض الأحاسيس والعواطف أو التجارب الشخصية refoulement، ثم تمت مراجعته وتعميقه في المرحلة الثانية باعتباره أصل القمع، وبالتالي، يعتبر إشارة لـ "الصراع داخل النفس conflit intrapsychique .
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحروف المسطولة
-
الوقت من ذهب
-
السقوط الحضاري
-
الله والفراغ والذرة
-
عيون الكلاب
-
ظاهرة الوحي والهلوسة
-
الفكر بين العقل والإيمان
-
إشكالية الحرية والموت
-
نيوتن والجاذبية الغائبة
-
مجون وإنحلال
-
زندقة
-
القاطعة
-
الحكم بإسم الله
-
ديالكتيك السيد والعبد
-
الصندوق الزجاجي
-
صناعة الإنسان الفاني
-
ثورة الآلهة
-
كلمات للنشر
-
مغارة الخواء
-
فن صناعة الآلهة
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|