|
حاضر يستحضر الماضي
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 6960 - 2021 / 7 / 16 - 09:56
المحور:
القضية الفلسطينية
التنظيم والوعي جدلية التفاعل لكى يحافظ الكاتب على اتزانه العقلى حين يغيب الحوار ويعلو صوت القوة والزجر، تصبح العودة إلى الماضى طريقا للبحث عن الأمل. وتنشط كتابة المذكرات فى فترات الإحباط العام. وتلح على الشعوب نزعة اجترار ذكرياتها كلما أعياها واقعها عن العيش فى ظل العدل والحرية. والتاريخ هو المرجل الذى يتم فى أتونه تراكم القوة الدافعة لتغيير المستقبل نحو الأفضل. والكتابة والقراءة طريقان للتغيير. د.محمد نور فرحات - فقيه دستوري مصري
لم تستوعب فصائل المقاومة مرامي العدو ولم تكوّن صورة موضوعية لطبيعة الصراع وتعقيداته؛ لم يرتق نشاطها لمستوى التنظيم والتوعية الكفيلين لاحتواء الاحتلال وجرفه في نهاية الأمر؛ تفعيل جدل التنظيم والوعي ضرورة ماسّة لخوض مواجهة طويلة الأمد تتطلب النفس الطويل والتفكير الاستراتيجي . بالنتيجة لم تتوفر إرادة التحدي الحازم للقوة المتسلطة تجسده حركة سياسية موحدة التوجه والمواقف، مقدامة وذات إصرار على المواصلة والاستمرارية في مختلف الظروف. التنظيم جزء من التكتيك الذي ينسجم مع الاستراتيجيا ويخدمها. والتنظيم المستشرف أفق طرد الاحتلال وعرقلة إجراءاته لا بد أن يبقي نخبة الحزب في مأمن، يدمج علنية النضال بسرية التنظيم، وإلا فإن أجهزة الأمن المعادية تحتويه وتضعفه بمختلف السبل. وقد تخترقه في الصميم. من السذاجة الاعتقاد أن أجهزة التجسس المعادية تعزف عن التلاعب بالأحزاب، خاصة المعارضة ولا توقف إرسال عملائها توجههم من بُعد لحرف أنشطة الحزب أو الأحزاب. يستعين الفصيل الثوري في صراع التحدي بجدلية التنظيم والوعي ، تختبر خلالها جدية وجدوى برنامج المواجهة الصدامية مع الاحتلال. لم تفطن القيادات الحزبية والفصائلية إلى أن عنف المطاردة الأمنية يقتضي تكثيف التربية السياسية كي تشد العزائم وتعزز الصمود، وتنشّط اليقظة. تفتقر الأحزاب والفصائل الى كوادر المثقفين القادرين على العمل في أوساط الجماهير وتربيتها سياسيا وكسب ثقتها. يكتشف المراقب الحريص افتقاد جدلية التنظيم والوعي في نشاط جميع الفصائل بدون استثناء. وهذا مظهر للتصفوية. يثير الأسى نجاح المحتل وأجهزته الأمنية في إعطاء تطمين خادع للفصائل الوطنية الفلسطينية.التنظيم يضاعف القدرة الكفاحية للحزب الثوري ، كما اوصى لينين. الفشل لا أب له ، والكل يتنصل منه ويلقي مسئوليته على الفصائل الأخرى، او على الحظ. لم تجر الفصاتئل مراجعة نقدية أين أخطأت ؛ تركة "الفرقة الناجية" مقابل "الفرق الهالكة" عطلت حوار الآراء؛ شاع التعصب للرأي وأشيع في النشاط الوطني التحريض المتبادل والإقصاء وتفضيل الانفراد بالعمل؛ حتى النشاط العسكري لكل فصيل تنظيمه وتكتيكاته، ولكل فصيل تنظيمه االمهني والحرفي . أشيع بالنتيجة مناخ محبِط من المناكفات والنعرات الحزبية والتحريض المتبادل ، لتتفسخ الوحدة الوطنية. لم تتوصل قيادات الفصائل بعد عقود من النشاط السياسي والانتكاسات المتلاحقة إلى إدراك ان أي فصيل عاجز لوحده عن الاضطلاع بمهمة قيادة النضال الشعبي المظفر وإنجاز التحرر الوطني. البديل للعنف المسلح هو المقاومة الشعبية، ولم يكن حزب الشعب مهيأ لقيادتها ، وغاب عن الساحة طوال فترة ما سمي الانتفاضة الثانية. كان الإحساس جليا بتصدع الحزب نظرا لفقدان الوعي النظري والسياسي يعزز اللحمة، ويوضح الرؤية أمام الجميع. طرح اقتراح عقد لقاءات ثقافية داخل كل منطقة بإشراف أحد أعضاء لجنة التثقيف. مناقشة قضايا التنظيم والسياسة في جلسات حزبية منتظمة فريضة غائبة لدى حزب الشعب . وهذا نكوص إلى مواقع منشفية تصفوية، كانت في مطلع القرن الماضي موضع الخلاف الجذري مع اللينينية. إن وظيفة الحزب الماركسي تعظيم زخم الحرك الشعبي من خلال التنسيق المنظم لأنشطة مختلف الهيئات الشعبية الاقتصادية والسياسية والثقافية، وتجميع روافد الحراك الشعبي في تيار وطني ديمقراطي . من خلال النشاط العملي تتهيأ الجماهير لتلقي الوعي الطبقي و قيم التقدم وتوسيع نطاق النشاط الاجتماعي المغير للواقع. الحزب الطليعي ينخرط بالضرورة في النضالات السياسية والاجتماعية ، وفي عملية بناء نواة مؤهلة للتأثير في الجماهير وتأطير تحركاتها ضمن حركة شعبية ديمقراطية من خلال روافع وعتلات ، هي عبارة عن منظمات أهلية مهنية ونقابية ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان وعن البيئة ومناهضة إفرازات نشاط الاحتكارات الرأسمالية . عقدة تلمسها ورصدها أنطونيو غرامشي ، ورأى في مجابهتها والتغلب عليها شرطا أساسيا لتحقيق مشروع التحرر الإنساني . والسبيل لذلك هو إعطاء العناية لنظام التعليم وتنفيذ برامج إعلامية ـ ثقافية. لكن ذلك يستلزم نضالاً ثقافيا تعليميا عنيداً. التقط القضية الدكتور هشام غصيب في أحدى مقارباته الهامة لقضايا الماركسية المعاصرة فقال: "ولعل غرامشي كان من القلة من قادة الحركة الشيوعية الذين أدركوا الأهمية القصوى للثقافة والتعليم في تحقيق المشروع الماركسي". اجل قلة من بين الماركسيين والاشتراكيين واليسار عموما توصلوا في الوقت الراهن إلى قناعة بأن الوعي الثوري المتقدم لا يبنى بالصراع الاقتصادي والسياسي وحدهما، وإنما أيضا بالصراع السياسي والفكري- الثقافي. فالامبريالية، في صيغتها الليبرالية الجديدة، تركز جهودها في العدوان الثقافي. ماركس لم يقتصر إنجازه على مجرد صنع أداة نقابية فعالة، وإنما دشن مشروعاً حضاريا ثقافيا جديداً يهدف إلى خلق نمط جديد رفيع من الحياة الإنسانية، وروحية ثقافية جديدة، ونظام قيمي جديد. لذلك، فإنه لا يمكن تنفيذ المشروع الماركسي لا بالسلاح وحده، ولا بالوعي التقليدي السائد ، الذي يعكس خضوع الكادحين لهيمنة الفكر البرجوازي. حتى الكفاح المسلح يشترط مستوى رفيعا من الوعي تتم من خلاله عملية تغذية مزدوجة بين الحراك الشعبي والعمل المسلح. بهذه الرؤية تنبع ديمقراطية لينين وغرامشي وإدراكهما لضرورة المشاركة المتنامية للجماهير العمالية في السياسة والثقافة عبر المجالس والمؤسسات الشعبية المتنوعة. هكذا تتملك الجماهير الفكر الماركسي العلماني التام العلمنة، وهكذا يتطور هذا الفكر. جرى ، باسم تخفيف المركزية ، إسقاط الانضباط الحزبي ؛ بينما احتفظ الأمناء العامون بسلطات واسعة أبوية في جوهرها لا تقبل المشاركة، وتقدم الولاء على الأداء ، تصدر القرارات باسم القيادة المركزية ولا تتبعها بمراقبة التنفيذ . غياب الانضباط ، أحدث حالة فلتان وميوعة تنظيمية وعدم احترام للقرارات . بهتت معالم العضوية الحزبية ، في ضوئها تعذر الاختيار الديمقراطي لمندوبي الهيئات الحزبية الى المؤتمرات الحزبية ، فغدت المؤتمرات شكلأ بلا مضمون. نجحت جهود حكومتا إيهود باراك وشارون في استدراج المظاهرات الشعبية إلى صدام مسلح غير متكافئ. اشتعلت مواجهة مسلحة بكل منطوياتها في إرهاب الجماهير وإطلاق يد الجيش لممارسة المداهمات الليلية و الاعتقال بالجملة وإقامة الحواجز وإغلاق المناطق وقطع التواصل بين المدن . خلافا لانتفاضة 1987 استغلّ الاحتلال العمل المسلح كي يخمد بالعنف المسلح كل حراك شعبي. تأكدت استحالة الجمع بين المقاومة الشعبية والمسلحة في آن واحد. استدرجت سلطات الاحتلال بعض الفصائل الى المواجهة المسلحة ، وغايتها التعامل بالقوة المسلحة وبأرقى الأسلحة مع جميع عناصر الحركة الوطنية الفلسطينية ، بغض النظر عن شكل النضال الذي يخوضه أي منها. انتبهت تلك الفصائل انها استدرجت لصراع غير متكافئ وركنت الى التهدئة ؛ غير أن لدى شارون احتياطي يستثمره على الطريقة الرأسمالية. لم يترك للفصائل الفلسطينية حرية الاختيار، وهو يعي خصلة في التراث الثقافي الفلسطيني هي خصلة الانتقام، فاستثمرها بمهنية. شرع يقتنص كوادر من هذا التنظيم او ذاك، وبدأ بالكادر الفتحاوي الدكتور ثابت ثابت، ثم آخرين من فصائل أخرى، وكل فصيل يتنصل من اتفاق التهدئة كي ينتقم. والانتقام يحرف النضال الى مسارب خطرة وهكذا كان. لم تفطن الفصائل المولعة بالعنف المسلح انها تستدرج لمصيدة، خاصة وان عمليات الانتقام أوقعت بالمدنيين وكانت هي الأحداث التي تناقلتها الميديا الأميركية والغربية، متواطئة مع شارون لشيطنة المقاومة الفلسطينية. من المؤكد ان شارون، ومن قبله إيهود باراك كانا على علم مسبق بتفجيرات نيويورك (11/9/2001) وتناوبا على إعداد المكيدة –المصيدة- للإيقاع بالمقاومة الفلسطينية. الخبرات الأمنية المتراكمة وأجهزة الرصد والتصوير والتصنت الاستخبارية، حولت إسرائيل مركزا دوليا معتمدا في مجال الأمن مصدرا للخبرات والتقاني، أطلقت أيدي إسرائيل ترهب المواطنين وتنهب الأراضي بمنطق قطاع الطرق في غياب قانون رادع . اما في الولايات المتحدة فقد كانت التفجيرات هي الأمل المرتجى للمحافظين الجدد ، باعتبارها الصاعق المفجر لحروب الامبريالية الأميركية على الشعوب تحت غطاء مكافحة الإرهاب . بادر شارون لوضع إسرائيل إحدى ضحايا الإرهاب والتفجيرات ضد المدنيين شواهد والمقاومة الفلسطينية للاحتلال قوة إرهاب. اثمرت جهود شارون، حيث اختزلت النظرة الى المنطقة في حق إسرائيل في الأمن، واعتبر عرفات في نظر رئيس الامبراطورية العالمية أساس المشكلة وليس الحل ! هذا علاوة على استغلال العمليات المسلحة وسيلة لإرهاب الجماهير وشل تحركاتها.
يتبع لطفا
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاضر يبعث الماضي لأداء الشهادة
-
الصهيونية تفقد بالتدريج احترام شعوب العالم
-
منظمة التحرير متبوع ام تابع؟ -2
-
منظمة التحرير الفلسطينية ..تابعة أم متبوعة؟
-
و حدة العمل الفلسطيني تتوطد عبر التركيز على تحطيم الأبارتهاي
...
-
إسرائيل إحدى مكونات الامبراطورية العالمية
-
الصهاينة تعاونوا مع النازية وأسهموا في صناعة الهولوكوست
-
المقاومة الفلسطينية .. آفاق واعدة وحقول ألغام
-
ليس من حق الأبارتهايد الدفاع عن النفس
-
يمكن ، بل يجب شكم النزعة العدوانية الإسرائيلية
-
مع أدب السجون في فلسطين- سردية الخرزة لمنذرمفلح
-
ماذا يحمل قطار المصالحات حين يعبر الأراضي الفلسطينية؟
-
لماذا وقعت على بيان القدس حول اللاسامية
-
بيان القدس حول اللاسامية
-
اليسار والتغيير الاجتماعي
-
مل خادع في التوجه السياسي للقيادة الفلسطينية
-
اليسار والحراك الشعبي
-
اليسار وبناء الاقتدار المعرفي لجميع الشرائح الاجتماعية
-
محمود شقير .. حياة ثقافية مكثفة
-
اليسار مطالب بإ نجاز ثورة ثقافية قوامها معطيات علوم التخلف ا
...
المزيد.....
-
ترامب يعلن عن رسوم جمركية جديدة في -يوم التحرير-.. ما تفاصيل
...
-
فرنسا: تفكيك وفاق إجرامي لتصدير نصف طن من الحشيش إلى تونس
-
الخارجية الروسية: موسكو منفتحة على المبادرات الواقعية للتسوي
...
-
زعيم عصابة إكوادورية خطيرة هارب يواجه اتهامات جنائية في الو
...
-
استطلاع: ثلثا الفرنسيين يعتبرون أن ديمقراطية بلادهم تعمل بشك
...
-
ترامب يعلن فرض رسوم جمركية كبيرة على الصين والهند والاتحاد ا
...
-
العراق.. مواطن يفاجئ رئيس الوزراء بـ-عيدية- (فيديو)
-
نتنياهو: سننشئ محورا جديدا في غزة
-
شبح الجوع يهدد سكان غزة مجددا
-
الوطن السورية: أهالي درعا يشتبكون مع القوات الإسرائيلية بالق
...
المزيد.....
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|