عبد فيصل السهلاني
الحوار المتمدن-العدد: 1640 - 2006 / 8 / 12 - 10:56
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الطالباني و الشبوط
و
الديمقراطيون
كنت واحدا من الذين سادهم الخوف الحقيقي على أن يفقد شعبنا العراقي دور الإنسان والصديق العزيز محمد عبد الجبار الشبوط (أبو سعدي)عندما غادرنا للعمل في بلد آخر . ولكن والحمد لله تبدد خوفي عندما وجدت إن أبو سعدي لم يترك جمهوره , لم يترك أصدقاءه , لم يترك صباحه , بل ظل يطل علينا كل صباح ولكن هذه المرة أكثر هدوءا وأكثر جرأة . لا لشئ بل لان كما يقول المثل (لان قدميه بالماء البارد)وبعيدا عن صوت المفخخات والعبوات الصديقة والعدوة وبعيدا عن طلقات سيارات الحماية الذين لم يخجلوا من توجيه فوهات بنادقهم على أبناء شعبهم الذين خرجوا في تلك الأيام العصيبة لكي ينتخبوهم وهنا لا استثني أحدا منهم ولا اعتقد إن مسؤلا جلس مع حمايته وقال لهم إن العنتريات انتهت .
أذن لم يغادرنا أبو سعدي أبدا بل معنا في كل خطوة نخطوها نحن التيار الديمقراطي العراقي . تابعت ما كتبه الأخ أبو سعدي في أعمدته المعروفة في قصرها وعمقها وتحديدها الهدف الذي يريد الوصول إليه والذي يريد إن يطلع عليه جمهوره وأصدقاءه و تلك الملخصات التي تصلح إن تكون برامج , ناقش فيها الوسط الديمقراطي , الوسط المعتدل , الوسط المفقود في العملية السياسية العراقية رغما عن إرادة قادته وإبطاله , واطلعت على ما كتبه في سلسلة أعمدته التي ناقش فيها التيار الديمقراطي ولقاءات قياداته مع فخامة الرئيس مام جلال الطالباني .
في كلا اللقاءين كان لي شرف الحضور والحديث مع فخامته والمشاركة في النقاش الذي دار هناك. لقد اظهر الرئيس الاهتمام والحرص الشديدين على ضرورة خروج هذا التيار من السكون الذي هو فيه والقيام في واجبه الوطني الذي أرغم على التخلي عنه ،ولأنه رجل سياسي ذو خبرة كبيرة وتأريخ معروف ،يدرك ان الانتقال إلى الديمقراطية و الكلام عن مجتمع ديمقراطي وعملية سياسية ديمقراطية بدون وجود أدواتها هواء في شبك كما يقول المثل العامي , صحيح إن هذا التيار تلقى اشد الضربات على أيدي كل الأنظمة البوليسية ـ القمعية وأشدها فتكا كان النظام الأخير , فقد عانت فصائل هذا التيار والشخصيات الديمقراطية والليبرالية من القمع البوليسي المباشر, ولكن النظام الفاسد السابق مارس نوعا آخر من معاداة هذا التيار , أخذ شكلا خبيثا وغير مرئي فقد تحالف هذا النظام مع قوى اجتماعية ـ فكرية تقف على النقيض من ثقافة ونشاط وفكر هذا التيار , حيث بهذه الطريقة وبشكل غير مباشر استطاعت هذه القوى إن تزيح فعل ونشاط هذا التيار في المجتمع العراقي لكي تحتل مكانه وعبر آليات غير منظورة , فتحالف النظام مع القوى التكفيرية والإرهابية والقوى المؤمنة بالعنف خلال فترة شعور هذا النظام بأن مرحلة حكمه بدأت تعد بألايام لا أكثر , فهو بالحقيقة تحالف يهدف في الجوهر والمضمون طرد هذا التيار وإزاحته من محيطه الاجتماعي والجماهيري ومعروف لكل المحللين السياسيين العراقيين إن هذا النظام عمل على تخريب البنية الاجتماعية الوطنية العراقية. ومارس النظام السابق الإمعان في ضرب طائفة عراقية من خلال قتل علماءها ورجالها مما أعطى صورة لكل أبناء هذه الطائفة إن انتماءهم الطائفي هو الأكثر تهديدا من انتماءهم السياسي و مما جعل هذه الجماهير تتخلى مجبرة يوما بعد يوم عن الانتماء السياسي ـ الفكري لتتحول إلى الانتماء الطائفي ـ الثقافي . كما هو الحال عندما ظل يدق بمكانته العسكرية كافة الشرائح الاجتماعية الكردية وباقي الأقليات القومية ويجبر الناس جميعا إلى التمترس الطائفي والعرقي العنصري . وهنا ألغا نهائيا الهوية الوطنية لأنه ظل يتشدق كذبا وزورا بالوطنية والقومية المزيفة وقضى على المكانة الجماهيرية التي كان يتمتع بها التيار الديمقراطي الواعد.
لقد ألقى الرئيس الكرة في ملعب القوى الديمقراطية والوطنية عندما دعاهم إلى اخذ دورهم بيدهم وهو سيبدي كامل المساعدة من اجل نهوض هذا التيار الذي يعتبر مفصلا مهما من مفاصل العملية السياسية وبدون نهوضه وعلى الجميع إن يعلم ذلك وان كانوا هم عالمين قبل هذا التنبيه ، إن العملية السياسية تكون ناقصة بدون وجود هذا التيار , هذا من جهة ومن جهة أخرى يستحضرني موقف إحدى القوى الاجتماعية والمهمة في الثورة الفلسطينية والشعب الفلسطيني فعندما أرادوا التمثيل آنذاك في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية كان قول المرحوم ياسر عرفات لهم لماذا تريدون التمثيل أليس لكم ممثل في اللجنة التنفيذية وقد تريدون أكثر حتى دب السؤال بين الحاضرين من يكون هذا الممثل لنا ونحن لا نعرفه حتى جاءهم رد الرئيس عرفات طبعا تتساءلون عن من يمثلكم الست كافيا ، هل لا أمثلكم أنا بصورة حقيقية وتريدون ممثل آخر(ولا إيه )..
الرئيس تعهد بدعم التيار وأنا اعتقد إن هنالك مستلزمات وكذلك آراء يريدون قادة هذا التيار طرحها أمام الأخ الرئيس:
أولا :- الكل يعلم كيف أن الانتخابات سارت وكيف جرت وحقيقة الأمر إن الشعور الطائفي والجو الطائفي هو الذي حدد طبيعة البرلمان ومن ثم وراءه السلطتين التنفيذية والتشريعية وعليه إن هاتين السلطتين هما اللذان يقودان الحالة السياسية في البلاد والرئيس يتذكر المثل أو النكتة التي ضربها لنا( وهي نكتة الجاويش والملك) . ان دون زج التيار الديمقراطي في كل المفاصل التنفيذية والوزارات وكل الهيئات الإدارية الأخرى . وبكل النشاطات التي تهم العملية الاجتماعية والسياسية في الوطن في ظروف العراق الحالية قد يكون ضرب من الخيال في سبيل تجدد علاقته مع الناس,وهذا لا يأتي عبر آليات غير مشروعة, بل من خلال مبدأ الإنسان المناسب في المكان المناسب , وإحياء مجلس الخدمة العامة , كجهة رسمية لتحديد المواقع المهنية الفارغة وكيفية إشغالها من قبل العراقيين على أساس الكفاءة والمقدرة وليس كما هو الحال الآن فألتحزبية والعلاقات الشخصية هي المعيار في إشغال هذه الوظائف .
ثانيا:-إشراك التيار الديمقراطي في مؤتمر المصالحة الوطنية الذي يجري الإعداد له وذلك بصورة مباشرة عبر الاعتراف بهذا التيار ودوره الذي يمكن إن أطلق عليه الصمغ الذي يمكن إن يلصق مكونات الشعب العراقي فيما بينها ، ويمنع تمزق العراق , وتفتته وتلك قضية لا بد من الإقرار بها من قبل الجميع .
ثالثا:- تقع أيضا على عاتق التيار الديمقراطي العراقي العديد من القضايا التي يجب عليه انجازها لا ثبات جدية قياداته من جهة ومن جهة أخرى إثبات التعهدات التي التزم بها إمام الرئيس وأولها هو لملة شتات هذا التيار واتفاق قادته على الوحدة وتشكيل الوحدة بين مكونات هذا التيار ، إن بدون أن يثبت هذا التيار جديته من خلال القفز على الذات والانا لا يمكن إن تعترف به أي جهة مهما كانت محبة ومخلصة له .كما انه يترتب على هذا التيار الخروج من القوقعة الجماهيرية التي يعيش فيها والتزاحم الشريف مع كافة القوى والتكتلات الفاعلة في المجتمع الآن , وذلك من خلال المبادرات الجماهيرية والمطالبة بحقوق هذه الجماهير وإيجاد كافة الفرص من التلاحم مع هذه الجماهير وتحقيق مطالبها والارتقاء إلى مستوى وعيها وطموحها .
رابعا:- توحيد الإمكانيات المالية وكذلك الفنية التي يمتلكها كل فصيل من فصائل هذا التيار على حدة لتشكل كلها إمكانيات وقدرات مالية مجدية خاصة وان الجميع يعاني من هذه الظاهرة ، وان الشعب العراقي إذ يحتفظ لهذا التيار شفافيته وحرصه وعدم تلوث يده لا بأموال الشعب العراقي ولا بدماء الشعب العراقي أيضا وهو بحاجة للدعم الوطني وهنا اوكد على مصطلح الدعم الوطني المخلص والذي لا يملك أي أجندة أو أملاءات من أي جهة خارجية أخرى .
خامسا:- إن التيار الديمقراطي في المنطقة الجنوبية والوسط وبغداد بحاجة للاطلاع على تجربة كردستان ، فلا باس من الاطلاع على هذه التجربة عن كثب .
سادسا:- وحتى يكون التيار الديمقراطي حقا ديمقراطيا عليه إن يمثل المرأة تمثيلا صحيحا بين تنظيماته أولا وبين قياداته كذلك.لان الحديث عن ديمقراطية دون مشاركة حقيقية للمرأة بصورة واضحة وفاعلة يبقى حديث خارج لعبة الديمقراطية الحقة.
إن اللقاء مع الرئيس الطالباني والذي قد يكون جاء متأخر ولكن مع هذا شكل دفعة مهمة خاصة الأحاديث التي تحدث بها سيادته والمداخلات التي جاء بها أعضاء الوفد ,كل ذلك منح هذا التيار وكل فصائله الدعم المعنوي الكافي ، إن وجود التيار الديمقراطي العراقي في العملية السياسية ضرورة أساسية تمليها أهمية هذا التيار وكذلك استحقاق وطني حقيقي لما قدمه وشارك فيه عناصر ومناضلي هذا التيار في المساهمة التاريخية في الجهد العظيم الذي بذله شعبنا من اجل إسقاط نظام البطش والاستبداد ,من جهة ومن جهة أخرى فقد أثبتت الحالة السياسية والصراع الدائر في البلاد إن فقدان التيار الديمقراطي جعل الصراع عرقيا طائفيا يرتفع إلى درجة التزمت في المواقف والتمترس وراء الاختلاف وعدم الالتفاف نحو القواسم المشتركة وظلت العملية السياسية تدور فقط في أروقة الفرقاء المختلفون وافتقدت لعنصر التوأمة واللحمة الوطنية ولذلك ومن هذا المنطلق أجد علي لزاما ان أنبه كافة القادة السياسيين العراقيين الذين يقودون المفاصل الأساسية في هذه العملية ان يبادروا للقاء بممثلي هذا التيار ورموزه المعروفة والفاعلة في المجتمع فهذا الموقف الذي بادر به السيد رئيس الجمهورية الأستاذ مام جلال حري بالجميع إن يبادروا بنفس الجدية والهمة والحديث لهذه الفصائل السياسية الهامة في هذا المجتمع الذي يتحدث الجميع عن عناصره المتمثلة بالديمقراطية كآلية حكم والتمسك بالقواسم الوطنية التي يتفق عندها الجميع .إن هذا ليس طلبا وبنفس الوقت ليس تكليفا لي من قبل قيادات هذا التيار لتوجيه مثل هذه الدعوة للإخوة قادة الكتل السياسية التي تتقاسم البرلمان أو للسيد رئيس الوزراء العراقي الأستاذ نوري المالكي أو الأستاذ محمود المشهداني أو السيد عبد العزيز الحكيم رئيس اكبر كتلة برلمانية أو الأخ الدكتور عدنان الدليمي رئيس الكتلة الأخرى في البرلمان العراقي بل إن ذلك ضرورة وطنية أراها إحدى أهم عناصر الارتقاء بهذا البلد إلى مصاف الدول المتقدمة والمتحضرة . ان لقاء هؤلاء القادة المعروفين مع قيادات التيار الديمقراطي العراقي هو ليس هدرا للوقت أو مجرد ظهور إعلامي بل هي مهمة وطنية تمليها الحالة السياسية الحالية والمستقبلية . وتبقى المبادرة للرئيس الذي استطاع ان يجمع الفرقاء المختلفون قبل ان يجمع فصائل التيار الواحد والذي من المفروض ان يكون أكثر انسجاما لقاءا متميزا وحقيقيا وهو لقاء بين أولا أبناء وطن واحد وأبناء هم واحد ولقاء وطني حقيقي وواحد من اللقاءات الحميمة التي بادربها سيادته . تحية لدولة رئيس الجمهورية وتقديري العالي له الشخصي لمبادرته هذه, وتحية للشبوط حيث سنبقى بحاجة إلى جهده ونشاطه أين ما كان ونحن بحاجة إلى قلمه وفكره وصباحا ته الرائعة .
عبـــد فيصـل السهـــــــــلاني
الأمين العام للتحالف الوطني الديمقراطي
بغداد 05 آب، 2006
#عبد_فيصل_السهلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟