|
ثقافة المقاومة ، ثقافة الموت
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1640 - 2006 / 8 / 12 - 01:10
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لو أنه ، لا قدّر الله ، أقلعت الطائرات البريطانية ، كما قدّر الإرهابيون ، وتمّ تفجيرها في الجوّ فوق المحيط الأطلنطي ، فما هي ردة الفعل التي ستكونها عند هذه الأمة ، الغافية بين المحيط الأطلنطي ، ذاته ، والخليج العربي ؛ الأمة المقاومة ، التي لا تصحو عادة ً إلا على أخبار الموت وصوره ؟ ربما ليسَ مهماً التكهن بالأجوبة المحتملة ؛ وهيَ كثيرة بطبيعة الحال . على أنه من المفيد ، برأيي المتواضع ، أن نعودَ إلى ذاكرتنا ، لنستعيد ما تيسّر من قبسات " نظرية المؤامرة " ، التي أعقبت مباشرة ً تفجيرات الحادي عشر من أيلول سنة 2001 . إذ إنبرى آنذاك طائفة ٌ من المحللين الإستراتيجيين ، العرب ، وعبْرَ قناة المقاومة ، القطرية ، إياها ، مزبدين ومرعدين ، متهمين الصهيونية العالمية بتدبير تلك الهجمات . وهل ينسى المرءُ ، كيف أخذتِ الحمية أحد أولئك المحللين ، فراحَ يعرضُ ما دعاه بـ " الوثائق الدامغة " ، الزاعمة غياب جميع الموظفين اليهود ، العاملين في برجيْ نيويورك ، المنحوسَيْن ، في ذلك اليوم الأسود ، نفسه ! ثمّ كانَ ما كانَ من تبني تنظيم " القاعدة " ، الإرهابيّ ، لتلك العملية الشيطانية ، وعلى لسان زعيمها إبن لادن ، مع تفصيلاتٍ وافية عن الخطط المرسومة لها ، وعن أولئك الشبان ، المغرر بهم ، الذين قادوا طائراتها نحو الموت . وهيَ العملية التي أعلن ذلك الزعيم ، من خلالها ، عن جهاده المقدس ضد الصليبيين الغربيين ، تضامناً مع " المقاومة الإسلامية " في محاربتها لليهود المغتصبين فلسطين .
بالرغم من تبني " القاعدة " ، نهاراً جهاراً ، لتلك الغزوة الجهادية ، فلم تكترث الفضائية القطرية ، العتيدة ، بإحترام نفسها أو مشاهديها ، وهيَ تعودُ المرة تلوَ الاخرى لإستضافة أولئك الإستراتيجيين الخطرين ، أو أشباههم ، بمناسبة حرب أفغانستان وما تلاها من حروب وأعمال إرهابية هنا وهناك . لا بل إنّ هذه اللا أخلاقية الموصوفة ، على مستوى الإعلام العربي ، قد إنسحبت أيضاً على المقامات الروحية ، المفترض سيرها على هدى أهم ما أوصى به نبيّ الأمة : " وما بُعثتُ إلا لأتمم مكارم الأخلاق " . فعلى سبيل التمثيل ، وجدنا رقابة " الأزهر الشريف " تمنع في هذا العام كتاباً لمؤلف مصريّ ، يتحدث فيه عن هجمات نيويورك ، وبحجةٍ مستغربة ؛ أنّ الكتابَ " يتهمُ " تنظيم القاعدة بتدبير تلك الهجمات : " مما يسيء لسمعة المسلمين " . أيْ أنه بحسب حجة العلماء الأفاضل ، الأزهريين ، فليسَ فعل الإرهاب هوَ المُسيء لسمعتنا ، بل الإعلان كتابة ً أنّ فئة ضالة من هذه الأمة ، هيَ المسؤولة عن ذلك الفعل المستهجن !
عطفاً على إشارتنا ، سالفة الذكر ، عن تسييس الدين وتوجيهه لأغراض مسيئةٍ لمعتنقيه ؛ نقولُ أنّ كلاماً يُعاد ويكرر على مدار الساعة ، عن مفهوم " المقاومة " وإختلافه شرعاً ، أو إعتباطاً ، عن مفهوم " الإرهاب " . لن نتوقف هنا عند مسألةٍ شائكة ، سبق أن عرضها كثيرون ، عن الإرهاصات التي هيأت لنشوء ما صار يُعرف بالمقاومة الإسلامية ؛ وإنما سنحاول مناقشة أولئك المسوقين للمفهوم ، بإعتباره شكلاً مشروعاً للكفاح المسلح ، من حق الشعوب المحتلة أراضيها أن تمارسه . إذ يُعتمَد هنا بإلحاح تلك " المأثرة " المرتبطة بالمقاومة الإسلامية ؛ وهيَ حصر أعمالها القتالية داخل أوطانها ، وإستنكافها إستهداف دول اخرى ، خارج حدودها . إنه توصيفٌ صحيحٌ ، كما يبدو ظاهراً حسب . ولكنّ جوهر الفعل يعطينا الصفة الحقيقية ، الخفية ، لواحدة من أهم الأسباب الداعية لإستفحال ظاهرة الإرهاب ، عالمياً . فرفض الحركات الراديكالية ، المرتبطة بالإسلام السياسي ، لأي شكل سلميّ من حلّ الصراعات الناشبة في هذه الدولة أو تلك ، هوَ المؤدي بالضرورة إلى إطالة أمد الصراعات وتأزيمها وإنتهائها إلى الحرب المفتوحة ؛ كما نشهده اليوم ، خصوصاً ، في لبنان وفلسطين . في هذه الأخيرة ، تمكنت حركة المقاومة الإسلامية ، " حماس " ، من تقويض الجهود الدولية الرامية لإيجاد حلّ دائم هناك ، متحدد بقيام دولة فلسطينية مستقلة متعايشة جنباً لجنب ، بسلام وتفاهم وتعاون ، مع الدولة العبرية . ثمة حجة معروفة ، تساق رداً على ما أسلفنا من تخريب حماس ذاك ؛ وهيَ أن إسرائيل بالذات من شنّ الحرب على السلطة الفلسطينية ، التي كانت وقتئذٍ برئاسة الزعيم الراحل ياسر عرفات . هكذا حجة ، تحيل دوماً برأينا إلى تلك الديماغوجية المتحكمة بإصرار في العقلية العربية ، الإعلامية : إذ يتم دوماً تناسي الحقيقة الناصعة في وضوحها ، المشيرة بإصبع الإتهام لحماس وغيرها من الحركات الراديكالية ، في قيامها عند كل مفصل تفاوضيّ بتنفيذ عمليات إنتحارية مستهدِفة ، تحديداً وحصراً ، المدنيين الإسرائيليين ؛ مما كان يخلق ردّ فعل مباشر عند الدولة العبرية ، فتصعّد عسكرياً بالتدمير والقتل والإعتقال ، علاوة على توقيفها المفاوضات متهمة السلطة الفلسطينية بالعجز وحتى بالتواطؤ في التعامل مع تلك الحركات .
ربّ سائل عن علاقة ما سبق لنا عرضه ، مع إرهاب تنظيم القاعدة . وإجابتنا هنا متناهية في سياق عرضنا ذاته ؛ هذا العرض المبنيّ على سببية جدلية ، محضة . فإذا كانت " مقاومة " حماس وغيرها ، قد أدتْ كفعل إلى ردّ فعل إسرائيليّ ، محسوب سلفاً بضراوته وعنجهيته وهمجيته ؛ فهاهنا رأي عام إسلاميّ يهتز غضباً على المعتدين ؛ وهاهنا ، من ثمّ ، ظهورٌ عتيّ لإبن لادن ، أو رفيقه الظواهري ، على الشاشة الفضائية ، المجاهدة ، مهدداً متوعداً الغرب الصليبي ، حامي الكيان اليهودي ؛ وهاهنا ، أخيراً ، طائراتُ الإرهابيين تهوي على الأبراج ، أو في البحر المحيط .. الخ . غنيّ عن التأكيد ، بأنّ تلك السببية ، الموسومة ، متطابقة أيضاً مع الحرب اللبنانية ، الجديدة ، التي أشعلتها المقاومة الإسلامية ، " حزب الله " ، عبْرَ مغامرته / مقامرته بوطن الأرز خدمة ً لحسابات إقليمية تصبّ في سياسة نظاميّ الإستبداد ، الإيراني والسوري . وفقا لما سلف ، لا يمكن إلا أن نلاحظ ذلك اللبْس في مفهوم " المقاومة الإسلامية " ، كأحد أوجه الإرهاب الذي يُشنّ من لدن جماعاتٍ متطرفة ، لا تمثل بالتأكيد مصالح شعوبها ، وإنما مصالح مستعبدي تلك الشعوب ؛ من نظاميْ طالبان وصدام ، البائديْن ، إلى نظاميْ نجاد والأسد ، المستمريْن في الغيّ والجبروت والفتن .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
-
صلاح الدين عصرنا
-
قصف إعلامي ، عشوائي
-
محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
-
من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
-
الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
-
الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح
-
المثقفُ مستبداً
-
الدين والفن
-
بين إيكو وبركات 3 / 3
-
فلتسلُ أبداً أوغاريت
-
بين إيكو وبركات 2 / 3
-
بين إيكو وبركات 1 / 3
-
منتخبات شعرية
-
الماضي والحاضر
-
الوحدة والتعدد في اللوحة الدمشقية
-
مأثورات دمشقية في مآثر كردية
-
سرّ كافافيس 2 / 2
-
سرّ كافافيس 1 / 2
-
الدين والوطن ، في ورقة إخوانيّة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|