أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عصام شعبان حسن - سد النهضة في مجلس الأمن .. المواقف والخيارات















المزيد.....


سد النهضة في مجلس الأمن .. المواقف والخيارات


عصام شعبان حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6957 - 2021 / 7 / 13 - 15:35
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


عقد مجلس الأمن يوم الخميس، 8 يوليو/ تموز الجاري، جلسة لبحث أزمة سد النهضة الإثيوبي، بطلب من دولتي المصبّ، مصر والسودان، بعد قرار إثيوبيا الملء الثاني منفردة، من دون الوصول إلى اتفاق ينظم عمليتي الملء والتشغيل. قدمت تونس، عضو مجلس الأمن من الدول غير الأعضاء الدائمين، مشروع قرارٍ بعودة مسار التفاوض والتوصل إلى اتفاق خلال ستة أشهر، مع تجنّب أي تصرّف أحادي إلى حين الوصول إلى اتفاق، بينما كشفت معظم الدول الأعضاء في مداخلاتها أنها غير مستشعرة وجود أزمة، تستوجب قيام مجلس الأمن بمهامه في حفظ السلام والأمن الدولي جهةً مرجعية، أو حتى وجود حاجة لدور فاعل في التحقيق والوساطة. وباستثناءاتٍ محدودة، منها موقف تونس وفيتنام، كانت مجمل المداخلات ترى موقف الأطراف الثلاثة على قدم المساواة، والدعوة إلى عودة المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي، وإن قدّر بعضها "مشاغل السودان ومصر". ولكن إجمالاً، ليس هناك شواهد على موقف مساند لدولتي المصبّ، ولا تشخيص لنهج إثيوبيا اعتداءً، أو يحمل مخاطر لدولتي المصبّ، عبر تحكمها في مصدر المياه كما تريد. ومثل مخرجات الجلسة الأولى لمجلس الأمن، في يونيو/ حزيران 2020، اقترح أغلب المتحدثين إحالة الملف على الاتحاد الأفريقي، وهو ما يتوقع أن يكون التوصية النهائية في حال تداول القضية في جلساتٍ لاحقة. وبهذا، كانت الجلسة ترجمةً لمواقف دولية سابقة، ولكن في مشهد واحد مجمع، كاشفٍ لا يقبل اللبس، أو الارتهان لأوهام وتقديرات غير دقيقة، روّجها حول مساندة دولية لدولتي المصب.
وفي هذا السياق، لم يكن مستغرباً موقف الصين وروسيا المساند لإثيوبيا، وهما الدولتان الموسومتان صديقتين لمصر، ويرتبط موقفهما بسياستهما تجاه أفريقيا، خصوصاً الصين الساعية إلى الهيمنة على القارّة عبر مشروعاتٍ اقتصادية. وموقفهما يندرج ضمن اختباراتٍ حقيقيةٍ لمواقف دولية من دولتي المصب.
الوقوف على الحقائق أمر مهم، ويكشف جانباً من زيفٍ واطمئنان لم يكن في محله، ولا متفهم حدود الدور، مثاله التغنّي بصداقة الدولتين للنظام المصري، وهو ما روجته وسائل إعلام مصرية، ومحللون مختصون بالشأن الأفريقي ضمن مؤسسات رسمية. وتشكل خطأ التقدير لديهم على افتقاد تحليل موضوعي، وارتهانٍ لأفكار ماضوية تخدم توجهاً دعائياً سلطوياً عن سلطةٍ معزّزة بدعم الخارج والداخل، فضلاً عن تكلس فكري وعقلية قديمة، والإعلاء من استخدام منهج التفاعلية الرمزية في تحليل العلاقات الدولية، وهو منهجٌ غير مناسب هنا. من خلاله، كانت قراءة الأفعال والسلوك والرموز المتبادلة بين ممثلي الدول خلال لقاءات رسمية من ترحيب أو هدايا وغيرها من رموز، مقياساً لمواقف سياسية للدول، تصلح للتحليل بشكل دائم وفي كل المواقف. والأمثلة هنا لا تحتاج إلى تذكير، ومليئة بالحديث عن تقدير واحترام وافر لرموز السلطة بين بلدين، توظف فيهما كل حركة لتبجيل ممثل الدولة.
وبالعودة إلى تحليل مواقف ممثلي الدول، بدا أن إثيوبيا استطاعت ترويج رؤيتها، فتبنت أغلب الدول موقفها، مؤكدين دعوتهم إلى الحوار في البيت الأفريقي، ورفض دخول وسطاء جدد. وإذ تعتبر إثيوبيا مجلس الأمن ليس مختصّاً بمناقشة القضية، بوصفها قضية تنموية وفنية، وإن نقاشها في المجلس مضيعة للوقت والموارد، بحسب تعبير وزير الري الإثيوبي، فإن مواقف الدول الأعضاء لم تختلف كثيراً، نصحوا بحل المشكلة بين الأطراف الثلاثة، من دون رغبة في تدخل. وعلى الرغم من مجمل ما جرى في الجلسة (ونتائجها) التي لن تخرج عن توصيةٍ بعودة المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي، فإن هناك دروساً وفوائد، منها إعلان مصر والسودان موقفهما على الصعيد الأممي، تمهيداً إذا استطاعتا الإقدام على خطوات تصعيدية، ليست مقتصرة على عمل عسكري دفاعي. كذلك اختبرتا عملياً جهودهما على صعيد العلاقات الدولية، وتقييم نتائج الاتصالات المكثفة بالأطراف الدولية خلال عام مضى.
ومن فضائل الأزمات، توجيه طرق التفكير، وفهم الواقع كما هو من دون أوهام، ما يساهم في تقدير الاحتياجات، وتحديد نقاط القوة والضعف، والبحث عن حلولٍ وطرقٍ جديدة، وطرح أسئلة أساسية بشأن البدائل في الوقت الراهن. وكان كاشفاً أيضاً أن التعويل على المواقف الدولية، من دون اتخاذ مواقف تخصّ أصحاب المشكلة، درب من الوهم، فلا يمكن أن تطلب من الآخرين مساعدتك وأنت مقيدٌ في استخدام الخيارات أو حسمها، ولا إمكانية للتأثير الدبلوماسي من دون امتلاك موارد (ومصادر) القوة الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية وحسن إدارتها.
تؤكد إثيوبيا بنهجها استمرار المواجهة والتحدّي لدولتي المصبّ، مراوغة لكسب الوقت، ممارسةً مزيداً من الضغوط، لمضاعفة نقاط القوة. وبعد انتهاء أعمال بناء السد، وبداية الملء الثاني، أصبح موقفها وازناً، وانعكس ذلك في كلمتها في مجلس الأمن. وكانت أغلب المواقف، خلال الجلسة، ليست في مجال إبداء انحياز لدولتي المصبّ، على الرغم من عدالة القضية، وحجم الضرر المترتب عن فرض إثيوبيا سياسة الأمر الواقع، وتوجّهها إلى التحكّم في مياه النيل، ولا اكتراث بتهديد للأمن الدولي لا شواهد عليه، ولا اهتمام بالقدر الذي يدفعهم إلى لعب دور فاعل في أعمال التحقيق والوساطة.
اليوم، بعد أن وصلت الأزمة إلى ذروتها، بات واضحاً أنه لا يمكن اعتبار المفاوضات الطريق الوحيد لحل الأزمة، وإن كانت المفاوضات المحطة الأخيرة لعقد اتفاقٍ يحفظ حقوق الدول الأطراف. ومن ضمن الاستنتاجات أن من المستبعد أن تتخذ أي أطرافٍ دولية موقفاً مغايراً طالما بقي الحل الوحيد الارتهان لتفاوض يفتقد عوامل قوة وضغط متوازنة ومصالح، وإذا استمرّت دولتا المصبّ في محدودية استخدام إمكاناتهما في التأثير، فلا تقدم ممكن الحدوث في الملف.
طرحت مصر مرات عديدة استعدادها للمشاركة في بناء السد بمساهماتٍ ماليةٍ وفنية، إلا أن إثيوبيا رفضت ذلك، ما يعني أنها لا تستهدف بناء سد يوفر لها الكهرباء وحسب، بل تسعى إلى قيادة القارّة، والتحكم في مورد المياه، معتبرة النهر مِلكاً خالصاً لها، تستغله وتتاجر فيه، ومن خلاله توسّع نفوذها وتقوي علاقتها بأطرافٍ خارج أفريقيا، وسد النهضة يمثل مرتكزاً لطموح يعتمد على بنية الاقتصاد، ولا اعتبارات هنا بالإضرار بالغير. واليوم، تلحق إثيوبيا الضرر بمصالح مصر والسودان المائية. وغداً، قد تعتدي على أراضي دول مجاورة، كما حدث من اعتداء على أرضي القشفة السودانية (12 ألف كيلو مربع) أو تجديد لصراعاتٍ قديمة في القرن الأفريقي.
وأخيراً، استطاعت مصر والسودان في مجلس الأمن التعبير عن الموقف: وصول التفاوض الذي يرعاه الاتحاد الأفريقي إلى طريقٍ مسدود، وقلقهما من خطورة الوضع الحالي، والمترتبة عنه أضرار جسيمة، تعرّض الملايين للخطر، وإيضاح تعنّت إثيوبيا بوصفه موقفاً سياسياً، لا يرتبط بأهدافٍ تنموية. وبوضوح، أعلنت مصر أنه، في حال تعرّضها للخطر، لا حلول أمامها سوى الدفاع عن نفسها. وبقي، بعد الخطاب والمرافعة التي لاقت إشادة في أوساط نخب، أن يترجم الخطاب إلى صيغ من الفعل تنقذ الموقف. صحيحٌ أن الأزمة المعقدة تصعّب خيارات الفعل، لكن الأزمة عميقة، ومصر مهدّدة بشكل أكبر في مواردها المالية وحياة شعبها.

12 يوليو 2021



#عصام_شعبان_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مظاهرات السودان .. أزمة الدولة والثورة
- في السودان... الطعام مطلب ثوري
- عن تكتيك المقاومة وخسائر العدو
- تظاهرات الإسكندرية .. ملامح من أزمة التخطيط العمراني
- أصدقاء مصر وتمويل السد
- حوادث القطارات وعدالة الخدمات في مصر
- قطار الصعيد .. حضور شعبي يحاكم غياب التنمية العادلة
- عبير موسي... إذ تستثمر الأزمة وتنتصر للثورة المضادة
- حوادث العمل في مصر... دلالات ومؤشرات
- لكي لا نفرط في التفاؤل
- سد النهضة .. الأزمة المصرية ودروس الفشل
- أنثروبولوجيا المرض وحروب كورونا السياسية
- مصريات في مواجهة كورونا
- ذكرى يناير وفرص تجدّد الحراك في مصر
- ضبط الثقافة لخدمة السلطوية
- أزمة السودان ووهم المراهنة على التطبيع
- الشباب المصري وغياب السياسة .. المشاركة بعد 30 يونيو
- عن التحرّش في مصر ومواسمه
- مستقبل مصر لا تبنيه البطاطين
- احتجاجات فرنسا... أزمة الاقتصاد والديمقراطية


المزيد.....




- اكتشاف جمجمة فيل ضخمة مدفونة بحديقة منزل.. إلى أي عصر تعود؟ ...
- ماذا نعرف عن التعيينات الجديدة في الحكومة السورية الانتقالية ...
- البشر وحيوانات الكسلان العملاقة عاشوا معا لآلاف السنين.. اكت ...
- تركيا تخطط لاستئناف عمل قنصليتها في حلب السورية قريبا
- السعودية.. تنفيذ حكم القتل في مواطنين أدينا بالخيانة والإرها ...
- قائد الإدارة السورية أحمد الشرع يستقبل وزير الخارجية التركي ...
- خبير: الشعور بالوحدة الشكوى الأكثر شيوعا في ألمانيا
- بوتين: لو لم نطلق العملية العسكرية في أوكرانيا لأجرمنا بحق ر ...
- مشاهد تكدس الجرحى بممرات مستشفى كمال عدوان جراء قصف الاحتلال ...
- قاضية أميركية: مجموعة -إن إس أو- الإسرائيلية مسؤولة عن اخترا ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عصام شعبان حسن - سد النهضة في مجلس الأمن .. المواقف والخيارات