|
معالجة شاملة لأزمتنا الشاملة
نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)
الحوار المتمدن-العدد: 6955 - 2021 / 7 / 11 - 17:42
المحور:
القضية الفلسطينية
نهاد أبو غوش نحن عالقون في أزمة مركبة ومأزق ذريع، هذه هي الحال من دون مبالغة ولا تزويق، فالخيارات السياسية مبهمة، والأوضاع الاقتصادية صعبة، والسلطة تعالج أخطاءها بمزيد من الأخطاء التي يصل بعضها إلى الخطايا مثل تصفية المعارض نزار بنات، ثم ردود الفعل القاسية والعنيفة وغير المبررة على الإطلاق في قمع الاحتجاجات كسحل المتظاهرين في الشوارع، وضرب الصحفيين، واعتقال القيادات الوطنية، فضلا عن الاستقواء بتنظيم فتح، التنظيم الوطني المناضل والأكبر الذي وجد لقيادة الحركة الوطنية نحو الحرية، وزجّه في مواجهة قطاعات من الشعب، أما المعارضة فهي مشتتة ومتفرقة إلى درجة يمكن معها القول أنه لا توجد لدينا معارضة، بل فصائل ومراكز قوى لا تطمع سوى في أخذ حصتها، ومن طفا على سطح التحركات هي مجموعات مشتتة تطرح شعارات انفعالية، كثير منها عدمي ومتطرف، وهي لا تطرح بديلا متكاملا لما هو قائم. ما الذي قلب أوضاعنا هكذا رأسا على عقب؟ ونحن الذين كنا نتغنى قبل شهر واحد فقط في الانتصار الذي تحقق في معركة سيف القدس، وفي بطولات شعبنا من المسجد الأقصى إلى باب العامود والشيخ جراح وسلوان وصولا إلى بيتا وبيت دجن ومعركة الغضنفر ابو عطوان، ونتدارس أوجه الانتصار والإنجاز، فنختلف أو نتفق على تحليل المشهد، ولكننا لم نختلف على أن الشعب الفلسطيني حقق خلال المواجهات وحدة وطنية لا سابق لها، أزالت الحدود والفواصل بين تجمعاته المختلفة، وأعادت إبراز هويته الوطنية الجامعة في وجه مشاريع الأسرلة والتبديد والاقتلاع، كما أعادت للقضية الفلسطينية ألقها وحضورها في صدارة القضايا العربية والعالمية. هل يمكن للتدخلات الخارجية، وبخاصة الإسرائيلية، أن تسبب لنا كل هذا الضياع والتيه، وأن تحرف بوصلتنا عن القضية الرئيسية؟ هذا وارد، ومن لا يتوقع مثل هذه المحاولات للتدخل والتاثير يكون ساذجا، ولكننا نعلم أن أية تدخلات خارجية لا يمكن لها أن تنفذ لنا من دون وجود صدوع وشقوق وعوامل تمكنها من التأثير. وهل وقعت كل هذه التداعيات بسبب مقتل نزار؟ من دون التقليل من أهمية الجريمة المركبة (تعذيب واعتقال سياسي وتصفية معارض ومرشح للانتخابات وقتل خارج نطاق القانون)، من الواضح أن الحادثة المدانة مثّلت الشرارة التي فجّرت برميل بارود من الاحتقان والتراكمات. ولذلك فإن أية حلول ينبغي لها أن تذهب لمعالجة الجذور والأسباب العميقة لهذه التوترات التي لم تقتصر على أداء السلطة في الضفة، بل وقعت وتكررت في قطاع غزة من قبل سلطة حماس سواء باعتقال المعارضين أو تعذيبهم وحتى سحل بعضهم في الشوارع. إذا جاز لنا أن نسمي مؤسساتنا السياسية ب"النظام السياسي" وهو أمر فريد لأننا ما زلنا تحت الاحتلال فإن هذا النظام، والذي يشمل منظمة التحرير ومؤسساتها، والحكومة وأجهزتها، والفصائل، دخل في أزمة حادة منذ توقيع اتفاق أوسلو، ونشوء تعارضات بين منطق الثورة وحركات التحرر ومنطق السلطة والحكم، وما يترتب على ذلك من تباينات بسبب ظهور مصالح وامتيازات، هذه الأزمة تعمقت وتشعبت مع فشل مسيرة التسوية، وما تلاها من انقسام وأزمة داخلية، وتنصل إسرائيل من حل الدولتين، ومحاولاتها المحمومة لاختزال دور السلطة إلى دور الوكيل الأمني الذي تنحصر مهمته في حماية أمن إسرائيل، وتخليصها من أعباء المسؤولية عن الشعب الفلسطيني. التنظيم الاجتماعي والإداري الداخلي الذي اتخذته السلطة وقدمته على أنه مؤقت وانتقالي، وعلينا واجب احتماله لأنه طريقنا نحو الدولة، بدا أنه مستقر وطويل الأمد بكل ما فيه من اختلالات، من تعطيل الانتخابات وتغييب السلطة التشريعية، وانحسار الحريات العامة، وضعف الرقابة على أداء السلطة والأجهزة التنفيذية، وتداخل صلاحيات الأجهزة الأمنية فيما بينهان وبينها وبين التنظيم، وانتشار الفساد والمحسوبية، وضعف القضاء، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة مع بروز مظاهر البذخ والإثراء غير المشروع، والنموذج الاقتصادي المشوّه الناشئ عن التبعية للاحتلال وتزاوج البيروقراطية مع رأسمال الكومبرادوري (الوكيل وغير المنتج)، كل هذا يتكرس مع تراجع مشروع التحرر الوطني وضعف أدواته وغيابه عن أجندات القوى السياسية إلا من باب ترديد الشعارات والأشكال النضالية المحدودة لرفع العتب. أزمتنا الشاملة بحاجة إلى معالجة شاملة، وربما إلى خارطة طريق (رغم ما يثيره هذا المصطلح من ذكريات سلبية عن خارطة طريق الرباعية)، ويبدو أن أدواتنا التي استخدمت حتى الآن لحل أزماتنا، مثل حوارات القاهرة واجتماعات الأمناء العامين، لم تعد كافية لأن بعض أدوات الحل هي مشكلات في حد ذاتها، وقد بتنا بحاجة لأدوات وعناوين إضافية، مثل تلك التي عبرت عنها عملية تسجيل القوائم الانتخابية، أو الحراكات التي فرضت نفسها في الشارع، أو المجتمع المدني على اتساعه بما في ذلك الجامعات والنقابات العمالية والمهنية والبلديات، ولا ننسى بالطبع آلاف الكوادر المهمشة من مختلف الفصائل والتنظيمات التي دفعت الثمن الأكبر من سني عمرها في أيام النضال والكد والشقاء، لكنها انزاحت أو أزيحت في عهد قيام السلطة وبناء مؤسساتها، وفي المحصلة نحن بحاجة لمؤتمر وطني واسع التمثيل لا يكتفي بالخطابات المنمقة وإصدار بيان ختامي، بل تنبثق عنه لجان وفرق متخصصة، وتتولى تحليل كل عناصر أزمتنا، ووضع الحلول الناجعة لها. وفي الطريق إلى مثل هذا المؤتمر ربما نكون بحاجة إلى هيئة وطنية من شخصيات اعتبارية، تحظى بثقة الجميع، وتتمتع بالنزاهة والقوة الأدبية التي تعطي لتوصياتها وتوجهاتها وزنا وثقلا ماديا ومعنويا، نحتاج إلى ما يشبه "لجنة حكماء" يسمو أعضاؤها فوق الحسابات الصغيرة والعارضة، ويضعون مستقبل الوطن والشعب نصب أعينهم، نحتاج بقوة إلى شخصيات مثل حيدر عبد الشافي وفيصل الحسيني ليساهموا في إخراجنا من هذا المأزق، فالشعب الذي أنجب هذين الكبيرين ليس عاقرا.
#نهاد_ابو_غوش (هاشتاغ)
Nihad_Abughosh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الغضنفر أبو عطوان
-
غسان كنفاني : المثقف العضوي بحق
-
إسرائيل تدير الجريمة لتفكيك المجتمع العربي والسيطرة عليه
-
إسرائيل تنظر للعربي كمشكلة أمنية
-
جهاز المخابرات (الشاباك) يدير الجريمة في اوساط عرب الداخل
-
مبادرة الأسرى وتحقيق العدالة لنزار بنات
-
مظاهرات رام الله: عن الشعارات البذيئة والعدمية وإفراغ الحراك
...
-
قانون القومية الصهيوني وحق عودة اللاجئين
-
قانون القومية والجذور العنصرية في الفكر الصهيوني
-
قانون القومية العنصري يُرسّم اسرائيل كدولة أبارتهايد
-
من الذي يتآمر على حركة فتح؟؟
-
المحاسبة والإصلاح لا الفوضى والانتقام
-
عن تصفية المعارض نزار بنات
-
كابوس نتنياهو
-
عن إعادة الاعتبار لحركة فتح
-
عائلتنا : النكبة والشتات والخسارات المتتالية
-
نقاط على حروف الانتصار
-
أزمة اليسار الفلسطيني ومقومات نهوضه
-
كنت شاهدا على المأساة
-
صيغة جديدة تضم الجميع في فلسطين
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|