أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزة الذهبي - أشخاص دفعوا الثمن نتيجة الوفاء بأفكارهم : سقراط نموذجا















المزيد.....

أشخاص دفعوا الثمن نتيجة الوفاء بأفكارهم : سقراط نموذجا


حمزة الذهبي
كاتب وباحث

(Hamza Dahbi)


الحوار المتمدن-العدد: 6955 - 2021 / 7 / 11 - 05:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تقديم :
الفكر المخالف لما هو سائد محكوم عليه، تلقائيا، بالإقصاء والتهميش، وأحيانا بما هو أبشع وأشنع، إذ لو تأملنا التاريخ لوجدناه مليئا حد الثمالة بنماذج من هؤلاء الناس الذي تعرضوا لأشياء فظيعة وصلت حد الإعدام، وذلك فقط لأنهم تجرؤوا على النظر في اتجاه آخر غير الاتجاه الذي ينظر إليه الجميع . إن عملية رؤية الأمور عكس ما يراه الجميع، عملية ارتداء نظارات مختلفة عن النظارات التي ترتديها الجماعة، حولتهم إلى شياطين. لهذا عملت الجماعة، التي لا تحب أن ترى رأي آخر مخالف عن رأيها، على التخلص منهم. ومن بين هؤلاء، الذين يمتلئ بهم التاريخ، أختار الحديث في هذا المقال عن سقراط. أما مبرر اختياري له دون الجميع فيرجع إلى إيماني بأنه يمكننا التعلم والاستفادة منه .
سقراط : سواء برأتموني أم لا.. لن أغير سلوكي.
سقراط ، فيلسوف يوناني، ولد قبل ميلاد المسيح بما يقارب خمسمائة سنة ، استوحى سقراط فلسفته، مثلما ادعى ارسطو، من الشعار المنقوش على معبد أبولو في دلفي "اعرف نفسك " 1. في حين أن هناك من يرى أن فلسفته هي نتاج صوت داخلي سمعه سقراط وأملى عليه أن يوقف ما يفعله وبغير سلوكه . ونتيجة سماعه لهذا الصوت أضحى يتصرف على نحو مختلف، يتجاهل العادات، وما اجتمع عليه الناس، وينشغل بتعلم كيفية عيش أفضل حياة يمكن تصورها .
ومهما كان مصدر تفلسفه، فقد تميز سقراط بشيئيين أولاً من حيث المظهر الخارجي، حيث أنه كان يعتبر قبيحا وفقا لمعايير اليونان في القرن الخامس قبل الميلاد، قلت وفقا لمعايير اليونان، إذ كما تعلمون القبح ليس ثابت، بل هو متغير بتغير الزمان والمكان، بمعنى أنه يينى اجتماعيا، وما يكون قبيحا في زمن أو مكان ما يمكن أن يكون غير ذلك في زمن أو مكان آخر. وثانيا بأسلوبه الفريد في التفلسف والذي يسمى " فن التوليد "، أي أنه كان يستخرج الأفكار من محاوريه، لا يعطيهم شيئا من عنده / يساعدهم على استخراج ما سيعرفونه انطلاقا من أنفسهم بأنفسهم. يقول عن ذلك في محاورة تيتياتورس : "إنني مثل القابلة، لا ألد الحكمة، لأنه لا حكمة عندي، إن مهمتي هي مساعدة الآخرين على الإنجاب " .ويضيف : " ليس عندي أي نوع من الحكمة، وإنما كل صناعتي هي توليد الأفكار من الرجال، إن أسئلتي ساعدت الناس الذين أجادلهم- رغم أنهم لم يستفيدوا مني شيئاً – أن يكتشفوا بأنفسهم كثيرا من الحقائق الرائعة التي تولدت منهم واستخلصت من أنفسهم وأعماقهم ".
عدم ادعاءه الحكمة والمعرفة، وتوقيفه للناس في الأماكن العامة، وجعلهم يدركون، عبر أسئلته المزعجة، مدى محدودية ما يعرفونه، خلق له العديد من الأتباع، الذين اعتبروه الرجل الأكثر حكمة على قيد الحياة . بيد أنه خلق له أيضاً أعداء ضربوه، واحتقروه وسخروا منه. ووصل بهم الأمر إلى محاكمته. إذ أنه وهو في سن السبعين اتهم من قبل مواطني أثينا بتهمة الالحاد – عدم الإيمان بآلهة المدينة – وإفساد عقول الشباب . لقد خرب ، حسب قولهم ، عقول الشباب وجعلهم ينحرفون عن الطريق القويم ، وطالبوا انطلاقا من ذلك بإعدامه.
في المحاكمة تصرف سقراط بشجاعة وخاطب المحكمة بجرأة قل نظيرها : " طالما أنني أتنفس وأملك القوة، لن أتوقف عن ممارسة الفلسفة واسداء النصح لكم وتوضيح الحقيقة لكل من أصادفه ... وبذلك أيها السادة... سواء برأتموني أم لا . أنتم مدركون أنني لن أغير سلوكي حتى لو مت مئة مرة " 2. ولأنه لم يتراجع عن قناعاته، ومعتقداته، فقد انتهت المحكمة بالحكم عليه بالموت : " لم يزعج الحكم سقراط بالمرة، بل ذهب بهدوء الى سجنه "3 .
في السجن حاول بعض تلامذته تهريبه، لكنه رفض ذلك رفضا قاطعا، ومات موت الشجعان، ليصبح بعد موته مبجل أكثر مما كان عليه وهو على قيد الحياة. إن استعداده للموت بدلا من التخلي عن معتقداته ضمن له الخلود، إذ لو هرب أو تراجع عن أفكاره لما ضمن له هذا أي شيء. " وبعد خمسة قرون كتب المؤلف الروماني ماركوس فابيوس دفنتيليانوس : باستغنائه عن السنوات القليلة الباقية له كسب خلودا عبر القرون".4
هكذا انتهت حياة سقراط، الذي نجح في مهمته المتمثلة في " توعية الناس بنقص معرفتهم " 5، مضايقا محاوريه مثل الذبابة بأسئلته المزعجة، لكن مأساة الفلاسفة والمفكرين والعلماء لم تنتهي عنده ، فقد أدين أرسطو أيضاً، لهذا اضطر للهرب وقال أنه هرب كي لا يرتكب الاثنيون جريمة ثانية في حق الفلسفة ، في إشارة إلى جريمتهم الأولى في حق سقراط . وبعد مرور المئات من السنين صلب الحلاج، ونفي ابن رشد، و أحرقوا برونو الذي أكد نظرية كوبرنيكوس القائلة بأن الأرض ليست هي مركز الكون، وحاولوا قتل الفيلسوف اسبينوزا بطعنة خنجر....وهو الخنجر نفسه الذي انغرس في رقبة نجيب محفوظ.

على سبيل الختم :
قلت في التقديم أنني أؤمن بأنه يمكننا التعلم من سقراط والاستفادة منه . لهذا أرى من المفيد أن أتحدث عن ذلك، ولو بشكل مختصر ومقتضب: إن الدروس المستفادة من سقراط كثيرة ولعل أبرزها أنه أولاً يدفعنا الى وضع ما نعرفه ونؤمن بصحته موضع فحص وتمحيص. سقراط ينزع عنا الثقة، ويخلق لنا نوع من القلق ويضع أمامنا إمكانية أن يكون ما نؤمن به خاطئ، وهذا الأمر نحن في الغالب، لا نفكر فيه ولا يخطر على بالنا، نعيش حياتنا مطمئنين إلى صحة ما نعتقد وذلك فقط لأن الأغلبية تعتقد نفس ما نعتقد. وثانيا يعلمنا أن نتجاوز جبننا، وأن نتحلى بالجرأة والشجاعة . كيف ذلك؟ لنفترض أننا اكتشفنا تهافت وتضعضع ما نعتقد، بعد إخضاعه للمساءلة. غالباً ما سنخاف من التصريح بهذا الأمر بشكل علني خوفا من رد فعل الأغلبية، لكن سقراط لن يفعل ذلك، سيختار المواجهة بدل الاختباء وحتى عندما سيكون في ذلك هلاكه، لن يتراجع ولن يطأطئ رأسه مُذعناً.

الهوامش
1) James Meller. The philosophical live. Oneworld publications.2012. page 46
2) الان دو بوتون، عزاءات الفلسفة : كيف تساعدنا الفلسفة في الحياة. ترجمة يزن الحاج. دار التنوير للطباعة والنشر. الطبعة الأولى 2016. ص 8
3) ينس رونتجن. فكر بنفسك: عشرون تطبيقا للفلسفة. ترجمة عبدالسلام حيدر. مركز المحروسة، الطبعة الأولى 2018، ص 270
4) نفس المرجع. 270
5) Pierre hadot. What is Ancient philosophy. Translated by Michael chase. Harvard university press. 2004 , page 26



#حمزة_الذهبي (هاشتاغ)       Hamza_Dahbi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نفتقد الاطمئنان الذي كنا نحس به في السابق
- متعة السفر
- المجتمع الإفتراضي يتحول إلى مجتمع الأخ الكبير :
- الكتابة عن الأدب أسهل ألف مرة من الحكي عنه.
- ارتكبت خطأ في حق صاحب رسالة الغفران
- علمني صديقي ، أقصد رفيقي ، قيمة الموهبة التي أملكها .
- الراقصون على مسرح الفايسبوك
- هل مكتوب على وجهي بأني لص
- فيلم الجوكر -jocker - : المشكل ليس في المجرم بل في المجتمع ا ...
- لقد نجحوا في خلق جيل من الضباع.
- الكُتاب هم أناس مثلنا من لحم ودم وليسوا آلهة
- أصدقاء بدون مكر الأصدقاء
- محمد عابد الجابري – عيوب الخطاب العربي المعاصر
- نعيش في مجتمع عنيف :
- علاقة محمد عابد الجابري بفيلسوف قرطبة
- سقراط : أول شهيد للفكر .
- رواية طفل الرمال عكست لنا وضعا يُؤسف له كانت تعيشه المرأة
- التكفير جزاء من تجرأ على التفكير :
- لماذا تعثرت النهضة العربية ؟
- رواية الورم : السلطة تمسخ أهل السلطة


المزيد.....




- -قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ ...
- سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام ...
- الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء ...
- -سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد ...
- برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت ...
- إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات ...
- بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول ...
- مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
- بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
- -ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمزة الذهبي - أشخاص دفعوا الثمن نتيجة الوفاء بأفكارهم : سقراط نموذجا