|
العرب والعالم في حوارٍ صحفيّ
سعود قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 6954 - 2021 / 7 / 10 - 11:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نشرت جريدة «الشُّروق» اليوميّة التونسيّة، في تاريخ 27 حزيران 2021، حواراً سياسيّاً مع كاتب هذه السّطور، تناول عدداً من القضايا العربيّة والدَّوليَّة. وأحبّ أن أقدِّم لقرّاء «الحوار المتمدِّن» نصّ هذا الحوار وما انطوى عليه مِنْ آراء قد يكون بعضها مغايراً لما هو سائد:
مصر وتركيا والمغرب العربيّ و«الإخوان» 1- المصالحة المصرية التركية هل يمكن أن تطوي صفحة الإخوان إقليمياً بما فيها في المغرب العربي وتحديداً تونس وليبيا؟
• صفحة «الإخوان» طويت منذ فشلهم في سوريا ومصر. كانت هذه مهمّتهم الأساسيّة في هذه المرحلة وفشلوا في إنجازها. ولنتذكَّر أنَّ الخطَّة الَّتي اشتُهِرَتْ بـ«خطَّة أوباما» كانت تقوم على إحلال «الإخوان المسلمين» في دفَّة السُّلطة في الأنظمة التَّابعة في البلاد العربيَّة.. نظام حسني مبارك في مصر، ونظام عليّ عبد الله صالح في اليمن، والنِّظام الأوتوقراطيّ الوظيفي التَّابع في الأردنّ، ونظام زين العابدين في تونس، والأنظمة الخليجيّة. ولذلك، رأينا العلاقة بين هذه الأنظمة وبين «الإخوان» تتحوَّل من التَّحالف مع بعضها والتَّهادن مع بعضها الآخر إلى الصِّراع والعداء السَّافر.
كان من الواضح أنَّ الأنظمة العربيّة التَّابعة قد وصلت إلى طريقٍ مسدود تاريخيّاً، وأنَّ السَّبيل الأسلم لتجاوز ذلك والحفاظ على بقائها هو تسليمها لـ«الإخوان المسلمين» كمقاولة من الباطن، ليحافظوا على جوهرها التَّبعيّ، مع صبغِهِ بصبغة دينيّة تمنحه نوعاً من القدسيّة؛ حيث يصبح اسم الاقتصاد الليبراليّ المتوحِّش «اقتصاداً إسلاميّاً»! وبدل التَّأمينات الاجتماعيّة يحلّ أسلوب «الصَّدقة والإحسان»، ويصبح اسم المراباة «مرابحةً» مع بقاء السِّمة الرَّبويّة للاقتصاد على حالها.. بل وتصبح أكثر جشعاً، كما تصبح الملكيّة الخاصّة للقطاعات الاقتصاديّة المختلفة حقّاً مقدَّساً، وتصبح الرّؤى الثَّقافيَّة والاجتماعيَّة للحزب الحاكم وفهمه الخاصّ للدِّين شرعاً إسلاميّاً.. الخ.
بالمختصر، يتحوَّل نمط اقتصاد هوامش النِّظام الرَّأسماليّ الدَّوليّ، الَّذي يمثِّل القاعدة المادِّيّة الرَّاسخة للتَّبعيّة ومحتواها ومضمونها، والَّذي يرزح تحت ثقله عددٌ غير قليل مِنْ بلداننا العربيّة – يتحوَّل إلى «اقتصاد إسلاميّ»، وتصبح معارضته (كما تصبح بدائله الحقيقيّة) كفراً. وهو ما يمكن أن يجدِّد صلاحيَّة أنظمة التَّبعيّة المنتهية ويطيل بقاءها.. مِنْ دون كُلفة تُذكَر يمكن أن تدفعها المراكز الرَّأسماليّة الدَّوليّة لهذه العمليّة.
وكان من المفتَرَض أن تكون الأنظمة المستقلِّة، مثل سوريا وليبيا والجزائر، هي الجائزة الَّتي يتمّ تتويج هذه العمليّة بها. والفوز بسوريا تحديداً كان يمثِّل ذروة هذه العمليّة.. لأنَّها كانت بلداً مستقلّاً استقلالاً حقيقيّاً معزَّزاً باقتصادٍ وطنيّ إنتاجيّ يلبِّي حاجات البلاد وتُصدَّر فوائضه إلى الخارج. سوريا، عندما شُنَّتْ عليها هذه الحرب الظالمة كانت معتمدة على نفسها تماماً، ولم تكن عليها ديون، وكانت تسير على طريق التَّنمية الوطنيّة بثبات.
في حوالي العام 2006 و2007، بدأت تجري لقاءات (بعضها لم يتمّ إخفاؤه) لبعض قادة الإخوان مع السَّفارات الأميركيّة والفرنسيّة والبريطانيّة في عمّان، ومع السَّفارة الأميركيّة في القاهرة أيضاً، كما راحت الوفود مِنْ قادة «الإخوان» تنطلق من القاهرة وعمَّان إلى الولايات المتَّحدة.
ورأينا ثمار هذه اللقاءات لاحقاً في الحرب على سوريا، وفي العداء لحزب الله وإيران، وفي تواطؤ المجلس العسكري بقيادة الجنرال طنطاويّ، بطلب مِنْ هيلاري كلينتون، مع «الإخوان»، لتمكينهم من الوصول إلى السّلطة في مصر. لكن «الإخوان» فشلوا في مصر فشلاً ذريعاً؛ لأنَّهم لم يتقدّموا بأيّ خطّة لتنفيذ مطالب انتفاضة 25 كانون الثَّاني/يناير الَّتي أسقطت حسني مبارك، ولأنَّهم – بدلاً مِنْ ذلك – شرعوا سريعاً في تنفيذ ما أسموه خطَّة «التَّمكين» الهادفة إلى إقامة سلطة ثيوقراطيّة كاملة وتستمرّ إلى أمدٍ طويل؛ حيث أثاروا أثناء سيرهم على هذا الطَّريق، عداوة فئات اجتماعيّة وقوى سياسيّة وثقافيّة واسعة (الجيش، والوسط الإعلاميّ، والوسط الثَّقافيّ والفنِّيّ، وسِلك القضاء، والقوى والتَّيَّارات اليساريّة والقوميّة، و«شباب ثورة 25 يناير»، والمجتمع المدنيّ، والأقباط، والتِّيَّارات الصّوفيّة الَّتي يبلغ عدد منتسبيها في مصر حوالي 15 مليوناً). وظلّوا يعاندون ويكابرون إلى أن أوصلوا النَّاس إلى انتفاضة 30 حزيران/يونيو 2013 الَّتي أطاحت بهم.
بعد فشل «الإخوان» في سوريا ومصر، أصبحت مقاولة تمكين «الإخوان» مِنْ تسلّم السّلطة في عددٍ من البلاد العربيّة بلا أفق. وهنا، يمكن أن أعود إلى سؤالك، فأقول: نعم، صفحة «الإخوان» طويت. ولذلك، رأينا الأتراك، يضحّون بهم مِنْ أجل تحسين العلاقات مع مصر. وتحسين العلاقات مع مصر الآن هو حاجة تركيّة ملحّة. تركيا، خلال السّنوات الماضية، انتقلت مِنْ سياسة «صفر مشاكل» إلى تعميم المشاكل في جميع الجهات ومع جميع الجيران. وقد انعكس هذا سلباً على مجمل الحياة السّياسيّة والاقتصاديّة في تركيا. لذلك، فهي تسعى الآن لتحسين علاقاتها ليس مع مصر وحدها، بل مع دول الخليج أيضاً وسواها. وقد ساعد هذا على الوصول إلى التَّسوية الَّتي تمَّت في ليبيا مؤخّراً.
ليبيا.. إلى أين؟ 2- هل تتجه ليبيا نحو الاستقرار مع اشتراط سحب المرتزقة على تركيا؟ وما تأثير ذلك من الناحية الجيوستراتيجية على تونس والجزائر؟
• ساعدت التّوجّهات الجديدة في تركيا، الَّتي ترمي إلى خروجها مِنْ مشكلاتها العويصة، على بداية التّهدئة في ليبيا والبحث عن الحلول. وفي ليبيا أطراف كثيرة تتحرّك (وتتصارع) عدا تركيا ومصر؛ فهناك الولايات المتّحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وروسيا، والصّين. وهناك أيضاً دول الجوار (تونس والجزائر). والوصول إلى حلّ نهائيّ سيحتاج – بلا شكّ – إلى تسويات بين هذه الأطراف جميعها. هذه الأطراف وصلت إلى حالة التَّوازن والتَّهدئة القلقة، السَّائدة الآن، بعد تمرين استعراض القوّة بين مصر وبين تركيا؛ حيث أعلنت مصر منطقة سرت كخطّ أحمر يجب أن لا تتجاوزه القوى المحسوبة على تركيا (ومِنْ ضمنها مجموعات المرتزقة الَّتي جُلِبَتْ مِنْ سوريا وسواها)، وقد جرى الالتزام بهذا الخطّ الأحمر، ثمّ بدأت المفاوضات والتّسويات. ومن الواضح أنّ التَّسوية الأخيرة كانت برعاية جميع الأطراف المتورِّطة في الشّأن الليبيّ. ولكن لم يحن بعد الوقت للجزم بأنَّ الوضع في ليبيا قد وُضِعَ على طريق الحلّ. فعلى سبيل المثال، جماعات المرتزقة لا تزال موجودة على الأرض الليبيّة ولم يجرِ سحبها كما تمّ الاتِّفاق.
ثمّة ثروات ضحمة في ليبيا، وثمَّة أطماع كبيرة تتصارع على هذه الثَّروات. وبالتَّأكيد، فإنَّ ما ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا سيترك أثره بعمق على تونس والجزائر.. سواء أكانت الأمور قد سارت نحو الحلّ أم سارت نحو تصاعد الصّراع.
المصالحة الخليجيّة 3- ما تأثير خطوات المصالحة الخليجية بين قطر والسعودية والامارات على تغيير المعادلات وإعادة ترتيب الأولويات إقليمياً؟
• برأيي أنَّ الصّراع الَّذي دار في الخليج ليس كلّه لأسباب محلِّيّة؛ بل له أيضاً علاقة بالأحوال السِّياسيّة في الولايات المتّحدة. أعتقد أنَّ التَّحوّلات الجاريّة على نحوٍ تراكميّ في الولايات المتّحدة قد وصلت في النِّهاية إلى حالة من الاستقطاب الواضح؛ فرأينا، لأوَّل مرَّة، مرشّحين مرموقين للرِّئاسة الأميركيّة مِنْ خارج توافقات المؤسَّسة الحاكمة؛ رأينا، على سبيل المثال، اليساريّ بيرني ساندرز، كأوَّل مرشّح في الحزب الدِّيمقراطيّ يتحدَّث صراحة عن الاشتراكيّة؛ ورأينا في الجهة المقابلة دونالد ترامب ممثِّلاً لأقصى اليمين في الحزب الجمهوريّ، ولكنّه – بخلاف العادة – ليس مرشَّحاً توافقياً للمؤسَّسة الحاكمة. طبعاً التَّنافس الجدّيّ دار في النِّهاية بين ترامب وبين هيلاري كلينتون (مرشّحة المؤسَّسة). وللمرّة الأولى فاز مرشّحٌ لم تتوافق عليه المؤسَّسة (ترامب) رغم كونه ينتمي إلى حزب مِنْ أحزاب المؤسّسة.
ونعود مِنْ هنا إلى الصّراع في الخليج؛ قطر على علاقة وثيقة بالمؤسَّسة وخصوصاً بجناحها المتمثِّل بالحزب الدِّيمقراطيّ الَّذي يحدب عموماً على الإسلام السِّياسيّ. لذلك، كان موقفها فاتراً مِنْ ترامب بعد فوزه. ولنذكر أنَّ الصِّراع اندلع بين عددٍ مِنْ دول الخليج وبين قطر مباشرةً بعد زيارة ترامب الشَّهيرة للرِّياض حيث تمّ منحه – كما هو معروف – حوالي 450 مليار دولار.
الآن، استعادت المؤسَّسة إمساكها بدفّة السّلطة (بالَّتي هي)، وذهب رهان الرِّياض على ترامب أدراج الرّياح؛ الأمر الَّذي مهّد الأرضيّة سريعاً لتسوية العلاقات بين السّعوديّة وبين قطر.
بيد أنَّ التَّفاعلات الَّتي قادت إلى فوز مرّشحٍ مِنْ خارج توافقات المؤسَّسة في الولايات المتّحدة (بل والَّتي سمحتْ أصلاً بترشّحه كمرشَّحٍ جدِّيّ) لم تنتهِ، بل هي مستمرّة وتتفاقم، ولا أحد يعرف إلى أين ستقود مستقبلاً. إنَّ سابقة فوز مرشّح مِنْ خارج توافقات المؤسّسة ليست حدثاً عاديّاً أو عابراً، فهي تعني أنَّ قبضة المؤسَّسة الممسكة بدفّة السُّلطة قد أصابها شيء من الوهن فتراخت عمّا كانت عليه في السّابق.
«الرَّبيع العربيّ» 4- هل مازال يمكن الحديث عن "ربيع عربي" في ظل خطوات المصالحة الخليجية؟
• هناك مستويان يجب أن ننظر مِنْ خلالهما إلى ما جرى ويجري في العالم العربيّ منذ مطلع العقد الماضي. المستوى الأوَّل هو المتعلِّق بـ«خطّة أوباما» وبـ«الفوضى الخلّاقة» الّتي تحدَّثت عنها كونداليزا رايس. وهذا ما يمكن أن نطلق عليه «الرَّبيع العربيّ»، بل إنَّ الأميركيين والغرب هم مَنْ أطلق عليه هذا الاسم المستخرج مِنْ ميراث مكائدهم السِّياسيّة في أوروبّا الشَّرقيّة أيَّام الاتِّحاد السّوفييتيّ. هذا المسار، من الواضح أنَّه وصل إلى طريق مسدود بعد فشل مشروع إيصال «الإخوان» إلى السُّلطة في عددٍ من البلدان العربيّة (وخصوصاً في سوريا ومصر)؛ لكنَّنا لا نستطيع أن نستنتج مِنْ ذلك أنَّ الدّوائر الغربيّة ستسلّم بهذا كأمر واقع وتتعايش معه. بل من المؤكَّد أنَّ لديها خططاً بديلة ستكشف عنها الأيّام. لكنّ، بالتَّأكيد، خططها هذه ليست قدراً لا رادّ له.
المستوى الثَّاني هو المبنيّ على استنفاد الأنظمة التَّابعة قدرتها على إدارة أزمتها؛ حيث تصاعد توق الشّعوب العربيّة إلى الحرّيّة والدِّيمقراطيّة والتَّحرّر الوطنيّ والعدل الاجتماعيّ والتَّنمية الوطنيّة والنّهوض والتَّقدّم. هذه الأهداف مطروحة على جدول أعمال التَّاريخ في البلاد العربيّة منذ مشروع النَّهضة (والوحدة) الَّذي أطلقه محمد عليّ في مصر ثمّ امتدّ به إلى بلاد الشّام والجزيرة العربيّة. وقد ووجه هذا المشروع (وأُحبِط) – كما هو معروف – بتحالفٍ عسكريٍّ دوليٍّ استعماريٍّ مكوِّنٍ من السَّلطنة العثمانيّة وفرنسا وبريطانيا. ومع الأسف، لم تتمكّن الشّعوب العربيّة مِنْ إنجاز مشروع نهضتها هذا رغم كلّ محاولاتها الكبيرة والمتكرِّرة. وهذا المشروع نفسه هو ما عبَّرت عنه هذه الشّعوب في السّنوات الأخيرة بوساطة انتفاضات جماهيريّة واسعة في عددٍ من البلدان العربيّة.
المستوى الأوَّل، مستوى «الرَّبيع العربيّ». وهذا إنَّما هو ثورة مضادّة غايتها قطع الطَّريق على الثّورة. لأنَّه لا يحمل أيّ مشروع حقيقيّ للتَّحرّر الوطنيّ، والتَّغيير بعمق، وإنهاء التَّبعيّة، والنّهوض، جُلّ ما يسعى إليه هو تغيير أسماء الحّكام فقط مع بقاء جوهر الأنظمة ومضامينها الاجتماعيّة والاقتصاديّة كأنظمة تابعة كما هي.
أمَّا مستوى الثَّاني، فهو مستوى الثَّورة الحقيقيّة. وهو ثورة لأنَّ غاياته تنسجم مع طموحات الشّعوب العربيّة للحرّيّة والدِّيمقراطيّة والتَّحرّر الوطنيّ والعدل الاجتماعيّ والتّنمية الوطنيّة. وهذا يعني تغييراً جذريّاً للأنظمة التّابعة، وتغييراً كبيراً في التّوازنات الدّوليّة.
والمأمول أن يصعد مسار الثّورة على حساب مسار الثّورة المضادّة. وهذا رهين بتعبئة الجماهير الشَّعبيّة على أوسع نطاق وتوعيتها بحقوقها ومصالحها.. لتحمل المشروع التَّحرّريّ النَّهضويّ بجدارة.
روسيا والصّين والغرب 5- كيف ستترجم الرغبة الأميركية الأوروبية في الحد من النفوذ الصيني والروسي دولياً وهو ما وقع تباحثه في قمة السبع الكبار مؤخراً؟ وما تأثيراته على منطقتنا العربية؟
• أعتقد أنَّ ثمَّة واقع صلد يكشف عن وجهه باستمرار ويترسَّخ باستمرار، وهو أنَّ العالم الأحاديّ القطب الَّذي ظهر بعد انهيار الاتّحاد السّوفييتيّ لم يعد موجوداً؛ العالم الآن يتَّجه نحو تعدّد القطبيّة. الصّين الآن قوّة اقتصاديّة هائلة، وروسيا قوّة عسكريّة جبّارة ولديها قارَّة تزخر بالموارد والثّروات، كما أنَّ لديها ثروة أخرى أهمّ بكثير وهي الكوادر العلميّة كبيرة العدد ومتنوِّعة الاختصاصات وذات المستوى العالي من الإعداد والمعرفة العلميّة والخبرة التقنيّة. ولأوَّل مرّة منذ أمدٍ بعيدٍ نجد هاتين القوَّتين العظميين (روسيا والصّين) متحالفتين وتنسِّقان جهودهما وخطواتهما وتتعاونان في مختلف المجالات. وقد تمّ تظهير هذا التّحالف بشكلٍ أساسيّ إبّان الحرب على سوريا وفي الموقف منها؛ حيث رأينا روسيا والصّين، منذ البداية، تستخدمان الفيتو معاً في مجلس الأمن لصالح سوريا.. مع أنَّه يكفي استخدام واحدة منهما فقط لهذا الحقّ. لكنَّهما أرادتا، بالإضافة إلى ذلك، إيصال رسالة سياسيّة. الآن ترسّخ هذا التّحالف وهو يتطوّر باستمرار.
ويُلاحظ أنَّ الاقتصاد في روسيا والصّين (و«الدّول الصّاعدة» عموماً) هو مِنْ نمط الاقتصاد الحقيقيّ الَّذي يعتمد على الإنتاج الصِّناعيّ والزِّراعيّ، وتُسمَّى الصِّين الآن «مصنع العالم»؛ في حين أنَّ الاقتصاد في الولايات المتّحدة وعددٍ مِنْ الدّول الغربيّة هو مِنْ نمط اقتصاد الفقّاعة. إنَّه اقتصاد البورصة والمضاربات والرهونات والعمليّات الاقتصاديّة الوهميّة. لذلك، كان الانهيار الكبير الَّذي شهدناه في العام 2008؛ ولذلك، أيضاً، فإنَّ الوضع في الغرب مرشّحٌ للمزيد من الأزمات. وبرأيي، فإنَّ فوز ترامب بالرِّئاسة في الولايات المتّحدة كان تعبيراً عن هذا المأزق. ولنتذكّر أنَّ برنامجه كان يرتكز على إعادة الشّركات الصّناعيّة الأميركيّة من الخارج إلى الولايات المتّحدة. الأمر جعله يكسب أصوات شريحة واسعة من الطَّبقة العاملة الأميركيّة.
وبالنتيجة، فإنَّه ثمَّة مسار ثابت يقود بوضوح إلى نقل مركز العالم من الغرب إلى الشَّرق. والولايات المتّحدة ودول الغرب تدرك هذا التَّحوّل الجاري وتبذل كلّ جهدها لعرقلته. ولكن، إذا كان هذا المسار مساراً تاريخيَّاً (وأنا أعتقد ذلك)، فإنَّ الجهود الغربيّة المضادّة له قد تنجح في إبطائه فقط، لكنّها لن تتمكّن مِنْ عرقلته وإيقافه.
وبالنسبّة لنا، في العالم العربيّ (وأطراف النِّظام الرَّأسماليّ الدّوليّ عموماً)، فإنَّ مِنْ مصلحتنا أن تتعدّد الأقطاب الدّوليّة وتتزايد. فهذا يخلق توازنات دوليّة تسمح بحرِّيّة أكبر للشَّعوب للعمل مِنْ أجل تحقيق طموحاتها في النّهوض والتَّقدّم. في حين أنَّ أحاديّة القطبيّة كانت تمثِّل حالة انسدادٍ تاريخيّ. ولعلّ هذا ما عبَّر عنه منظِّر البنتاغون فوكوياما عندما تحدّث في أوائل تسعينيّات القرن الماضي عن «نهاية التَّاريخ». كانت الولايات المتّحدة – آنذاك – قد أصبحت تتربَّع وحدها على قمّة الهرم العالميّ؛ ولذلك، راحت تسعى بكلّ جهدها إلى تثبيت تلك اللحظة التَّاريخيّة الاستثنائيّة وجعلها أبديّة.
الوحدة الفلسطينيّة 6- هل من الممكن استثمار الهزيمة الإسرائيلية في غزة لتوحيد الصف الفلسطيني خاصة أن الخطوات مازالت متعثرة في هذا الشأن؟
• اسمح لي أن أسأل: وحدة الصَّفّ الفلسطينيّ على ماذا؟ ووحدة مَنْ مع مَنْ؟
الوحدة يجب أن لا تكون لذاتها وبلا غايات وطنيّة، بل لتوحيد الجهود في مواجهة العدوّ الصّهيونيّ، مِنْ أجل استعادة الحقوق الوطنيَّة الفلسطينيّة المشروعة.. وفي مقدِّمتها حقّ الشَّعب الفلسطينيّ في العودة والتَّعويض الَّذي نصّ عليه قرار الأمم المتّحدة رقم 194، وكذلك حقّه في تقرير مصيره على أرض وطنه.
مِنْ دون ذلك – وخصوصاً إذا قامت تحت سقف أوسلو والتَّنسيق الأمنيّ – فإنَّ الوحدة ليست في مصلحة القضيّة الفلسطينيّة ولا في مصلحة الشَّعب الفلسطينيّ.
بعيداً عن الانقسام الفصائليّ، الشّعب الفلسطينيّ موحّد على الأهداف الوطنيّة الأساسيّة. وقد رأينا ما فعله بالوضع الفلسطينيّ الصّراع الَّذي قدح شرارته المقاومون في حيّ الشَّيخ جرّاح في القدس ثمّ امتدّ إلى غزّة. لقد أظهر هذا الحدث العظيم توحّد الفلسطينيّين في الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة والأراضي الَّتي اُحتلّت في العام 1948 وفي الشَّتات، على مواجهة العدوّ الصّهيونيّ، وأعاد القضيّة الفلسطينيّة إلى جوهرها الأصليّ كقضيّة تحرير وطنيّ من استعمارٍ استيطانيٍّ إحلاليّ. وعلى هذا الأساس، عاد التَّضامن العالميّ (الشَّعبيّ) مع هذه القضيّة العادلة إلى ألقه القديم.
وثمّة بُعد آخر له تأثير مهمّ الآن على الكفاح الفلسطينيّ ضدّ العدوّ الصّهيونيّ؛ ألا وهو صعود حلف المقاومة مؤخَّراً وبروزه كقوّة حقيقيّة فاعلة، وبروز المقاومة الفلسطينيّة كجزءٍ أساسيٍّ مِنْ هذا الحلف، وازدياد فعاليّتها وقوّتها على نحوٍ غير مسبوق. وهذا ما كان ليحدث لولا صمود سوريا.
إنَّ المهمّ الآن هو الحفاظ على هذه الوحدة الشّعبيّة الفلسطينيّة العظيمة الَّتي رأيناها إبّان عمليّة «سيف القدس»، وأن تتمحور دائماً حول خيار المقاومة. في كلّ تجارب الشّعوب الَّتي ناضلت مِنْ أجل تحرير بلدانها ونفسها، كانت الوحدة المنشودة مِنْ هذا النّوع فقط، وليس وحدة منزوعة الأهداف والمضامين الوطنيّة.
والمهمّ الآن أيضاً، هو تمتين روابط المقاومة الفلسطينيّة مع محور المقاومة، لتزداد قوّته وقوّتها في مواجهة الأعداء المشتركين.
إدارة بايدن والقضيّة الفلسطينيّة 7- هل من الممكن التعويل على تغير الموقف من القضية الفلسطينية مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن؟
• لا أعوّل كثيراً على إمكانيَّة تغيّر الموقف الأميركيّ الرَّسميّ في عهد إدارة بايدن من القضيّة الفلسطينيّة؛ بايدن ممثِّل حقيقيّ للمؤسَّسة الحاكمة الأميركيّة. وموقف هذه المؤسَّسة من القضيّة الفلسطينيّة معروف ومجرَّب عبر العقود والسّنين. التّغيير في موقف هذه الإدارة سيكون شكليّاً ويتعلَّق ببعض مفردات الخطاب الرَّسميّ الأميركيّ في ما يخصّ بعض الحقوق الفلسطينيّة. وسوى ذلك، سيظلّ كلّ شيء على حاله. وإنَّما أراهن على تغيّر موقف الشّعب الأميركيّ أو ما يُسمَّى الرَّأي العامّ. وهنا، يُلاحظ أنَّه في الولايات المتّحدة وفي أوروبّا ثمّة نوع من العودة إلى الوعي بعدالة القضيّة الفلسطينيّة، وإلى رؤية بشاعة الاحتلال والاستيطان الصّهيونيّ. وأعتقد أنَّ هذا سيتصاعد ويتعمّق مع تصاعد المقاومة الفلسطينيّة وتزايد اشتعال جذوتها.
أجرى الحوار هاشم بوعزيز
#سعود_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيطنة كلّ صوت معارِض.. ابتداء من الأحزاب وحتَّى العشائر!
-
فيروز.. أيقونة بلاد الشَّام والعرب والفنّ الرَّفيع
-
المشكِّكون ودرس المقاومة البليغ..
-
جوزيف صقر.. تجربة فنيَّة غنيَّة ومختلفة
-
.. وبراءةُ الأطفالِ في عينيه!
-
رأيُ مُقاطِعٍ للانتخابات..
-
الحيّ والميِّت والفراشة الَّتي تحلمُ بأنَّها إنسان
-
غيفارا كأيقونة.. هل هذا يلغي نموذجَه الثَّوريّ؟
-
ولن يستبينوا الرُّشدَ إلا ضُحى الغدِ[1]
-
القطنُ في الحقول والنَّخيلُ والغمام.. تهديك السَّلام
-
بعد خراب الحافلة.. مشي حتَّى كهفي
-
23 يوليو/تمّوز انقلاب أم ثورة.. وبعض مفارقات التاريخ
-
عندما وُضِعَ زوجُ الحسناء بين براثن الوحش
-
المكارثيّة.. عندما تردَّى رجالٌ وشمخ آخرون
-
الأرواح مقابل الأرباح في زمن كورونا..
-
أحلامُ المنفيين والسجناء عندما ترعبُ الأشرارَ المُتوَّجين وت
...
-
رحلة مؤنس الرزَّاز الأخيرة بعد متاهة الأعراب في ناطحات السرا
...
-
فيكتور هوغو.. وعلى هامشه نابليون الصغير..
-
سيرةُ ابن خلدون بقلمه.. غُربةُ عالمٍ سبق زمنه
-
صِدْق حَيَوِيّ*
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|