|
موقف الشريعة من سن الحضانة
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 6950 - 2021 / 7 / 6 - 13:08
المحور:
حقوق الانسان
بعد ان نشرتُ مادة تتعلق بمقترح تعديل أحكام الحضانة في قانون الأحوال الشخصية النافذ الموسومة (فشل المعالجة التشريعية وأثارها السلبية ... حضانة الأطفال انموذجاً) وردتني بعض الرسائل والتعليقات من بعض الأفاضل من المختصين وغير المختصين ويذكرون فيها بان تحديد سن الحضانة على وفق مقترح التعديل هو حكم شرعي أقرته الشريعة الإسلامية ولا يجوز مخالفته، ولان الدستور قد اقر اعتبار الشريعة الإسلامية مصدر التشريع الأساس على وفق أحكام المادة (2/أولا) من الدستور التي جاء فيها الاتي (أولاً:- الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع) وبذلك فان المقترح هو عين الصواب والنص النافذ مخالف للشريعة الإسلامية، كما أفاد بعض الأفاضل بان سن الحضانة للصبي هو سن السابعة وللأنثى هو سن التاسعة هذا من ثوابت الإسلام وإجماع فقه المذاهب الإسلامية جميعها، وللوقوف على هذه الآراء والتعليقات لابد من الوقوف على وجهة نظر المذاهب الإسلامية تجاه سن الحضانة وهل اتفقت جميعا على حكم محدد ام ان أحكامها شتى ومتباينة، كذلك هل ما عرضه الأفاضل وما ورد في مقترح التعديل يمثل تطبيق لنص الدستوري باعتبار الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع وسأعرض للموضوع على وفق الاتي : أولاً: سن الحضانة عند فقهاء المذاهب الإسلامية: ان المذاهب الإسلامية لم تتفق على سن معينة لتكون حداً لحضانة الأم ومن ثم تنقل إلى الأب وعلى وفق الاتي : أ. أشار فقهاء الجعفرية إلى أحكام عدة منها سن الحضانة للصبي سنتين وللأنثى سبع سنوات، لكنه لم يجعل ذلك مطلقاً بل وردت استثناءات عليه وفي احدى فتاوى سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني إلى جواز ان يبقى المحضون عند حاضنته حتى وان تجاوز سن الحضانة المقرر بسنتين وعلى وفق الاتي (حضانة الطفل بعد مضي سنتين من عمره من حق أبيه خاصة ، ولكن إذا كان الأب يجد ان في فصله عن امه مفسدة عليه ولو من جهة عدم توفر من يقوم بحضانته إلى الوجه اللازم شرعاً فلابد ان يعهد بحضانته إليها ولا فرق في ذلك بين زواج الأم بزوج آخر وعدمه) الفتوى منشورة في موقع مكتب المرجع الأعلى السيد علي السيستاني الإلكتروني (https://www.sistani.org/arabic/qa/0450/) ودلالة هذه الفتوى ان سن الحضانة ليس من الثوابت التي لا يجوز تركها وانما تخضع لظروف المحضون والحاضن. ب. يبنما عند الحنفية ففيه اكثر من قول فبعض الفقهاء قالو مدة الحضانة للصبي قدرها سبع سنين وبعضهم بتسع سنين. ج. اما عند المالكية فان مدة حضانة الصبي من حين ولادته إلى أن يبلغ ولم يحددها بسن معينة، ومدة حضانة الأنثى حتى تتزوج ويدخل بها الزوج بالفعل. د. الشافعية فانهم لم يضعوا حداً لسن الحضانة حيث قالوا ليس للحضانة مدة معلومة فإن الصبي متى ميز بين أبيه وأمه فإن اختار أحدهما كان له ذلك. ه. أما الحنابلة فانهم اعتبروا سن الحضانة سبع سنين على حد سواء بالنسبة للأنثى والذكر. ومن خلال هذا العرض نرى ان مذاهب المسلمين الرئيسية الخمسة لم تتفق على سن معين للحضانة بل وجدنا بعضها أطال بأمدها لحين البلوغ أو زواج الأنثى، وهذا يجعل من القول بان النص النافذ يخالف الأحكام الشرعية قولاً واهناً لا يقوى على الصمود بوجه الحقائق الشرعية. ثانياً: مخالفة ثوابت الإسلام وإجماع الفقهاء: بعض الأفاضل في تعليقاتهم ورسائلهم يشيرون إلى ان النص النافذ يمثل مخالف لثوابت الشريعة الإسلامية لان الدستور اعتبر الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع على وفق المادة (2) من الدستور، وعند السؤال عن ماهية الثوابت الإسلامية تكون الإجابة بعمومية غير واضحة بأنها الأحكام التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة والإجماع، وللوقوف على هذه الثوابت لابد وان نرى هل وجد لها الفقه صور محددة ام انها مازالت محل جدل الى يومنا هذا ومازالت غير محدد وتخضع للرأي والاجتهاد، وسأعرض للأمر على وفق الاتي :ـ أ. عند النظر في مفهوم (إجماع فقهاء المسلمين) فانا نجد انهم اختلفوا في كل شيء على وفق اجتهادهم ومشاربهم العقائدية وهذا الاختلاف كان رحمة لان فيه إثراء للفكر الإنساني يواكب حاجات المجتمع بإطارها القرآني، فاذا وجد في رأي مذهب واحد على خلاف الأخرين فانه يعدم الإجماع ولا تنهض قاعدة الأخذ به لأنه محل إجماع المسلمين ولاحظنا الاختلاف بين مختلف المذاهب واحيانا في المذهب الواحد سواء فيمت يتعلق بالحضانة او بغيرها مما لا يضفي صفة الإجماع على الرأي المقترح للتعديل ، لكن قد يشكل محل اقتناع من فقهاء مذهب واحد دون بقية المذاهب فان الإجماع عليه يكون في اطار ذلك المذهب وليس للشريعة الإسلامية، لأنها تضم اكثر من مذهب واحد وانها قد تتعدى حتى المذاهب الخمسة الرئيسية، وحيث ان النص النافذ في حكمه الواردة في المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية النافذ الذي جعل الحضانة حق للام على وفق التفصيل الوارد فيه ينسجم تماما وحكم بعض المذاهب ومنها الشافعية والمالكية على وفق ما تقدم ذكره الذي لم يجعل سن محدد للحضانة. ب. أما عن القول بان الدستور الزم المشرع باعتماد الشريعة الإسلامية مصدر أساس للتشريع فانه لم يقصد ان تكون الوحيدة وإنما ممكن ان يكون بجانبها مصادر أخرى، فضلاً عن كون هذا النص يقصد به توجيه المشرع إلى أحكام الشريعة الإسلامية كمصدر كلي ينتظم كافة المذاهب الفقهية على السواء، دون التقيد بمذهب معين من تلك المذاهب أو بأرجح الأقوال فيها، وإنما له ان ينهل من كل عيون الفقه الصافية والنقية، بما يخدم الصالح العام وها ما قضت به المحكمة الدستورية العليا المصرية عدة قرارات منها قرار الحكم العدد 10 / سنة قضائية 5 في 3/تموز/1976 وتكرر هذا القول في قرارات لاحقة. وفي ختام القول فان سن الحضانة لم يكن محل إجماع عند فقهاء المذاهب الإسلامية ويبقى للمشرع ان يحدد السن التي يرى فيها مصلحة المحضون وما ورد في المادة (57) من قانون الأحوال الشخصية لا تمثل مخالفة للشريعة الإسلامية كما يروج لها البعض في سعيه لتعديلها، حيث استمعت إلى اكثر من شخص سواء في مجلس النواب أو في غيره يتعلل بهذا القول ويسوقه إلى العامة على ان نص المادة (57) النافذ فيه مخالفة للشريعة الإسلامية مما اقتضى التنويه الى عدم صحة هذا القول. قاضٍ متقاعد
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فشل المعالجة التشريعية وأثارها السلبية (حضانة الأطفال انموذج
...
-
المادة (226) من قانون العقوبات بين الديمقراطية والديكتاتورية
-
الحفاظ على سلامة اللغة العربية واجب على مؤسسات الدولة كافة
-
التعهد بنقل ملكية العقار والاختصاص النوعي في ضوء اتجاه محكمة
...
-
السيء و الأسوء من الرياضة إلى السياسة
-
دعاوى تصديق الزواج وأثبات النسب قراءة فقهية في اتجاهات محكمة
...
-
هل أسهمت أساليب مكافحة الفساد الحالية والتقليدية في العراق ب
...
-
القانون قد يخلد مَّنْ شَرَّعهُ (القانون المدني الفرنسي انموذ
...
-
المفهوم الدستوري والقانوني لمصطلح -الرأي-
-
حرية التعبير عن الرأي العلمي (حالة الطبيب حامد اللامي انموذج
...
-
الفساد في العراق من وجهة نظر أخرى
-
من تراثنا القضائي التليد (منع السفر غير المبرر يكون سبباً لل
...
-
قراران قضائيان في موضوع واحد وثلاثة مبادئ (حوار فقهي)
-
لماذا تتعمد الحكومة إعلان فشلها؟ (الحظر الوبائي إنموذجاً)
-
بمناسبة يوم العمال العالمي القانون يسلب حقوق العمال
-
مفهوم الملائمة الدستورية والعدول عن المبادئ السابقة قراءة في
...
-
الجمعية الدولية للقضاة واليات اختيار المجالس القضائية “Inter
...
-
عندما يتساوى الرقيب والمراقب في صفة الفساد تنعدم الرقابة ( ش
...
-
عندما يرى الحاكم الفاسد في الإصلاحِ فسادا (الشاعر الكبير الج
...
-
رائد الأدب القضائي في العراق المحامي غربي الحاج احمد أول محا
...
المزيد.....
-
يوم أسود للإنسانية.. أول تعليق من الرئيس الإسرائيلي على أوام
...
-
حماس: أوامر اعتقال نتنياهو وجالانت تصحيح لمسار طويل من الظلم
...
-
رفض إسرائيلي لقرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو
...
-
منظمة الفاو تحذر من وصول المجاعة إلى أعلى درجة في قطاع غزة،
...
-
مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت والضيف.. كل ما نعرفه للآ
...
-
مذكرة اعتقال ضد نتنياهو.. أول تعليق من مكتبه وبن غفير يدعو ل
...
-
زلزال سياسي: المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال في
...
-
حماس ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق ن
...
-
حماس تحث المحكمة الجنائية الدولية على محاسبة جميع القادة الإ
...
-
هولندا تعلن استعدادها للتحرك بناء على أمر الجنائية الدولية ب
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|