|
الماسونية ... الحلقة الثانية
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6950 - 2021 / 7 / 6 - 10:48
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
تقدم الماسونية نفسها كشريك أساسي في حياة الناس لتسهيل مهمة الإيمان بالإله الواحد ، محترمة في ذلك كل مناهج القوم وطرقهم في الإجتهاد و البحث والتنقيب ، والماسونية لا تُلزم الناس بإتباع طريقا معيناً ومحدداً في الفهم بل تترك ساحات البحث مفتوحة وهذا ما أشرنا إليه في الحلقة الأولى ، فالشرط الموضوعي للإيمان بالإله الواحد لدى الماسونية ، هو الشرط اللازم الذي تعتمده في ذهنية الإجتهاد والنظر لدى كل طرف ، وهذا يوضح المعنى الدلالي لفكرة الإيمان - بالكائن الأسمى - الذي تحدثنا عنه سابقاً ، ومفهوم الإيمان جدلي بطبعه لدى أصحاب كل الديانات السماوية والأرضية ، وهو كذلك مادام يحقق معنى الإيمان في وحدانية الإله الخالق والإله المعبود ، والذي يؤدي إلى تجريد كل الكائنات من صفة الإله الشريك أو المتعدد ويركز قيمة الوحدانية ، وطبعاً يسري هذا الحكم على كل الآلهه الُمدعاة مهما علت وسمت وتقدست في ذهن اتباعها والقائلين بها . يقول ادغار فوهر : - إن الماسونية تواظب على الربط الدائم بين الإنسان و عمله ، فكل إنسان مسؤولاً عن تصرفاته ونتائج أفعاله - ، و الماسونية تعمل على دحض الفكرة الميثيولوجية و السلبية المنشأ والتي تقول : - إنما المسيح هو الذبيحة عن الخطايا أمام الله عندما ( سفك دمه ومات ) ليدفع ثمن خطايا كل المؤمنين به - جاءت هذه المقولة عند (أفسس 2: 8-9؛ رومية 5: 8؛ ولدى يوحنا 3: 16) ، هذه الفكرة السلبية نفت ان يكون الإنسان مسؤولا امام الله عن تصرفاته ونتائج أعماله ، لكن لماذا قالوا بهذا ؟ ، لأنهم قالوا بان المسيح قد تدارك ذلك وأزاله بفعل دمه والذي كان بمثابة الثمن الذي دفع عن كل خطايا المؤمنين به في كل زمان وكل مكان !!! ، هذه المقولة نفتها الماسونية ودحضتها وعززت بدلاً عنها المقولة المغايرة لها ، والتي تقول : بان الإنسان مسؤولاً عن أفعاله ونتائج أعماله ، وهذا التوجيه العقلاني من الماسونية يلتقي مع المقولة القرآنية التي تقول : - كل نفس بما كسبت رهينة - أو - كل أمرء بما كسب رهين - أو - وكل إنسان إلزمناه طائره بيمينه - ، وبذلك ينتفي هذا الإلحاح التصوري الساذج في كون المسيح هو المخلص من العواقب لجميع المؤمنين به . وفي ذلك يدخل المسيح عليه السلام في دائرة الإنسان المسؤول عن أفعاله ونتائج أعماله ، شأنه في ذلك شأن كل البشر الأخرين وبانه مخلوق مثلهم ، وهو لا يمثل إلاَّ نفسه ، وأما دمه المسفوح فكان بسبب فعل متهور لحاكم موتور في زمانه ، فالماسونية إذن تمهد الأرضية لجعل ميكانيكية الخلاص من الخطايا مرتبطة و مرهونةً بالعمل الصالح من الإنسان ، وفي ذلك تلتقي الماسونية مع القرآن مرة أخرى وهي تحدد هذا الشرط الموضوعي في قبول الأعمال تحت بند - والعمل الصالح يرفعه - فاطر 10 - . وفي المتابعة لما مضى يمكننا القول : - إن المدرسة الإسلامية ربما تأثرت وعلى نحو ما في شروحاتها للكتاب المجيد من نفس المتلقيات والمواقف التي أثرت بتفسير الإنجيل - ، كالقول مثلاً : بأن الكتاب المجيد كله معجزة !! ، والصحيح إن هذا القول مزاجي وعاطفي ولا يحمل في طياته الكثير من الهدوء ، ذلك لأن الكتاب المجيد ليس كله كذلك ، وليس كل فصوله تحسب بنفس الدرجة من هذه الجنبة ، إنما فيه باب واحد أو فصل واحد يمكننا وصفه بذلك وهو - باب القرآن المجيد أو فصل القرآن - ، طبعاً هذا لا ينفي تلك المقولة التي تصف الكتاب كله بانه معصوم ، كذلك ويجب التمييز بين كونه معصوماً وبين كونه معجزاً ، فالقول بأنه - لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه - فصلت 42 ، يدل على عصمته ولا يدل على كونه معجزاً ، و المستمسك الذي يؤيد هذه المقولة هو الإيمان بصحة صدوره ، وما يستند فيه إلى قوله تعالى - وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى - النجم 3 ، وسلامة الإستنتاج هذا تكون فيما لو أعتبرنا ذلك مرهوناً فقط بالدلالة والمصدر وصحة الصدور ، ولا يخلو الأمر هنا من توقف معرفي ذهب إليه نفر من الدارسين الجدد بالتفريق بين الكتاب و القرآن ، والذي يُراد منه حصر مادة العصمة والإيمان بموضوعتي الكيف والأين ، وتجريد الإسترسال الذي كان سائداً في المدرسة الإسلامية ، والذي يمثل رؤية أصحاب الكنيسة في نظرتهم للكتاب كله على أنه مقدس ومنزه ومعجز ، وهكذا تقول المروية عن ثيموثاوس الثانية 3 : 16 على إعتبار إن الكتاب كلمة الله !! . ولكن هل تتيح صفة القدسية هذه إلغاء باقي الكتب من أهل الديانات الأخرى ؟ ، تجيب الماسونية بالقول : لا يجب ذلك ولا يصح إعتماده فليس ثمة إدعاء جماعة بقدسية مالديهم يمثل نسخا وإلغاءً للغير ، ولكن الصحيح هو إحترام الجميع لكن بشرط صحة الإيمان ومايؤدي إليه ، والقرآن المجيد تبنى في ذلك مقولته عن – الكلمة السواء - بعد توثيق ما لدى الأخرين من كتب ومعلومات . من هنا تبدو رؤية الماسونية أكثر واقعية وفهماً لمعنى القدسية المُدعاة عند كل طرف ، وتبدو أكثر عقلانية حين ترفض التزاحم والتعارض مادام الغرض والهدف المطلوب واحد ، يعتبر القرآن المسيح - كلمة الله - ، والعبارة كما هي في لغة العرب ثنائية الدلالة والرسم واللفظ - فالكلمة شيء و الله شيئ أخر - ، و مفهوم الكلمة : من المفاهيم اللسانية ذات القيمة الرمزية والقيمة الدلالية التي تتميز بها ، [ فهي من جهة المفهوم تبدو بديهية التصور ، ولكنها من جهة المصداق تبدو صعبة التحديد ] ، وقد أولت دائرة المعارف البريطانية - الإنسيكلوبيديا - أهمية معينة في ذلك معتمدة على ماقدمته كتب الأولين وحتى بعض الدراسات الحديثة ، وأما - كلمة الله - ومعناها في القرآن المجيد ، فقد وردت وصفاً في هذا الباب لولادة المسيح وكيفية خلقه ، وقد صار هذا الوصف - كلمة الله - معجزة حينما تدخلت في سياق المعنى الدلالي لقوله تعالى - إنما أمره أذا اراد شيئاً أن يقول له كن فيكون - هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ربما تكون هذه العبارة قد إشارة إلى معنى البشارة بولادته ، ويكون قول البعض فيها دال على معنى خلق الله ، وبما أن المسيح هو واحد من مخلوقات الله فهو إذن كلمة منه ، و أما لفظ - الله - ودلالته فهو لفظ عربي خالص غير قابل للإسشتقاق ودال على الإله المعبود ، وقد دلت على ذلك أشعار العرب وتراجم الأقدمين ، ولم أجد فيما أعلم إن لساناً أخر قد أتى بهذا اللفظ ، وحتى الجذر الكنعاني لمعنى الإله إنما ورد على نحو - إيل - . ورد في الإشعار التالي عند كورنثوس الأولة 10: 14 : - إن بولس الرسول يرفض مبدأ تعدد الآلهة ويعتبرها خطيئة بشعة - ، وكذلك قال يوحنا : - إن من يعبدون آلهة متعددة سيهلكون في الجحيم - رؤيا 21: 8 ، ونفس الشيء ورد في القرآن الكريم في رفضه لفكرة تعدد الآلهة ودعوته للوحدانية و التوحيد ، وفي هذا السياق نصت وصايا الماسونية المعروفة على وجوب أن يؤمن كل الأعضاء بإله ما واحد ، و تدعو الماسونية الناس من مختلف الديانات إلى الإيمان بإله واحد ، ولكن كيف يتم الإعتراف والدمج بين دعوة بولس لوحدة الإله ونظرية - الثالوث المقدس - المعمول بها ؟ ، والتي وصفها أنجيل متى ويوحنا بان - المسيح هو الله في صورة إنسان - 1 : 18 إلى 24 ، 1: 1 ، ويعتبر مرقس إن - يسوع هو الأقنوم الثاني في الثالوث المقدس - 1 : 11 إلى 19 ، إذن كيف تتم المزاوجة بين كونه إنساناً كاملاً وإلهاً كاملاً - يوحنا 20 : 28 - ؟ ، كما إن الصلاة المعترف بها لا تكون إلاَّ بهذا الثالوث ، وإن أغضب ذلك غير المؤمنين - أعمال 4 : 18 إلى 20 - .
الماسونية كما القرآن : لا يؤمنون بكون المسيح هو الله ، كما لا يؤمنون بكونه أبن الله ، وهذا الدمج بين هذه الأقانيم الثلاثة - الآب والإبن والروح القدس - ، هو دمج سياسي وقد برر فلسفياً أو روحانياً لطبيعة المسيح المختلفة في الخلق ، وربما مالت الماسونية إلى جوهر تكوين المسيح الذي ورد وصفاً في القرآن بقوله : - إنما مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ..- آل عمران 59 ، لذلك عمدت الماسونية إلى جعل المسيح في نفس درجة القادة الدينين والربانيين ، وتؤدي الماسونية دور المصحح لما طرأ على الفكر الإنساني من معنا هلامي ، حول قضية : هل الإنسان مخطئ بطبعه أم إن الخطأ نتيجة فعله ؟ ، فالمروية الإنجيلية تعتبر الإنسان يولد مخطأً - روميه 3: 23 - ، وإن الإنسان ليس لديه القدرة الذاتية على الكمال الأخلاقي - يوحنا 1: 8 -10 - ، لكن هذا التصور الخطير المفزع دحضته الماسونية ، وأعتبرت الإنسان يولد وهو يحمل جينات للخير والشر ، والغلبة في ذلك تكون من خلال العمل الذي ينشط هذه الجهة على تلك ، ثم إن للعامل البيئي والتربوي وطبيعة فعل الجماعة وما يتبنى من أفكار هي التي ترجح هذه الصفة على تلك ، وتبقى قضية الكمال الانساني قضية نسبية تحددها شروط العمل ونتائجه وليست هي اشياء محددة سلفاً ، وكما القرآن جعلت الماسونية إن شرط الخلاص والنجاة بالعمل الصالح ، كذلك في رؤيتها للمسيح على انه نبي من انبياء الله الصالحين ، ولا تخرج الماسونية عن ما يريده القرآن في مفهومي التورية والكلمة الطيبة والإبتعاد عن الزوايا الحرجة ، بل تعمم مقولة ومفهوم – المؤلفة قلوبهم - ، ويبقى أن نقول إن شعار الماسونية الأزلي هي بهذه العلاقة الدائمة بين المخلوق والخالق ، علاقة تقوم على الوضوح والصراحة والعلم ، ولهذا تبنت الماسونية أدوات العلم والعمل وجعلت العين شاهداً ودليلاً ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الماسونية
-
العنصرية
-
كورونا ... والعراق
-
نظرة محايدة لدعاء كميل
-
مصطفى الكاظمي في ميزان العقل
-
الدجال
-
نظرة في الأصولية
-
إنهيار الحُلم الأمريكي
-
الانتظار في زمن الكورونا
-
سجن الحوت في الناصرية
-
تحذير هام
-
في صراع الهوية
-
الثورة العراقية الكبرى
-
ماذا تعني ثورة العراقيين ؟
-
إنتفض
-
أدعياء الوطنية الزائفة
-
الحراك العراق اللبناني
-
الحروب السخيفة
-
عندما يثور الشرفاء
-
عاش العراق
المزيد.....
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|