المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 6949 - 2021 / 7 / 5 - 08:06
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
بعد حوالي شهرين من الاَن ، ستدخل الأحزاب السياسية في المغرب ، التي يفوق عددها مجموع الأحزاب و السور التي تضمنها الكتاب المقدس عند المسلمين ، و إذا كان القراَن الكريم يتضمن الأحكام الشرعية المفصلة ، فإن هذه الدكاكين السياسية لا تملك مرجعبة فكر و عمل واضحيين ، ما يجعل مناقشة قوانين جديدة، يخضع للمزايدات و المناكفات الفارغة ، و المعارضةُ لأجل المعارضةِ فقط .
إن هذه الكتل السياسية تدخل في دائرة ما يصطلح عليه في النسق السياسي المغربي ببني وي وي bni oui oui و هي كلمة اصطلاحية فرنكوفونية ، تعني السياسيين الذين يوافقون على كل ما يقترحه النظام الحاكم دون إعتراض موضوعي يفرضه الواجب الحزبي ، و تمليه أمانة المشروعية التي تُستمد من أصوات الناخبين ، الذين وضعوا ثقتهم في ذات الحزب؛ مرجعية و برنامجا و أملا في النضال . و هذا ما عبر عنه بعض الأمناء العامون للأحزاب ، كما باقي الفاعلين السياسيين ، الذين اعتبروا أن برنامجهم السياسي لا يمكن أن يخالف ولو بنسبة ضئيلة البرنامج الممنوح –المفروض- من فوق ، فهمم منتخبون ظاهريا من طرف الشعب ، لكن في حقيقة العملية ، هم أعضاء في منظمة الإختيارية التي تُعيِّنها مكاتب الداخلية و الأمن السري ، لتشكيل حكومة صورية و معارضة كرتونية هلامية وفق مقاييس السلطة المخزنية .
سبق للأمين العام لحزب العدالة و التنمية و رئيس الحكومة السابق عبد الإلاه بنكيران أن صرح أن حكومته هي حكومة صاحب الجلالة ، حسب تعبيره الدقيق، وفي جانب اَخر مناوئ شكلانيا ، تحدث أمين عام لحزب سياسي مغربي في كتلة المعارضة ، أنه من معارضة صاحب الجلالة ، حسب منطوقه الحرفي . إننا بحاجة إلى مدخل علمي جديد في العلوم السياسية يوطئ و يقعد لمفاهيم و نظريات مستحدثة في السياسة المغربية ، بعيدا عن أبجديات اليمين و اليسار والإسلام السياسي كما هو في الشرق و الغرب .
نتساءل عن سببية تجريد الأحزاب السياسية من غِطائها المؤسس لها ، ولماذا أصبحت عاجزة عن الدفاع عن مواقفها التي من الواجب أن تُبنى على الميثاق الفكري لا على حبل التوازنات مع سلطة المخزن أو بتعبير أدق ، مع سلطة صاحب الجلالة و معارضة صاحب الجلالة و برامج صاحب الجلالة و أصوات ناخبي صاحب الجلالة ؟
الجواب ينفي السؤال الذي قدمه و اَمن به القيادي الإتحادي محمد اليازغي ، الذي طرح مطلع العهد الجديد سؤال : هل مات المخزن ؟ ليجيب المتساءل بالإيجاب ، و يُصِر على جوابه لحد الاَن ، دون أن تُزحزحه الصدمات السياسية ، ومن تمظهراتها ، تأسيس حزب الأصالة و المعاصرة ، الحزب الإداري المنبعث من داخل دواليب وزارة الداخلية ، و الذي أسسه عنصر فاعل داخل دهاليز السلطة المتوارية ، عُرف بمرجعيته البوليسية السياسية ، بدء بحركة لكل الديمقراطيين ، تلاها حزب الجرَّار ، ثم مستشارا للملك ، لكن في الحقيقة هو جزء من نظام الحكم الحالي ، الذي يتحكم في الأمن و الجيش و فروع الكاب 1 .
الدولة تؤمن بالتعددية الحزبية لأنها المنفذ الاَمن لإنفضاض و تبدد النخبة ، و ليس إيمانا منها باَليات ووسائط الديمقراطية . عديدة هي المرات التي اجترحت فيها السلطة العليا –السلطة المتوارية- مصارف لتفعيل رؤيتها الخاصة بالحالة السياسية ، التي تمنع تَحَكم النخب أو اكتسابها لمصداقية لدى العامة .
أحابيل سلطة المخزن ليست وليدة اليوم ، فمنذ أول انتخابات تشريعية سنة 1963 م ، عرف المغرب ما سمي اَنذاك ، بمرسوم التقطيع الإنتخابي ، الذي حدد خريطة الدوائر الإنتخابية حسب قاعدة أو نظرية التبعية ، التي تفصل بين دائرة حضرية تتميز بنخبة مثقفة وجامعية محيطة بالمعطيات السياسية و التحولات العالمية و التيارات الفكرية التحررية ؛ و دائرة قروية تابعة لسلطة المخزن ، تجهل ألفياء الوجود الجغرافي و الإنساني عطفا على مدخل السياسة ، إنها فئة ضعيفة الإدراك للمفاهيم و التحليل ، لا تملك كفايات و منهجيات بسط حقيقي لسياق المرحلة و المستقبل . أجزم أنه رغم مرور عقود من الزمن ، مازلت فئة الحواريين، إن صح التعبير، لسلطة الدولة ، هي القاعدة الغالبة اليوم ، و إلا لكان المغرب قد شهد تحولا ديمقراطيا حقيقيا ، بعيدا عن تزوير الإنتخابات و فسادها المالي ، و كل أشكال الإهانة و الميغاإمبريالية الحياتية اليومية .
نظرية التبعية ، ستتجلى بشكل واضح إبان الإنتخابات الجماعية سنة 1983م ، حيث سنَّت سلطة الدولة ، بنودا قانونية ، مؤداها ، أن الجماعات الحضارية تنتخب مستشارا واحدا عن كل 885 ناخبا ، بينما تنتخب الجماعات القروية مستشارا واحدا عن كل 375 ناخب فقط . المنوال نفسه نعيشه اليوم ، حيث تم تعديل المادة 84 من القانون التنظيمي لمجلس النواب ، فيما سمي بالقاسم الإنتخابي ، الذي جاء بمستجدين اثنين ، أولهما إلغاء العتبة ، و الاَخر إعتماد عدد الأصوات المقيدة في اللوائح في كل دائرة إنتخابية ، بدل إعتماد عدد الأصوات الصحيحة فقط ، كما كان معمولا به سابقا ، سواء في الإنتخابات التشريعية أو الجماعية و الجهوية .
الأحزاب التي حصلت في الإنتخابات التشريعية السالفة على أكبر عدد أصوات ، رفضت هذا المستجد الذي أدخلته لجنة الداخلية ، و اعتبرته بلقنة للمشهد السياسي ، و منحة للأحزاب الإدارية و الموالية ، لتقاسم المقاعد معها ، بعيدا عن بنود و توصيات الفكر الديمقراطي . في نظري ، أعتبر أن القاسم الإنتخابي هو دعامة لتقوية البناء الديمقراطي و خلق ديناميكية داخل الأحزاب ، فرضها الواقع الإجتماعي أولا ، لأن المغاربة يتعاطفون مع الحزب الإسلامي ، لخلفيته الدينية ، دون أن يكونوا مدركين لحقيقة اللعبة السياسية . و إذا كان الأمر عكس تصوري الشخصي ، وكان المسوغ هو تمهيد الطريق للأحزاب الإدارية مثل التجمع الوطني للأحرار أو الأصالة و المعاصرة ، فلا أعتبر ذلك مبررا كافيا لإنزال القاسم الإنتخابي ، لأن حزب العدالة و التنمية قدم كل التنازلات الممكنة و الغير الممكنة ، و بعد دخوله على الرقعة ، أصبح حزبا مخزنيا أكثر من المخزن نفسه ، فهو لا يشكل أي عقبة أمام تنزيل رؤية الدولة العميقة ، إلا إذا كانت الضغوطات الخارجية ترفض ديمومته و استمراريته ولو في الواجهة ، لأنه في الواقع هو حزب إداري أيضا . كما يمكن أن يعزى القاسم أيضا ، لتنويع الفاعلين السياسيين ، ووصول حزب مقرب من المخزن ، لكن هذا أيضا له انعكاسات ثانية ، لأنه سيسمح بلحاق و حضور الأحزاب الباقية ، مثل فدرالية اليسار الديمقراطي , و باقي الأحزاب اليسارية الأخرى .
الترحال السياسي أو الميركاتو الإنتخابي ، يَرمز لإنعدام الإستقلالية الفردية و الحزبية ، حيث يَبتعد السياسي عن الخلفية التاريخية و الأرضية الفكرية للحزب ، و يَسقط في المفاوضات و الصفقات على أسس التوصية التي ستمنح له ، فتكون غايته تزكيته في الإنتخابات لا نضاله من أجل المبادئ الحزبية . و هذا ما يتأجج اليوم داخل العديد من الأحزاب السياسية ويطفو على الساحة كخلافات داخلية ، منها تيار المستقبل الذي يقوده الأمين العام لحزب الأصالة و المعاصرة عبد اللطيف وهبي ضد منافسه السابق حكيم بنشماس ، واللعبة الدائرة داخل حزب الإستقلال بين أمينه العام نزار بركة و سالفه حميد شباط ، ومن حوامل الخلاف داخل البيت الإستقلالي ، جنوح نزار بركة لمنح التزكية لرجال أعمال و شخصيات نافذة على مستوى الجهات و الجماعات ، و إقصاء المناضلين الحقيقيين الذين شيدوا صرح الحزب منذ المؤسس علال الفاسي ، ما يدل على أن الإنتخابات فاسدة ، مادامت تكتسب وجودها من المال لا الأفكار و البرامج و الأصوات الواعية و المدركة للعملية السياسية ، و هذا ما يدفعني للمطالبة بفرض شروط جديدة على الناخبين ، منها حصولهم على شهادة البكالوريا ، و تنزيل قواعد جديدة منها منع إقامة ولائم أو توزيع مواد غذائية أو ملابس و غيرها ، باسم الحزب السياسي أو الجمعيات التابعة له . لنقل أننا لسنا بحاجة إلى قاسم انتخابي ، بل إلى مواطن انتخابي .
بعيدا عن سؤال من سيكون صديق المخزن الجديد ، هل هو عزيز أخنوش، أم عبد اللطيف وهبي، أم نزار بركة ، أم أن بَركة و كَرامة – نسبة لكرامة الأولياء - الإسلاميين ستضمن لهم ولاية ثالثة ؟ فإن المخزن سيظل متحكما في خيوط اللعبة السياسية ، وسبق للصحافي حميد برادة أن سأل وزير الداخلية الإعلام السابق إدريس البصري ، عن تزوير الإنتخابات ، ليجيب السي إدريس دون تردد ، أنه لو كانت الإنتخابات نزيهة ، لحصد حزب الإستقلال و الإتحاد الإشتراكي جميع المقاعد ، مسترسلا ، أن المقابلة ليست متكافئة بين فريق الخميسات ( أي المخزن) و فريق أجاكس امستردام ( فريق كرة القدم القوي وقتها ) .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟