ُطرح في ألآونة ألأخيرة موضوع وحدة حركة أليسار ألديمقراطي ألعراقية من منطلقات ومفاهيم وطنية مختلفة، ولكنها تجتمع في ألتأكيد على أهمية تحقيقها في هذه المرحلة ألهامة من مراحل ألنضال الوطني، باعتبارها القاعدة ألقوية التي يمكن أن تنطلق منها هذه القوى لبناء عراق ديمقراطي متحرر ومستقل.
بالرغم من أن أحدا لا يختلف على أهمية ألعمل من أجل تحقيق هذه ألوحدة، فلا بد من ألعودة إلى تاريخ نشأة ألحركة أليسارية ألعراقية وخصائصها، لا بهدف ألإضافة بل للتذكير بها لأخذها بنظر الاعتبار عند المساهمة في مناقشة وحدتها، وهو ما تناولته بعض هذه الكتابات.
فمن ألمعروف أن ألقوة ألأساسية في حركة أليسار ألديمقراطي العراقية التي أعقبت ألعديد من ألتنظيمات ذات ألتوجه ألاشتراكي المناهض للاستغلال، كان –ولا يزال- ألحزب الشيوعي العراقي أللذي أدرك منذ تأسيسه في 31 آذار 1934 أهمية وحدته للقيام بدوره ألوطني وتعزيز ألحركة الوطنية ألعراقية، إذ رفع ألرفيق ألخالد فهد شعار( قوى تنظيم حزبكم، قوى تنظيم الحركة ألوطنية)، حيث ربط ألحزب الشيوعي ألعراقي بين أهمية قوته التي تنعكس في وحدته التنظيمية والفكرية وبين قدرة وكفاءة الشيوعيين العراقيين على تعزيز تنظيم ألحركة الوطنية، ولذلك ناضل ألحزب بلا هوادة ضد الأفكار التي استهدفت وحدته ألتنظيمية والفكرية وتمكن من عزل ألتكتلات آلتي نشأت في مرحلة بناء ألحزب من خلال مناقشة ألا فكار والشعارات التي اعتمدتها، وتمكن من عزلها واستيعاب ألعناصر النظيفة منها في صفوفه. وبقي هذا الشعار يحتل مركز ألصدارة في عمل ألحزب في مراحل لاحقة من عمله بعد إعدام ألرفيق فهد ورفاقه ألخالدين، وسجل تاريخ الشيوعيين العراقيين أن أولى الانتصارات التي ساهموا في تحقيقها مع شعبنا ألعراقي البطل في قيام جبهة ألإتحاد الوطني التي مهدت لانتصار ثورة ألرابع عشر من تموز، سبقها ما حققه ألحزب بقيادة ألرفيق الخالد سلام عادل في تصفية ألكتل ألمنشقة عن ألحزب التي حلت نفسها وانضمت أليه، حيث برهن العديد من قادتها صلابتهم المبدئية واستعدادهم أللا محدود للدفاع عن ألحزب والوطن وكانوا في مقدمة قوافل ألشهداء أللذين سقطوا في معارك النضال ألوطني. ولم يعد خافيا على أحد أن ألإخفاقات والانتكاسات التي عانت منها حركة أليسار ألديمقراطي ألعراقية قد ارتبطت بعدم قدرة ألشيوعيين ألعراقيين على المحافظة على وحدتهم ألتنظيمية والفكرية، وعدم تبني برامج سياسية تلبي متطلبات مرحلة ألعمل ألوطني التي تلت إسقاط السلطة ألوطنية لثورة ألرابع عشر من تموز، برامج وطنية قادرة أن تجمع حولها قوى أليسار ألديمقراطي وجماهيرها ألواسعة، وهي المرحلة التي تعدد فيها ممثليها وتنظيماتها، وكانت ألمواقف بينها متعارضة تصل أحياننا إلى حد التناحر.
لذا أعتقد أن الدعوة إلى توحيد حركة أليسار الديمقراطي العراقية في ألوقت ألحالي لابد لها أن تضع أمامها دراسة العقود ألأربعة الأخيرة من تاريخ هذه ألحركة والأحزاب والتنظيمات والتيارات التي تبلورت خلالها بصيغتها ألحالية، والتي يمكن أن نوجز تطورها ومعالمها ألأساسية بما يلي:
1-أن حركة أليسار ألديمقراطي ألعراقية كان محورها وقاعدتها الأساسية ألتيار أللذي يمثله ألحزب الشيوعي ألعراقي، إلى جانب جماهير واسعة من أبناء شعبنا وأوساط المثقفين ألعراقيين أللذين ساهموا بشكل فعال في ألنضال ألهادف إلى ألتحرر والديمقراطية مع تبنيهم لمبادئ تهدف إلى تطبيق مفاهيم العدالة ألاجتماعية التي تتبناها ألاشتراكية، دون أن تجد هذه ألأوساط نفسها مضطرة للالتزام بالحزب أو التبني ألكامل لنظرية ألاشتراكية العلمية.
2- إلى جانب ألحزب الشيوعي ألعراقي عملت أحزاب وتنظيمات أخرى كان في مقدمتها ألحزب ألوطني ألديمقراطي، ضمن حركة أليسار الديمقراطي، وفي مرحلة ألنضال من أجل تحقيق ألتحرر ألوطني ألكامل، التحمت جماهير أحزاب أليسار ألديمقراطي مع بعضها بدرجة كان من ألصعب ألتمييز بينها، برغم ما يميز أحزابها طبقيا، حتى قيام ثورة ألرابع عشر من تموز، حيث بدأت مواقفها تتبلور من خلال ألموقف من ألمهام المطروحة أمام سلطة ألثورة ومحاولة كل من هذه ألأحزاب توجيهها وفقا لموقفه ألطبقي وما نتج عن ذلك من فرقة وطنية انعكست على موقف جماهير هذه ألأحزاب، ودون ألخوض في تفاصيل ذلك فأنه لا يمكن أن يستثنى أي حزب من أحزاب حركة اليسار الديمقراطي من مسؤوليته عما حدث.
3- بعد سقوط ثورة ألرابع عشر من تموز ودخول ألعراق ألمرحلة ألدموية من تاريخه ألسياسي باستلام اليمين المتطرف ألمرتبطة أطراف رئيسية منه بالدوائر ألإمبريالية للسلطة، وصولا إلى نظام صدام حسين ألدكتاتوري ، دخلت حركة أليسار الديمقراطي مرحلة جديدة من تاريخها تميزت بما يلي:
- ظهور اجتهادات مختلفة في تقييم تلك ألمرحلة رافقتا مواقف ألانجرار وراء شعارات لم يتوفر ما يبرر رفعها أو تطبيقها بالصيغة التي طبقت بها، أدت إلى بلورة تيارات متعارضة داخل حركة أليسار ألديمقراطي وبشكل خاص داخل ألحزب الشيوعي العراقي، وإلى ظهور تيارات تحول بعضها إلى تنظيمات مارست استقلاليتها في ألعمل ألسياسي و تقييم طبيعة المرحلة السياسية وكيفية التعامل معها.
- أن حملة القمع ألدموي أللذي مارسته ألسلطة الدكتاتورية أدى إلى انحسار ألعمل السياسي داخل ألوطن والهجرة ألواسعة للناشطين السياسيين في حركة أليسار ألديمقراطي العراقية والحزب الشيوعي ألعراقي بشكل خاص، امتدت إلى قواعدها بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحركة السياسية العراقية، وقد ساهم ممارسة ألعمل السياسي في المنفى بعيدا عن أرض الوطن تعميق (تشرذم) ألقوى ألسياسية العراقية بما فيها قوى ألحركة أليسارية الديمقراطية وتعدد ممثليها، بغض ألنظر عن وزنهم ألحقيقي في الساحة ألسياسية ألعراقية.
- ألتأثير المباشر للأحداث والتغييرات التي شهدتها ألحركة ألاشتراكية ألعالمية والمعسكر ألاشتراكي السابق على التوجهات ألسياسية لأحزاب وتيارات حركة أليسار الديمقراطي العراقية آلتي ولد ت تنظيماتها ألرئيسية من رحم الحزب الشيوعي ألعراقي وتتأثر بتاريخه، منها من أستمر في تبني ألنهج ألماركسي، ومنها من ركب موجة (ألتطوير) التي ظهرت بشكل خاص في أحزاب ألمعسكر الاشتراكي قبل وبعد انهياره ، كما ظهرت تنظيمات أخرى تبنت ألمواقف ألعامة للاشتراكية ألديمقراطية ألمعروفة وخاصة في أوساط المثقفين ألعراقيين الذين عاشوا في المنفى وتأثروا بتقاليده خلال العقود ألثلاثة ألأخيرة من ألزمن، إلى جانب تنظيمات أخرى تبنت مناهج سياسية تركز على ألنضال من أجل ألديمقراطية واحترام حقوق ألإنسان.
أن ألدعوة لتوحيد قوى أليسار الديمقراطي في تنظيم واحد، هي دعوة لتوحيد هذه القوى التي ذكرناها، وهي قوى لا يجمعها موقف فكري موحد يمكن أن يكون أساسا لنظرية الحزب أللذي يدعى لتوحيدها، ولذلك يكون ألسؤال مبررا: أهي دعوة لتوحيد الشيوعيين العراقيون أم توحيد حركة أليسار ألديمقراطي ألعراقية؟ أن ألخارطة ألسياسية لحركة أليسار ألديمقراطي ألعراقية التي أوجزنا معالمها ألأساسية، تظهر أن توحيدها في حزب أو تنظيم واحد يتطلب من كافة أطرافها ألتخلي عن مبادئ أساسية اعتمدتها في عملها ألسياسي وحدد طبيعة تكوينها، وهو أمر لا يمكن تحقيقه في ألمرحلة ألحالية على الأقل، قبل أن تتحسس هذه ألقوى موقعها وحجمها ألسياسي داخل ألوطن، والمبادئ والأهداف المشتركة التي تجمعها مع بعضها، وسيكون توحيد عملها وفق برنامج وطني يهدف إلى إنهاء ألاحتلال ألإمبريالي ألأنكلو- أمريكي وبناء عراق ديمقراطي متحرر هو مرحلة متقدمة في وحدة حركة أليسار الديمقراطي والحركة ألوطنية العراقية. وستبقى وحدة الشيوعيين العراقيين هو ألهدف ألأسمى لتجاوز ما نتج عن أربعة عقود من ألعمل ألسياسي ألمعقد، دون ألاستهانة بأي تنظيم أو كتلة أو تيار يتبنى ألاشتراكية ويرتبط نضاله ألوطني بنضال الشيوعيين العراقيين وتاريخهم ألمجيد، وحدة تأخذ بنظر الاعتبار المتغيرات التي طرأت على ألساحتين ألوطنية والقومية إلى جانب ألمتغيرات في ألحركة ألاشتراكية ألعالمية، وسيكون تحقيق ذلك عاملا هاما لتحقيق وحدة قوى أليسار ألديمقراطي العراقية وإيجاد أفضل ألأطر السياسية والتنظيمية لعملها ألمشترك.
ولا بد لنا في هذا المجال أن نضع أمامنا أن ألمناضلين ألحقيقيين أللذين وقفوا بوجه ألنظام ألدكتاتوري ألمقبور على أرض ألوطن وتحملوا أبشع حملات ألإرهاب والتنكيل، إلى جانب كل ألمناضلين أللذين التحقوا بشعبهم بعد سقوط هذا ألنظام، يتحملون بصورة أساسية مهمة وحدة قوى أليسار ألديمقراطي ألعراقية ودفعها إلى الأمام وفق برامج وطنية وأشكال تنظيمية تلبي متطلبات نضالهم ألوطني لإنجاز المهام ألوطنية ألجديدة لشعبنا التي يقف في مقدمتها إنهاء ألاحتلال ألإمبريالي وإقامة عراق ديمقراطي متحرر.
أما خارج ألوطن، فأن حركة أليسار ألديمقراطي ألعراقية التي لم يتهيأ لها بعد الالتحاق بشعبها داخل ألوطن، تنظيمات وأفراد، مدعوة إلى ألعمل ألموحد من أجل حملة تضامن عالمية مع شعبنا، هو بحاجة أليها ألآن كما كان في ظل ألدكتاتورية والحصار والعدوان، للضغط على ألمنظمات والهيئات ألدولية ألمسئولة عن حماية حقوق ألإنسان والبيئة والعلوم والثقافة، لتتحمل مسؤوليتها في تقديم المساعدة لشعبنا لتخفيف معاناته من فقدان للأمن والنظام ونقص فادح في ألدواء والغذاء والطاقة الكهربائية، والدفاع عن ألهوية ألوطنية لشعبنا ألعراقي التي يراد طمسها وتشويهها من خلال ما تعرضت له مؤسساته ألعلمية والثقافية والتاريخية من سرقة وتخريب منظم، ووضع سلطة ألاحتلال أمام مسؤوليتها آلتي يحددها له القانون الدولي.
أن ألعمل الموحد لتنظيمات حركة أليسار ألديمقراطي العراقية خارج ألوطن في هذا المجال، سيدفع بوحدة هذه ألحركة إلى الأمام ويضعها في تجربة حقيقية على أرض صلبة، إلى جانب كونه مهمة وطنية ملحة مطروحة أمام كل القوى الوطنية ألحريصة على شعبنا ووطننا.
د. حسام ألدين إسماعيل رشيد- هولندة