زياد عبد الفتاح الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 6946 - 2021 / 7 / 2 - 20:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يُفترض أن يلعب الاعلام وتحديداً الاعلام الوطني دوراً في غاية الاهمية في حياة الشعوب ووعيها وثقافتها وفي توجهاتها السياسية وقضاياها الوطنية والتحررية ... وتزداد اهمية الاعلام الوطني ودوره في حياة الشعوب وتحررها ووعيها ولا سيما في دول العالم الثالث التي تخوض صراعاُ مصيرياً وضاريا في مواجهة التضليل الاعلامي والهيمنة الامبريالية والعملاء والرجعيين ... وهنا يُمكننا القول أن الاعلام عموماً بما في ذلك الاعلام الوطني قد ينحرف عن دوره الوطني والتوعوي , وقد يتبنى أهدافاً تبدو وطنية في الشكل والظاهر ولكنها تسيئ في الواقع لوعي الجماهير وتوجهاتها الوطنية والتحررية وذلك الى درجة لا تختلف كثيراً في واقع الامر عن الضرر الذي يُسببه التضليل الاعلامي المقصود .. وهذا ما يحدث بالفعل حالياً في الواقع العربي الراهن ولا سيما عندما يكون الاعلام ممولاً من جهات محلية مشبوهة أو أنظمة عربية أو اقليمية تسعى لترويج مصالحها وأجنداتها وأهدافها باستخدام وسائل الاعلام بغطاء أو تحت رايات قد تبدو في الظاهر وطنية , ولكنها تُحرف أو لا تعكس بالضرورة الوعي الوطني الحقيقي للجماهير ... وهذا ما شاهدناه للاسف بكثرة ولا سيما في السنوات الاخيرة في بعض وسائل الاعلام العربية التي ترفع شعارات وطنية وتُدافع عن القضايا العربية والقضية الفلسطينية , وحتى التي ترفع شعار الواقع كما هو , ولكنها تُروج في حقيقة الامر لاهداف و لأجندات إقليمية محددة لا تخضع بالضرورة للاولويات الوطنية أو لتطوير الوعي الجماهيري الحقيقي ... وهذا مانشهده (على سبيل) في بعض وسائل الاعلام الخليجي التي تُروج بإصرار وبلا خجل للتطبيع مع العدو الصهيوني , أو في بعض الفضائيات العربية كالجزيرة والميادين الموالية لبعض الدول الاقليمية كتركيا والجمهورية الاسلامية في أيران والتي تُروج بوضوح لمختلف أجندات الاسلام السياسي سواء الاخواني منها أوغير الاخواني .
وسنورد فيما يلي بعض الملاحظات التحليلية الهامة لالقاء المزيد من الضوء على الاعلام العربي بما يشمل العشرات من الفضائيات الاعلامية الاخبارية ذات التوجهات السياسية العديدة :
1 . قناة الجزيرة القطرية وهي من أشهر قنوات التضليل الاعلامي الخليجي الداعمة للاخوان المسلمين في المنطقة .. وهي كما نعلم تساند بقوة الاهداف والتوجهات والتدخلات الاخوانية التركية في المنطقة ... وقد لعبت قناة الجزيرة منذ عام 2011 الى جانب العديد من قنوات الرجعية العربية والاقليمية والقنوات الغربية الناطقة بالعربية دوراً قيادياً مُدمراً وفي غاية الخطورة على المنطقة العربية والشرق أوسطية ليس فقط ما مارسته الجزيرة من التحريض السياسي ضد الدولة والقيادة السورية , بل أيضاً وهو الاخطر في التحريض الطائفي والمذهبي وفبركة الفيديوهات والاخبار الكاذبة لتغطية السلوك الاجرامي للجماعات الاخوانية والارهابية المُسلحة في سوريا لتدمير التماسك الاجتماعي والوطني للشعب السوري .... كما لعب الاعلام القطري عبر الجزيرة ولم يزل دوراً خطيراً في دعم توجهات وممارسات جماعة الاخوان المصرية وتحديداً بعد سقوط حكم الاخوان في مصر في صيف عام 2013 عقب المظاهرات المليونية الهائلة التي عمت جميع المدن المصرية رفضاً لحكم الاخوان .. واستمر هذا الدور الاعلامي القطري والتركي التحريضي ليمتدالى الابواق الاعلامية للاخوان المصريين في تركيا (معتز مطر ومحمد ناصر ...) .. كما امتد هذا الاعلام القطري والتركي لدعم الدور التآمري للاخوان في المنطقة الى دول عربية اخرى (غير سوريا ومصر) , ومنها العراق وتونس وليبيا واليمن والسودان وحتى فلسطين ولبنان .
2 . قناة العربية وقناة الحدث السعوديتان وقناة سكاي نيوز الاماراتية ... وهي أيضاً قنوات إعلامية خليجية تروج للاهداف والتوجهات السعودية والاماراتية في المنطقة والتي امتدت في العامين الاخيرين الى ترويج التطبيع العلني والمكشوف مع العدو الصهيوني ... وجميعنا يعلم كيف ساهمت قناة العربية الى جانب قناة الجزيرة ولا سيما خلال السنوات الاولى لاندلاع الازمة السورية في التحريف والتضليل والتحريض الاعلامي المُمنهج .. حيث استغلت السعوديةوقطر قنواتها الاعلامية (بتوجيه غربي) المظاهرات الوطنية المُبكرة التي شهدتها سوريا في مارس 2011 والمُطالبة فقط بالاصلاح الاقتصادي والاداري ومحاربة الفساد .. لكي تستغلها هذه القنوات لتشويه وتحريف حقيقة ما يحدث في سوريا وتوظيف إعلامها كجزء من مؤامرة شرسة وشاملة ومُدمرة باستخدام قوى الاسلام الاخواني والارهابي التكفيري لضرب الدولة السورية وكل مُؤسساتها السياسيةوالعسكرية والاعلامية والامنية والاقتصادية ومدنها وقراها وبنيتها التحتية ...الخ .
3 . قناة الميادين .. وهي قناة رفعت منذ تأسيسها شعار الواقع كما هو .. ورغم أنها بدأت كقناة إعلامية ووطنية بامتياز واتخذت من بيروت مقراً لها .. ولكنها (ولا سيما في السنوات الاخيرة) تحولت بوضوح لتروج للسياسة الايرانية في المنطقة الداعمة لفصائل المقاومة الاسلامية في لبنان والعراق وتحديداً حزب الله اللبناني ولعشرات الفصائل من الحشد الشعبي الشيعي في العراق .. وامتد الدعم الاعلامي لقناة الميادين لفصائل المقاومة الاسلامية المذهبية ليشمل حتى حركة حماس الاخوانية, وذلك في تجاهل إعلامي واضح ومقصود من قبل الميادين وإيران ليس فقط لارتماء قيادة حماس السياسية في أحضان قطر وتركيا اللتان دمرتا سوريا (ولا تزالان) وتتآمران إخوانياً على معظم دول المنطقة , بل أيضاً لتجاهل واضح للدور التآمري القذر الذي قامت فيه حركة حركة حماس في بدايات الازمة السورية من خلال قتالها في مخيم اليرموك الى جانب جبهة النصرة وبعض الفصائل التكفيرية ضد الجيش السوري وبعض الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها الجبهة الشعبية القيادة العامة ... وهنا فمن المُؤكد أن الميادين أصبحت للاسف تلتزم على نحوٍ استراتيجي واضح بالخط السياسي الايراني في المنطقة وهذا ما شاهدناه بوضوح في السنوات الاخيرة سواء في نشراتها الاخبارية وتحليلاتها السياسية المُرافقة وفي نوعية برامجها السياسية أو في نقلها بالتفصيل بجميع نشراتها الاخبارية لتصريحات مُختلف المسؤولين والسياسيين والعسكريين في إيران , لتُصبح الميادين بذلك دون مُبالغة وكأنها ناطقة بلسانها الجمهورية الاسلامية وفصائل محور " المقاومة الاسلامية " في لبنان والعراق المدعومة من الحرس الثوري والمرجعية الدينية في إيران المُمثلة بولاية الفقيه .
4 . قنوات الاعلام اللبناني .. جميع فصائل وأحزاب ومافيات الطائفية السياسية الرئيسية في لبنان تمتلك قنواتها الاعلامية الخاصة التي تبث النشرات والبرامج الاخبارية والمقابلات التلفزيونيةالمُطولة والتحليلات السياسية المُرافقة بما يتوافق للاسف ليس مع المصلحة الوطنية اللبنانية في ظروف الفقر والبطالة والانهيار المالي والاقتصادي والخدماتي التي يشهدها لبنان , بل للتغطية من قبل هذه القنوات على مُمارسات الفئة التي تمثلها من مافيات الطبقة السياسية الحاكمة ... وهذا يشمل للاسف حتى الاعلام الموالي لحزب الله اللبناني (بما في ذلك قناتي المنار والميادين) .. ولكن هذا الحزب " المُقاوم " والذي يُفترض أنه يُمثل طبقة المحرومين في لبنان لم يُساند للاسف ولا حتى إعلامياً حركة الشارع اللبناني الثائر (غير الشارع الطائفي المُتآمر) .. فهذا الشارع لا يزال يُعاني بشدة من الفقر والجوع والغلاء والذل والبطالة وانعدام معظم الخدمات الانسانية من كهرباء ونفايات وأدوية وخدمات صحية وحليب أطفال والموت على ابواب المُستشفيات ...الخ .. وللاسف لم يُساند حزب الله أو الاعلام الموالي له مطالب اللبنانيين من العمال والفقراء والموظفين البسطاء ومُختلف الكادحين وحتى من فئات الطبقة الوسطى التي اختفت تماماً وتحولت الى طبقة من الفقراء وحتي الى ما تحت خط الفقر ... وهنا لم يُميز حزب الله نفسه للاسف الشديد عن أحزاب ومافيات الفساد السياسي الطائفي من خلال تمسكه مع حركة أمل بإعادة تكليف سعد الحريري لما يزيد عن ثمانية شهور .. وهو الذي ترأس سابقاً الحكومات اللبنانية لسنوات طويلة سادها النهب والفساد والعمالة للخارج وحتى مُساندة الارهاب التكفيري والعداء لسوريا .. وهنا تجاهل حزب الله أن الحريري يترأس تيار المُستقبل الذي يُمثل الى جانب حركة أمل والحزب الجنبلاطي والكتائب والقوات اللبنانية أكبر بؤر العمالة للخارج والانتهازية والفساد الطائفي .. كما استمر الحزب للاسف في تحالفه المذهبي مع حركة أمل ونبيه بري الذي يُعتبر من أسوأ شخصيات النفوذ والنهب والفساد في لبنان .
5 . ما تبقى من فضائيات الاعلام العربي في الدول العربية الاخرى يشتمل على العشرات من القنوات الفضائية التي يتم بثها من مصر والعراق والاردن والسودان واليمن وليبيا وتونس ...الخ وهي لا تختلف كثيرأ في تأثيرها عن ماذكرناه سابقاً حول مصداقية وفساد واشكاليات الاعلام في العالم العربي عموماً .. ولكن مع استثناء محدود جداً لبعض المحطات الفضائية أو المواقع الالكترونية القليلة التي تُحاول قدر الامكان الالتزام بالقضايا الاعلامية الوطنية على الصعيد السياسي أو الاقتصادي والتنموي .. وغالباً ما تكون هذه المواقع غير معروفة أوغير مشهورة على نطاق واسع .. وعادة يقتصر تأثيرها ونشاطها فقط على المستوى القطري المحدود .
6 . ما يُعانيه الاعلام العربي من إشكاليات الانتهازية والتبعية والمصداقية والتوعية الجماهيرية وغياب الدعم الحقيقي للقضايا الوطنية الهامة على الصعيد السياسي والاقتصادي والتنموي يعود في أسبابه الرئيسية الى :
أولاً . الى الممارسات الديكتاتورية لمعظم الانظمة العربية والخوف الحقيقي من قمع السلطات الحاكمة
ومن الرقابة الاعلامية المفروضة على وسائل الاعلام .
ثانياً . ضعف اليسار والاحزاب والقوى الوطنية والتقدمية عموماً في العالم ىالعربي وغياب العمل الجبهوي
بين هذه الاحزاب على الصعيدين الفكري والاعلامي .
ثالثاً . عدم التواصل والتنسيق بين النخب الفكرية الوطنية في العالم العربي على الصعيدين القومي
والقطري ولاسيما من خلال عقد ندوات وحوارات ومؤتمرات تُناقش أهم القضايا المُعاصرة التي
تهم الشعوب العربية في التكامل والوحدة والتنمية الاقتصادية ومُختلف القضايا الوطنية والتحررية .
رابعاً . ضعف وغياب الدعم والتمويل المالي الذي يضمن بقاء مختلف وسائل الاعلام العربي الوطني
والمُلتزم بقضايا الجماهير من الانحراف نحو التضليل والانتهازية والتبعية لجهات عربية أو إقليمية أو
حتى دولية والترويج الاعلامي لاجنداتها واهدافها السياسية .
#زياد_عبد_الفتاح_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟