|
مصر التي تسرطنت
عبد العزيز نايل
الحوار المتمدن-العدد: 1638 - 2006 / 8 / 10 - 03:54
المحور:
المجتمع المدني
لا أعرف ما الذي شدني وشغلني دوما بمقارنة الحالة المصرية الآن بمرض كالسرطان ... فلقد افترضت أن الحالة المصرية الآن بما آلت إليه من السوء والترهل وتحلل كافة البني اللازمة لإضفاء صفة الوطن علي مصر والمصريين لأنك إن راقبت المصريين عموما فستعرف أن الوطن قد مات فيهم وقد أصبحوا جزرا كل واحد فوق جزيرة صغيرة معزولة تماما تحكمهم في علاقاتهم أساليب الغرباء وإن دققت أكثر فستجد أنها علاقة العدو بالعدو وذلك ما رأيته بوضوح بعد عودتي من سفر طويل تسبب في أن يمنحني ميزة رؤية المتغيرات بين وضع سابق والوضع اللاحق في مراقبتي لكل مستحدث وجديد حدث في مصر أثناء غيابي فقد وجدت مجتمعا أخر غير الذي أعرفه ووجدت أناسا بملامح مختلفة وتعبيرا جديدا بالجسد والأيادي واللغة أكثر اختلافا كانت أبرز هذه السمات التي ما عهدتها في شعبنا هي هذا العبوس وهذا الإكتئاب الذي ارتسم علي خدود الناس حاولت التبرير والتفسير لما حدث من تغيير فلم أجد سوي أن مصر قد أصيبت بمرض السرطان وتساءلت لماذا مرض السرطان بالتحديد وبالتداعي بين الأسئلة والأجوبة تبين لي أنه لابد أن يكون السرطان مرضا اجتماعيا .يستحدث بسبب خلل العلاقة بين الخلايا يصيب البنية وعندما يستفحل يهدمها وتموت وذلك ما يتم تحديدا في مصر وبين المصريين فعندما تعرف أن منشأ السرطان في الجسد إنما يتأتى عندما يتسلط فساد النظام علي الجسد سواء كان نظاما غذائيا أو نظاما نفسيا فيتسبب الفساد في الإخلال بالقانون الطبيعي الذي تجد الخلايا فيه إمكانية الحياة المتوازنة وتوضيحا لذلك إذا أخذنا الخلية الواحدة في الجسد الواحد كنموذج نبني عليه تحليلنا فإن الخلية من أجل أن تتوازن وأن تكون في أحسن حالاتها فإنه يلزم لها أن تأخذ وتمد بكاقة احتياجاتها الغذائية من بروتين وخضروات و فاكهة علي سبيل المثال فلو أنك مددتها بالبروتين فقط أو بالخضروات فقط أو بالفاكهة فقط فإنك بحرمانك إياها عناصر ضرورية لتوازنها تكون قد دفعت بها إلي البحث عما ينقصها فإن لم تجده بشكل طبيعي فإنها تحاول استلابه ذلك ما يدفعها إلي التوحش والهجوم علي جيرانها باحثة مجنونة عن احتياجها وعن الذي حرمت منه ضاربة عرض الحائط بوظيفتها الأساسية وهي تلك الواجبات في أحداث الانسجام والتناغم مع جيرانها وشقائقها ليكتمل الانسجام الكلي والتناغم الكلي للجسد كله محدثة شرخا ونقصا في هذا التناغم لأنها مهمومة أولا بحاجاتها الفريدة والتي استلبت منها من وجهة نظرها وهي في الحقيقة كذلك وليت الأمر ينتهي عند هذا الحد بأن تتوحش وتستلب ما تحتاجه من جارتها لكن الأمر يتعقد أكثر حينما تستلب من جارتها ما تحتاجه فتتحول جارتها بفعل هذا الاستلاب إلي أن تتوحش هي أيضا في البحث عما افتقدته دفاعا عن وجودها هنا أستطيع أن أقول أن منشأ السرطان في الجسد إنما يستحدث لأسباب دفاعية تقوم به الخلايا التي اجترئ علي حقها في الحياة وليس توحشا قد أتت به المصادفة وليس توحشا غير معروف الأسباب كما يزعم الطب الحديث وإنما هو توحش جاء نتيجة لعدم إشباعها اي الخلايا حسب قوانينها البنوية وفي حالة كهذه تصبح حركة الخلايا عشوائية في سعارها المجنون باحثة عن عناصر وجودها وتمام صحتها أي أن كل خليه تتصرف وفق منطقها الذاتي والخاص بها بعيدا عن كونها خليه محكومة في نظام يمنحها الصحة وتمنحه من خلال دورها المتناغم صحته في هذا الموقف يصير هذا الحراك المتفجر بالأنانية والذاتية وضياع التناغم والانسجام العام بداية الانهيار للجسد كله. وبنفس المنهج نلاحظ ونحلل ما آلت إليه الأوضاع في مصر منطلقين من التشابه العميق بين تفسيرنا لحالة السرطان في الجسد وبين ما يحدث في مصر الآن فقد استلب المصري علي المستوي الشخصي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا أي أنه أصبح ذات يوم فوجد أنه قد افتقد عناصر بقائه أو عناصر تحققه كإنسان وبدلا من أن يكون دوره هو إحداث التناغم العام أصبح أكثر تكثيفا في الخروج علي النظام الثقافي والسياسي والاجتماعي مسعورا في البحث عن عناصر وجودة الشخصي غير مكترث بأنه في حركتة العشوائية مع الملايين غيره في حركتهم العشوائية أيضا قد تسبب ذلك في انهيار ماهية الوطن الأم وبنيته متحولا هذا الوطن عقب الانقلاب الذي اتسمت به وحداته وأفراده إلي ساحة من الفوضى تترهل يوما بعد يوم فقد أصبح الوطن الذي يستمد صفته وحقيقة ماهيته من كونه كيانا يصح بصحة مفرداته وخلاياه من أبنائه إلي مسمي رمزيا أجوف سبة علي أفراده وأفراده سبة عليه ثم أمضي في تساؤلي هل كنت أبحث عن فهم لمرض السرطان مهديا هذا الفهم للأطباء أم كنت أبحث عن فهم للحالة المصرية فاهديه للعلماء والباحثين والسياسيين الذين يستهدفون إصلاحه اختلط الأمر علي وتوحدت الأهداف لأنني لم أكن بصدد حالتين بل أنا بصدد حالة واحدة وهي فهم قوانين الانهيار في المجتمع وفي المرض واعتقد أن العلاج في كليهما واحد فقد يكون البتر صحيحا في حالة متقدمة من المرض والبتر نفسه جائز وصحيح في مجتمع ما لتلك العناصر المهيمنة والتي تصنع أنظمة فاسدة فتفسد حركة الأفراد فيها وبالتالي يصير فساد جسد الوطن كله أمر حتمي وقد يكون العلاج لمرض السرطان بالعودة لإشباع الخلية التي افتقدت للعناصر الضرورية لحياتها كما في مدارس الطب البديل وكذلك في المجتمعات بالبحث عن الطرق والوسائل في الثقافة والسياسية والديمقراطية للعودة لإشباع احتياجات الفرد من كافة العناصر التي تحقق له وجودا حقيقيا مستعيدا به توازنه وهنا يستطيع مجمل الأفراد أن يتعايشوا في الانسجام والتناغم الذي تصح به بنية الوطن. وفي الختام هل الحالة المصرية هي التي أرشدتني لفهم أسباب وعلاج مرض السرطان أن ما يحدث من تغيير وتوحش في الخلايا في مرض السرطان هو الذي أوحي لي بفهم ما يجري في المجتمع المصري .. علي أي حال فإن كليهما قد أضفي علي الأخر فهما جديدا بالنسبة لي .. وهذا الفهم جعلني أترفق بحالة المصري الذي كنت حتى الأمس متحفظا عليه كل التحفظ متهما إياه بالتوحش والكذب والخداع والفهلوة والبلطجة عرفت الآن إنها كلها وسائل يبحث بها عن نفسه منفردا ولا أحد يؤازره في بحثه عنها ... محذرا من التحول الذي بدى ظاهرا للعيان في المواطن المصري فقد غدا شبيها كل الشبه في تحولاته بالخلية السرطانية وهو الآن متوحش مثلها يلتهم كل ما في طريقة علي قدر طاقته وذكائه وعلاجه ليس بالبتر لأنك ستبتر مجتمعا كاملا بل يكون بتر الأسباب والدوافع وتلك الخلايا التي توحشت في هذا المجتمع منحازة إلي صفتها الجديدة والتي لن تستطيع العودة إلي ما كانت عليه من كبار المستغلين وأصحاب المصالح الكبيرة والمتواجدين في الجهاز الحاكم مستخدمين كافة المعطيات الثقافية والاجتماعية والسياسية والقانونية للضغط علي بقية المواطنين للتحول السرطاني لإشاعة مناخ الفوضى والأنانية هذا المناخ الذي يبدو ملائما ومناسبا لاستغلال كل الشعب وكل المواطنين حتى الذي تحول كمواطن سرطاني لا يدري أنه يعمل لحسابهم وعليه أن يكتفي بالفتات تاركا لهم كل شيء .. ناسيا متناسيا يوم كان خلية أو مواطنا يصوغ أجمل أشكال الحياة مع بقية الخلايا أو كل المواطنين على ارضه من أجل مصر أجمل وأفضل
#عبد_العزيز_نايل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمة حقوقية تشيد بمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائي
...
-
بايدن يعلق على إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتني
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|