|
سوبر الحداثة وشهوة الافكار الممكنة
علي حسن الفواز
الحوار المتمدن-العدد: 1638 - 2006 / 8 / 10 - 03:45
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لاشك ان المعرفة لانهائية وغير محدودة ، وان المعرفي هو خاصية التواصل في ادراك كل الممكنات واللا محددات التي تسعى الى اثبات قدرة الانسان/ صانع المعارف على التعاطي مع الممكن الجامع للتضاد والتآلف ،على اساس انه الروح الكينوني للجسد والهيولى ،والباعث الازلي على اجتراح الافكار والقيم والمفاهيم في ضوء وجودها الفيزيقي الثابت في التجربة وفي ضوء ما تصنعه احتمالات الوجود من توليدات هي جزء من سيولة المعرفة والافكار الدائمة الجريان .. هذا التوصيف البانورامي لسيولة الافكار الممكنة وحريتها في ان تتجاوز الحتمية واللاحتمية اللتين اشاعتهما طروحات الحداثة وما بعدها،، هو الاساس (النظري) المعرفي والفكري الذي حاول ان يؤسس عليه الباحث والمفكر حسن نجمي قراءته لمذهب ( السوبر حداثة) او فن التفكير الممكن !! في كتابه الجديد ( السوبر حداثة/ علم الافكار الممكنة)،،اذ ينحوعبر هذا المذهب الى استخدام كل المناهج والافكار الممكنة باتجاه نوع من المعرفة المفتوحة الكليانية والفردية ،معرفة الذات والموضوع والعلم والصورة والعالم والافكار ، من منطلق اباحة الفكر امام الممكن ،واباحة العقل امام اللامحدد ، واستخدام برغماتية الوعي الى اقصاها بعيدا عن اية حدود قد يضعها العقل الوضعي او المنطقي ، وتجاوزا لثنائية المقدس والمدنس والمقبول واللامقبول والمحدد واللامحدد ،لان هذه الثنائيات كما يراها عجمي هي جزء من الموروث الاشكالي للعقل الغربي المتمثل في مذاهب كانت وهيغل وميكانيكا الكم ،ولذا فان الاندفاع نحو طرق تفكير جديدة ومغايرة هو تاكيد على لا نهائية المعرفة اولا ومحاولة استباقية في تجاوز مأزق الاشكاليات القديمة في المناهج التقليدية التي تعرضت للزوال ثانيا، حتى تبدو( السوبر حداثة) وكأنها اللامنهج او المنهج اللامحدد باطر وكيفيات محددة ! وهذا ما يجعل هذا المذهب الجديد امام كل الافكار الممكنة والمناهج الممكنة بدءا من مناهج وافكار عصر التنوير وعقلانية الحداثة وانتهاء ب(ما بعد الحداثة )ولاعقلانيتها الفاضحة في نماذجها التفكيكية وما بعد الكولينيالية ونقدها لكل المركزيات في النظم السياسية والتاريخية والجنسانية والدينية دون الحاجة الى برهان او شروحات ثانوية!! والتي تحولت الى آليات تكرس تفكيك علاقة العقل بالواقع وتقويض المقدس في الذات والايقونة والميتافيزيقيا .. ولكن مذهب( السوبر حداثة) كما يراه حسن عجمي اراد ان يضع الكل في سلة واحدة ويقترح ازاءه( سوبر انسان)و(سوبر معرفي) ربما هما الوحيدان اللذان يملكان حيازة الاختيار والتوافق والتعالي دون استحضار فعل المسؤولية و الارادة كما يفهمها الوجوديون ،او الضرورات الاخلاقية في اطارها المسيحي البروتستناني كما فهمها المحافظون الجدد ومنهم فرانسس فوكوياما ،،لانها ستكون عندئذ اختيارا (فكرويا ) للكائن المتعالي الذي لايعود الى الوراء و لايحدّه المحرم والمقدس ، وهو ذاته الذي كان يخشى منه فوكوياما حين انتقد الثورة الجينية الجديدة وقال انها يمكن تصنع انسانا غير طبيعي ،له جوهر ولكن له قطع غيارغير جوهرية !!!! ان طروحات السوبر حداثة تدعو مريديها الذهاب بعيدا في الثورة والتمرد والسعي الى اللامحدد في النص والمعرفة من منطلق ان كل شيء ممكن !!! وان الجسد المعرفي والجسد الانساني مباحان الان لنزعات هذه الثورة الممكنة في شياطينها وملائكتها حتى وان كانت ثورة على (سستم) الصبغيات المورثة التي يمكن ان تفكك المنظومة المفاهيمية والاعتقادية والجنسانية لسر الخلق وجوهره وتضع الكائن والفكر والجسد واللغة امام نزعة تدميرية ل(الانفموميديا) الرغبوية المتعالية و الغرائزية ... ومن هنا فان حسن عجمي يحمل خطابا تبشريا بنهاية العقل المحكوم بعناصره البيولوجية والتاريخية مثلما يدعو الى نهاية النص والعلوم والوقائع والفلسفات والمعتقدات واللغة غير الشيئية والفنون والاداب التي ليس لها قدرة حمل جينات العقل التوليدي وربما هو اعلان عن موت منظورات الحداثة بافقها المعروف ،ولا عقلانية (ما بعد الحداثة) بمفهومها في النقد والتفكيك ، لاجتهاده في ان هذه النهايات،التي تقترن بازمة الانسان الاخلاقي المعاصر،تمثل المجال لاعلان لطرح فلسفة اللامحدد التي يضعها جوهرا في تسويق (علم الافكار الممكنة) باعتبار ان العقل محدود في انتاجه العلاماتي واللغوي،وان الممكن هو تفجير للاحتمال في صناعة عالم جديد تتفكك فيه الدول التقليدية الضعيفة باتجاه اعادة انتاج الامبراطوريات باعتبارها الاقوى وهي الاكثر تعبيرا عن خصائص المكونات العسكرية والوجودية ،وتتفكك فيه اللغات والمعارف والاثنيات والانواع والمعاني باتجاه نوع (ما بعدي) يبرهن على عدم وجود الثابت والمحدد ، باعتبار ان المحدد قد اقترن بكل الظواهر الزائلة بدءا من انهيار فكرة الانتاج والتلقي التقليدية القائمة على اساس المعرفة المححدة وانتهاء بزوال الاتحاد السوفيتي وتفكك المنظومة الايديولوجية للشيوعية .. وهذا الطرح ينفي كل تأسيس للمعارف والفلسفات والعلوم التي جاءت مع حركة الانسان وثوراته النوعية وكشوفاته الهائلة وتأسيساته للقيم والمفاهيم ،،ورغم ان التغايرات المعاصرة قد وضعت الانسان امام احتمالات فائقة وفاضحة في اعادة انتاج كينونته الوجودية ، الاّ الحديث عن تفكيك كلياني ولا محدد يضع الانسان امام احتمالات تدميرية ، يكون اشبه بفرض سلطة الرأسمال وقوى المهيمن العسكري والطوبوغرافيا الغربية على الجميع ، لان هذه السلطة هي الوحيدة التي تملك اللامحدد والممكن ، والمطابخ المعلوماتية والروبوتية لانتاج الفكر الفائق والانسان الفائق الذي يهمن بشروطه وممكناته ، وربما يصبح التفكيك الشرطي جزءا من قوانينه ،باعتبار ان هذه السوبر حداثة هي جوهرها انتاج سلطة عليّة ، لاتعاني من صراع المنظومات ، ولاتعاني من الثنائيات الازلية التي جوهرها اخلاقي ،،اي ان هذه السوبرانية ستنتج لنا بطلا لا اخلاقيا ، وعلما يتسع لاقوياء هم اصحاب نظريات مابعد الامبريالية !!!! انا اؤمن بلا نهائية المعرفة واؤمن بحقيقة الحرية كوعي وارادة واجراء ، واؤمن بضرورة تجاوز الكثير من موروثات العقلانية التقليدية ، والافكار التي انتجت لنا نظما ثقافية اعتقادية واخلاقية ، ولكن هذا الايمان لايعني وضع الانسان في منطقة اللامحدد الكامل الذي يعيده الى منطقة الشك والتناقض ووضعه امام شروط رحلة سحرية البحث عن بطولة تتجاوز المكان والمعرفة والنص . لقد وضع حسن نجمي مخياله المعرفي الحاذق في سياق اشكالوي انطلق منه لتأسيس مجال مفاهيمي يستوعب الاطر النظرية للعلوم الصرفة والعلوم التجريبية والانسانيات واللسانيات ومفاهيم الصراع السياسي ، ولعل جوهر مجاله يقوم على الاحتفاء بقوة العقل الفرد وليس العقل الجمع باعتبار ان الجمع منتج للمحدد والثابت وسلطة الاكثرية القامعة ، اذ انه يعمد الى ضرورة تفكيك قوة العقل الجمعي الى وحدات تضمن فيها الاقليات حقوقها وحريتها ، لايما نه ان الديمقراطيات لايمكن ان تنتجها السلطات الشمولية والجماعية !!، وهذا الفهم يؤكده في التعاطي مع اللغة والنصوص ذاتها باعتبار ان اللغة والنصوص المحددة هي منتجة معارف كاذبة ، وانه يسعى الى التعاطي مع اللغة التي تستبدل مفهوم (الاشياء) بمفهوم (الاحداث) على اساس ان( معلوماتنا الاولية تقول ان الاحداث موجودة في العالم و لاتقول ان الاشياء موجودة في العالم) كما يقول نجمي .. ان طروحات حسن نجمي تثير الكثير من العصف الذهني وتدعونا لاسئلة مريبة حول افكارنا ومناهجنا وقرة الانسان التفسيرية والحجج المعرفية التي يمكن بها التوافر على شروط القراءة ، مثلما يجتهد في وضع الممكن الفكري والنظري في المعرفة والعلوم امام الانسان في عصر ( السوبر حداثة ) كما يقول ، من منطلق ان العالم المعاصر بحروبه وهزائمه واشكالاته يحتاج الى ثورة عاتية وصدمة تفوق قدرات عقله المنطقية و البنيوية ، تؤمّن له شروط البقاء في هذا العصر السوبراني ،حافظا لنوعه من الزوال في صراعه مع (الروبوت ) وتمحنه القدرة على الاحساس بلا نهائية معارفه وكشوفاته ، ولكن الخروج دون ثياب العائلة الى العري الكوني سيفقد الانسان اطمئناناته القديمة واخلاقه التي فقدها في الطريق الى حروبه العصابية !!! نحن احوج الان الى بطل اخلاقي والى معارف تؤمن لنا الاحتفاظ بجلودنا العتيقة دون قطع غيار حتى ولو كانت ممكنة !!!!!
#علي_حسن_الفواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بيروت وثقافة الحرب السادسة... الحملة الوطنية لمواجهة الهجمة
...
-
ثقافة اوهام الدولة وخواء النخب السياسية
-
عمارة يعقوبيان/الحياة خارج اللزوجة
-
المجتمع المدني / الحقائق والمعطيات
-
محمد حلمي الريشة/ شعرية الذات الرائية
-
العلمانية....اشكالية الدولة واسئلة الوعي..................مح
...
-
خطاب الليبرالية /قراءة في التاريخ /مواجهة في الازمة
-
المثقفون واحلامهم المباحة
-
المجلس الاعلى للثقافة في العراق/ الاسئلة والنوايا
-
الغزو الثقافي وصناعة الوهم
-
الطبقة العاملة ضرورات الوعي واشكالات الواقع
-
الحوار العربي الكوردي قراءة في صناعة الدولة الحضارية
-
كمال سبتي/ الموت عند سيولة المنافي
-
المثقف العراقي جدل الهويات وازمة الحاكمية
-
محمد الماغوط شاعر الرثاء الكوني
-
الصداقة //الانسان وتعدد المرايا
-
حسين القاصد الكتابة عند مراثي الصوت
-
الكتابة عند صناعة المنفى في شعرية كمال سبتي
-
وعند دارفور الخبر اليقين
-
الطفولة العربية / اسئلة عن حياة صالحة
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|