أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - الجنودُ القُرّاء في باصات الحرب














المزيد.....

الجنودُ القُرّاء في باصات الحرب


عماد عبد اللطيف سالم

الحوار المتمدن-العدد: 6940 - 2021 / 6 / 26 - 21:58
المحور: سيرة ذاتية
    


في ذلك الزمان "القديم" ، كان هناك صنفان من الجنود "القُرّاء" الذين تراهم معزولينَ "مُتوَحِّدين" وهم يجلسونَ بوجومٍ وتوتّرٍ واضح على تلك المقاعد الرثّة في باصات الحرب. الصنف الأوّل هو تلك "الأقليّة الهائلة" من الجنود "المُثقفّين"(غير العضويّين) بسحناتهم المتجهّمة، التي كان فيها دائماً ما يُرعب الفتيات، وبوجوههم تلك ، الأكثر وعورةً من الأسلاك الشائكة، والأكثر خطورةً من ألغام VS 50 المضادة للأشخاص(وهي الألغام الشبيهة بقرص "الهمبورجر" الذي كان يبيعهُ "أبو يونان" في أيّام البهجة)،و التي كانت تدخل الى "موقعك" دون استئذان في الأيّام المطيرة، وتنفجرُ تحت قدميك المغموسة بالطينِ والسَبخِ والسَخام.
وهذا الصنف من الجنود القرّاء ، حتّى السيدة "سيمون دو بوفوار" لن تتمكّن من فكّ شفرة التواصل معهم ، مهما بعدت المسافةُ وطالَ السفر.. وأحدهم قطع المسافة بين "كَراج النهضة" في بغداد ، و "كَراج ساحة سعد" في البصرة .. وعلى امتداد 600 كم كان هذا "المخلوق" المهدّد بالإنقراض يقرأ كتاباً لـ "هوسرل" عن "الظاهراتيّة" ، بينما كانت المرأةُ التي تشاركهُ ذات المقعد تختلِسُ النظر اليه وإلى كتابه طيلة 6 ساعات ، دون أن تتمكّنَ من فهم شيءٍ منه ، أومن "الفينومينولوجيا" التي كان غارقاً فيها حتّى أذنيه.
الصنف الثاني من الجنود "القرّاء" ، هم أولئك الذين كانوا يشترون(أثناء اجازاتهم الدورية)، تلك المجلات الخاصة بالموضة والفن( الحسناء ، الموعد ، الشبكة، شهرزاد ، سيدتي ، حوّاء ، الرشاقة ، الشرقية..).
كانت تلك المجلات باهظة الكلفة بالنسبة لجنديّ .. ولكن لا بأس ، فالهدف أغلى وأجمل بكثير من كلفة شراء مجلّةٍ ستقضمُ أكثر من نصف الراتب(أو الدعم العائليّ) الضئيل أصلاً.
في باصات "المرسيدس" و "الكوستر" و "الريم"(لجميع الحروب) ، وفي قطارات الحرب العراقية الإيرانية (حصراً)، كان الجندي يسعى جاهداً للجلوس قرب امرأةٍ أو فتاةٍ ما ، ليشعرَ بشيءٍ من الألفة، أو ليخترعَ صلةً مستحيلةً مع "الأنثى" التي تجلس إلى جواره.
وفي طريقه الطويل الى "وحدته" العسكرية(في أقصى شمال العراق ، أو في أبعد نقطةٍ في جنوبه وشرقه)، سيحاولُ هذا الجندي(من خلال استخدام تكتيكات "حركيّة" خاصّة بالجنود) تصفّحَ واستعراض تلك المجلات، مائلاً بها وبجسده نحو الجسد "الآخر" الذي يجلس على مقربةٍ منه.
أحياناً(وليس دائما) ، تحاولُ جارة المقعد "الترحاليّ" اختلاس النظر الى مجلة الجندي المجاور.
في أحيانٍ نادرةٍ قد تشاركهُ التصفّح والقراءة.
وفي لحظةٍ سحريّةٍ – عجائبيّةٍ (لا تحدثُ إلاّ في قصص الجنيّات) قد تستعير من "جارها" مجلّته، أو تتبادلُ معه الحديث بصدد ما رأته فيها.
يستجيبُ الجنديُّ "الحالِمُ" لهذه الإحتمالات الثلاثة ، وينغمسُ فيها بحواسّه الست ، ويبدو مُستعِدّاً لها ، أكثر من استعدادهِ للخوض في الحروب التي لا تعنيه، والتي يمضي صاغراً اليها.
في أكثر الأحيان ، لا يتحقّقُ أيُّ "هدف" من أهداف شراء المجلّة .. يبقى الجنديّ "يُوَرِّقُ" الصفحاتَ ساهم العينينِ، كسيرَ القلب ، بينما "الجارةُ" لا تلتفت، ولا تعرفُ حتّى جنسَ المخلوق الذي"يلوبُ"على بعد شبرٍ منها. أحياناً ينجحُ الجنديّ في استدراج "جارته" إلى تبادل بعض الكلمات، أو إلى تبادل المجلاّت ، أو إلى الذوبانٍ تماماً في ألفةٍ عابرة .. وأحياناً يمنح هؤلاء الجنود مجلاّتهم لـنساءٍ غريباتٍ دون مقابل.
بعضٌ من تلك المجلاّت ما تزالُ إلى الآن لدى تلك المرأة التي سبق لها ذات يوم وإن جلست قرب جنديٍّ ذهب إلى الحرب ، ولم يعد أبداً منها ، إلى حضن أُمّه.
بناتُ تلك السيدة(وحفيداتها ربّما) ، وأبناء اولئكَ الجنود(وأحفادهم ربّما)، يتواصلون الآن عبر وسائط وتطبيقات الأنترنت في الهواتف النقّالة، ويتبادلونَ كُلَّ شيء، كُلّ شيء ، دون الحاجة إلى "باصات الدردشة" المستحيلة،عبر مجلاّت الوسامة "العتيقة" وأزياءها البائدة .. و حيث جحود "الجيرة" في مقاعد الريم والكوستر والنيسان ، وبقايا الشغف العصيّ على اللمس ، في قطارات الحرب الصاعدة للموصل ، والنازلة للبصرة.
بإمكانِ أيُّ رجلٍ (أو فتى) أن يتواصل اليوم مع أيّ امرأةٍ(أو فتاةٍ) في العالم ، وهو جالسٌ في حضن زوجته.. أو في حضن أُمّه.
ما من داعٍ إلى الحرب ، ولا إلى الذهاب إلى كَراج "النهضة" أو كَراج أربيل أو كَراج "ساحة سعد" ، ولا إلى شراء المجلاّت الباذخة.
بوسعك الآن أن تفعل كُلّ شيء ، كُلّ شيء ، وأن "تنتصر" في نهاية المطاف(أو تُهزَمَ نسبيّاً) ، من خلال النقر على حروف "الكيبورد" .. دون الحاجة إلى أن تكونَ جنديّاً ، ودون أن تشاركَ في ثلاثة حروبٍ(على الأقلّ) ، يكفي أمّكَ حُزناً ، ويكفيكَ خُذلانًاً ، أن تموت في واحدةٍ منها.



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخاص والعام و شمس الفيسبوك التي لا تغيبُ ولا تغفَل
- هذا الزمانُ الخسيس
- مثل بصرةٍ سابقة
- الكَرَم خارجياً و المَكْرَمات داخليّاً: تخلّف وبدائيّة أنماط ...
- مآتم ورديّة على سطح الأيّام
- العطش الذي نستحق
- حياةُ العراقيّينَ مُهمَّة
- أولئكَ الذينَ لم يَطْلَعوا بعد
- هذا ما يحدثُ لك عندما تُضيِّعُ فرصتكَ لتصيرَ لُصّاً
- القتال الحاليّ بين -حماس- و إسرائيل .. بعض التداعيات ، و بعض ...
- أنا خائفٌ ، و خائفٌ جدّاً .. وأخاف
- هذا الوقتُ يجعلُ الحُبّ صعباً .. من فرط النسيان
- بعضُ الأُمم .. وأُممٌ أخرى
- قبلاتٌ قديمة .. لعيدِ الأيّام
- العيدُ .. عيد
- صديقي الفيسبوكي العزيز
- ليسَ في الأفقِ شيءٌ
- ما بعدُ و بعد
- جمهوريات الخراب العراقي العظيم
- أنا دائماً أعودُ إلى البيت


المزيد.....




- مسؤولون إسرائيليون في أمريكا لتسوية خلافات حرب غزة ونتنياهو: ...
- مراهقون أوكرانيون يتدربون لخوض حرب طويلة ضد روسيا في ناد عسك ...
- وزير الدفاع الإيطالي يحذر من استيلاء روسيا والصين على إفريقي ...
- جدل في الجيش الإسرائيلي بعد تصريحات متتابعة عن -القضاء على ح ...
- -رويترز-: بكين وواشنطن تستأنفان المباحثات النووية بعد انقطاع ...
- الاستعدادات مستمرة لنشر أسلحة نووية أمريكية في بريطانيا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /21.06.2024/ ...
- تقرير إسرائيلي: قوات المراقبة رصدت مناورة -غير طبيعية- قبل 4 ...
- سيول تطلق طلقات تحذيرية بعد عبور جنود كوريين شماليين الحدود ...
- قيادة بوتين وزعيم كوريا الشمالية لسيارة ليموزين روسية الصنع ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - الجنودُ القُرّاء في باصات الحرب