|
العنصرية
راغب الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6940 - 2021 / 6 / 26 - 19:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في البدء كانت الكلمة وكانت - العنصرية - نزوعاً بشرياً خالياً من الروح والقيم الإنسانية ، لأنها كانت ولازالت تعبر عن أصطفافات سلبية في فهم الحياة والتعايش والعيش المشترك ، وفي الإستقصاء المعنوي لها تعتبر العنصرية منحنيات في الحياة غير منتظمة تعبر عن الشهوة والغريزة والأنا السلبي ، ولذلك كانت وتكون مفاعليها وأثارها خطيرة على الحياة والعيش والتفاهم والشعور بالوحدة الإنسانية . والعنصرية حسب تعريفنا : ( هي نزوع بشري قام و يقوم على أساس التمايز و التمييز بين الناس وفقاً للعرق واللون واللغة والثقافة ووو ...) ، ولهذا نرفض من يقول : - بان العنصرية هي مذهب فكري قائم بذاته - ، فالتمييز بين النزعة كمفهوم والمذهب كسلوك هو كالتمييز بين الوجود والعدم ، وهذا ما أكدته بعض المعاجم اللغوية ومالت إليه ، من حيث كون النزعة هي تمحور وتكور سلبي حول مفردات وهمية ظنوا بها إنها حقيقية ، على عكس المذهب الذي هو تكوين قائمٌ بذاته ، وفي الدلالة المعرفية على طبيعة النزعة نقول : - هي سلوك أو ممارسة وهمية تقوم على التّفريق بين أبناء الجنس البشري الواحد - ، على أساس الإختلاف في التكوين الطبيعي للخلق من جهة العرق والجنس ونوع الثقافة ونوع اللسان ولون البشرة ، وعلى هذا يكون النزوع شعوراً نفسياً وهمياً يؤوسسه التمايز في التكوين بين البشر ، ويصل هذا لدى البعض حد الاعتقاد بكون ما يميز ويفرق هو الحقيقة الوحيدة ، وعلى هذا رتب أصحاب هذه النزعة جملة حقوق وإعتبارات ترفع من البعض وتحط من البعض الأخر دون وجه حق . في التاريخ كما في الحاضر أستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى نوع الممارسات التي يتم من خلالها معاملة مجموعة معينة من البشر بشكل مختلف ، وقد تم تبرير هذا التمييز بالمعاملة باللجوء إلى التعميمات المبنية على الصور النمطية وباللجوء إلى تلفيقات ظنية ، فالشعور الظني بالتفوق لدى البعض ، صير ذلك التفوق سلوكاً فوقياً وممارسة ديماغوجية أنتقلت إلى كل تفاصيل العمل السياسي والثقافي والعسكري ، وغاية ذلك إقصاء المخالفين عبر سلسلة إجراءات ثقافية ودعائية تركز في ذهن الأتباع هذا السلوك كمبدأ يصعب الخلاص منه . أستفاد من هذا الهوس والنزوع الجنوني - أدولف هتلر - من قبل ومن بعد الحرب الكونية الثانية ، حين شن حرباً بلاهوادة على السامية في أوربا محدثاً في ذلك شرخاً عميقاً أدى إلى جرائم الهلوكوس ، متذرعاً بهويته وجذوره الآريه التي أدعى فيها إنه ومن معه أعلى رتبة من الخلق والبشر الأخرين ، في ضخ اعلامي ودعائي موجه بعناية طبعاً لا يخفى إنه ضرب على جملة أوتار ، منها ماهو سياسي ومنها ماهو إقتصادي ومنها ماهو عسكري ، خاصة بعد ما حدث لألمانيا ما حدث من دمار وهزيمة في الحرب الكونية الأولى . لكن ماهي الأسس الموضوعية التي كونت النزعة العنصرية ؟ ، يقول جان مرتيان في معرض شرحه لهذه النزعة بالقول : لا يتعدى السلوك العنصري في أسسه رغبته في ظنه كونه متميزا من جهة ، - لون بشرته وإنتمائه العرقي ونوع لسانه وثقافته على نحو مطلق - ، ثم يأتي من بعد ذلك ما يميزه من العادات والمعتقدات والرتبة الإجتماعية ، لقد تجذرت هذه النزعة في أوربا والعالم الغربي بشكل عام ، وفي وقتنا الحاضر هناك ثمة دوافع ضاغطة بهذا الإتجاه نحوها ، منها : هذا الإختلال في ميزان العدالة الإجتماعية والذي اثر بشكل ما ، وفي بروز توجهات من الطرف المقابل على نحو ما يمتلك من طاقة وقدرة إقتصادية ، بالإضافة إلى نوع التربية والتعليم وزيادة المنسوب الثقافي لدى طرف مما يجعله يشعر بأنه أعلى رتبة ، من ذاك الذي يعيش الجهل والتخلف في كافة مجالات الحياة ، وبما إننا قد أشرنا في التعريف : - إلى أن العنصرية هي ( نزعة نفسية ) والمغذيات لها دائماً ، إعتبارات مزاجية من طباع وتربية وبيئة ونقص في المنسوب الثقافي والإخلاقي ، هذه العوامل وغيرها شكلت لدى البعض هاجساً في رفع منسوب التمايز والدفع بإتجاهه ليكون العلامة الفارقة ، يتضح هذا برفض أصحاب هذه النزعة لمفهوم و مبدأ الوحدة الإنسانية و وحدة الدين و وحدة العقل و وحدة الأخلاق والثقافة الإنسانية ، كل هذه الإعتبارات الظنية شكلت أو أنتجت لدى البعض ما سمي - بسيكيولوجية الأنا الذاتي - لدى الأفراد والمجتمعات والتنظيمات والحركات والتوجهات ، التي قادة بدورها إلى فتن وزرعت الشكوك في حياة الناس ، مشكلة في ضميرهم ونفوسهم أخاديد من الكراهية والعنف والتطاحن ونبذ الأخر . ولعلنا لا نخفي سراً إذا ما قلنا إن الأحداث في الألفية الجديدة من بروز ظاهرة الإرهاب الديني ، الذي قُرن بكل مظاهر العنف والسادية ، هذه الظاهرة شكلت في ذهن البعض من الجهلة وضعاف النفوس والمرضى ، حافزاً مضافاً ساهم بزيادة حدة التطرف والكراهية مما كان لها نتائج وافعال وخيمة شهدناها وشهدها العالم اجمع ، حدث هذا في أوربا وفي أمريكا ولقد نال - العرق الأفريقي - ما ناله من هذا التطرف والحقد والكراهية الشيء الكثير ، أقول : قد تحمل ويتحمل المزيد من تبعات وأفعال هذه النزعة ، ونضيف هنا العامل السيئ الذي قامت به منظمات الشر الإسلامي ، مما ساهم في زيادة أنتشار وتنامي ظاهرة - الأسلامافوبيا - على نطاق واسع وبين شرائح من عامة الناس ، ولا نبرئ الإسلام السياسي من فعلاته وأفعاله ، والذي أعطى دافعاً لتراكم هذه الكراهية وعلى نطاق عام ، لقد كانت المنظمات الاسلامية عامل رئيسي في نشر العداوة والبغضاء حتى بين اطراف المذهب الواحد ، لقد سلكت هذه المنظمات طريقا وعرا اعطت من خلاله المؤشر الذي ساعد في تدعيم هذه النزعة على نطاق كبير . تشير الإحصائيات الأممية إلى إنتشار مظاهر العنصرية : - من خلال المضايقة المباشرة والمضايقة غير المباشرة ، ومن خلال التجريح في الأشخاص المباشر وغير المباشر ، ومن خلال الإهمال المتعمد لنتاجاتهم ، وسد طريق النجاح والتقدم أمامهم ، وإشعارهم على نحو ما بعدم الرغبة في وجودهم بشكل مباشر أو غير مباشر ، وهذه السلوكيات تسبب ألماً كبيراً مقروناً بشعور مقيت بالإهانة والضيم ونكران الجميل . في هذا الإيجاز الذي قدمناه حول نزعة العنصرية ، كان دافعنا إنساني بدرجة كبيرة لما نشاهد ونرى ونسمع عن ممارسات تحدث هنا أو هناك ، تشير إلى هذه الزيادة المضطردة بين أبناء الجنس البشري ، كما نجد زيادة في تشكيل التنظيمات العنصرية السرية والمعلن عنها تحت عباءة اليمين المتطرف ، في المقابل لا ننزه أنفسنا من تبعات أعمال وثرثرة وجهل في أستخدام المصطلحات والعناوين ، فنحن لم نغادر بعد عالمنا السحيق الظلم ، ظانين به كل الخير مع إنه قد شكل في حضورنا هذه النظرة السوداوية ، نحو الأخر ولعلنا لا نجافي الحقيقة حين نشير بأصابع الإتهام لتاريخنا المزيف والذي كتبه وعاظ وكهنة أرتبطت مصالحهم بمصالح أسيادهم ..
#راغب_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كورونا ... والعراق
-
نظرة محايدة لدعاء كميل
-
مصطفى الكاظمي في ميزان العقل
-
الدجال
-
نظرة في الأصولية
-
إنهيار الحُلم الأمريكي
-
الانتظار في زمن الكورونا
-
سجن الحوت في الناصرية
-
تحذير هام
-
في صراع الهوية
-
الثورة العراقية الكبرى
-
ماذا تعني ثورة العراقيين ؟
-
إنتفض
-
أدعياء الوطنية الزائفة
-
الحراك العراق اللبناني
-
الحروب السخيفة
-
عندما يثور الشرفاء
-
عاش العراق
-
قتل المتظاهرين العُزل
-
سفر روحاني إلى نيويورك
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|