|
لبنان في فم الأسد ، مجدداً ؟
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1637 - 2006 / 8 / 9 - 07:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كثرت التكهنات في الآونة الأخيرة ، خصوصاً ، عن المكاسب التي من الممكن أن يجتنيها النظام السوري ، جراء الحرب الإسرائيلية على لبنان . فهذا البلد المنكوب ، الخارج للتو من ربقة تبعيته الطويلة ، المريرة ، لذلك الجار البعثيّ ، اللدود ، ما أسرع أن وجدَ نفسه ضحية ً للعبة إقليمية ، محبوكة بعناية ، سيكون أداتها طرفٌ " يُمثل " إحدى مكوناته المجتمعية . غنيّ عن القول ، أنّ إشارتنا الأخيرة تتجه رأساً إلى حزب الله ؛ بما أنه إرتضى لنفسه ـ وقبل كل شيء للطائفة المفترض أنه يُمثلها ـ الإرتهان لتلك اللعبة ، الشريرة ، لتي جلبتْ كل هذه النكبة على وطنه . ثمة حقيقة اخرى ، باتت معروفة للملأ ، من المفيد التذكير بها ؛ وهيَ أنه مهما يعاد القول على مدار الساعة ، من خدمة الحزب للأجندة الإقليمية ـ بفعلته المتهورة ، المغامرة ، المتمثلة بخرق هدوء الجنوب اللبنانيّ ـ فتبقى ردة الفعل الإسرائيلية ، المتناهية في همجيتها ، هيَ المتصدرة وسائل الإعلام جميعاً ، وبالتالي مهيمنة على مشاعر الجماهير العربية والإسلامية.
ردة فعل ساسة إسرائيل تلك ، لبنانياً ـ المدانة عالمياً بما تخلفه كل ساعة من ضحايا وخراب وتشريد ومعاناة ـ متوافقة مع رغبة حكام دمشق ، اللئيمة ، في تحطيم البلد الجار على رؤوس ساكنيه ، عقاباً لهم على تمردهم وإنتفاضتهم من أجل نيل الإستقلال والكرامة والحرية : هذا بالضبط ما كان في تفكير السادة السوريين ، ومن خلفهم الإيرانيين ، حينما خططوا طويلاً ، بتأن وصبر ، لإشعال فتيل برميل البارود ، الذي سيودي إنفجاره بالمنطقة رأساً على عقب ؛ فيكون من نتيجته ، بوهم تصورهم ، دفع المجتمع الدولي إلى الإنكفاء لمواقع دفاعية ، ضعيفة ، سواءً بسواء أكان الأمرُ متعلقاً بالتحقيق في تورط دمشق بإغتيال الحريري ، أم التحقيق في أنشطة طهران النووية . يقيناً أنّ المراقب للأحداث ، قد رأى بوادر ذلك التصور ، الموصوف ، في قيام النظام السوري بإعطاء إشارات عن رغبته التعاون مع الغرب ؛ تارة ً بتطوعه لـ " كشف " مواقع تنظيم القاعدة في لبنان ، وتارة ً اخرى بإستعداده لـ " الضغط " على حزب الله وتحجيم نشاطه . علاوة على قيام النظام الإيراني ، بدوره ، بتوجيه إشارات ممائلة لتلك الدول الغربية . هنا وهناك ، يتمّ التراجع عن تلك الوعود ، بل تكذيبها أيضاً ، حينما لا يجد أركان النظاميْن ، الطائشيْن ، أذناً صاغية لدى الدول الغربية ؛ وبالأخص الولايات المتحدة وفرنسة ، المصرّتيْن على ضمان إستقلال لبنان ، الناجز ، بعيداً عن أيّ وصاية أو تدخل في شؤونه الداخلية ؛ والذاهبتيْن إلى أبعد من ذلك ، إلى كسب تأييد دوليّ لإدانة نظاميْ دمشق وطهران بوصفهما المحرضيْن الوحيديْن على هذه الحرب المجنونة ، والمسؤوليْن مع لعبتهما حزب الله عن كل ما أعقب ذلك من ويلات ومحن .
حديثنا عن دور وسائل الإعلام ، في تغطية أنباء الحرب اللبنانية ، الجديدة ، يُحيلنا إلى واحدة من الفضائيات العربية ؛ وهي قناة " الجزيرة " ، المعروفة بإرتباطاتها الملتبسة مع أنظمة الإستبداد ؛ من البعث الصداميّ ، البائد ، إلى شقيقه الأسديّ ، السائدِ بَعْدُ . ففيما يخصّ خدمتها لهذا الأخير ، وجدنا القناة القطرية وعلى مدى العاميْن الأخيريْن ، تحديداً ، تجول وتصول في إثارتها للرأي العام ؛ مرة ً بقضية رسوم الكاريكاتور الدانمركية ، المهينة للنبيّ محمد ، والاخرى بقضية فيلم " شيفرة دافينشي " ، المهين للنبيّ عيسى ! وكل ذلك ، كما يتبيّنه المرءُ ، لاحقاً ، كان بغية تحقيق هدفيْن مرتبطيْن بجريمة إغتيال الحريري : أولهما ، تحويل الأنظار عن تلك القضية الكبرى ، التي أضحى لها بعدٌ دوليّ معروف ، وكان من تداعياتها إجبار النظام السوري على سحب قواته ومخابراته من لبنان . والهدف الثاني ، هوَ خلق حالة دائمة من العداء للعالم الغربي ، وصولاً إلى التشكيك بمصداقية مجلس الأمن وكل ما يصدر عنه من مقررات بخصوص التحقيق في قضية الشهيد الحريري ؛ من محكمة دولية إلى مذكرات جلب قضائية للمتهمين فيها . لا يحتاج الأمرُ إلى كبير برهان ، فيما أسلفنا من اللبس في أنشطة تلك القناة الفضائية ، الموضوعة بخدمة كل طاغية غاشم . خاصة ً ما نعلمه بشأن تلك المعمعة الكاريكاتورية ، الموسومة ، التي وافقتْ هوى النظام السوري ، فزجّ خلالها كل ما يملك من أبواق وأدوات ، محلية وإقليمية ، في حملة هستيرية على الغرب ؛ حدّ دفعه الرعاع إلى حرق بعض السفارات والمقار الديبلوماسية ، في دمشق وبيروت : وفي هذه المدينة الأخيرة ، تكرر الأمر نفسه ؛ إلا أنه في إطار الحرب الدائرة حالياً ، حينما أوعز حزب الله لعناصره ومناصريه بإحراق ممثلية الأمم المتحدة . وهذه المنظمة الدولية ، هيَ الآن في مرمى نار الأبواق السورية ـ الإيرانية . حتى وبلغ من شناعة الحملة المنظمة تلك ، أن يوعزَ أولو الأمر إلى الفنانين السوريين ، والعرب أيضاً ، بالإستقالة من منصب " سفير النوايا الحسنة " ، بحجة أنّ الأمم المتحدة تمالىء العدوان الإسرائيلي على لبنان وفلسطين .
جبهة اخرى ، جديدة أيضاً ، باشرها نظام دمشق ، بفتحه النار على الأنظمة العربية المعتدلة ؛ وخاصة ً مصر والسعودية والأردن . فإثر إغتيال الحريري ، وما كان من التضامن العربي والعالميّ مع شعب لبنان ، هرولَ رأس ذلك النظام ، وأقرب معاونيه أيضاً ، صوبَ عواصم تلك الدول المعتدلة سعياً وراء وساطة مع الغرب ، تخرجه من ورطته . وكان موقف السعودية ، كما هو معروف ، الأكثر حزماً في إدانة جريمة الإغتيال ، والتشديد على التعاون السوري مع التحقيق الدولي ؛ وقبل كل شيء ، تطبيق كامل بنود إتفاق الطائف وكذلك القرار 1559 ، المتعلق برفع الوصاية عن لبنان وحل جميع الميليشيات وبسط الدولة لسيادتها على جميع أراضيها . على أنّ المملكة ، جنباً إلى جنب مع مصر والأردن ، حاولت أيضاً إخراج النظام السوري من مأزقه المزمن ، وكذلك من عزلته الدولية الخانقة ، بما أتاحته له من وساطة متعددة المستويات مع عواصم الدول الغربية ، صاحبة القرار ، وعلى رأسها واشنطن . فبدلاً عن حمل جميل المملكة وأخواتها في مصر والأردن ، بادرَ الفأفاء المتفرعن بدمشق ، مستغلاً الحرب اللبنانية الجديدة ، إلى تنظيم الحملات الإعلامية الرخِصة على كل من تلك الدول ، واصماً إياها بالتخاذل والإستسلام أمام العدو الصهيوني : وكأنما هذا العدو يحتل أراضيها هيَ ، وليسَ أرض الجولان السوريّ ؟؟ هذه الأرض ، ربما سنسمع قريباً بأنّ مهمة تحريرها قد أوكلتْ للمقاومة اللبنانية بدلاً عن الجيش السوريّ ، العقائديّ ، الذي له مهمة واحدة ، لاغير ؛ وهيَ حماية نظام الأب القائد والعائلة المقدسة والطائفة المختارة !
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صلاح الدين عصرنا
-
قصف إعلامي ، عشوائي
-
محمد أوزون ؛ كاتبٌ كرديّ على أبواب العالم
-
من البونابرت العربيّ إلى الطاغوت الطائفيّ
-
الزرقاوي ، وسوداويّة الإسلام السياسي
-
الوجهُ الجميل لنظام ٍ قبيح
-
المثقفُ مستبداً
-
الدين والفن
-
بين إيكو وبركات 3 / 3
-
فلتسلُ أبداً أوغاريت
-
بين إيكو وبركات 2 / 3
-
بين إيكو وبركات 1 / 3
-
منتخبات شعرية
-
الماضي والحاضر
-
الوحدة والتعدد في اللوحة الدمشقية
-
مأثورات دمشقية في مآثر كردية
-
سرّ كافافيس 2 / 2
-
سرّ كافافيس 1 / 2
-
الدين والوطن ، في ورقة إخوانيّة
-
طغم وعمائم
المزيد.....
-
نجاة طيار بعد تحطم طائرته المقاتلة إف-35 في ألاسكا.. وقائده:
...
-
مسؤول أمريكي يجري أول زيارة إلى غزة منذ 15 عامًا
-
تنصيب أحمد الشرع رئيسا انتقاليا للجمهورية العربية السورية بش
...
-
الجزائر.. تبون يلتقي باتروشيف
-
إسرائيل تستعد للإفراج عن 110 أسرى فلسطينيين مقابل ثلاثة محتج
...
-
كوريا الجنوبية: حريق في طائرة إيرباص قبل الإقلاع ونجاة الركا
...
-
ماذا حدث في مهرجان -كومبه ميلا- الديني الهندوسي في الهند؟
-
هل تهدد خطط ترامب حول قطاع غزة استقرار دول الجوار؟
-
الشرع يلقي خطابا هاما ينتظره ملايين السوريين
-
غرينلاد.. توجس أوروبي من نوايا واشنطن
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|