أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - الاغتصاب الزوجي..جريمة إنسانية















المزيد.....

الاغتصاب الزوجي..جريمة إنسانية


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 6934 - 2021 / 6 / 20 - 02:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لفهم ماهية الاغتصاب الزوجي تخيل أنت كرجل في بيتك آمنا ثم تدخل عليك عصابة مسلحة تسرق بيتك، ماذا ستشعر حينها؟..وبينما كنت تسير في أحد الطرق خرج عليك مسلحون وقطاع الطرق ليجردوك مما تملك؟..وبينما كنت تسير معك زوجتك ثم أخذها منك المجرمون عنوة واغتصبوها..!

جزء مهم لفهم شعور الآخر مما تراه طبيعيا أن تفهم نفسيته وتُبحر في ثقافته وتكوينه البيولوجي والفسيولوجي إذا تطلب الأمر..

فالمرأة لا يمثل الجنس لديها شهوة غريزية مثلما عليه الرجل، بل هي تتعامل مع الجنس كعاطفة وحميمية يلزمها الرغبة الكاملة في تبادل الجنس مع الشريك، وإذا لم يتوفر ذلك تشعر فورا بالإهانة والاستغلال، وقد ضرب أحدهم مثالا لتوضيح ذلك أن العضو التناسلي للمرأة داخلي..بينما العضو التناسلي للرجل خارجي، فيكون الجنس بالنسبة للرجل هو المُبادر الإيجابي ولا تكتمل العملية الجنسية الميكانيكية إلا به لتوافر شرط الانتصاب، بينما الجنس بالنسبة للمرأة هو السلبي ولا تحدث متعتها إلا بالرغبة الكاملة والموافقة التامة، وبالتالي صار إجبارها على الجنس هو سرقة أعز ما تملك (جسدها – هويتها – كرامتها) وهو بالضبط نفس شعور المسروق والضحية في المثال السابق..

هنا لا فارق بين إجبار المرأة على الجنس سواء متزوجة أو بدون، بل صار إجبارها وهي متزوجة مصيبة أكبر لتعلق ذلك بالزوج الذي يفترض أنه محبا لها وعاشقا لشريكته والأكثر حرصا على سعادتها، لكن الشيوخ قفزوا على تلك الحقائق واعتمدوا (جواز الاغتصاب الزوجي) وفقا للحديث المشهور "إذا دعا الرجل زوجته للفراش وامتنعت تلعنها الملائكة حتى الصباح" فالهدف ليس الحقيقة بذاتها ولا مصلحة الأسرة بل تصحيح الحديث الملعون الذي نسبوه للرسول الأكرم وهو منه براء، فلم يسأل أحدهم يوما هل فعل الرسول ذلك وأجبر إحدى زوجاته على الجنس؟..وهل اعترفت إحدى زوجاته بأن النبي كان يفعل ذلك معهن دون رغبة؟..فإذا لم يحدث فكيف إذن يقولون بجواز هذه الجريمة التي ترقى لأخس وأفدح جرائم المجتمع..!

يشتمل تعريف الاغتصاب على عدة أشكال، منها الإجبار على الجنس بواسطة القوة البدنية والسلاح، أو تحت التهديد والابتزاز ..أو ممارسته في غياب الوعي، وهنا لا فارق بين زواج وغيره، فالرجل قد يجبر زوجته على الجنس بالقوة أو يبتزها بأي شكل أو يجامعها وهي نائمة أو غائبة عن الوعي، سيكون الجنس هنا اغتصابا وفقا للتعريف القانوني له، لكن ما يمنع تجريم الاغتصاب الزوجي حتى الآن هو عدم تصور المُشرّعين معناه خارج أدوات الشريعة، فما زالت نصوص محكمة الأسرة وقوانين الأحوال الشخصية تعطي الأفضلية للرجل بحكم القوامة..برغم أن القوامة لا تعني الأفضلية بل الرعاية والحماية، فأنت قد تتساوى حقوقيا مع من يرعاك ويحميك كالأب مع ولده والحاكم مع رعيته، لكن القوامة التي هي مدخل تعريف الجنس عند الشيوخ جعلت رغبة الذكر جنسيا مقدمة على رغبة الأنثى، بل تنفيها في بعض الأحيان..

ومن هنا تأتي الحاجة لقانون مدني علماني لا يفرق بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وأن ينتهي التمييز الديني على أساس الجنس مثلما انتهت محاكم مصر الشرعية في الخمسينات، فبعد 70 عاما من إلغاء تلك المحاكم لم يتطور التشريع بعد للمساواة المدنية بين الجنسين بل ظلت تشريعات الفقهاء والشيوخ هي المهيمنة على قوانين الأحوال الشخصية، وهي تشريعات قديمة جدا ما قبل الثورة الحقوقية والصناعية والعلمية والنسوية في القرن 20، أي أن ثقافة الإنسان المعاصر ثائرة بالكلية على تلك التشريعات وهو ما يجعل الدول الإسلامية المحتكمة إليها في خيارٍ صعب بين الدين والمصلحة، أو بين الفقه والعلم، أو بين النظام الاجتماعي والفوضى، فما أكثر القضايا غير اللازمة والتي لا داعي لها تشغل أسوار المحاكم بدعوى الشريعة، بينما يكلف ذلك الدولة مليارات الجنيهات في سبيل الاحتكام لهذا القانون الرجعي والذي انتهى من معظم تشريعات العالم الحديث.

لكن الشيوخ لا زالوا يعتمدون على وعي الرجل البدائي في تصور الدين، هذا الرجل في العصر الحجري الذي كان يقف ممسكا بأحجاره ورمحه الشخصي للذود عن نسائه ضد هجمات القبائل الأخرى، فأسلاف البشرية كانت ترى نسائها ممتلكات شخصية ومتاعا لا يختلف عن الحربة والسيف، فكان أسر هؤلاء النسوة بالمعارك يمثل إهانة مركبة للقبيلة من ناحية أن تلك المرأة هي سلعة مادية لخدمة الذكر وأسرته..هي أيضا الكائن الذي ينجب الأولاد ويرضي الغريزة الجنسية له، فهي كانت الأغلى سلعا بين كل السلع، وخطفها في المعارك إهانة لرأس القبيلة نفسه مما كان يلزمه شن الحروب الدموية القاتلة لتحريرهن حتى لو أفضى ذلك لقتل نصف ذكور القبيلة..

الشيوخ لا زالوا يرون المرأة بنفس الصورة، فهي مجرد متاع والجنس معها في الزواج مقابل أموال المهور، فإذا امتنعت عن الجنس فلا ينفق عليها ولا مهر لها وتسحب منها كافة الامتيازات المالية التي حصلت عليها من الزوج، وفي مقالي الشهر الماضي بعنوان "المرأة في الفكر البشري القديم" شرحت ذلك بفتاوى شيوخ الأزهر والسلفية الواضحة بوجوب الامتناع عن دفع الأموال إذا امتنعت المرأة عن الجنس، وبالتالي صارت مجبرة على الممارسة وهي لا ترغب، وهي أحد أشكال الابتزاز الجنسي الذي يدخل في تعريف الاغتصاب علميا، ومن تلك الفتاوى الوقحة فتوى الشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق "ليس للمرأة التي تمتنع عن زوجها إذا طلَبَها نفقةٌ ولا حقٌّ حتى ترجع عن هذا النشوز، فإن أطاعت ورجَعت إلى الحق، وإلا انفَصَلَت عنه بلا حقوق" (فتاوى عبدالحليم محمود صـ 466)

لكن تبقى معضلة إثبات الاغتصاب الزوجي كبيرة لسرية العلاقة بين الشريكين، وغالبا يحدث ذلك على شكلين:

الأول: في وجود العلاقة..وهذا يصعب إثباته من ناحية، وإقرار بضرورة إنهاء العلاقة من ناحية أخرى، أي لا توجد زوجة تتهم زوجها بالاغتصاب إلا إذا أرادت الطلاق.

الثاني: بعد الانفصال..وهذا أيضا يصعب إثباته لكنه قد يشكل معضلة أخرى تتعلق بالكيدية وعدم استيفاء الحقوق المادية والمعنوية والعلاقة الطيبة، فيكون الانتقام بالادعاء.

القانون مطالب بتوضح هذا الأمر لخطورته على الأجيال، فالتربية الأسرية يلزمها علاقة حسنة بين الزوجين، وألا يشكل أحدهما خطرا على الآخر بما فيه "الخطر الجنسي" نظرا لاحتمالية أن ينتقل ذلك الخطر للأبناء أو يؤثر على علاقة الأسرة ككل مع محيطها الاجتماعي، وبالتالي فالمشرع يجب يتناول جنس الأزواج باهتمام لتعلقه بأصول التربية وسلامة المجتمع وقيم العنف، وأن يدخل الاغتصاب الزوجي ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون مثلما يدخل الاغتصاب الطبيعي ضمن انتهاكات حقوق الإنسان البشعة والتي تصل عقوبتها أحيانا إلى الإعدام، فكلاهما اعتداءا جنسيا يستوجب المقاومة لتعلقه بأمن (نصف المجتمع) وسلامته عضويا ونفسيا.

في الولايات المتحدة يوجد عقاب على الاغتصاب الزوجي لكنهم لا يتعاملون معه كالاغتصاب الطبيعي، فأقصى عقوباته 10 سنوات وفقا لقوانين ولاية "كارولاينا الجنوبية" كمثال، ولا يثبت الاتهام إلا إذا اعتدى على الضحية بأي شكل عنيف أو سلاح، وهذا يعني أنه لا عقاب على الجنس في غياب الوعي، ويمكن التحقق من ذلك من قوانين الولاية في الجرائم والمخالفات لعام 2012 الفصل 3 القسم 16-3-615 -المتعلق بالضرب الجنسي بين الزوجين، وبالتالي فالقانون هنا يتناول الاغتصاب الزوجي كأحد أشكال العنف بين الزوجين، ولم يتم إدماج بقية أشكال الاغتصاب في القانون..مما شكل مادة حقوقية مهمة يكافح من أجلها النسويون لتعديل القوانين كي تتفق مع حقوق الإنسان والزوجة تحديدا بوصفها الطرف الأضعف والذي يتحمل كافة نتائج تلك الجريمة من حمل على غير رغبة أو تدمير نفسي ومعنوي كمثال..

أخيرا: فالقوة هي التي تصنع الحق، وقديما عندما كانت القوة معيارا وحيدا للبقاء والإنجاز كانت الحقيقة ذكورية محضة وظل ذلك حتى القرن 19 الذي بدأت فيه معالم تحرير المرأة وإعادة اعتبارها ككائن بشري له حقوق كالذكر، فلم يكن يختلف تصور الفلاسفة الأذكياء برجال الدين الأغبياء عن المرأة، التصور واحد..هي سلعة ومتاع فقط ولا يحق لها الاعتراض، لكن العالم تغير وصارت البشرية في موضع متقدم جدا للدفاع عن حق النساء في كل شئ من الجنس والثروة والسلطة..إلخ ، بل أثر ذلك على الحقيقة الفلسفية بعينها التي وجبت معرفتها عن طريق التناقض والازدوجية.

فالمرأة مع الرجل كالحار مع البارد والنور مع الظلام، هذه القطبية كانت المحرك لبقاء الكون ونظامه على مدار مليارات السنين، وكذلك فالقطبية بين الرجل والمرأة هي المحرك لدوام النسل البشري وبقاءه وتكاثره في المستقبل، فلو توترت العلاقة بين الأقطاب يعيش الإنسان جحيما حقيقيا..والتاريخ يثبت ذلك أن المجتمعات الذكورية هي الأكثر عنفا وعدم قابلية للرأي الآخر، فانعدام التنافس يفقد التوازن في كل شئ "دين وسياسة واقتصاد وجنس..إلخ" وانحياز العالم لفصيل دون آخر أو لنوع ضد آخر يعيد للبشرية تاريخها مع "الذكر الألفا" وهو الذكر الحيواني المسيطر على القبيلة والمسموح له بالجنس كيفما يشاء ويمنع عن من يشاء، ثم يورث جيناته القوية لنسله من بعض ويموت الأضعف حتى ينقضي نسله

فالمعيار القديم الذي يؤسس على القوة ينبغي أن ينتهي ، ثم يعاد النظر في التشريعات كون بقاء الإنسان وتطوره لا يرتبط فقط بقوته البدنية بل (بذكائه) وإحياء ثقافة الرجل الألفا من جديد يعني أن الذكاء لن يعد معيارا ويتخلف الإنسان حتى يعود لسيرة أسلافه، وبدلا من أربعة زوجات سيمارس كيفما يشاء، ويضع القوانين بحرمان كل الذكور من الجنس إلا بموافقته، ولماذا العودة إلى تلك السيرة الأليمة في التاريخ البشري وقد وهبنا الله الذكاء والعقل لنتطور..فلم يعد لدينا الخيار، إما التطور للأفضل وحسن التعامل مع الكون وإما نتخلف لنتعايش مع الجهل والعنف والهمجية كما كان عليه الأسلاف..



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة أخرى للشخصية الانطوائية
- أضواء على المسيحية الصهيونية
- المرأة في الفكر البشري القديم
- خطر الفكر الظاهري على قضية فلسطين
- خرافة قتال الملائكة بجانب المسلمين
- التراث الإسلامي وتخلف المسلمين
- عشرون سببا لفساد خبر الواحد في الحديث
- التفاضل واختلاف الأئمة
- جدلية تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية
- الثورة الثقافية الرابعة
- مركزية السلطان عبدالحميد الثاني في عقل الجماعات
- المجتمع وسلامة المنطق
- لماذا يكره رجل الدين حضارة مصر القديمة؟
- قانون الأحوال الشخصية ليس من اختصاص الفقهاء
- العظماء لا يموتون..نوال السعداوي نموذج
- قتل المرتد بين فرج فودة ورفيق تقي
- فرص الديمقراطية في اليمن
- شروط الاجتهاد المطلق
- حقوق المرأة بالعمل لا بالأخلاق والعقل
- الطاعات الواجبة في أصول الفقه


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - الاغتصاب الزوجي..جريمة إنسانية