أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - تخليق مهنة المحاماة كمدخل لتكافؤ الفرص















المزيد.....

تخليق مهنة المحاماة كمدخل لتكافؤ الفرص


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 6933 - 2021 / 6 / 19 - 01:03
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


المحاماة مهنة حرة مستقلة، تحمل في طياتها رسالة إنسانية سامية، شريفة ونبيلة، رسالة مبادئ ومواقف، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفي إرساخ دولة القانون، وكفالة حق الدفاع عن حياة وحريات وشرف وكرامة وأموال المواطنين. ويتقيد المحامون من تم بمبدأي الحرية والاستقلال عند ممارستهم لمهنة المحاماة، ولا سلطان عليهم في ذلك إلا ضمائرهم.

إلا أن المحاماة وإن كانت مهنة حرة يمارسها أصحابها وهم أحرار ومستقلين، فانه وجب التأكيد كذلك على أنها مهنة منظمة، تتطلب ممارستها الى جانب المؤهلات، مثل التعليم والشواهد والتكوين والتدريب والكفاءة والتسجيل في الجدول، ضوابط وآليات لتنظيمها، وتتطلب أيضا أخلاقيات معينة على المحامين التحلي بها، حماية لهم وللمجتمع وللرسالة الإنسانية والاجتماعية المنوطة بهم.

فإذا كان للكلام آدابه، وللباس آدابه، وللطعام آدابه، وللشراب آدابه، وللمشي آدابه وللجلوس آدابه وحتى للعب والهزل آدابه... فإن لكل مهنة من المهن آدابها وأعرافها وتقاليدها. والمحاماة كرسالة وكفن وكمهنة، لها أخلاقها وآدابها وقواعدها النابعة من تاريخها ومن أعرافها وتقاليدها.

ويمكن التعريف بالأخلاقيات المهنية، - وتسمى بالإنجليزية Professionnal ethics وبالفرنسية L’éthique professionnelle - بأنها مجموعة من القيم والأخلاق والمبادئ والمعايير السلوكية، التي اتفق المحامون حولها كقواعد ملزمة لهم، يحرصون على احترامها، لأنها تساعدهم على سلاسة تدبير شؤونهم عند ممارساتهم المهنية.

وتستمد الأخلاقيات المهنية وجودها أساسا من منظومة الاخلاق العامة، التي تعد الركيزة الأساسية للحياة داخل الجماعة، باعتبارها الموجه الرئيسي لسلوك الانسان نحو حياة اجتماعية يطبعها التميز بكل ما هو إيجابي، من أجل التعايش والاستقرار والاحترام والتضامن والسلام.

ودون الدخول في التفاصيل، فإن الاخلاقيات المهنية تتجلى في ممارسة المهنة في إطار الأخلاق، كالشرف والنزاهة والوفاء والصدق والأمانة والكرامة والعزة والمروءة والصبر وسلامة الصدر وغيرها من الصفات الحميدة المتميزة. كما تتجلى الاخلاقيات أيضا في احترام المحامي للالتزامات المهنية الأخرى كالاستقلال والجرأة واللياقة والوقار والالتزام بالسر المهني وبسرية التحقيق، والابتعاد عن تنازع المصالح، وعن السمسرة إضافة الى ما تفرضه باقي القوانين والأنظمة الداخلية والأعراف والتقاليد على المحامي سواء في علاقته بزملائه أو بأجهزة هيأته أو بالقضاء أو بجهاز كتابة الضبط أو بموكليه وخصومه أو بمحيطه، لتبقى هذه الإشارات مجرد عناوين أساسية يختزل كل عنوان منها الكثير من التفاصيل ويتطلب من تم دراسة مستقلة.

ويمكن الجزم، بأن تفحص الحالة التي توجد عليها اليوم مهنة المحاماة في المغرب، تؤكد لا محالة على وجود خلل في مدى احترام وإتباع القواعد الصحيحة من قبل شريحة من ذوينا، إذ لا يمكن الكلام عن وحدة المحامين وتماسكهم وقوتهم، في غياب احترامهم أولا وأخيرا لقيم ومبادئ وقواعد وتقاليد وأعراف موحدة تحكم سلوكهم.


ويمكن القول بأن المجتمع المهني على بينة تامة من وجود أزمة ثقة تجاه المحامين، نتجت لا محالة عن الهوة الكبيرة التي صارت بين الأخلاقيات والممارسة المهنية. كما أن المهنيون واعون قبل غيرهم بضرورة الرجوع لاحترام الأخلاقيات والتمسك بها وبجل الضوابط والأعراف والتقاليد، نظرا لما أصبحت تعرفه مهنة المحاماة من تسيب وفوضى تسيء إلى العدالة بصفة عامة، والى المهنة والمهنيين بصفة خاصة.

ويتوقف الرجوع الى الممارسات المهنية الصحيحة على تخليق مهنة المحاماة، بدأ بعدم اعتبارها سوقا لتشغيل عطالة الجامعات المغربية، وعدم تكرار ضخ الأعداد المهولة للمتمرنين التي عرفتها السنوات القليلة الماضية إلا وفق إمكانيات الهيئات تفاديا لتبخيس المهنة وحتى لا تصبح المحاماة مهنة من لا مهنة له، ووضع شروط صارمة لمن يريد ولوجها ترتكز أساسا على الكفاءة ونقاء السريرة والتشبع بقيمها ومبادئها، الى جانب الشروط المتبقية الأخرى.

كما لا يمكن الحديث عن تطهير مهنة المحاماة من جميع الشوائب التي تحيط بها، ومحاربة الفساد والمفسدين والوقاية من الانحراف التي يسلكه بعض المحامين، أمام ضعف التأطير الأخلاقي من قبل بعض الاسر ومن قبل بعض المدارس والجامعات وبعض المحيطات الاجتماعية، وحتى من قبل الدولة التي لا تتحمل الى اليوم مسؤوليتها في التكوين إضافة الى بعض الهيئات التي تتفادى التأطير والتقويم ولا تأخذ الاخلاقيات والتخليق مأخذ الجد.

ويمكن القول أيضا بأن بعض القضاء لا يساعد هو الآخر في تخليق مهنة المحاماة، إذ تجده يقضي بتسجيل من رفضته بعض مجالس الهيئات لأسباب مرتبطة بالشرف والنزاهة، ويبرأ أحيانا من تبث فساده أو يخفف من العقوبات التأديبية بشكل غير مفهوم، بل ولا يهتم حتى بالطعون التي يتقدم بها بعض الزملاء ضد بعض المترشحين لمراكز المسؤولية الخ.

ولم تجد بعض الهيئات بعد سبلا للحد النهائي من تبديد بعض المحامين للودائع، واحتكار بعضهم لبعض الملفات، كالسير والشغل ونزع الملكية وغيرها، التي يلعب فيها السماسرة دورا محوريا لجلبها لمكاتب بعض المحامين دون غيرها، ناهيك عن الكتاب العموميون الذين صاروا يحتكرون تحرير العقود، ليضع عليها بعض المحامين توقيعهم وأختامهم، دون الحديث على الفوضى التي أصبحت لبعض المحامين مع زملائهم، أو مع أجهزة هيئتهم أو مع موكليهم، والتي يطبعها أحيانا عدم الاعتبار وعدم الاحترام، أو الفوضى التي تعرفها حاليا بعض المواقع الالكترونية وبعض وسائل التواصل الاجتماعي بسبب بعض المحامين، وطريقة تعامل البعض مع بعض مكونات اسرة العدالة، ونخص بالذكر هنا بعض القضاة وبعض كتاب الضبط وبعض الخبراء وغيرهم من الفاسدين المرتشين، حيث يتخلى هؤلاء المحامين عن شرفهم واستقلالهم وكبريائهم ونزاهتهم وكرامتهم، ليلعبوا دور الوساطة لا دور الدفاع، حيث لا يمكن الكلام عن تكافؤ الفرص بين محام يستعمل السمسرة لجلب الملفات والرشوة لكسبها وآخر يوقع ويؤشر على ما يصنعه الغير وآخر لا يبارح منصات التواصل الاجتماعي وميكروفونات المواقع الالكترونية ويستخدم المؤثرين هنا وهناك لجلب الملفات وحتى لجمع الاتعاب على سبيل المثال لا الحصر مع محام نشأ وترعرع على خلق ملتزم باحترام قوانين واخلاقيات مهنته.





وأعتقد من تم بانه من الصعب اليوم إيجاد أرضية لتكافؤ الفرص بين المحامين، أمام عدم استحضار البعد الأخلاقي لمهنة المحاماة ونبلها وشرفها وقدسية رسالتها وقيمها الراسخة، لأنه مهما وصلت عصرنة المهنة من رقمنة وتكنلوجية في تدبير شؤونها، ومهما كسبنا مستقبلا من معارك مرتبطة بتوسيع لصلاحيات المحامي وحذف مؤسسة الوكيل القضائي، وبتخصص المحامين، ، وكسب النيابة أمام المحاكم الدولية وأمام لجن حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المكاسب، فإن المعركة الحقيقية التي يجب علينا أن نتجند لها جميعا وأن نكسبها هي معركة التخليق لتحصين المحامين من بعض الممارسات الماسة بشرف المهنة وبوقارها.

وباعتبار أن الفساد صار ظاهرة عامة في مجتمعنا، ولم يعد يقتصر على مهنة دون أخرى، بل وينخر العديد من القطاعات الحيوية الأخرى في البلاد، فإن المعركة الحقيقية للتخليق، التي أصبحت ضرورة ملحة ومستعجلة بشهادة لجنة النموذج التنموي الجديد في تقريرها، تنطلق أساسا من صحوة الضمائر والإرادة الحقيقية للاستثمار في العنصر البشري. ولن يتم ذلك إلا بتحمل المجتمع برمته لمسؤوليته في تنشئة المغاربة على الاخلاق، وتلقينهم مرتكزات التربية المدنية والاجتماعية، وتجويد وتحديث التعليم بجميع مستوياته، وترسيخ قيم المواطنة وجميع المبادئ التي تساعد على العيش المشترك، والنهوض بالبحث العلمي وتحفيز الكفاءات العلمية العالية الحقيقية لا المصطنعة.

ولابد للدولة أن تتحمل مسؤوليتها في تكوين المحامي بإخراج المعهد العالي لتكوين المحامين للوجود، تكون به شعبة للأخلاقيات المهنية، وإقرار "مدونة السلوك" أو "مدونة الأخلاقيات" نحتكم اليها جميعا، وتنظيم دورات للتكوين المستمر في هذا الباب من قبل المعهد المذكور.

ولا بد للهيئات أن تتحمل مسؤوليتها في التأطير الأخلاقي أمام ما آل اليه المشهد المهني من تردي، وذلك بالمراقبة المستمرة والتقويم والتأديب عند الضرورة، مع إحداث لجنة للأخلاقيات داخل مجالس الهيئات ومداومين بالمحاكم، وإقرار آليات متطورة لمعالجة شكايات المواطنين. ووجب التفكير في سن فصل سلطة المتابعة عن سلطة التأديب، وربما التفكير في مجالس تأديبية مستقلة عن المجالس الإدارية، بها رواد وقيدومين بعيدين عن الهاجس الانتخابي المصلحي الذي ساهم في تخريب مهنة المحاماة بالمغرب، وغيرها من الإصلاحات الكثيرة الممكنة.

ويبقى التخليق في جميع الأحوال رهان استراتيجي عام، لا ينحصر في مهنة المحاماة، بل يجب أن يصبح الهم الأول للمجتمع المغربي برمته، من أجل بلورة خطة شاملة لمحاربة كافة أشكال الانحراف والفساد والسوقية في سلوك الافراد الموكول لهم القيام بمهام معينة داخل منظومة العدالة وخارجها، لنصل الى تخليق حقيقي للحياة العادية والعملية، ومن تم الى تعزيز الرأسمال البشري، ليكون هذا التخليق هو الرافعة الأساسية للارتقاء بالمهنة، بهدف ارجاع الثقة اليها والى ممارسيها من قبل المستهلكين للقانون، ومن أجل بسط أرضية تساعد على تكافؤ الفرص أمام المحامين، وتفتح المجال من تم أمام تنافسية الكفاءات.
ندوة هيئة المحامين بطنجة
حول "الممارسة المهنية وتكافؤ الفرص بين الواقع والرهانات"



#خالد_خالص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدرسة جسوس
- النقيب عبد السلام البقيوي
- القضاء المستعجل
- الشعبوية
- المحامي والوقار
- ين حرية التعبير ومسؤولية التعبير
- قسم المحامي بين الماضي والحاضر والمستقبل
- هرطقات عابر سبيل
- فيك لولة يا سلطان
- المراكز والمسؤولية
- كلام عن الكلام
- كوفيد 19 والعقوبات البديلة
- ماشطة بنت فرعون
- دفاعا عن السيد شكيب بنموسى
- انت عيدي
- مناجاة
- ثقافة التبخيس
- إليك أشتكيهم يا إلهي
- الكلام المفيد في زمن الكوفيد
- كورونا والهزل


المزيد.....




- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...
- ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها ...
- العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - خالد خالص - تخليق مهنة المحاماة كمدخل لتكافؤ الفرص