|
عزل لبنان عن الصراع العربي الاسرائيلي مهمة مستحيلة
جمال محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 1637 - 2006 / 8 / 9 - 06:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كيف يعزل الجزء عن الكل ، خاصة اذا كان قدر هذا الجزء ان يكون في لب الكل ، جغرافية وتاريخ وعمق حضاري وسكاني واقتصادي ؟ كيف يعزل وهو يحمل وشم متحرك من صميم هذا الصراع ؟ كيف يمكن عزله وتحييده ، وهو طرف في هذا الصراع ؟ كيف لا يكترث وبجواره من يسرقون مياهه ، ويسرقون ارضه ، ويسرقون دوره ؟ لمصلحة من يجري العمل على ان يكون لا يرى ولا يسمع او يتكلم لمصلحة شعبه ام لمصلحة المغتصب وراعيه ؟ لقد حاولوا بتفجيره من الداخل بحرب اهلية استمرت اكثر من 15 سنة مسح ذاكرته وتقطيع اوصاله ، وتجريده من احتمالات ان يكون لبنان مقاوما او شريكا للمقاومة ، حاولوا تجزأته طائفيا ودينيا ، حاولوا فرض اتفاقية صلح عليه مع اسرائيل التي لم تفوت فرصة واحدة للانتقاص من سيادته على بحره وجوه وبره ، حاولوا باحتلال قلبه النابض بيروت قتله لكن روحه عصية على القتل ، فخرج من محنه منتصرا لشعبه وعدالة قضيته . وعندما قامت قيامة مقاومته التي اثبتت ان لبنان بها وبها فقط هو اكبر من كل دول العرب الخانعة واكثر قدرة على ردع تطاولات ومشاريع التهجين الامريكية الاسرائيلية الدنيئة ، وان استسلامهم مهما تجمل فهو لا يليق بلبنان ، بهذه الروح حرر لبنان جنوبه ودون وساطات او توسلات او معاهدات مذلة ، وراح ينشد الدفع باتجاه حل عادل للمغتصبة حقوقهم من فلسطينيين في لبنان وهم حوالي مليون لاجيء ، وراح يجاهد لاسترجاع اسراه وتحرير ماتبقى من ارضه التي قضمت ، لبنان لن يترك حقه ابدا . صار لبنان الصغير والوديع واحدا من اكبر السدود المانعة للطوفان الامريكي الاسرائيلي في شرقنا العربي ، لذلك حاولوا عقابه باشد انواع التدمير والقتل الجبان شيوعا ، فدمروا كل بناء وقتلوا ما طالت اياديهم من اطفالا ونساء وشيوخ ليركع لبنان ويعلن ندمه ويكون عبرة لكل المعترضين ، فكانت معجزة الصمود ومعجزة الردع ومعجزة النفس الطويل ، والان يريدون الالتفاف على لبنان من خلال دهاليز مجلس الامن ، و سيعرف لبنان كيف يخرج سالما بنصر صموده واستحالة ركوعه من بين الغام الاخوة الاعداء والاعداء الذين تذوقوا طعم الانكسار الحقيقي على ايدي ابطال لبنان ابطال المقاومة . ماكان لبنان يوما عدوا لنفسه ولا يكون ، وفي اعماقه سفر الارز البري الذي لا يحيى الا في احضان جبله ولا يتندى الا بندى ليالي تموز وعشتار وفينوس ، حتى غدا عشقه عشقا صابرا كصبر الزيتون ، فكيف تريدوه محايدا مقفلا يكون ؟
حل شامل وعادل :
الحل معروف والطريق اليه واضح وضوح الشمس ، ردع المعتدي واجباره على تطبيق قرارات الشرعية الدولية ، تعويض البلدان التي لحقها خراب العدوان الصهيوني الامريكي ، اقرار ان مقاومة الاحتلال عمل مشروع ، لا احتكار لسلاح الدمار الشامل ، فأما منع جماعي او امتلاك جماعي ، ودون انتقائية ظالمة . اما بغير ذلك فان الكوارث ستتوالد والشعورباليأس يتلاقح مع البعد الواحد في صناعة عالم اخر نقي بنقاء رماد الانفجار والانتحار ، الياس سلاح مدمر يقود اصحابه الى الانحباس في دائرة من الانتقام الاعمى الذي يعتبر الخلاص هو في اختيار الموت حلا مثاليا لنيل الابدية ، علي وعلى اعدائي ! السياسة الرعناء لامريكا وحول العالم هي التي تزرع وباء الياس بين الشعوب المغوبة على امرها ،انها تمارس الانتحار بطريقة التوكيل لقتل الاخر ، قتلا استباقيا تروعيا ، وتفخخ شعوبا باكملها ، فالابادة الجماعية هواية لديها ، وصيد البشر ان كانوا عبيدا ام مخالفين او معارضين احتراف ليس بعده احتراف . لقد قالتها امريكا بجلالة قدرها ، اما معنا او علينا ، وهي تعني اما معها تابعين لها بما تحكم به ، وتسوق اليه الدول سوق الدواب ، وتحت راية محاربة الارهاب ، او عليها بمعنى مواجهتها بطريق الارهاب في التعاطي مع ما تريد او تقرراو تسوق ! وبمعزل عن قولتها هذه فان واقع الحال ومنذ ان توجت امريكا نفسها امبراطورة على هذا العالم بعد زوال الند الاعظم الاتحاد السوفياتي عن طريقها ، وهي جادة في تقسيم العالم الى حلفاء ، واعداء ، ومحاور للخير والشر، وتصنف دول العالم الى مراتب بحسب قربها وبعدها عنها ، فهناك دول المقاعد الاولى التي تقترب من قدراتها ولكنها تقر بهذا الشكل اوذاك بزعامتها ، كدول مجموعة الثمانية ، اضافة الى الصين والهند ، ودول المقاعد الثانية التي تتارجح بين التبعية النسبية والتبعية الجزئية ، كما في المكسيك والباكستان وكوريا الجنوبية ، وتركيا ، والفلبين واندنوسيا ، ودول اخرى بين بين تحاول ان تكون مسالمة ومؤدبة ما امكنها ذلك ، لكنها ترتبط بنمط اقتصادي استثماري تبعي كالبرازيل والارجنتين وجنوب افريقيا ، اما المقاعد الاخيرة في التصنيف الامريكي وهي على مستويين الثالثة والرابعة فهي قد خصصت لدول الريف بما يحويه من مناجم للطاقة ودول الموز والدول التي لا تصلح الا لتكون منتجعات سياحية لمواطني الدول المرفهة اضافة الى الدول التي لم تبلغ سن الرشد بعد ! ومن يخرج عن بيت طاعتها فهو مارق ، اذا كان دولة او حزبا اوحركة او فرد ، وبطبيعة الحال فان اغلب المارقين يخرجون من دول الارياف ، كوريا الشمالية ، كوبا ، بوليفيا ، فنزولا ، ايران ، سوريا ، حماس ، حزب الله ، المقاومة العراقية ، الا اسرائيل التي تستوطن الارياف ، وتعتبرها امريكا ولايتها الثالثة والخمسين ، فهي مخلب بنيوي من مخالبها الامبريالية العتية ، التي تكرس تبنيها اثناء الحرب الباردة ، وتصلبت العروة الوثقى بينهما بعد بروز الهدف الامريكي للتحكم بمنطقة الشرق الاوسط كمنطقة مقفلة لمصالحها الحيوية ، لما لها من موقع استراتيجي يربط طرق العالم ببعضها ، ثم ، وهذا هو الاهم انها تحتوي على اهم احتياطيات مصادر الطاقة الحيوية في العالم ! ان الطريق الجديد ليس بطريق للارهاب الذي هو بالاساس صنيعة امريكية اسرائيلية وليس هو بطريق التطرف والتعصب الاعمى وتحت اي يافطة كانت دينية او فلسفية او ايديولوجية ، والذي لا يرى الا الاوهام ، ولا هو بطريق للمغامرات والمقامرات التي لا يخوض بها الا الذين يعبثون بكرامة ومصير شعوبهم ، ولا هو بطريق اخر يخفف من شدة الخضوع للاملاءات الامريكية ، انه طريق المواجهة الشعبية المدنية والعسكرية طريق انتزاع الحقوق بنضال فعال يربط الساحات ويعرف كيف يجعل العدو مكشوفا امام ضرباته انه طريق الكفاح الطويل ، طريق تكون روح من يخوض فيه وكانها سوقية الفولاذ !
نعم هدنة تحقق المقاصد القريبة وليست معاهدة استسلام مذلة ! :
اذا كان ميزان القوى مختلا لدرجة حرجة ، بحيث يصعب معها تحقيق نصر كاسح وبالضربة القاضية فان كسب جولة من المعركة وبالنقاط مع الاحتفاظ بعوامل القوى الذاتية المدفوعة بارتدادات ايجابية على اصعدة التعبئة المادية والمعنوية ، والمقرونة بقوة المثل الناجح لكل مواقع المواجهات الساخنة في المنطقة كلها يصبح من المنطقي بل من المطلوب الجنوح نحو تاطير سياسي ودبلوماسي داخلي واقليمي ودولي متوازن تكون نتائج المعركة الميدانية بكل حساباتها وتفاصيلها احد اهم مفردات سعيها لتثبيت واقع الهدنة . ان الافلات من محاولات فرض تطبيقات القرار الدولي 1559 القاضي بنزع سلاح المقاومة وضمان امن شمال اسرائيل ، والعبور على المطالب والحقوق اللبنانية المشروعة ، وترحيلها الى تفاهمات ثنائية قد تفضي تحت الضغوط الامريكية وفي ظل مناخ التهافت عند بعض القوى اللبنانية المتكسبة من فصل لبنان عن مشاغل الصراع العربي الاسرائيلي وتحجيم قوى المقاومة فيه ، وجعله محمية امريكية ، هذا كله يلاقي هوى عند بعض الدول العربية السائرة اصلا بركاب التخلي عن الشعب الفلسطيني وتركه وحيدا امام الاستفراد الاسرائيلي الامريكي بعد ان اصبحت هي ذاتها فريسة سهلة لهذا الاستفراد ، هذا الافلات هو ابداع لبناني مقاوم ، بحيث سيكون انتشار الجيش الوطني اللبناني في الجنوب هو هدف مقاوم مقابل يعززه اسناد سلاح المقاومة في الدفاع عن لبنان ، بمقابل لانصياع الاسرائيلي للمطالب اللبنانية في عودة مزارع شبعا والاسرى والحصول على خرائط الالغام ، وكل هذا يحصل تحت بند الهدنة وليس اي شيء اخر .
لم يجلب الاستسلام العربي ، لمصر او الاردن مثلا اوغيرها من البلدان العربية المتواطئة مع المشروع الامريكي الصهيوني ، املا بالحصول على رضى وبركات الامريكان والصهاينة ، وكانها تريد توكيلا منها يجيزلها الاستمرار بالحكم ، وهي العارفة مسبقا بان شعوبها لن تعطيها اي توكيل عنها لو طبقت نظام التوكيلات حقيقة ، اي لو مارست ادنى انواع الديمقراطية الانتخابية حقا ، نعم لم يجلب استسلامهم غير المزيد من التبعية والعجز والتقهقر وعلى كافة لاصعدة ، اما الحل الكارتوني للمشكلة الفلسطينية فهو يعري كل الادعاءات الفارغة من ان اسرائيل ستعطي نصفها للشعب الفلسطيني لاقامة دولته ، وكل يوم يمر يكون مثالا جديدا على بطلان هذا التخدير المتعمد ، قضم للارض وقتل وابادة وتهجير حتى صار ليس منطقيا ان تقوم دولة فلسطينية على البقية الباقية من الفتات ! ان اعلان المقاومة اللبنانية موافتها على صيغة نشر الجيش اللبناني في الجنوب للدفاع عن سيادة لبنان وليس للدفاع عن حدود اسرائيل هو موقف مسؤول يعزز ويعملق وزنها بعيون الشعب اللبناني وكل شعوبنا العربية والاسلامية ، وسيضيف للنصر العسكري والسياسي المتحقق افقا يلجم ويدحر اهداف العدوان ومن يقف وراءه ، وهي بهذا المعنى تحقق المعادلة الصعبة ، في تواصل وتكامل بل وحتمية التدامج بين الاهداف الوطنية والقومية والا ممية الانسانية .
#جمال_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحلقة الاخيرة من عراق الازل بين الجد والهزل
-
عراق الازل بين الجد والهزل
-
اجتثاث مكارثي في العراق
-
فدرالية العراق مهيج حيوي للانعزال القومي والطائفي
-
قول الحقيقة لا يغضب احدا سوى اعدائها يا طالباني
-
انظمة عربية لا تحترم نفسها
-
لقطات ليست بريئة
-
كارت احمر للفصائل المقاومة في مونديال المصالحة الوهمية
-
مطابقات شعبية ترتقي لفعل مقاومة الاحتلال الاجتثاثي
-
هبوا ضحايا الاغتصاب
-
خازوق الاحتلال لا يستثني احد
-
الاحتلال الغائب الحاضر في مبادرة المالكي
-
الصومال تتناطح للتخلص من قبضة الشر الاوسط الكبير
-
دولة الناس ودولة الله
-
أرهابيون لكن ظرفاء
-
كذب الامريكان وان صدقوا ! يريدون الزرقاوي قميص عثمان لجرائمه
...
-
هجوم امريكي مضاد لتثبيت افرازات الاحتلال ! خمس ساعات من التو
...
-
عصيان مدني على الموت
-
ماذا بعد الزرقاوي ؟
-
عراقيات مع سبق الاصرار
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|