عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6932 - 2021 / 6 / 18 - 09:00
المحور:
حقوق مثليي الجنس
نادرون من أبناء جيلي من لم يقرأوا أدب العصر العباسي وهو حافل بنتاجات الشعراء الذين يدعون بالشعراء المجان، الذين يتغنون بالخمرة، ويتغزلون بالغلمان أكثر من غزلهم بالجواري الحسان. لكني لم أصادف حالة مثلية جنسية معروفة، لا بل معلنة حتى من المعني بها، كما صادفتها خلال أدائي الخدمة العسكرية الألزامية في سبعينات القرن الماضي.
طرفا الحالة كانا معاون أمر الفوج الذي نسبت اليه وجندي بصفة مراسل، والمراسل لمن لا يعرف تسمية ملطفة وجدت لتنوب عن تسمية خادم الضابط ينجز بدلا عنه كل الأعمال التي يأنف الضابط من إنجازها، بما فيها تلميع بسطاله، والبسطال هو الجزمة العسكرية.
كان المراسل أسمرا فارع القامة، قوي البنيان، ودودا لطيف المعشر، قادر على أداء أشق الأعمال، ولا يتردد في مساعدة الآخرين، عندما يجدون صعوبة في أداء بعض المهام التي تتطلب قوة وطاقة جسدية، وما أكثر تلك المهام في الحياة العسكرية، ولهذا كان العرفاء يمتدحوه قائلين: أنه شخص رائع لولا تلك ((الخصلة الخبيثة)) فيه، قاصدين مثليته الجنسية.
من خلال أحمد وهو أسم المراسل المثلي تعرفت الى صورة مغايرة للصور التي رسمها الأدب العباسي عن المثليين، فتلك الصور تتمحور حول أشكالهم ودلالهم، بما يوحي بان لهم ملامح أنثوية، بينما كان أحمد ذو هيئة عملاقة تقريبا، ولا صلة له بالدلال والدلع، بل هو يتفوق على الآخرين في أداء المهام الصعبة. وطغت طيبة أحمد على حالة الرفض المعهودة للمثليين، حتى كان عرفاء الجيش يطرون خصاله.
رغم هذا ظلت المثلية وظل المثليون حالات غامضة بالنسبة لي، وظننت حينها أن أحمد حالة خاصة لا تصلح للتعميم.
عند وصولي الى السويد قبل ثمانية وعشرين عاما، بدأت صورتهم، بمرور الوقت، تتضح لي، فكان لي منهم زملاء عمل ليسوا سويديون فقط، بل ينحدرون من بلدان مختلفة، وهم مختلفون عن بعضهم ولا يمكن التعرف عليهم إن هم لم يختاروا أن يكونوا ضمن الناشطين في مجال الدفاع عن حقوقهم وحقوق أقرانهم المثليين. وكما يختلفون في الملامح والصفات الجسدية فأنهم يتباينون في الخصال والطباع الإنسانية، هم ليسوا ملائكة وليسوا شياطين، هم ناس مثل كل الناس، لهم ذات المزايا، وذات النواقص،بينهم الأناني والكريم، الطيب واللئيم، المسالم والعدواني، وإن كان المسالمون والوديعون هم الأغلبية بينهم.
الجهل المبني على الأحكام المسبقة المستندة الى أحكام دينية أو قيم أجتماعية مستمدة من تلك الأحكام هو ما يبقي هذه الشريحة من البشر خارج دائرة الرغبة في التعرف الى حقيقتهم كبشر لا يختلفون عن غيرهم.
#عبدالله_عطية_شناوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟