|
بناء حزب الطبقة العاملة من منظور ماركسي
عبد الحق الزروالي
الحوار المتمدن-العدد: 6930 - 2021 / 6 / 16 - 21:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
وهي بالمناسبة مساهمة نضالية تندرج في سياق النقاش الدائر حول مهمة بناء الحزب الثوري الاشتراكي، حزب الطبقة العاملة المستقل كما تصورته الماركسية.. الشيء الذي ألزمنا بالمساهمة وبتقديم وجهة نظرنا الخاصة بناءا على المرجعية الماركسية اللينينية، وتفاعلا مع بعض الطروحات المنتشرة في الساحة النظرية والسياسية المغربية، والتي لا ترى ضرورة لهذا الحزب ولهذه الإستراتيجية الثورية الاشتراكية، مكتفية بخط النضال على مراحل تؤجل فيها الثورة الاشتراكية، والتي تنعدم شروطها الآن حسب هذا التصور، إلى مرحلة لاحقة، أي إلى حين استكمال مرحلة الثورة البرجوازية الديمقراطية.. فالحاجة إذن، وحسب هذا المنظور، ليست لحزب طبقي كما يتصوره الماركسيون، حزب الطبقة العاملة المستقل، بل هي لحزب يضم عموم الفقراء والكادحين بمعية العمال والعاملات، حزب يسميه أنصاره بحزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين. فعلى هذا المنظور وعلى أساسه تشكلت الحركة الماركسية اللينينية بداية سبعينيات القرن الماضي والتي كانت عبارة عن منظمتين اثنتين منظمة "23 مارس" ومنظمة "إلى الأمام"، بالإضافة لمنظمة "لنخدم الشعب" المنشقة عن "23 مارس" وبالإضافة كذلك للعديد من المجموعات والحلقات الصغيرة التي لم تتوقف عن التناسل والتوالد داخل الجامعة وعلى جنباتها، بعيدا عن الطبقة العاملة وعن مشروعها الاشتراكي، بعضها حامل اللواء التروتسكي وبعضها الآخر اللواء الماوي وكذا الفوضوي.. وكلها اتجاهات وتيارات تدّعي الماركسية وتدّعي كذلك استنادها على النظرية اللينينية وعلى منظورها لبناء الحزب الثوري المنشود. وبغض النظر عن هذه التسميات المختلفة والمتنوعة يبقى الإشكال المطروح حقيقة، هو عجز جميع هذه المنظمات والتيارات، عن بناء هذا الحزب الثوري بالرغم من جسامة وثقل التضحيات التي قدمها المناضلون والمناضلات، من أجل هذا الهدف.. خمسون سنة وأزيد من النضال والكفاح والتضحية من أجل هذا المشروع دون فائدة لمصلحة الطبقة العاملة كما يتصورها الاشتراكيون. لقد أبيدت هذه المنظمات بشراسة، وعمل النظام القائم على اجتثاثها والتنكيل بمناضليها وأطرها، عبر الملاحقات والاعتقالات والمحاكمات والنفي والاغتيالات..الخ ولم تستمر في الوجود سوى منظمة "إلى الأمام" التي غيّرت جلدها واسمها وخطابها..الخ عسى أن تصل لهدف الثورة المنشودة.! وهي المنظمة السياسية التي خضعت للعديد من المراجعات التي أملت على قيادتها العديد من التنازلات بغرض كسب الشرعية القانونية في ظل النظام القائم.. وهو الشيء الذي ما زالت ترفضه وتعارضه الشبيبة الثورية بالجامعة، حيث ما زال تشبثها قائم بالبرنامج المرحلي للثورة، برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية. وبغض النظر عن منظور الحركة، أو ما تبقى منها، للحزب الثوري، سنحاول بسط وجهة نظرنا في الموضوع كوجهة نظر بروليتارية عمالية تتطلع للمساهمة في بناء حزب الطبقة العاملة المستقل، باعتباره الأداة الثورية المؤهلة لقيادة وتسيير جميع مراحل الثورة، حزب ثوري اشتراكي يتم تشييده عبر صهر وتوحيد مختلف المجموعات الماركسية المخلصة "للبيان الشيوعي" وللخطة التنظيمية اللينينية التي أسس لها وطوّرها الرفيق لينين زعيم البلاشفة وقائد الثورة الروسية الاشتراكية، على مدار ثلاثة عقود من حياته النضالية. فعلى هذا الأساس انتسبنا للينينية، بحيث لم تكن مساهمة الرفيق لينين مجردة من أي التزام طبقي تجاه الطبقة العاملة ومشروعها التحرري الاشتراكي، إذ عجّت حينها البلاد الأوربية بمختلف الاتجاهات الثورية المتنوعة، من فوضوية ومغامراتية، إلى جانب العديد من التيارات الاشتراكية الإصلاحية.. لذا ورفعا لكل التباس حول انتساب أي كان من التيارات والاتجاهات للينينية يتعين على جميع المجموعات المناضلة الراغبة في المساهمة في بناء حزب الطبقة العاملة، إعلان انتسابنا للاشتراكية علنا والدفاع عنها كبرنامج وكمشروع مجتمعي.. إذ لا يمكن أن يكون المناضل لينينيا دون أن يكون ماركسيا اشتراكيا، لسبب بسيط مرتبط بتطور الفكر الاشتراكي، وانتقاله من حالة الطوباوية والأحلام، إلى حالة العلم والالتزام الطبقي.. فليس من باب العبث أو الصدف أن راهنت الماركسية، منذ إعلانها عن تصورها وبرنامجها، على طبقة اجتماعية واحدة، دون غيرها من الفئات والطبقات الاجتماعية الفقيرة والمحرومة، قصد الإطاحة بالرأسمالية وبطبقتها البرجوازية وبجميع حلفائها من الطبقات المالكة، والإشراف بالتالي على تغيير نمط الإنتاج والعيش، والقضاء النهائي على الاستغلال والنهب والاستبداد..الخ فمع صعود الستالينية واكتساحها لمسرح العمل السياسي والفكري، اعتمدت منظورا جديدا للحزب الثوري المعني بالتغيير المجتمعي، تمت الدعاية له على أوسع نطاق وسط الحركة الشيوعية العالمية بشكل يتعارض مع منظور الماركسيين المبدئيين للحزب.. بحيث أصبح الحزب وفق هذا المنظور عبارة عن جبهة طبقية شعبية تضم إلى جانب العمال والعاملات، صغار الفلاحين والتجار والموظفين والحرفيين ومختلف الفئات والطبقات الكادحة..الخ وقد يختلف ويتنوع المنتسبون لهذه الجبهة حسب الظروف وحسب المهام الثورية المنشودة الخاصة بكل بلد. فالحزب من منظور الثورة الصينية ليس هو نفسه من منظور الثورة الكوبية أو الفيتنامية أو الألبانية..الخ هي جميعها أحزاب ثورية متنوعة قادت النضال من أجل الاستقلال ودحر الاستعمار الإمبريالي تحت شعارات تحررية قريبة إلى هذا الحد أو ذاك من الاشتراكية..الخ كل هذه النقاشات وما تمخض عنها من أطروحات تنظيمية وسياسية وبرنامجية، ساهمت بوضوح في مراجعة مفهوم الحزب من منظور ماركسي، يعني حزب الطبقة العاملة قائدة الصراع وموضوع الرهان.. فلا ضرر إذن، وحسب هذا التصور، من انضمام الفلاحين الصغار لصفوف الحزب، وكذا جميع فئات البرجوازية الصغيرة، من موظفين وحرفيين وتجار صغار وشغيلة ومستخدمين ومالكي الورش الصغيرة والمتوسطة.. وكلها فئات تصنف عادة في عداد عموم الفقراء والكادحين والمحرومين..الخ الشيء الذي نعتبره من منظورنا مراجعة وابتعاد عن التصور الماركسي لبناء الحزب، حزب الطبقة العاملة المستقل عن كافة هذه الفئات المعنية هي الأخرى بالتغيير، والتي تتطلب مجهودا كبيرا من الحزب لإقناعها بالمشروع الاشتراكي، والتخلي بالتالي عن طموحاتها الأنانية البرجوازية الصغيرة، المتجهة نحو التسلق الطبقي والتملك والجري المحموم بهدف توسيع المِلكية وترسيخها..الخ وهو على عكس ما تطمح له الطبقة العاملة، كطبقة اجتماعية محرومة من أية ملكية، عدا عضلاتها وقوتها البدنية والفكرية.. طبقة لا ترى مستقبلا ناجحا لها إلا من خلال التملك الجماعي للإنتاج، وفي القضاء النهائي على النهب والاستغلال والمِلكية الفردية والخاصة.. إنها فعلا الطبقة التي ستسهر على حفر قبر الطبقة البرجوازية ودفنها بصفة نهائية تمحوها من الوجود.. وحينها سيدخل المجتمع مرحلة جديدة يكون فيه الإنتاج إنتاجا اجتماعيا موجها لخدمة المجتمع بأسره، دون الحاجة للرأسمال والاستغلال والجري وراء الأرباح. فمنذ بروز الأطروحة الاشتراكية على يد ماركس وإنجلز، وبمساهمة عموم الرفاق في عصبة الشيوعيين الألمان، راهنت هذه الأطروحة، على الطبقة العاملة منتجة فائض القيمة، لقيادة عموم الفقراء والكادحين المحرومين، نحو التحرر وإقامة المجتمع الاشتراكي البديل.. وقد أصدرت حينها وثيقة تاريخية وضحت بالملموس موقف جميع الفئات والطبقات الاجتماعية المتضررة من وجود الرأسمالية كنمط إنتاج، ليتبيّن من خلال التحليل الذي اعتمدته هذه الوثيقة ـ البيان الشيوعي ـ أن الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي ليس لها ما تخسره في معركة الإطاحة بالرأسمالية وبطبقتها البرجوازية سوى الأغلال المكبلة لها.. وعبر التحرر منها وخلعها من على معصميها، ستربح عالما جديدا يعمّه التضامن، والتكافل، والإخاء، والتحكم في الإنتاج، وتدبيره لمصلحة المجتمع في إطار من الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية..الخ فبعد هذه التوضيحات التي أصبحت بالنسبة لعموم الماركسيين المتشبثين بهذه الوثيقة التاريخية، بديهية لا تحتاج إلى تأكيد، لم يعد من حق أي كان أن يدّعي أو يتبجح بالماركسية، وينادي في نفس الوقت ببناء هذا الحزب الخليط المسمّى "بحزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين"! هذا الحزب الذي قدّر عليه أن يضم في صفوفه إلى جانب الطبقة العاملة العديد من الفئات والطبقات الاجتماعية التي لا مصلحة لها في النظام القائم، تكون مهمته قيادة وتأطير النضال من أجل التغيير الاجتماعي.. والعهدة على الراوي.! صحيح أنه تبيّن من خلال التجارب التي خاضتها الحركة العمالية في سياق نضالها من أجل التحرر الاشتراكي بأن لا بد للطبقة العاملة من حلفاء حتى تنجح في مهمتها هذه.. فهي ليست بالطبقة الوحيدة المعنية بالتغيير، وهي لا تقل فقرا عن العديد من الفئات الاجتماعية المحرومة، كالبطّالين والمياومين والعديد من الحرفيين وفقراء الفلاحين..الخ وكلها فئات اجتماعية مقهورة تناضل كذلك من أجل تغيير أحوالها للأحسن.. إذ بالرغم من هذا كله فلا يعني أبدا أن نسعى لدمج الكل في حزب سياسي واحد يناضل من أجل التغيير ومن أجل إقامة الاشتراكية والمجتمع بدون طبقات.! فالتنظيم بالنسبة للطبقة العاملة أصبح ضرورة موضوعية لإنجاز التغيير، وإذا أدركنا نحن الماركسيون هذه الضرورة فليس معناها الهرولة من أجل بناء حزب من أي شكل كان وبأي طريقة كانت.. فالمطلوب الآن هو الحزب الطبقي البروليتاري وليس حزب جميع الطبقات الشعبية الكادحة والمحرومة والمقهورة..الخ "فشعار الساعة حول التنظيم، لكن الاكتفاء بهذا بمعنى عدم قول أي شيء. وذلك من جهة، لأن التنظيم ضروري على الدوام، ومن هنا ينجم ان مجرد الإشارة إلى ضرورة "تنظيم الجماهير" لا يوضح البتة المر.. ومن جهة أخرى فإن من يكتفي بهذا بالضبط، لأجل تدعيم سيادتهم في أن يسير العمال إلى أبعد من المنظمات العادية "الشرعية" (من وجهة نظر المجتمع البرجوازي "العادي")، أي يكتفي العمال بالانتساب إلى حزبهم، إلى نقابتهم، إلى تعاونيتهم..الخ وهكذا دواليك" فالمناضلون الثوريون الماركسيون معنيون بدرجة أولى وأساسية بتنظيم الطبقة العاملة وبشكل مستقل عن باقي الطبقات الأخرى الكادحة والمحرومة هي كذلك.. إذ لا يجب الخلط بين هذه الأداة الطبقية الضرورية والحاسمة وبين الجبهات الاجتماعية المتنوعة ذات الباع الطويل في ميدان الاحتجاج والمطالبة بالتغيير ويرفع الحيف والتهميش والحرمان من الحقوق عن المواطنين..الخ وعلى هذا الأساس وبعيدا عن جميع التصورات البرجوازية الصغيرة التي أخفقت في تحقيق هذا الهدف، فالتنظيم الذي ينشده الماركسيون ويدعون له هو حزب الطبقة العاملة المستقل فكريا وسياسيا وتنظيميا، ليس عن البرجوازية فحسب كما أوّلته التحريفية، بل على كافة الفئات البرجوازية الصغيرة المناضلة من أجل التغيير. فالحزب المنشود يكون دوره تنظيم الطبقة العاملة والرفع من وعيها بمصالحها.. حزب لا يتخلف عن خوض المعارك السياسية ضد البرجوازية وحلفائها، ولا يخفي إستراتيجيته الثورية المتمثلة في القضاء النهائي على الرأسمالية وبناء المجتمع الاشتراكي البديل. أما الفئات الاجتماعية الأخرى من جماهير الشغيلة، المالكة وغير المالكة، سيان، فلها من يدافع عنها ويحمي مصالحها وينظمها باستقلال عن الطبقة العاملة، لأن مصالحها مغايرة ومتباينة، وأحيانا معارضة لمصالح الطبقة العاملة ومشروعها الثوري الاشتراكي، وهو الشيء الذي يتطلب المزيد من العمل والجهد وسط هذه الفئات بقصد كسب طلائعها لمصلحة الطبقة العاملة ومشروعها الثوري الاشتراكي في إطار ما يعرف "بالانتحار الطبقي"، والذي مارسته لسنوات العديد من العناصر المثقفة وبعض خريجي الجامعة من الطلبة والمعلمين والأساتذة والمهندسين..الخ فتحت أية دعوة من الدعاوي والمبررات البرجوازية الصغيرة المهووسة بالحزبية، فلا يمكن أن تنجح الثورة في المغرب بالشكل الذي يخدم مصالح الطبقة العاملة ويساعدها في بناء مشروعها، وإلاّ إذا توفرت الطبقة العاملة على حزبها المستقل، لأن مصلحتها تكمن في بناء مجتمع جديد تنعدم فيه المِلكية وتحاصر فيه غالبية الإنتاجات الصغيرة.. وعدا هذا من الرهانات المرحلية الغامضة، فلن تنتصر البروليتاريا في معركتها التحررية ولن تنجح بالتالي في القضاء على الرأسمالية وشرورها.. ستبقى الطبقة العاملة دون هذا الشرط، أي شرط الاستقلال، خاضعة، ذيلية، مقموعة ومحاصرة بالعديد من الشعارات الشعبوية الغبية، من قبيل الوطنية والاستقلال والحرية والتحرر من ربقة الاستعمار والإمبريالية.. دون الأثر الملموس على حال الطبقة العاملة وانعتاقها من النهب والاستغلال. فحزب الطبقة العاملة المستقل لا بد له أن يكون حزبا عماليا اشتراكيا، حزب يناضل ويكافح من أجل بناء الاشتراكية والقضاء على أي مظهر من مظاهر النهب والاستغلال والاستبداد، نهائيا.. حزب يقاتل من أجل سيطرة الطبقة العاملة على السلطة السياسية وتوفير كافة الشروط للحفاظ عليها وصيانتها، عبر بناء مجالس العمال في المدن والبوادي، وعبر مساعدة الجماهير الشعبية كافة في بناء مجالسها الشعبية وسط الأحياء السكنية الشعبية، وفي القلب من الحقول والضيعات وسط الفلاحين المعدمين والفقراء، ووسط مختلف مواقع الإنتاج المختلفة والمتنوعة..الخ بهذه الطريقة ووفقا لهذا المنظور نكون على جادة الطريق الصحيحة، المؤدية لبناء حزب ثوري يخدم فعلا مصالح الطبقة العاملة ومصالح عموم الفقراء الكادحين المالكين وغير المالكين.. أما إذا كان العكس ودمجنا الجميع في حزب واحد يكون عبارة عن جبهة طبقية تضم إلى جانب الطبقة العاملة جميع الفئات الكادحة والمياومة والمعطلة والمستخدمة.. فستضيع لا محالة استقلالية الطبقة العاملة، وستضيع مصالحها، وسيلف الغموض مستقبلها ومشروعها المهدد باستمرار بمجتمع الإنتاج الصغير، المنافس بشدة للمجتمع الاشتراكي البديل.. إذ بدون استحواذ الطبقة العاملة على السلطة السياسة والشروع مباشرة في الإجراءات الاشتراكية الأولى لن يتحقق هذا التغيير الاشتراكي الذي نتوخاه، والذي سيجسد فعلا الانتصار على الرأسمالية، وسيقضي نهائيا على جميع بقاياها ومظاهرها. فالطبقة العاملة كانت ومازالت مستعدة للنضال والكفاح والتضحية من أجل الثورة والتغيير الجذري الاشتراكي، لكن هذا لم يمنع عنها أبدا المساهمة بكل حمية في جميع النضالات من أجل قضايا ومطالب ديمقراطية توفر الشروط لنضال أوسع وأرحب، شريطة ألاّ تزيغ عن استراتيجية التغيير الثوري الاشتراكي، وألاّ تحوّل مناضليها إلى أبطال وقادة ومحترفين تابعين لبعض الجمعيات المهنية والاحتجاجية والحقوقية وغيرها.. إذ لا يمكن الرفع من وعي العمال والعاملات وإقناعهم بمهمة التغيير الاشتراكي، دون الشروع في تنظيمهم في خلايا ومجموعات تساعدهم على التثقيف الاشتراكي وعلى التحضير للمعارك النضالية الاقتصادية والسياسية التي ستسمح لهم بفهم سير المجتمع وتناقضاته الصغيرة والكبيرة، العارضة والمستعصية.. لكي يفهم العمال فعلا مصدر شقائهم وبؤسهم، ولكي يدركوا كذلك كيفية التغلب على هذا البؤس والقضاء نهائيا على شره. فإذا لم يدرك جمهور العمال أن سبب هذا الشقاء مرتبط بوجود الملكية الفردية والخاصة، وبسيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي على المجتمع، فلن نعتبره وعيا حسيا أوليا، وسيبقى هذا الجمهور محدودا في وعيه مثله مثل أكياس البطاطس، سيظل مكتفيا بمعاركه الاقتصادية الخبزية في إطار الصراع ضد مالك المعمل أو المصنع.. دون أن يرتقي بوعيه إلى الوعي الطبقي اللازم، الذي يوضح له أن المعركة تتجاوز أسوار المصنع لتشمل جميع المصانع والمعامل والشركات والمناجم والضيعات الفلاحية.. فهي الأخرى يوجد بها عمال وعاملات معرضين للاستغلال والنهب والقمع والتجويع.. فلا بد إذن من توحيد صفوفهم وتنظيمهم بالشكل الذي يرتقي وعيهم على جميع أشكال الوعي البسيطة قافزا بهذا الوعي إلى وعي طبقي نوعي يضعهم في وجه الطبقة البرجوازية وحلفائها جميعا. هذا التنظيم الذي لا بد أن يتوفر على مواصفات معينة نُحتت وتطورت عبر عشرات السنين، أي منذ لحظة صياغة البيان الشيوعي من طرف ماركس وإنجلز ورفاقهما من خلال عصبة الشيوعيين الألمان، ومرورا بتجربة لاسال، وبليخانوف، وكاوتسكي.. وانتهاء بالصيغة اللينينية الجامعة والمانعة، التي نجحت وتفوقت على جميع النماذج التنظيمية العمالية والثورية التي استهدفت التغيير والإطاحة بالرأسمالية. فالتنظيم الذي تحتاجه الطبقة العاملة الآن، تنظيم معادي للبرجوازية وجميع الملاكين الكبار، تنظيم من المفروض فيه أن يستحضر هذه الخبرة التنظيمية وهذا التراكم العمالي الذي سبق وأن أنجزته الطبقة العاملة بمعية المثقفين الثوريين لكي لا تغدو التجربة مجرد تكرار عبثي لا طائل منه.. فكما بادرت مجموعة الشيوعيين الألمان لتنظيم نفسها، وصياغة برنامجها، وإعلان مبادئها، والإسهام في قيادة وتأطير أقوى منظمة عمالية جماهيرية في التاريخ ـ الأممية ـ لا بد من السعي لبناء هذا التنظيم العمالي الممثل حقا لمصالح الطبقة العمالية، والمدافع الشرس عن تصوراتها واختياراتها في البناء الاشتراكي. فعلى خلفية هذا التراكم العمالي العظيم وكذا جميع المحاولات اليسارية المغربية المتنوعة، بات من اللازم والضروري الانخراط في عملية البناء والتشييد لحزب الطبقة العاملة المستقل، حجرة على حجرة دون تردد ولا عياء، مقدرين ذلك الكم الهائل من المناضلين الاشتراكيين الحاملين هموم الطبقة العاملة وعموم الكادحين، والحالمين بضرورة الثورة والتغيير الاشتراكي ببلدنا مهما كانت الصعاب. وبالنظر للمشهد السياسي اليساري بالمغرب، وبالرغم من شراسة النظام وقوته القمعية، لم يقوى هذا الأخير على كسر شوكة الحركة اليسارية الجذرية بمختلف مشاربها وتطلعاتها.. هذه الحركة التي تختزن فعلا جنين هذا التنظيم وهذا الحزب، بعد أن تشبعت الشبيبة الثورية لأجيال وأجيال بفكر الطبقة العاملة وبمشروعها المجتمعي الاشتراكي، بحيث لم يعد يخفى على أحد التحاق العديد من المناضلين الاشتراكيين بصفوف الطبقة العاملة، مجبرين في غالبيتهم الساحقة.. وقد لا نتصور أن هؤلاء العمال المتمدرسين والمثقفين، يقبلون بوضع الاستغلال الذي يعيشونه يوميا دون أن يفكروا في الفراغ التنظيمي الذي تعاني منه الطبقة العاملة، ويكبل أياديها وعزيمتها باستمرار.. لا نتصور أن الحالة تفاقمت ووصلت لهذا الحد بعد كل هذا الجهد والعشرات من السنين كلها خبرة وتجارب وتضحيات جسيمة.. فإذا غابت النقابة العمالية، والمنظمة الثورية، وحزب الطبقة العاملة عن المشهد اليساري في هذه اللحظة، فلا يعني ذلك غياب الطبقة العاملة عن الفعل وعن النضال ضد الرأسمالية وعن الصراع الطبقي، إذ مازال بالمغرب مناضلون اشتراكيون كثر، حازمون وصامدون، يختلفون عن بعضهم في بعض التكتيكات الواجب اعتمادها، كأن يتريث البعض في الإعلان عن إستراتيجية الثورة الاشتراكية ويؤجلها لدواعي تكتيكية إلى حين تحقيق المرحلة الأولى من الثورة، أي الثورة البرجوازية الديمقراطية، المعروفة بالثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية.. في حين يعتبر البعض الآخر أن المغرب يعيش زمن الثورة الاشتراكية الغير قابلة للتأجيل، ثورة قادرة، وفق شروط معينة ضرورية ذاتية وموضوعية، على دك أسس النظام الرأسمالي نهائيا.. بحيث ليس هناك من سبيل لتحقيق ثورة اجتماعية تقضي على الاستغلال والنهب والاستبداد.. وتحقق الاستقلال الاقتصادي عن الإمبريالية والرأسمال العالمي، سوى الثورة الاشتراكية المظفرة، القادرة فعلا على حماية حقوق الطبقة العاملة وضمان حقوق جميع حلفائها وسط الكادحين وعموم الشغيلة والمياومين والعاطلين والمعطلين..الخ من هنا نستشف أن الحركة الثورية المغربية ما زالت منقسمة على نفسها، وهي بأمس الحاجة لرص الصفوف وانتهاج العمل الوحدوي الديمقراطي والتقدمي على أكثر من صعيد، وفي أكثر من قطاع، مع الإسهاب القوي في هذا النقاش النظري المهم الذي يخص الأداة الثورية، حزب الطبقة العاملة المستقل عن جميع الفئات والطبقات الثورية المعادية للرأسمالية.. ليبقى النقاش مفتوح والصراع مستمر حتى تشييد الحزب والانخراط العملي في خطوات الثورة الاشتراكية المنشودة.
يونيو 2021
#عبد_الحق_الزروالي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النضال من أجل إطلاق سراح معتقلي حراك الريف وكافة المعتقلين ا
...
-
عن أي -يسار- نتكلم؟
-
في ذكرى ثورة دجنبر.. ذكرى تأسيس المجالس السوفياتية
-
في ذكرى الشهيد عبد الحق شباضة
-
الشعبوية و التحريفية الماوية ...وجهان لعملة واحدة
-
التحريفية من منظور ماركسي لينيني بروليتاري
-
اليد الممدودة من القوى التحريفية الى القوى الظلامية
المزيد.....
-
بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش
...
-
Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
-
-القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
-
-المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
-
إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا
...
-
ترامب يدرس تعيين ريتشارد غرينيل مبعوثا أمريكيا خاصا لأوكراني
...
-
مقتل مدير مستشفى و6 عاملين في غارة إسرائيلية على بعلبك
-
أوستن يتوقع انخراط قوات كورية شمالية في حرب أوكرانيا قريبا
-
بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
-
بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|