كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 482 - 2003 / 5 / 9 - 04:45
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
(2)
وردتني رسائل تشجيع وتأييد وملاحظات نقدية قليلة لبعض ما جاء في المقال الأول حول موضوع البحث. والمشجع في الأمر أن عدداً كبيراً من الأصدقاء والمعارف أو المهتمين بالموضوع سعوا إلى إيصال المقال إلى عدد كبير من الأخوات والأخوة في خارج العراق, إضافة على بعض الأقطار العربية كما نشر على بعض مواقع الإنترنيت. أقدم شكري لكل الذين ساهموا حتى الآن في مناقشة الموضوع أولاً, وأتمنى أن لا يتحول إلى موضوع حوار يمس جميع المهتمين بقضية الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والتقدم الاجتماعي والسلام في العراق ثانياً. كما يهمني تماماً أن تتناوله الأحزاب والقوى والكتل السياسية والأفراد بالنقد والتدقيق والتحسين لصالح تطوير الحوار وجعله ينتقل من مستوى شخصي إلى مستوى وطني عام.
تشكل قوى اليسار الديمقراطي العراقي أحد التيارات السياسية الأساسية الذي بلغ عمره الآن بعمر الدولة العراقية الحديثة, والذي سعى إلى وضع نفسه في خدمة قضايا التطور الحر والديمقراطي والإنساني في العراق. وقدم على هذا الطريق الكثير من التضحيات, وهي جزء من تضحيات الشعب ذاته. كما ساهم في تعميق الوعي الديمقراطي وارتكب الأخطاء أيضاً. كما لا نشك في أن بقية التيارات السياسية العراقية التي ساهمت في النضال قد تحملت هي الأخرى الكثير من التضحيات.
إن تيار اليسار الديمقراطي العراقي يفترض فيه اليوم أن يطرح برنامجاً سياسياً واقتصاديا واجتماعيا وثقافياً وبيئياً, وكذلك حول الموقف من القوات المسلحة في العراق, يمس التطور الراهن واللاحق للعراق, كما عليه أن يطرح برنامجه الخاص بالعلاقات العربية والإقليمية والدولية التي تستند إلى مبادئ الحفاظ على الأمن والسلام والتضامن والصداقة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى وقضايا التعاون والتنسيق الاقتصادي والثقافي مع شعوب جميع دول العالم.
وتسعى قوى تيار اليسار الديمقراطي إلى كسب ثقة الشعب من خلال عملية التنافس مع بقية التيارات السياسية العراقية في جو طبيعي تسوده الديمقراطية والاحترام المتبادل وعدم التجاوز ... في ظل التعددية السياسية والحياة البرلمانية الحرة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة السياسية والتنافس في خدمة الشعب واحترام كرامة الإنسان وتحقيق البرامج المطروحة.
لا أمتلك رؤية واضحة عن ردود فعل الأحزاب والتنظيمات السياسية في إطار التيار اليساري الديمقراطي العراقي, إذ لم أتلق من هذه الأحزاب أي رد فعل مباشر, رغم أن عناصر غير قليلة من مختلف الأحزاب والقوى أبدت تأييدها للفكرة واعتبرت المبادرة قد جاءت في الوقت المناسب.
لا شك في أن هناك الكثير من الحواجز التي تقف حجر عثرة في طريق التقدم صوب حوار بناء وهادف لتحقيق وحدة اليسار الديمقراطي العراقي. يمكن هنا الإشارة على بعضها والتي لا شك في القدرة على تجاوزها بروح ديمقراطية ومتطلعة إلى مستقبل أفضل في العلاقات الإنسانية في العراق:
• المشكلات وسوء الفهم والتصرف التي وقعت في فترات سابقة بين أحزاب وتنظيمات قوى اليسار الديمقراطي التي تركت آثاراً غير طيبة في نفوس المشاركين فيها, والتي يخشى البعض احتمال ظهورها ثانية والنتائج السلبية التي تنشأ على العمل الموحد عنها.
• التباين في القوى من ناحية الكم التي تؤثر على أجواء انتخاب القيادة الجديدة.
• الوضع النفسي للكثير من مناضلي مختلف الأحزاب والتنظيمات اليسارية الذي ينشأ عن شعور الأفراد بخسارة حزبهم الذي عملوا فيه طيلة سنوات والتراث والتقاليد التي نشأوا فيها وتربوا عليها وهي مختزنة في ذاكرتهم الذاتية والجماعية.
• لدي القناعة بأن جميع هذه القوى تمتلك تراثاً مشتركاً وسينتقل كل ذلك التراث القيم إلى التنظيم الجديد الذي سينبثق عن وحدة اليسار الديمقراطي العراقي والذي سيعتز به كل العاملين فيه ومؤيديهم والملتفين حولهم من بنات وأبناء الشعب العراقي. إننا بحاجة إلى رؤية شمولية للعالم الذي نعيش فيه ومشكلاته والتغيرات التي طرأت عليه والعوالم الجديدة الفاعلة فيه لنتيقن بأننا نواجه اليوم وفي المستقبل تحديات كبيرة, وستكون تلك التحديات محبطة ما لم ننظر إليها بجدية كاملة منذ الآن. إن الحوار المشترك لا للاتفاق على الأهداف والمهمات فحسب, بل وكذلك تحديد القواعد الديمقراطية التي يعتمد عليها عمل التنظيم اللاحق سيسهل إلى أبعد الحدود لا تجاوز المشكلات التي تدور في بالنا اليوم فحسب, بل سنتمكن من معالجتها بروحية جديدة لم نمتلكها من قبل, روحية الاحترام الكامل للرأي والرأي الآخر واحترام رأي الأقلية وحقها في التعبير والدفاع عنه ونشره دون الإساءة للقرار العام المشترك أو التأخير في تنفيذه والتسامح إزاء بعضنا الآخر. لا بد من وضع آلية ديمقراطية صحيحة يتفق عليها الجميع لمعالجة المشكلات المحتملة بروح المسؤولية والحرص المشترك. كما يمكن حل إشكالية التباين في القوة العددية لكل من هذه التنظيمات إذا ما نظر إلى الهدف المركزي أولاً وإذا ما تم الانطلاق من تصور أن هذا التنظيم وتلك القيادة ستعمل لصالح الجميع وستعبر عن مختلف الآراء المحتملة في إطار التنظيم الجديد. أنا لا أقصد هنا النية الحسنة فحسب, بل العمل لتحويل تلك النية إلى واقع عملي يعاش يومياً من قبل الجميع. إن هذه الرؤية ستبعد عن البعض نظرة من هو الكاسب ومن هو الخاسر من هذه العملية التاريخية لقوى اليسار الديمقراطي العراقي. علينا أن نقر ابتداءاً بأننا لم نعد نعيش عالم الخمسينيات والستينيات أـو حتى التسعينيات, بل نعيش في عالم جديد. والعالم الذي نعيشه لا يحتاج إلى مهمات جديدة فحسب, بل هو بحاجة إلى أدوات وأساليب نضال جديدة لم نعرفها تماماً من قبل , وهذا ما يفرض علينا التوجه صوبها والإمساك بخيوط التغيير والتحرك نحو المستقبل بأقدام ثابتة وقوية ولكنها مفتوحة على الجميع وعلى مختلف الآراء والأفكار التي تبعث التجديد والحيوية في صفوف التنظيم والمحيط الذي يعيش فيه والجماهير المحيطة به.
عندما سجلت رؤيتي المتواضعة والشخصية للحوار الذي أنشده حول وحدة قوى التيار اليساري الديمقراطي العراقي لم أكن منشداً إلى صيغة وحيدة واحدة, لكني اعتبرتها الصيغة الأكثر قدرة على تحقيق المهمات في الوضع الجديد الناشئ في العراق والتطورات المتسارعة اللاحقة. إلا أنني أشرت أيضاً إلى أن الحوار المشترك والمفتوح والشفاف هو الذي سيحدد الصيغة المناسب التي تتفق عليها جميع أو غالبية قوى التيار. إذ لا أحد يمكن أن يتنبأ بما سيخرج به الحوار المنشود. فالصيغ التي ستطرح من قبل مختلف التنظيمات والتي يفترض أن تناقش بكل حرية وشفافية, يمكنها أن ترسي على المشروع الأكثر قرباً من الواقع العملي والأكثر فائدة للجميع وأكثرها جدوى للنضال من أجل تحقيق أهداف ومهمات اليسار الديمقراطي. وأعتقد جازما بأن المثقفين العراقيين حملة التراث الفكري والثقافي العراقي سيلعبون دورهم الفعال في المساعدة على تحقيق المهمة المنشودة من خلال نظرتهم إلى آفاق تطور الأوضاع في العراق, إضافة على بقية المناضلين في هذا التيار.
إن كان هذا المقترح مقبولاً من حيث المبدأ, فهل يمكن أن يتحرك الجميع باتجاه الضغط السياسي الهادئ والموضوعي على قيادات وكوادر وقواعد بعضهم البعض الآخر لتحقيق البدء بالحوار, وهل يمكن أن يشارك المثقفون العراقيون في مثل هذه العملية؟ هذا ما أتطلع إليه ويتطلع إليه الكثير من بنات وأبناء العراق في هذه المرحلة الجديدة والعصيبة من تاريخ وطننا.
سجل بعض الأخوان ملاحظة تشير إلى أن مهمة إنهاء الاحتلال وضعت كأخر نقطة في سلسلة المهمات, في حين كان ينبغي وضعها كنقطة أولى.
أشرت في المقالة الأولى إلى أن الاحتلال مرفوض وينبغي أن ينتهي. هذه حقيقة يقرها القسم الأكبر من العراقيين أن لم نقل كلهم. ولكن علينا أن لا نفقد بصيرتنا في مرحلة حرجة جداً من تاريخ العراق الراهن. فخروج القوات الأمريكية والبريطانية من العراق الآن ومباشرة سيقود إلى ثلاثة أمور ينبغي أن نتجنبها قطعاً, وهي:
1. حصول فوضى هائلة في البلاد, إذ ستقوم الكثير من القوى بمحاولة الهيمنة على البلاد وتسيير الأمور وفق رغبات كل منها والتي يمكن أن تقود إلى حرب أهلية لا يستطيع تحملها العراق حالياً؛
2. أن قوى صدام حسين التي لم تتأثر كثيراً بالحرب وتراجعت إلى الخلف لا لكي تختفي, بل لكي تعيد تنظيم صفوفها وتختلط في صفوف القوى الأخرى لتلعب دورها وفق كل فترة حسب الأوضاع السائدة. وفي حالة خروج القوات مباشرة ستكون القوة الأكثر قدرة وتنظيماً على السيطرة مرة أخرى على العراق دون أن تكون القوى الأخرى قد هيأت نفسها للمواجهة إزاء مثل هذا الاحتمال؛
3. إن احتمال حصول أحد هذين الاحتمالين سيدفع بالقوات الأمريكية والبريطانية العودة إلى العراق والاستقرار فيه نهائياً بحجة عدم قدرة العراقيين على حماية أنفسهم من قوى صدام حسين ومن الفوضى.
ومن هذا المنطلق علينا أن نرتب أمورنا أولاً ونبعد قدر المستطاع التدخل الأمريكي في شؤون القوى السياسية العراقية بمختلف تياراتها لتأمين حكومة عراقية مؤقتة من أجل التحول إلى فترة الديمقراطية القائمة على أسس دستورية وبرلمانية حرة.
من هنا جاء دفعي إلى موضوع إنهاء الاحتلال إلى الوراء لفترة قصيرة جداً لنتجنب استمرار وجوده في العراق طويلاً. أرجو أن يفهم هدفي من الناحية التكتيكية وليس من الناحية الاستراتيجية, إذ أننا نرفض الاحتلال بمختلف أشكاله ومسمياته, رغم وجود من يرغب باستمراره.
وأرجو أن ننتبه على أن قوى صدام حسين قد طرحت منذ اليوم الأول هذا الشعار بهدف إثارة البلبلة والمزايدة على شعار وطني لا لبس فيه على المدى اللاحق وليس للوقت الحاضر.
من يعرف صدام حسين يدرك تماماً أنه يفكر في العودة إلى الحكم هو وعائلته. ولهذا بدأ قبل سقوطه, وكان يعرف أن سقوطه قادم لا ريب فيه, إلا بمعجز كما صرح به طارق عزيز قبل بدء الحرب, بعقد لقاءات سرية مع تسعة مجموعات مكررة في مناطق سرية وعلى مستوى الداخل ومع عناصر تقيم في الخارج منذ سنوات تحت واجهات طبيعية غير بعثية ولكنها ذات ارتباطات مباشرة بقيادة صدام حسين. والمجوعات التي أشير إليها هي:
1. مجموعة التنظيم الحزبي السري
2. مجموعة التنظيمات الجماهيرية
3. مجموعة تنظيمات الأمن الداخلي
4. مجموعة تنظيمات فدائيي صدام حسين
5. مجموعة الحرس الجمهوري
6. مجموعة التخريب
7. مجموعة الدعاية والإعلام
8. المجموع المالية, وقد وضعت تحت تصرف هذه المجوعة المكررة كمية كبيرة جداً من النقود في الداخل والخارج وعلى شكل عملة ورقية وحلي وليرات ذهبية.
9. مجموعة الأرشيف المسؤولة عن الوثائق والأفلام الخاصة بالمتعاونين سراً مع النظام العراقي على صعيد الداخل والعالم العربي والخارج التي يمكن استخدامها للضغط والابتزاز على هؤلاء الأشخاص والجماعات لفرض التعاون عليها مع مجموعة صدام حسين, وإلا سيتم نشر تلك الوثائق. وهذه الوثائق كما يبدو محفوظة بأكثر من نسخة في مواقع سرية خارج العراق وعند جهات أمينة جداً لقيادة صدام حسين من العرب وغير العرب.
كلفت هذه المجموعات السرية المكررة مهمات محددة في الفترة التي تعقب سقوط النظام ودخول القوات الأمريكية إلى داخل العراق والسيطرة على البلاد. وهي تتصل مباشرة بقيادة خاصة شكلت لهذا الغرض تتكون من صدام حسين وولديه وعلى حسن المجيد, الذي كما يشاع أنه قتل في جنوب العراق, وشخصين آخرين. والاتصال لا يتم بهذه المجموع مباشرة, بل عبر صلات أخرى معقدة ولكنها مضمون وديناميكية.
ويمكننا أن نشير إلى ثلاث ملاحظات إضافية, وهي:
1. بدأ نشاط هذه المجموعات, وخاصة في المجالات التالية الإعلام, والعمل الجماهيري (المظاهرات والتجمعات بمختلف صيغها) والعمل الأمني, أي جمع المعلومات عن قوى المعارضة والوجود الأمريكي وعن القوى التي تخلت عن البعث وتلك التي ما تزال مخلصة له ومواقع وجودها ونشاطها, إضافة إلى التخريب وإشعال الحرائق وحرق الوثائق وإثارة الفوضى في البلاد. كما بدأ الإعلام المساند في البلاد العربية وفي العالم التناغم مع ما خططه صدام حسين قبل اختفائه.
2. أعطى صدام حسين بشريطه المسجل إشارة البداية لنشاطات أخرى من جانب المجموعات الداخلية.
3. بعض القوى الداخلية بدأت تساعد على مرور هذه النشاطات من خلال طريقة عملها. هذا لا يعني أنها تدرك ذلك ضرورة, بل يمكن أن يتم بسبب غفلتها أو طريقتها في العمل.
إن هذا لا يعني بأي حال أن لصدام أي أمل حقيقي في ذلك, ولكنه لا يعني أنه لا يستطيع التخريب وإثارة المشكلات الجديدة في وجه مهمة استتباب الهدوء والاستقرار في العراق.
أملي أن قوى التيارات السياسية العراقية ستكون قادرة على إحباط خطط صدام حسين من خلال وعيها بطبيعة المرحلة ومهماتها ومشكلاتها وأهمية التحلي بالحكمة والموضوعية في معالجة أـوضاع العراق الراهنة. وهي التي ترمي على عاتق قوى التيار اليساري الديمقراطي العراقي مهمة جديدة وعاجلة, وأعني بها البدء بالحوار حول وحدتها أو وحدة عملها ... الخ.
برلين في 8/5/2003 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟