|
لنقرأ ماركس وانجلز معا 11
ثامر الصفار
(Thamer Alsafar)
الحوار المتمدن-العدد: 6922 - 2021 / 6 / 8 - 20:23
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
من بطن الوحش ولد فريدريك إنجلز في عائلة مزدهرة تمتلك طاحونة في مدينة بارمن الألمانية في عام 1820. وكانت نشأته خالية من الهموم والمتاعب، إلا أنه عند بلوغه سن الرشد بدأ برفض العقلية الدينية البروتستانتية المتزمتة لوالديه. في أواخر ثلاثينيات القرن التاسع عشر غادر الى برلين لإداء خدمته العسكرية الإجبارية. وقد وفرت له إقامته في برلين فرصة الاستماع الى العديد من المحاضرات التي كانت تلقى في جامعة برلين، والتعرف أيضا على الهيغليين الشباب. أرسله والده فيما بعد للعمل كمدير في مصنع المنسوجات العائلية في مانشستر، إنكلترا. لكن إنجلز خيب مخططات والده بعد وقوعه في حب فتاة ثورية إيرلندية تدعى ماري بيرنز، كانت تعمل في المصنع، وانغماسه في حركة الطبقة العاملة، وفي جمع ثروة من البيانات من داخل المصنع من أجل كشف أسرار الاستغلال الرأسمالي. قضى انجلز 21 شهرا في مانشستر، وكانت الحصيلة كتابة أهم أعماله، غير المترجمة الى العربية لحد يومنا هذا، وأقصد تحديدا (). تكمن أهمية هذا الكتاب في إدانته القوية لظروف الحياة التي تفرضها الرأسمالية اعتمادا على شهادات حية من داخلها، من بطن الوحش. كما إنه يمثل أيضا عملا نظريا رائدا يوضح أن إنجلز كان شريكا فعالا في تطوير الماركسية. كتب ماركس في (العائلة المقدسة): «لا يهم ان نعرف الهدف الذي يتصوره مؤقتا هذا البروليتاري أو ذاك، أو حتى البروليتاريا بأكملها. بل المهم معرفة ما هي البروليتاريا، وما الذي ستكون مضطرة تاريخيا ان تفعله طبقا لهذا الكيان». وهو بلا شك تصريح جريء، لكنه لم يكن مبنيا على معرفة مباشرة بالرأسمالية الصناعية. ففي ذلك الوقت، لم يكن ماركس، الذي يعيش في باريس، قد أمسك بتفاصيل «ما هي البروليتاريا»، في حين واجه إنجلز الشيء الحقيقي وجها لوجه في مانشستر. كيف تعمل الرأسمالية يصر إنجلز على ضرورة عدم اكتفاء الاشتراكيين بالتخمينات المجردة. فيكتب «إن معرفة ظروف البروليتاريا ضرورية للغاية للتمكن من توفير أرضية صلبة للنظريات الاشتراكية». لذلك، نجده يبدأ مقدمته بسرد سريع للتغييرات الجذرية التي أحدثتها الرأسمالية في إنكلترا: «يبدأ تاريخ البروليتاريا في إنكلترا في النصف الثاني من القرن الماضي [القرن الثامن عشر]، مع اختراع المحرك البخاري والآلات التي تتعامل مع القطن. لقد أدت تلك الاختراعات، كما هو معروف، إلى إحداث ثورة صناعية». بيد ان هذه الثورة أدت أيضا الى تدمير نمط الحياة الريفية والزراعية. لقد جذبت مئات الآلاف من الفقراء الأيرلنديين إلى المدن البريطانية، وجعلت المملكة المتحدة القوة الاقتصادية البارزة في العالم. أي ان الآلات والقوة البخارية والقطن هي التي خلقت البروليتاريا. ولكي يحدد انجلز لنا من المسؤول عن هذا التحول؟ فأنه يلخص ذلك في عنوان فصل من كلمة واحدة، «المنافسة»: «المنافسة هي أكمل تعبير عن معركة الكل ضد الكل، وهي من يتحكم بالمجتمع المدني الحديث. هذه المعركة، معركة من أجل الحياة، من أجل الوجود، من أجل كل شيء... لم تخض طبقات المجتمع المختلفة غمارها فقط، بل أفراد هذه الطبقات أيضا». وفي حين كان آدم سميث يرى ان هذه العملية تزيد من «ثروة الأمم»، برغم انه شجب بعض عواقبها الاجتماعية، فإن إنجلز - قبل ماركس - يقدم لنا تفسيرا متطورا للسبب في أن المنافسة الرأسمالية قد تؤدي إلى ثروات كبيرة ولكن سينتج عنها أزمات وانهيارات عميقة في ذات الوقت. فبعد ان يطرح علينا قراءاته التفصيلية في الاقتصاد السياسي وخبرته في مكتب مدير المصنع، يوضح لنا إنجلز العلاقة بين الأجور كسلع والبطالة من ناحية، ومنافسة السوق الحرة والأزمات التجارية الدورية من ناحية أخرى: «في الإنتاج والتوزيع غير المنظمين الحاليين لوسائل العيش، التي لا تتم من أجل توفير الاحتياجات، بل من أجل الربح، في النظام الذي يعمل فيه كل فرد لنفسه، لإثراء نفسه، فإن من المحتم ان تنشأ اضطرابات في كل لحظة... كل شيء يتم بشكل أعمى، كتخمين، تحت رحمة الصدف بشكل أو بآخر ... وستتكرر الأزمة عادة مرة كل خمس سنوات بعد فترة قصيرة من النشاط والازدهار العام». فما عاقبة كل هذا؟ في فصل مرعب بعنوان «المدن الكبرى» يعرض إنجلز تفاصيل الظروف القاتمة التي تغذي إمبراطورية بريطانيا. لنشير هنا الى إننا نشهد اليوم، وجود العديد من العواصم العملاقة. ولكن في أيام إنجلز، لم يكن هناك شيء مثل إنكلترا الصناعية على هذا الكوكب. كان عدد سكان لندن البالغ 2.5 مليون نسمة أكبر من ضعف عدد سكان باريس، وثماني مرات أكبر من برلين ومدينة نيويورك و12 مرة أكبر من روما. لهذا نجده يصف، وهو القادم من برلين، صدمته في مواجهة هذا الوحش العملاق لأول مرة: «هذا التمركز الهائل، الذي يجمع بين مليونين ونصف مليون من البشر في مكان واحد، قد ضاعف من قوتهم مئات المرات؛ لقد رفع لندن لتغدو عاصمة العالم التجارية ... كل هذا ضخم للغاية، ومثير للإعجاب لدرجة أن الإنسان لا يستطيع تجميع نفسه، انه يضيع في أعجوبة عظمة إنكلترا». ولابد من التأكيد هنا إن انجلز هو أول من نادى بأن الاشتراكية، إذا كان لها أن تعني أي شيء، يجب عليها أن تترك وراءها الخلافات الأكاديمية حول الفلسفة والدين، وأن تجد طريقها للتجذر في هذا العالم الجديد.
#ثامر_الصفار (هاشتاغ)
Thamer_Alsafar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لنقرأ ماركس وانجلز معا 10
-
لنقرأ ماركس وانجلز معا 9
-
لنقرأ ماركس وانجلز معا 8
-
لنقرأ ماركس وانجلز معا 7
-
لنقرأ ماركس وانجلز 6
-
لنقرأ ماركس وانجلز معا 5
-
لنقرأ ماركس وانجلز معا 4
-
لنقرأ ماركس وانجلز معا 3
-
لنقرأ ماركس وانجلز معا 2
-
لنقرأ ماركس وانجلز معا 1
-
بالعربية لأول مرة مراسلات ماركس – فيرا زاسوليج
-
الدين، الدولة المدنية، والديمقراطية
-
مفهوم - الانسان الكامل- لدى ماركس
-
ماركس - انجلز المؤلفات الكاملة البدايات والمصير
-
ثامر الصفار - باحث ايكولوجي ماركسي - في حوار مفتوح مع القارئ
...
-
في ضوء نتائج مؤتمر باريس حول المناخ
-
المفهوم المادي عن التاريخ - قراءة ايكولوجية 1
-
ربيع عربي – صيف أوروبي – خريف أميركي أتناقض ثان للرأسمالية ؟
-
أمولة التراكم
-
ماركس وجيمس اندرسون: حول التباين في خصوبة التربة
المزيد.....
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|