أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى حجي - عدمِيَّة ... (وقليل مِنَ التفاؤل)















المزيد.....

عدمِيَّة ... (وقليل مِنَ التفاؤل)


مصطفى حجي
كاتب وناقِد

(Mustafa Hajee)


الحوار المتمدن-العدد: 6918 - 2021 / 6 / 4 - 20:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الوجود البشري مخيف ومُربك!
لماذا، وكيف (مع نظرة استغراب)؟!
أَطلِق خيالَك معي:

قبل بضع آلاف السنين، أصبحنا واعين حول وجودنا ووجدنا أنفسنا في مكانٍ غريب.
كان المكان مليئًا بكائنات أخرى. بعضها استطعنا التغذي عليه، وبعضها كان بإمكانها التغذّي علينا، وجدنا سوائل لنشرب، وأشياء نستطيع صنع أشياء أُخرى منها.
سماء النهار كانت تحتضن كرة صفراء صغيرة تُدفئنا، أمّا سماء الليل فكانت ممتلئة بأضواء متلألِئَة جميلة...

فكَّرنا في البداية وقلنا: "مِنَ الواضح أنَّ هذا كلّه مصنوع لأجلنا"

ظننّا أنَّ شيئًا ما كان يراقبنا، كان شعورًا مخيفًا ومربكًا، وأحيانًا كان مريحًا (حسب تصوِّرنا لماهيّة المراقِب)، في بيوتنا كان هذا الشعور أقل إخافة وإرباكًا بكثير...

ولكن مع تقدُّم أعمارنا، تعلمنا أكثر عن العالم وعن أنفسنا.

تعلَّمنا أنَّ الأضواء المتلألِئة ليستْ تُشِعُّ بجمالها لأجلنا، بل هي موجودة لا أكثر.
تعلَّمنا أننا لسنا مركز الكون، بل نحن موجودون في زاوية من زواياه لا أكثر.
وتعلَّمنا أنَّ عمر الكون أكبر بكثير جدًا مما اعتقدنا.

تعلَّمنا أننا مصنوعون منْ أشياء صغيرة كثيرة ميّتة (أحماض أمينيّة وبروتينات و DNA و RNA) وبتجمّعها تصنع أشياء أكبر ليست ميّتة لسبب ما (الخلايا)، وبتجمع هذه الخلايا نُصنَع نحن.

تعلَّمنا أننا مجرَّد مرحلة مؤَقَّتة في تاريخٍ عمره أكثر مِنْ 13 مليار عام.
كما تعلَّمنا شيئًا أثار رهبتنا، وهو أننا نعيش على بقعة غبار رطبة سَمَّيناها "الأرض"، تدور حول نجم متوسط الحجم والحرارة، في منطقة هادئة، في ذراع من أذرع مجرة صغيرة الحجم اعتياديّة، ما هي إلا جزء من عنقود مجرِّي (Galaxy cluster) لن نستطيع مغادرته أبدًا مهما تطوَّرنا، وهذا العنقود المجرِّي واحد من الآلاف من العناقيد التي تصنع عنقودًا مجريًا هائلًا (Super cluster)...
ولكن حتى عنقودنا الهائل هذا ليس أيضًا إلا واحدًا منْ الآلاف أمثاله من العناقيد المجرِّية الهائلة الّتي تُشكِّل ما نُسمّيه الكون المرصود أو المرئي الّذي يبلغ قطره 93 مليار سنة ضوئيّة.

قد يكون حجم الكون الحقيقي أكبر بمليون مرة من الكون المرصود، لكن يستحيل علينا أنْ نتأكَّد من ذلك.

قد نستطيع التفوُّه بكلمات مثل: الكون يحوي على 200 مليار مجرة، أو تريليون نجم، وعدد يفوق ذلك بشكل كبير من الكواكب...
ولكن كل هذه الأرقام لا تعني لنا شيئًا. أدمغتنا لا تستطيع استيعاب هذه التصوُّرات عن حجم الكون وعن وهذه الأرقام المهولة.

الكون ضخمٌ جدًّا، اتِّساعه مهول!، ولكن الحجم ليس أكثر فكرة مزعجة علينا مواجهتها.

إنَّ أكثر فكرة مزعجة هي "الوقت"، وبالتحديد، {وقتنا نحن}؛ إنْ حالفك الحظ وعمّرت حتى مئة عام ففي جعبتك 5200 أسبوعًا.
وإن كان عمرك 25 عامًا، فبقي أمامك 3900 أسبوعًا.
وإن كنت ستموت في عمر السبعين، فتبقى لك 2340 أسبوعًا.

هذا كثير من الوقت تملكه... (أحقًّا هذا؟!)

وماذا بعد هذا العمر؟
عملياتك الحيوية ستنهار، والكيان المُتأقلِم الّذي يُشكّلك لن يعود كذلك؛ سيتحلل حتى لا تعود أنت موجودًا.

بعضنا يؤمن أن هناك جزءًا منا لا نستطيع رؤيته أو قياسه، لكن لا سبيل لنا لنتأكد فعلًا من ذلك، لذا قد تكون هذه الحياة كل ما لدينا، وقد ينتهي بنا الأمر أمواتًا إلى الأبد.

مع ذلك، هذا الكلام أقل إخافة مما يبدو إنْ لَمْ تَكن تذكر الـ 13.75 مليار سنة اللاتي عبرنَ قبل أن تُوجَد في الحياة، لذا فتريليونات وتريليونات وتريليونات السنين التي ستأتي بعد ذلك ستمر برمشة عين بعد موتك!

أغمض عينيك لثانية، عُدَّ حتّى واحد ثم افتحها...
شعورك بتريليونات السنين بعد موتك سيكون مثل هذا تقريبًا.
وحسب معرفتنا فإن الكون نفسه سيموت ولن يحدث فيه أي شيء مجددًا.

{ ربما ستسألوني "لماذا تقول هذا؟" }
لماذا؟
ما الّذي أفكّر فيه؟
ما هو هدفي من ذكر كل كلامي السابق؟

حسنًا... كلادينيين، قد تكون بعض الأفكار والمواضيع الّتي نتحدث فيها ونطرحها تُوَلِّد رهبةً وجوديّةً لدى بعض الأشخاص.
والسطور السابقة الّتي مرَّتْ لَم تُغيِّر ذلك ربّما...

لذا، سأعرض عليكم ولو لمرّة طريقة مختلفة للنظر إلى هذه الأمور، وجهة نظر -لا علمية- موضوعية، لتكن فلسفتي الخاصة إنْ شئتم...

رجاءً لا تأخذوا كلماتي وكأنّها الحقيقة المُطلقة، بل أنصتوا إليها -بتشكُّك- فلستُ أعرف أكثر مِمّا تعرفون عن الوجود البشري:

(أُقابِل الرهبة الوجوديّة بالعدميّة التفاؤليّة)

ماذا أعني بذلك؟
باختصار، يبدو غير راجح بالمرّة أنَّ 200 تريليون تريليون نجم وُجِدت لأجلنا نحن.
بطريقة ما، القول بأن كل شيء في الكون وُجِد لأجلنا يبدو كأنّه نكتة نرجسيّة أنانيّة، نحن الآن أصبحنا واعين حول أنفسنا لنُدرك أننا لسنا موضوع هذه القصة.

مع أنّه مِنَ الرائع أنْ نتعلّم ونعرف عن الإلكترونات والذرات والخلايا، والنجوم والكواكب والمجرات. إلا أنَّ العلم لا يقوم بالكثير لجعل هذا الأمر يبدو أقل إحباطًا.

حسنٌ... وماذا إذًا؟

تملِكُ حياةً وحيدة، جميعنا كذلك، وهذا أمر مخيف، ولكنَّه أيضًا «يُطْلِقُكَ حرًّا»
إنْ انتهى الكون في موتٍ حراريٍّ بالتجمّد، أو انتهى بتمزّقٍ لذرّاته نتيجة تسارع قوّة المادة المظلمة، أو انتهى بانكماشٍ وانسحاقٍ عظيم، فكل عارٍ واجهتَه سيُنْسى.
كل خطأ تفعله لنْ يُهم في النهاية.
كل فعل سيّئ وقعتَ بِه سيُبطَل.
كل المشَقَّة والتعب، كل الألم، كل الظلم، كل المعاناة، كل الحزن...
كُلُّه سيُنْسى ويختفي ولن يعود أحد ليَعِيَ به.

(إنْ كانت حياتنا الشيء الوحيد الّذي سنختبره، فهي إذًا الشيء الوحيد الّذي يُهم)

إنْ كان الكون بلا مبادئ، فالمبادئ الوحيدة المناسبة هي الّتي نُقرِّرُّها نحن.

إنْ لَمْ يَكُن مِنَ وجود الكون أيّ هدف، فنحن مَنْ يضع الهدف منه وفيه.

بشكل شبه مؤكَّد، البشر سينقرضون في وقت ما مستقبلًا، ولكن طالما لم يحدث ذلك فالفرصة لا تزال متاحة لنا لنكتشف الكون ونكتشف أنفسنا.

{الفرصة متاحة لنا لنختبر المشاعر، لنختبر الحب، لنختبر السعادة، الفرصة متاحة لنا لنختبر قراءة الكتب وشروق الشمس، لنختبر الجلوس تحت ضوء القمر، لنختبر اللعب والمرح... ولنختبر ونعيش وجودنا مع بعض}

كوننا قادرين على التفكير في هذه الأشياء هو بذاته أمر رائع لدرجة لا تُصدَّق.

ِمنَ السهل أنْ نظنّ أننا منفصلون عن كل شيء، ولكن هذا ليس حقيقيًّا.
نحن جزءٌ مِنَ الكون بِقَدرِ كونِ نجمٍ نيوتروني كذلك، أو ثقب أسود، مثل أيِّ سديمٍ أو كوكب.

بل إننا ربما نكون أفضل أجزائِه؛ نحن جزؤه الّذي يُفكِّر ويشعر ويَستَكشِف.
نحن الأجزاء الحِسِّيّة للكون.

نحن أحرار في ساحةٍ لعبٍ كبيرةٍ اتَّخَذت حجم الكون بأكمله بالفعل، أحرارٌ كأطفالٍ مرِحين تَوَّاقون للعب في حديقة ألعابٍ واسِعة، يَهِمُّون باستكشافها بما فيها مِنْ ألعاب.

لذا قد يجدر بنا أيضًا أنْ نَصبو إلى السعادة، وربّما قد نبني مستقبلًا مدينةً فاضلةً "يوتوبيا" تكون جوّالَةً ما بين النجوم "Interstellar".

صحيح... ليس الأمر وكأننا قد عرفنا كل شيء يمكن معرفته...
لسنا نعرف لماذا قوانين الكون هي على الشكل الّذي هي عليه، ولا لماذا أتت الحياة إلى الوجود وكيف نشأت بالتحديد، ولا "ما هي الحياة" أصلًا.

لا فكرة لدينا عن ما هو الوعي (رغم وجود بعض التعريفات لكنّها ما زالت لَمْ تأتِ بالجواب الكامل عن ماهيّة الوعي).
لا فكرة لدينا إنْ كُنّا الوحيدين الواعين في الكون، أو إنْ كانت الأرض هي المكان الوحيد الّتي تحتوي حياةً ذكيّة...

ولكن ومع ذلك، يمكننا أنْ نحاول إيجاد بعض الأجوبة؛ ثَمَّة آلاف المجرّات لنستكشفها، وملايين النجوم لندرسها، ومليارات الكواكب لنزورها.
ثَمّة آلاف الأمراض لنعالجها، وأشخاص لنساعدهم، ومشاعر سعيدة نختبرها، وأصدقاء لنحبّهم، وأهل لنهتمَّ بهم.

ثَمَّة الكثير لنفعله.

لذا وخِتامًا عزيزي القارِئ، الأرجح أنّك استخدمتَ مسبقًا جزءًا غير صغير مِنَ الوقت المتاح لك، إنْ كانت هذه فرصتك الوحيدة في الحياة فلا سبب لديك لأنْ لا تستمتع وتعيش سعيدًا بقدرِ استطاعتك.

ولك نقاط إضافيّة إنْ جعلت حياة أناس آخرين أفضل.

ولك المزيد من النقاط الإضافيّة إنْ ساعدتَ بأيّ شكلٍ كان في بناء إمبراطوريّةٍ بشريّةٍ مجرّيّةّ متطوِّرة يوتوبيّة .

افعل ما يَجعلك تشعر بالرِّضى.

أنتَ وحدك مَنْ يُقرِّر معنى أيَّ شيء وكلَّ شيء لنفسك.

والسلام.



#مصطفى_حجي (هاشتاغ)       Mustafa_Hajee#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملحد العربي ... الاتِّهام والحقيقة
- حياة عدميّة ... بإله أو بغير إله
- إبليس يَشكُو مأساتَه ويُدافِع عن نَفسِه
- توضيح لمقولة آينشتاين -إنَّ الله لا يلعب بالنرد- وما شابهها
- حول - رِهان باسكال -
- الدنيا دار اختبار، لكَ فيها حرِّيّة الاختيار
- الإلحاد: مُسَوِّغ نبذ الله .. الجزء الثّاني
- الإلحاد: مُسَوِّغ نبذ الله .. الجزء الأوَّل
- عندما قرَّر الله أن يخلق الكون
- كنصيحة منّي أنا الإنسانُ الفقير إلى العلم
- مِنْ أجلِ أنْ تَرى الواقع
- ردًّا على السؤال المتكرِّر : -لماذا أنتقد الإسلام دون بقيَّة ...
- مسيلمة رحمن اليمامة، وما أدراك ما الرحمن... الجزء الرابع وال ...
- مسيلمة رحمن اليمامة... وما أدراك ما الرحمن !. الجزء الثالث
- مسيلمة... رحمن اليمامة، وما أدراك ما الرحمن. الجزء الثاني
- مسيلمة... رحمن اليمامة، وما أدراك ما الرحمن
- فَنُّ صِنَاعَةِ الإِعجَاز
- قرآن محمّد وشِعر أميّة بن أبي الصلت
- هل الله يتحكم بمشيئة البشر أم البشر هم من يتحكمون بمشيئة الل ...
- القرآن والله وقضيّة علم الغيب ... -عَجَبَاً-


المزيد.....




- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مصطفى حجي - عدمِيَّة ... (وقليل مِنَ التفاؤل)