البرنامج الدولي لاستغلال وتطوير البحث في الأعشاب الطبية والعطرية: مزايا وتحديات

عزالدين علي غازي

الحوار المتمدن-العدد: 1635 - 2006 / 8 / 7 - 05:37
المحور: الطب , والعلوم
    

تلعب الأعشاب الطبية والعطرية دورا جوهريا في نظام الصحة والاستشفاء التقليديين ، لذلك فثقافة تحصيلها وحصدها و جنيها ثم جمعها تمثل موردا مهما للعيش بالنسبة للعديد من السكان القرويين وخاصة أولائك الكادحين من الفلاحين والمزارعين وغيرهم ممن لا يملكون ولو قطعة أرض صغيرة .

فهذه الأعشاب عادة ما نجدها تساهم بشكل وافر وكبير في التنوع البيولوجي الطبيعي للبلدان .ولكن ثمة مشاكل بيئية وسوسيو- اقتصادية ومؤسسية كذلك تهدد شيئا فشيئا هذه الأعشاب الثمينة، وبالموازاة مع هذا التطور السلبي السريع نجد تقهقر المعرفة التقليدية والأصيلة حول دور هذه النباتات في الحياة الصحية الآن أو ربما كذلك قد نجدها منعدمة بصفة عامة في بعض الأوساط الاجتماعية ، وعلى الرغم من المجهودات الجبارة في معالجة هذه المشكلة من قبل مجموعات بحثية ذات صيت على المستوى الوطني كما على المستوى الدولي ، فإن الحكومات لم تعر اهتماما لهذا الأمر وذلك في غياب الدعم الكافي ولا أيضا في غياب توزيع عادل وديمقراطي للمعلومة · أو حتى كذلك التنسيق فيما بين المتدخلين والفاعلين في هذا القطاع.

نظرا لكل هذه المشاكل ، ارتأت تصورات علمية وجمعوية صيغت على شكل شبكة دولية ثم وطنية على مستوى جغرافية أقطار عديدة مثل مصر والسودان والجزائر وتونس وقبرص واليونان والمغرب مثلا ، تأطير الأبحاث حول الأعشاب الطبية والعطرية هدفا نحو إعادة الأمل في الاستفادة من هذا كما كان معمولا به في مجتمعاتنا التقليدية وبعث البعد الأنتربو- ثقافي لهذا المنتوج الطبيعي -البشري و تكييفه مع مستجدات العلوم والمعارف والتكنولوجيات الطبية المتقدمة .

على هذا الأساس ، يضطلع البرنامج الوطني ،مدعم دوليا ، لتركيز أسس نظام عصري مستدام ومتكافئ على المدى الطويل ، غاياته التوصل إلى حلول علمية وتقنية في تصبير المنتوج وتعليبه وتكييفه حفاظا على هذه الأعشاب ووسائل إنتاجها في المناطق القروية والمهمشة ، وإدراكا منه لهذه التحديات يروم البرنامج إلى تقوية التنسيق فيما بين المتدخلين بدءا من الإنتاج إلى الاستهلاك ، وهذا يستدعي ، بطبيعة الحال، إبرام شراكات واتفاقيات متعددة الأطراف مع الانخراط في الشبكة الوطنية والدولية تنسيقا وتعاونا.

هذه تجربة آخذة شكلها المتطور في بلدان متعددة كبلدان جنوب آسيا وبلدان جنوب أوربا ومصر والسودان وبلدان المغرب العربي ومنها المغرب الذي اعتمد مؤسسة علمية عليا حديثة للبحث والإنتاج و التطوير والتكوين المتخصص والمهني والتكميلي في تخصصات وشعب متطورة في مجال النباتات العطرية والطبية سمي بالمعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية المتواجد بجهة تاونات. وذلك اعتمادا على شراكات فيما بين منظمات حكومية وأخرى غير حكومية من جمعيات تنموية وكذا جامعات ومراكز ومعاهد البحث ومختبرات بحثية وعلمية وصناعية وهذا في اعتقادي من روح العمل التشاركي الهادف إلى توثيق العرى فيما بين المجموعات المذكورة في هذا المجال أملا في بناء نظام للتوثيق العلمي والتقني يدعم البرنامج بشكل أعمق ويساهم في تدعيم عمل المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية التابع لجامعة محمد بن عبد الله بفاس .

الاستشفاء عن طريق الأعشاب في نظام الصحة التقليدي

يعتبر العالم العربي-الإسلامي بأسره وكذلك المغرب بصفة خاصة من البلدان التي ظلت مجتمعاتها التقليدية إلى عهد قريب تعتمد في الاستطباب على الأعشاب الطبية الموجودة بكثرة في هذه المناطق ذات الطابع الجبلي المتميز بالغطاء النباتي المتنوع.

إن غنى النظام الطبي التقليدي المعتمد على هذه الأعشاب هو في الحقيقة ذو أبعاد أنثروبولوجية إذ أن مناهج المعالجة الطبية التقليدية تعود إلى 5000 سنة تقريبا وهذا ما يجعلها مناهج عريقة جدا تطورت لدى الحضارات المتأخرة على شكل نظام للمارستانات في المدن المغربية قديما مثلا كفاس ومراكش وتطوان ... فهذه المناهج الأصيلة قد تبدو موردا مهما لمواصلة الاستشفاء بالأعشاب بالنسبة لملايين البشر .

وتعتبر النباتات الطبية والعطرية المتمثلة في الأشجار بأنواعها والأدغال والنباتات الربيعية والأعشاب موردا أساسيا بالنسبة لأنظمة الصحة التقليدية وكذلك بالنسبة للأدوية الصيدلية ، فعلى سبيل المثال توجد حوالي 4200 نبتة طبية في مختلف مناطق المغرب ، غير أنه فقط 850 نبتة هي المستعملة بكثرة في الأوساط الشعبية · المتشبعة بالنظام الصحي التقليدي وحوالي 270 فقط تشكل قاعدة معطيات للأبحاث الراهنة في مجال البيولوجيا النباتية .

في المجتمع المغربي كما في المجتمعات الأسيوية والجنوب أمريكية والأفريقية تعتمد هذه النباتات في الاستطباب الأولي قبل الذهاب إلى مباشرة الطبيب ، وغالبا ما تكون فئة هؤلاء من المعوزين الذين لاحول لهم ولا قوة لولوج الطب العصري والصناعي الباهض الثمن أو حتى أنه لا يؤتى أكله من حيث نتائج الاستشفاء على مستوى جملة كبيرة من الامراض الفتاكة والتي تحصد العديد من الأرواح . هناك فقط نسب قليلة حوالي 5 بالمائة تتمكن من شراء الأدوية أما الباقي فيلتجأ إلى بائع الأعشاب (العشابة)·. فالمرء يلجأ إلى التداوي بالأعشاب لأنه أرخص وأجدى وأنفع ، وهذا يتنامى بشكل سريع في غياب تغطية صحية شاملة علاوة على ضعف النفقات العامة للمنظومة الصحية والنفقات الإجمالية للتأمين الاختياري والاجباري على حد سواء ، ويعزى هذا إلى هزالة الولوج إلى الخدمات الطبية بسبب ارتفاع متوسط تكلفة الوصفات الطبية التي قد تصل إلى 2150 درهما وهذا يستدعي نظام للمساعدة الطبية – كنظام إجباري- قائم على مبادئ المساعدة الاجتماعية والتضامن الوطني لفائدة السكان المعوزين يدخل في اعتباره البعد الثقافي بقيمه الأخلاقية والتاريخية والاجتماعية والتي غالبا ما تكون الملجأ الوحيد أمام النظام الصحي الحديث.

الطلب الدولي متزايد على الأعشاب الطبية والعطرية

أمام هذا الاهتمام المتزايد لا يسع المستثمرين المتلهفين الا مزيدا من الاستغلال والتنافس
فحسب منظمة التجارة العالمية فإن الأرباح المترتبة عن استخلاص المكونات والزيوت والمواد الأساسية للأعشاب الطبية قد تصل إلى حوالي 60 مليار دولار ( الهند لوحدها تحصل على 2000 دولار أمريكي كعائد )، فالطلب لازال يتزايد بصورة واضحة عن الأعشاب الطبية والعطرية وذلك لاستغلالها في الصناعات الصيدلية والعطرية ، فدوليا قد تصل قيمة العائد المستخلص من النباتات الطبية والعطرية إلى خمسة بلايين إلى غاية 2050 زيادة على الطلب الأمريكي المتلهف عن طريق منظمتها ( الوكالة الأمريكية للتنمية ) وبرامجها المركزة جدا مثل برنامج الإنتاج والازدهار الفلاحي هذا
التي تستهدف بلدانا معينة ذات الثروة الهائلة من النباتات الطبية وخاصة تلك التي تقع جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط ( لما لهذه النباتات من جودة عالية) إذ استثمرت في هذا المجال حوالي 19 مليون دولار أمريكي بشراكة مع وزارة الفلاحة والتنمية القروية في الحكومة المغربية. فنجدها تتنافس أحيانا مع الاتحاد الأوروبي (عدا بريطانيا) في كيفية التطوير من أجل الاستغلال تحت ذريعة الاتفاقيات الثنائية في المجال الفلاحي أو الصيدلي كما لو أنها تريد- بالكيفية نفسها- استغلال بترول عرب الخليج

مراجع وهوامش
توصيات المؤتمر العلمي الذي انعقد بليون –فرنسا ما بين 04/12/2003 ، حول المدن والسلطات العمومية في تدبير مجتمع المعلومات-1
2-حوار مع ا محمد احماموشي مدير المعهد الوطني للنباتات الطبية والعطرية –تاونات- المغرب ، جريدة صدى تاونات ، عدد : 119 السنة 9
· 3 -ليلى حلاوي ، جريدة ليبيرسيون ليوم 25/07/2002
4 programme des plantes médicinales et aromatiques en asie.
5ABDELHAI SIJELMASSI , les plantes médicinales du Maroc. Edition , le Fennec 2003
6-أحمد عيسى بك ، قرأه وعلق عليه ووضع فهارسه أحمد عبد التواب عوض. تاريخ النباتات عند العرب ، دار الفضيلة ، القاهرة
7-الأعشاب الطبية والعطرية ، مجال غير منظم ومهدد من قبل بائعي الأعشاب ، جريدة ليبرسيون ليوم 25/07/2002

#عزالدين_علي_غازي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات