بمناسبة الاحتفال بيوم العمال العالمي أول مايو2003
فرح عمالنا وسلامتهم "بالدنيا"
بالتأكيد ليس كثيرا على عمالنا أن يحتفوا بيومهم/ بعيدهم المجيد في الأول من مايو، وخاصة انه أصبح بفضل إلحاحهم المطلبي النضالي والتاريخي يوم إجازة يحتفلون فيه مع كل عمال العالم،
ليس كثيرا على عمالنا أن يحتفلوا بهذا اليوم ويشيعوا الفرح هتافا وغناء وموسيقى وكرنفالا مبهجا في كل الشوارع والميادين والأحياء وأماكن الاحتفال المفتوحة والمغلقة التي تعج بها جزيرتنا،
ليس كثيرا عليهم أن يرتدوا ويتقلدوا ما يرونه مناسبا للاحتفاء بهذا اليوم "العيد" وان يرفعوا اليافطات واللوحات والمجسمات التي تعبر عن مكاسبهم العمالية وتضامنهم مع عمال العالم،
ليس كثيرا عليهم أن يقترحوا مطالب عمالية أخرى وأكثر وان يطالبوا بصوت مرفوع بتحقيق المطالب التي لم تتحقق بعد،
ليس كثيرا عليهم لان يعودوا بالذاكرة إلى أغانيهم الأثيرة والمصادرة آنذاك والتي كانوا يرددونها في جلساتهم الحميمة المغلقة أو في الأماكن النائية:
"عمّي يا بوشاكوش..
خذني خذني وياك..
خذني ويا العمال
حلوه عيشة هناك..
و بفضل عمالنا.. تحققت آمالنا"
أو أغنية
"نكتب اسمك عالحيطان
عالجبل العالي والخلجان
نكتب اسمك فوق البدلات الزرقاء
وفي الكراسات البيضاء"
أو أغنية فرقة الطريق:
"عمال نطلع الصبح
وقت الفجر..
هيل يا الله.. هيل..
عندنه أمل افضي الشمس
بينا تمر.. هيل يا الله.. هيل..
ما نعود كلنه احنه ضوه
وعندنه فكر..
عمال ما تحله الحياة ابغيرنه
نتعب ونشقه حتى نسعد غيرنه"
ألم تعد تلك الأغنية أو الأغاني متحققة الآن على صعيد الواقع؟
ليس كثيرا عليهم أن يطالبوا بتعويضهم بيوم آخر إن صادف احتفالهم بهذا اليوم يوم إجازة "قهرية" كيوم الخميس، وخاصة انه للمرة الأولى يقر الأول من مايو يوم إجازة للعمال.
ليس كثيرا عليهم ذلك اليوم، وخاصة انهم بذلوا من الجهد الكثير والأشهر من أجل هذا الاحتفال، من أجل المسيرات من أجل صدور نشرة عمالية "كاكية" العنوان "صوت العامل"، من أجل حشد النقابات العمالية استعدادا للاحتفال بهذا اليوم، من أجل لملمة فلول العمال وتوحيد مطالبهم وشعاراتهم وصوتهم وطاقاتهم،
ليس كثيرا على عاملاتنا أن ينضممن إلى صفوف العمال ويهتفن معهم ويطرحن مطالبهن الملحة ويرفعن شعاراتهن ويضئن بتحررهن المعهود درب المسيرة العمالية.
ليس كثيرا على عمالنا الاحتفال بهذا اليوم وقد جسدت ونحتت طاقاتهم الفنية بعض أحلام ظلت رهينة المحظور لفترة ليست بالقصيرة وتجسدت على شكل لوحات لمناضلين وشهداء أو على شكل نحوتات ومجسمات معبرة قلدوا بها صدور واعناق جمعياتهم ونقاباتهم ومكتباتهم وميادين الاحتفال واللقاء،
هل كثير على عمالنا الاحتفال بهذا اليوم وهم الذين يعبرون نفق الموت اليومي في المصنع صباح مساء من دون راحة تحسب؟
في هذا النفق:
تتمغنط أجسادهم بشكل تكاد فيه جلودهم أن تنسلخ من عظامهم.
تتصلب الشعيرات المتآكلة المتبقية على سواعدهم العزيزة بفعل المغنطة "العالية" الفتك.
يموت الزمن الذي "يعقرب" سويعات معاصمهم..
عيونهم الفتية تتعرض للشيخوخة المبكرة وظلالها سواد ينم عن جهد مضن وكما لو انه الأرق الدائم.
آذانهم بفعل طحن وطنين المكائن المستمر فقدت إلى حد كبير قدرتها على السمع، بل صار هذا الطحن والطنين يطاردانهم حتى في خلوتهم أو حتى وإن ابتعدوا عن موقع النفق.
طاقاتهم اليافعة تعرض بعضها للعقم أو العجز بسبب المادة التي تشتغل عليها في المصنع والخطرة حتما، الأمر الذي دعا بعض الدول لان يرفض إقامة مثل هكذا مصنع يعرض طاقته البشرية للفتك السريع..
أصيب بعضهم بمرض الربو بسبب بعض المواد الخانقة التي يتعاملون معها يوميا في المصنع والتي ترافقهم في ملابسهم العمالية حتى بعد نهاية الدوام.
أجسادهم تتعرض للخدوش والجروح والبتر أحيانا بفعل خطأ عارض أحيانا وأحيانا بفعل انهماك مستميت في العمل وأحيانا بفعل قسوة أشد من قبل أرباب العمل عليهم.
أي مغنطة تلك، أي تلوث ذلك الذي أعقم الأرض التي ما كان لها يوما أن تعقم أو تموت وأهلك النخلات والشجيرات التي كانت معلما في هذه الأرض؟!
هل كثير على عمالنا الاحتفال بهذا اليوم وهم الذين من أجل الوطن والمواطن يعملون أحيانا في أسوأ الظروف وفي غياب ضمانات السلامة المرتجاة وبرواتب "يترفع" عنها حتى "الحد الأدنى" وينهكون أنفسهم وأجسادهم من أجل "زيادتها" عبر ساعات العمل الإضافية المضنية وان زادت فهي على حساب راحتهم وعائلاتهم وصحتهم وأعمارهم
هل كثيراً على أطفالنا افتتاح يومهم الصباحي بفجرية سيد درويش الشهيرة التي كنت أصغى لها كل صباح قرب مدرسة طفلية مجاورة لمنزلنا:
"الحلوه دي قامت تعجن في الفجرية
والديك بيدن كوكوكو من الفجرية
يا الله بنا على باب الله يا صنايعيه
يسعد صباحك صباح الخير يا اسطه عطيه"
هل كثيراً عليهم هذه الأغنية التي تبعث الحيوية والنشاط وتجعل الحياة تدب في كل أرجاء الحياة والعمل حتى يأتي من يمنعها عنهم ويحرمهم شيئاً من وهج الحياة الجميل الذي يجمع بين "دبيب" الطلبة و"همة" "الصنايعية" وحركة الشارع؟!
وما أوسع صدور وحنايا عمالنا أيضا التي احتوت بحميمية أطفالنا وغنت لهم:
"غنينه للأطفال والحب والعيون
والفلح والعمال"
.. هل كثير على عمالنا الاحتفال بهذا اليوم وهم "المغمورون" بحكايات قاسية.
حكايات مؤلمة وموجعة ترافقهم حتى في أقل الراحات اقتناصا، حكايات تنطق في وجوههم وعلى أجسادهم وفي سلوكهم وانفعالاتهم، أحيانا تود ان تعرفها، أن تصغي إليها، وأحيانا تفتعل مواقف لنسيانها ولصرف أنظارهم عنها، ولعل أكثر الحكايات ألما ووجعا وقسوة تلك التي تتعلق بالتهديد بالفصل أو التسريح دونما مناسبة أو تلك التي تتعلق بعدم قدرة بعضهم على علاج نفسه في الخارج أو اضطراره لصرف كل ما لديه من أجل علاج نفسه. أو تلك التي تتعلق بعدم قدرة بعضهم على سداد ديونه بسبب زيادة أعبائه المعيشية، أو تلك التي تتعلق بعدم قدرة بعضهم على دفع إيجار السكن الذي يقطنه وعائلته نظرا لزيادة هذه الأعباء، أو تلك التي تتعلق بعدم قدرة بعضهم على الزواج بسبب "محدودية" الراتب وسوء الأحوال المعيشية.. أو تلك التي تتعلق بعاهة خلقية لازمت أحد العمال طوال حياته والسبب انعدام وسائل السلامة في المصنع.
ولكن أجمل اللحظات التي لا ينبغي أن تنسى، تلك التي تضمك بعمال أصدقاء اغتنموا فرصة ليلة إجازة استثنائية لقضائها على ساحل بحر وراحت أكفهم العزيزة تهندس المكان المتواضع ببعض مقاعد خشبية وبلاستيكية بسيطة الشكل كما راحت توقد النار مدفأة للحكايات والغناء والرقص مثلما راحت توقد دفء رمل الساحل من أجل عشاء الميلاد الذي لا يمكن أن يكون غير سمك اصطادته هذه الاكف نفسها، وفي هذه اللحظات الاستثنائية يتمنى عازف العود الذي يضيء هذه اللحظات بأغانيه وترنيماته أن تتشكل فرقة موسيقية في كل نقابة عمالية والعامل الذي يعمل في المسرح يتمنى أن تتشكل فرقة عمالية في كل نقابة وأصدقائي العمال يتمنون أن يكونوا مغنين وممثلين ومصممي ديكور ومنفذين وفنيين في هذه الفرق.
ماذا لو كانت هذه الفرق الفنية موجودة في نقاباتنا العمالية؟ كيف يا ترى سيكون الاحتفال بهذا اليوم؟
هل كثير على عمالنا أن يحلموا بمثل هذا اليوم؟
تحية لكل العمال الذين ناضلوا وكابدوا عناء السنين والذين يعملون وينتجون من اجل راهنا اجمل ومستقبل مضيء..
تحية لهم في يومهم / عيدهم المجيد
"وياالعالية تعلين عالي العالي
مادام في الدنيا نَفَس عمالي"
وفرح عمالنا وسلامتهم "بالدنيا".