|
شعائر باخوس و ديونيسيوس الدينية
محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)
الحوار المتمدن-العدد: 6915 - 2021 / 6 / 1 - 14:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ترجمة محمد عبد الكريم يوسف
إن مراكز شعائر باخوس حول رمزية باخوس الشبابية (ديونيسيوس أو زاغاروس) تحطمت وتمزقت إرباً بفعل التيتانيون الجبابرة . لقد قام هؤلاء العماليق بتدمير باخوس من خلال جعله مفتونا بصورته التي يراها في المرآة . وبعد تقطيع أوصاله، سلق العماليق أعضاءه بالماء المغلي ثم قاموا بشويها على النار. أنقذ بالاس قلب الإله القتيل وبذلك تمكن باخوس (ديونيسيوس) من الظهور مرة أخرى بكل مجده و بهائه السابق. لقد شاهد جوبيتر (الديميورغوس ) جريمة الجبابرة فألقى رعوده وبرقه وصواعقه وقتلهم جميعا وحول أجسادهم إلى رماد بناره السماوية. ومن رماد أجساد الجبابرة التي كانت تحتوي جزءا من لحم باخوس ، نشأ الجنس البشري ، ولهذا السبب يقال أن حياة البشر وحياة كل إنسان تحتوي جزءا من حياة باخوس .
لهذا السبب حذرت الحياة السرية اليونانية من الانتحار. و من يحاول تدمير نفسه فإنه يقتل باخوس الذي يعيش بداخله ، إذ أن جسد الإنسان هو قبر هذا الإله القتيل ، وبالتالي يجب الحفاظ عليه بعناية فائقة .
يمثل باخوس ( ديونيسيوس) الروح العقلانية للعالم السفلي ، وهو زعيم التيتان ، صناع الحياة الدنيا ، وقد سماه فيثاغورس في زمانه " إله التيتان " وبذلك يمثل باخوس الفكرة الشاملة للفضاء الفكري والمعرفي التيتاني والجبابرة وهو إله الشظايا التي تمثل العناصر النشطة في الكون و بواسطتها يتم تشكيل المادة الكونية التي نعرفها في النموذج الكوني.
إن حالة باخوس تعني وحدة الروح العاقلة في حالية سامية من معرفة الذات وتضمن الحالة الباخية تحقيق التنوع الرشيد للروح التي تشظت وانتشرت مع الخلق وفقدان الإدراك بالوحدانية الجوهرية . تمثل المرآة التي يحدق بها باخوس سبب سقوطه في لجج بحر الوهم العظيمة وهو العالم السفلي الذي صنعه التيتان . وباخوس ( الروح العقلانية الدنيوية ) عندما يرى صورته أمامه يقبل الصورة كشبيه له ويبث الروح في صورته وبالتالي فإن الفكرة العاقلة تبث الروح في انعكاس صورتها ليولد الكون اللاعقلاني للوجود، وبث الروح في الصورة غير العاقلة يزرع فيها ويدفعها لتصبح مثل مصدرها – الصورة العاقلة . لذلك قال القدماء إن الإنسان الإله بالمنطق أو العقل بل بتحسس وجود الإله الموجود في داخله.
وبعد أن حدق باخوس في المرآة ، وتتبع انعكاسه الخاص في المادة ، تفككت الروح العقلانية للعالم، ووزعت من قبل جبابرة في جميع أنحاء الحياة الدنيا التي تمثل طبيعته الأساسية ، لكن القلب أو المصدر ، لا يمكن أن يتناثر لأن جوبيتر حفظه. إن أخذ الجبابرة التيتان لجسد باخوس المقطع وغليه في الماء - يرمز لانغماس الإنسان في الكون المادي - وهو ما يمثل اندماج المبدأ الباخي في الشكل والمظهر. أما تحميص وشواء قطع جسد باخوس بعد ذلك فقد كانت للدلالة على الصعود اللاحق للطبيعة الروحية خارج حدود الشكل والمظهر. وعندما رأى جوبيتر ، والد باخوس ومحرك الكون ، أن الجبابرة كانوا يشاركون بشكل يائس في تشكيل الفكرة العقلانية أو الإلهية من خلال تشتيت أعضائها في الأجزاء المكونة للعالم السفلي ، فإنه قتل الجبابرة حتى لا تضيع الفكرة الإلهية المقدسة.
ثم شكل البشرية جمعاء من رماد الجبابرة التي كان هدفها من الوجود هو الحفاظ على الفكرة الإلهية المقدسة ، أو الروح العقلانية ، من تلفيق الجبابرة وتزييفهم وإطلاقها في النهاية. وحيث أن جوبيتر هو صانع العالم المادي وهو الشخص الثالث في ثالوث الإبداع وبالتالي فهو رب الموت والموت يحدث فقط في العالم السفلي الدنيوي الذي يرأسه. يحدث التفكك بحيث يمكن أن يتبعه الاندماج في مستوى أعلى من حيث الشكل أو الذكاء. إن صواعق جوبيتير ما هي إلا رمز لقوته في التفكيك ، وهي تكشف الغرض من الموت الذي ينقذ الروح العقلانية من القوة الملتهبة للطبيعة اللاعقلانية في العالم الدنيوي .
الإنسان مخلوق مركب ، طبيعته الدنيا تتكون من شظايا الجبابرة وطبيعته العليا هي اللحم المقدس الخالد المكون من حياة باخوس. لذلك فإن الإنسان قادر على ممارسة عادات الجبابرة (اللاعقلانية ) و عادات باخوس العقلانية. ومن المحتمل أن يكون جبابرة هسيود ، الذين كان عددهم اثني عشر عامًا ، وهم مشابهون للبروج السماوية ، في حين أن الجبابرة الذين قتلوا باخوس وقطعوا أوصاله يمثلون قوى البروج المشوهة بسبب تورطهم في العالم المادي.
وهكذا يمثل باخوس الشمس التي قطعت أوصالها بعلامات الأبراج، والتي يتكون الكون من جسدها . وعندما تم إنشاء الأشكال الأرضية من أجزاء مختلفة من جسده ، فقد الشعور بالكمال وتأسس الشعور بالانفصال.. لقد تم رفع قلب باخوس ، الذي أنقذه بالاس ، أو المينيرفا ، من العناصر الأربعة التي يرمز إليها جسده المقطع والموضوع في الأثير. إن قلب باخوس هو المركز الخالد للروح العقلانية. وبعد أن تم توزيع الروح العقلانية بين جميع أنحاء الخليقة وطبيعة الإنسان ، تم وضع تأسيس أسرار باخوس العقلانية لغرض فصلها عن طبيعة الجبابرة غير العقلانية. لقد كان هذا الانفصال هو عملية انتشال الروح من حالة الانفصال إلى حالة التوحد. ثم جمعت أجزاء مختلفة من أعضاء باخوس من زوايا مختلفة من الأرض. وعندما يتم الانتهاء من جمع كل الأجزاء العقلانية يبعث باخوس من بين الأموات.
كانت طقوس ديونيسيوس شبيهة جدًا بطقوس باخوس ، ويعتبر العديد من المفكرين هذين الإلهين إلها واحدًا. ثم انتقلت تماثيل ديونيسيوس في الأسرار الإليوسينية ، وخاصة الدرجات الصغرى . كان باخوس ، الذي يمثل روح الحياة الدنيا ، قادرًا على تعداد لا حصر له من الأشكال والتسميات. و يبدو أن ديونيسيوس كان الجانب الشمسي لباخوس.
شكل المهندسون المعماريون المؤمنون بديونيسيوس مجتمعًا سريًا قديمًا ، في مبادئ وعقائد تشبه إلى حد كبير يشبه النظام الماسوني الحديث. لقد كانوا منظمة من بناة مرتبطين معًا بمعرفتهم السرية للعلاقة بين العلوم الأرضية والعلوم الإلهية للهندسة المعمارية. ومن المفترض أيضا أن الملك سليمان استخدمهم في بناء هيكله ، رغم أنهم لم يكونوا يهودًا ، ولم يعبدوا إله اليهود ، كونهم من أتباع باخوس و ديونيسيوس. إن فنون عمارة المهندسين المعماريين المؤمنين بديونيسيوس وباخوس أسست للعديد من الآثار العظيمة في العصور القديمة. لقد كان لديهم لغة سرية ونظام كوني منسق ووسم خاص بحجارتهم وفنونهم . لقد كان لديهم دعوات سنوية وأعياد مقدسة على مدار العام. إن الطبيعة الدقيقة لمذاهب اتباع باخوس وديونيسيوس غير معروفة. ويعتقد أن الكثير من المفكرين في العصر الحالي لا يزالون يتبعون هذا المذهب في أكثر من مكان في هذا العالم .
#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)
Mohammad_Abdul-karem_Yousef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فكرة بسيطة عنها
-
امرأة مثالية
-
البطالة وأنواعها وسبل معالجتها
-
إلى صديقي
-
أريدك أن تعرف
-
أحيانا
-
أريد أن أرسم - للشاعر أدريان هنري
-
غرباء في الليل
-
عالم جديد شجاع
-
الرومانسية والحب
-
فرانسيس بيكون والدراسة
-
حرب العقول
-
ماذا لو..؟
-
الحب هو
-
الحصانة السيادية للدول وشرط التنازل عنها في القانون الدولي
-
عندما يناديني الحب
-
إليك مع حبي
-
وزن الكأس
-
الإرهاب العابر للحدود
-
فكر بالتميز ...
المزيد.....
-
البندورة الحمرة.. أضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل سا
...
-
هنري علاق.. يهودي فرنسي دافع عن الجزائر وعُذّب من أجلها
-
قطر: تم الاتفاق على إطلاق سراح أربيل يهود قبل الجمعة
-
الفاتيكان يحذر من -ظل الشر-
-
عاجل | مصادر للجزيرة: الشرطة الإسرائيلية تعتقل الشيخ رائد صل
...
-
الفاتيكان يدعو لمراقبة الذكاء الاصطناعي ويحذر من -ظلاله الشر
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون الأقصى ودعوات لتكثيف الرباط بالمسجد
...
-
قائد الثورة الاسلامية: لنتحلّ باليقظة من نواجه ومع من نتعامل
...
-
قائد الثورة الاسلامية: العالم يشهد اليوم المراحل الثلاثة للا
...
-
قائد الثورة الاسلامية: المقاومة التي انطلقت من ايران نفحة من
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|