أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نضال الربضي - قراءة في تأثير الاستقطاب و الاختزال على الموقف الأخلاقي - الاحتلال، حي الشيخ جراح و الاعتداء على غزة، نموذجاً.















المزيد.....

قراءة في تأثير الاستقطاب و الاختزال على الموقف الأخلاقي - الاحتلال، حي الشيخ جراح و الاعتداء على غزة، نموذجاً.


نضال الربضي

الحوار المتمدن-العدد: 6910 - 2021 / 5 / 27 - 08:22
المحور: القضية الفلسطينية
    


يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على جذور المواقف الأخلاقية من الأحداث الأخيرة في المنطقة الجغرافية المعروفة باسم فلسطين، و التي يحكمها فعلياً ثلاث سلطات: الأولى الإسرائيلية كدولة معترف بها عالميا ً لكن تحمل صفة الاحتلال و صدر ضدها قرارات ملزمة من الأمم المتحدة، ترفضها تلك الدولة و تعتبرها غير ملزمة، و الثانية سلطة كيان السلطة الفلسطينية المعترف به عالميا ً و ما صدر عنه تحت اسم اعلان دولة فلسطين و الذي لم يحز على اعتراف عالمي، و الثالثة سلطة حماس المنقلبة على السلطةالفلسطينية و غير المعترف بشرعيتها من السلطة الفلسطينية و من العالم.

سأعتمد في تحليلي للأحداث على فحص الوقائع التي حدثت على الأرض كما يحكم عليها القانون الإنساني ممثلا ً بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان و المنشور على موقع الأمم المتحدة، و هو إعلان تقني يترجم الى الكلمات و الورق ما يختص بالإنسان و متطلبات طبيعته و الحقوق التي تتلازم مع مولده و محياه و مماته، و سيعني هذا بالضرورة أنني أفحص الأحداث و أقيّمها أخلاقيا ً و إنسانيا ً بحسب تأثيرها على الإنسان، دون أن أنظر إلى دينه أو عرقه أو لونه أو أي تصنيف آخر مُصطنع اخترعته المجموعات البشرية لإعطاء شرعية زائفة لتفوقها على المجموعات الأخرى. و لكي يكون التحليل صحيحا ً لا بد من العودة إلى أصول الـأحداث موضع البحث و جذورها، و شمولها بالتحليل و النقد لفهم تأثيرها على هذه الأحداث، و بالتالي تقيم مقدار الحاجة إلى معالجتها و التعامل معها كجزء من الحل.


فإذا ً نحن ملزمون بفحص القضية الفلسطينية بشموليتها، لا فقط بجزئية حي الشيخ جراح، أو الاعتداءات على المصلين في المسجد الأقصى، أو الاعتداء الأخير على غزة. و سيقودنا هذا بالضرورة إلى العودة إلى تأسيس دولة إسرائيل، و ما رافقه من تهجير قسري للفلسطينين و طردهم من ديارهم و الاستيلاء غير المشروع على أراضيهم و بيوتهم و بساتينهم و كافة أملاكهم، و تدمير 81% من قرى فلسطين، و ارتكاب المجازر البشعة التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، مرورا ً بحرب ال 67 و الاستيلاء على ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، و زرع المستوطنات فيها، و تغير شكل الواقع و طبيعة الأرض و البيئة و ديموغرافيا السكان في توزيعهم و عددهم و نموهم و التنمية المتعلقة بهم، لتصبح جميعها يهودية، في عملية تطهير عرقي ضد العنصر الفلسطيني بشكل ممنهج يحمل هدفاً استراتيجياً واضحا ً هو: التهويد التام لفلسطين بشكل لا يمكن عكسه أو إعادته إلى الوضع الذي كان عليه قبل عام 1948.

إن فحص الأحداث السابقة سيقودنا بالضرورة إلى إدانة هذه الأعمال الإجرامية و رفضها، و الاعتراف للشعب الفلسطيني في حقه في أرضه و على ترابه، و بدون أي صعوبة على الإطلاق. لكن المشكلة التي تواجهنا الآن هي وجود مجموعات كثيرة لا تعترف بهذا الحق الفلسطيني، بل تنفيه، و تتخندق ضده و ترفضه، و تعطيه للإسرائيلي المحتل، و تتفنَّنُ في إيجاد الحجج و الذرائع بل و تعتمد على ما تسميه بوثائق قانونية و قوانين أخلاقيه لكي تدعم موقفها غير الإنساني، الذي يخدم الإجرام الصهيوني في حق شعبٍ يعاني منذ عام 1948 إلى لحظة كتابة هذا المقال.


دعونا نفحص هذه المواقف لنفهم مكامن الخلل و مواضع العلة سوياً.


- الموقف الأول:

تأيد إسرائيل بذريعة التواجد السكاني اليهودي في الماضي:

يعتقد أصحاب هذا الموقف أن الوجود اليهودي في هذه المنطقة الجغرافية يعطي شرعية لقيام الدولة اليهودية، على اعتبار أن اليهود هم أصحاب الأرض الحقيقيون.


من السهل جدَّاً النظر إلى هذه الحجة في ضوء الحقائق التاريخية، فالوجود اليهودي في المنطقة كان دائماً وجود كيان يحيا مع كيانات أخرى، و لم يكن وجودا ً أوحداً، خصوصا ً إذا ما درسنا تاريخ المنطقة الجغرافية الفلسطينية و فهمنا حيثيات السبي البابلي عام 586 قبل الميلاد، ثم الشتات الأعظم ما بعد عام 70 ميلادي عندما قام القائد الروماني تيطس بهدم الهيكل و صلب آلاف اليهود، و نظرنا إلى الانخفاض التدريجي لأعداد اليهود في فلسطين، وصولا ً إلى بداية القرن الخامس الميلادي حين صار عددهم مجرد أقلية ضمن أكثرية مسيحية من جنسيات متعددة، ووصولا ً إلى السجلات العثمانية التي تجعل عددهم 13 ألف ضمن مجموع سكاني يبلغ 340 ألف، و حتى العام 1915 حيث يبلغ عددهم 38 ألف ضمن 722 ألف ساكن.

فإذا كان الموضوع في حقيقته موضوع وجود متأصل و مستمر فإن الحجة هنا ضد الوجود اليهودي لا معه، لكن المشكلة الفعليه حقيقة ً ليست في الدليل إنما في السبب من وراء مدّعي هذا الدليل المزيف. بعبارة أخرى: نحن أمام مجموعة لها انتماء أيديولوجي معادي للعروبة بشكل عام و للإسلام بشكل خاص، أي إننا أمام حالة: استقطاب (أي التصاق بقطب).

المشكلة الحقيقية في الاستقطاب، هي أن المنتمين لقطب ما لا يتأثرون بالأدلة و لا يستجيبون للمنطق، فهم قد اعتنقوا النتيجة مسبقا ً و ذهبوا يبحثون لها عن أي تبرير، و مهما عرضت أمامهم من الأدلة العقلية، و من البراهين العملية، و من أحداث الواقع، أو حاولت أن تستنهض ضمائرهم لتحتكم إلى إنسانية جامعة، فستفشل حتما ً، لا لضعف ٍ فيما عندك، أو لخطأٍ فيما تعرض، إنما لأنهم مُستقطَبون سلفا ً، منجذبون للقطب، ملتصقون بالجهة، و ينطلقون منها في دوران ٍ حولها لا شأن له بما هو خارجه سوى حين يحتاجون إلى إيقاع الفعل عليه.



الموقف الثاني

تأيد إسرائيل لأنها تحارب حماس و جماعات الإسلام السياسي و التكفيرين:

يقع أصحاب هذا الموقف في فخ الاختزال، و هو أن تختصر قضية ما (أو مجموعة إنسانية ما) في جزء صغير من هذه القضية لا يمثلها، فتفرغها من مضمونها الحقيقي و تحقنها بمضمون هذه الجزئية الصغيرة، فتجعلها ممثلة ً للقضية، مسؤولة عنها، ثم تتعامل مع القضية بمضمونها و شكلها الجديدين.


الاختزال في حقيقته هو التعامل مع شئ آخر غير الشئ الموجود مع إيقاع الفعل الملازم للشئ الآخر على الاثنين معاً، و هو الأمر الذي يفاقم المشاكل و ينقلها إلى أبعاد شديدة التعقيد، و يخلق مشاكل جديدة، تحتاج إلى حلول، و يراكم المشاكل فوق بعضها إلى ما لا نهاية.


عادةً ما يترافق الاختزال مع الاستقطاب، فالمتألمون من داعش و أمثالها من المنظمات الإرهابية يلجؤون إلى هوياتهم الدينية أو الإثنية ليجدوا فيها الأمان (و هذا أمر إنساني مفهوم)، لكنهم يخطؤون بشدة حينما تتحول فلسطين بكامل جغرافيتها و تنوع طيفها الحضاري و الثقافي و الاجتماعي و الديني و المذهبي و السكاني إلى مجرد: منظمة حماس، و يخطؤون أكثر عندما تختفي معاناة الأطفال و الشباب و الشابات و الرجال و النساء الفلسطينين، و أحلامهم، و آمالهم، و آلامهم، و حاضرهم، و مستقبلهم، و هوياتهم المتعددة، وراء مفرقعات حماس العبثية، هذا هو الاختزال النابع من الاستقطاب، هذا هما أكبر عدوين للبشرية حينما تحاول أن تجد الحلول للمشاكل أو حينما تحتاج لإصدار الأحكام على الأحداث.



لا أدعي هنا أن الاستقطاب و الاختزال هما السببان الوحيدان للمواقف التي شهدناها خلال الأحداث الأخيرة و التي على المستوى الشخصي و إن كنت أتوقعها و شهدتها قبلا ً، إلا أنني ذُهلت للمرحلة المتقدمة التي وصل إليها الكثيرين، و الذين من ضمنهم أناس بسطاء لا شأن لهم بتعقيدات المال و السياسة. و لم أتطرق في مقالي هذا إلى من أوعزت إليهم دولهم ليدافعوا عن مواقفها الجديدة المؤيدة لإسرائيل، أو إلى الذين يتلقون الدعم المالي مقابل الظهور بالمظهر الحضاري العاقل، و هم في حقيقتهم مهرجون مفضوحون أمام من يمتلك ذرة إنسانية و مقدارا ً بسيطا ً من القدرة على التحليل العقلي المنطقي.


أخي القارئة، أختي القارئة، كُلُّنا يبحث عن الخير، الجمال، العدالة، المساواة، الفرح، العيش المشترك، المستقبل المشرق لنا و لأبنائنا، و الأرض تحملنا جميعا ً لأننا أبناؤها، منها خرجنا، و إليها نعود، و تجمعنا إنسايتنا المشتركة، و وصلنا في القرن الحادي و العشرين إلى مستوى حضاري شديد التقدم، و تعلمنا أن الحروب و البشاعات المترافقة معها عمَّقت مشاكلنا، و عادت بنا إلى مستويات بدائية اعتقدنا أننا قد تجاوزناها، و سببت لنا الألم و الموت و الدمار و الشقاء، و استطعنا أن نطور مناهج الحوار و التفاوض، ووصلنا إلى حلول لمشاكل معقدة، كمشكلة نظام الفصل العنصري في دولة جنوب إفريقية، و مشكلة حقوق المواطنين السود في الولايات المتحدة الأمريكية، و إلغاء العبودية في العالم أجمع، و غيرها من المشاكل العتيقة المعقدة، و لا يوجد أي سبب يجعلنا نفشل في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إذا ما احتكمنا إلى ذات المبادئ الإنسانية التي حللنا فيها كل المشاكل الأخرى التي ذكرتها.


المطلوب ببساطة شديدة أن نصدق مع أنفسنا، و نعترف بإنسانية الشعب الفلسطيني و حقوقه، و أن ننطلق من هناك، و سنجد الحل، و لا أدعي هنا أن الأمر بسيط، و الحل في متناول اليد، إنما أهدف في مقالي هذا بالإضافة إلى ماذكرته في بدايته أن أزيل الغشاوة عن عيون البصيرة بقوة الإنسانية المشتركة، و العقل المفكِّر، حتى نستطيع أن نبدأ لنعالج كل الجزئيات المتعلقة بتعقيدات القضية الفلسطينية، نعم حتى نستطيع أن نبدأ، لأننا و لغاية هذه اللحضة لم نبدأ بطريقة صحيحة، فلقد قيدنا الاستقطاب، و ضربنا بالشلل الاختزال، و آن الأوان لأن نتحرر من القيد، و نستعيد القوة و ننهض، لنقف أمام شعب ٍ مظلوم صاحب حق ٍ يصرخ منذ أكثر من سبعين عاما ً و لا من مُجيب!



#نضال_الربضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوح في جدليات – 33 – بعض خواطري – 11.
- الطَّيِّبون يذهبون!
- بوح في جدليات – 32 – بعض خواطري – 10.
- قراءة في العلمانية – 13 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية – ...
- بوح في جدليات – 31 – بعض خواطري – 9.
- قراءة في العلمانية – 12 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية – ...
- قراءة في استحقاقات فايروس الكورونا – الردود التلقائية للأفرا ...
- قراءة في العلمانية – 11 – عن علاقتها مع الكرامة الإنسانية.
- ضوءان على أعتاب الفجر
- ما وراء البحر
- قراءة في الحب - الوجه الآخر نابعاً من البيولوجيا.
- قراءة في العلمانية – 10 – ما بين بُنى الوعي و القرار السياسي ...
- قراءة في العلمانية – 9 – عن الطبيعة البشرية، و تشابكها مع ال ...
- عن سام نزيما و ملفيل أديلشتاين – شهادةٌ على انتصار الإنسانية ...
- بطاقة إنسانية من السِّياق الفصحي.
- قراءة في الذاكرة – الموثوقيِّة بحسب القياس العلمي.
- يا سوداء الصخرة ِ: كوني.
- انهضا – أفلا تقبِّلين.
- المُسافر لا يعود.
- قراءة في ظاهرة التحرُّش الجنسي – التعريف، السلوكيات، الأسباب ...


المزيد.....




- -لم يفز أي من الطرفين في هذه الحرب-.. محلل يعلق لـCNN على هد ...
- ترحيب عربي بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان وسط دعوات لاتفاق ...
- هدنة لبنان.. وزير دفاع إسرائيل يدعو قواته لـ-التحرك بقوة ودو ...
- رئيس الإمارات يصدر عفوا عن 2269 سجينا
- الهند تخطط لإرسال مركبة علمية إلى المريخ
- انفجار في ميدان اختبار جنرال موتورز بميشيغان يتسبب في حريق و ...
- لمن الفضل في وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل؟ بايدن وترام ...
- كيف ينظر سكان غزة لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب ال ...
- رصد أصوات غامضة في المحيط.. من يتحدث إلى من؟
- رصد قاعدة نووية أمريكية مخفية تحت جليد غرينلاند


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - نضال الربضي - قراءة في تأثير الاستقطاب و الاختزال على الموقف الأخلاقي - الاحتلال، حي الشيخ جراح و الاعتداء على غزة، نموذجاً.