|
خلق آدم بين مشهدية سفر التكوين ورواية القرآن. ح2
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 6907 - 2021 / 5 / 23 - 00:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بين المشتركات والفوارق تجتمع القصة على حقيقة واحدة وهي أن النص الديني في غايته لا يستهدف بالتأكيد فقط أخبارنا عن قضية لمجرد أنها حدث حصل وأنتهى، بل الأهم فيها أن ما كان لا بد أن يصنع لدينا حقائق معرفية أراد النص الديني أن تكون محمولا معرفيا لا يفارق القصة، بل لا بد أن يكون هو عمادها وجوهرها، إذا لنعود لسفر التكوين ونستخلص هذا الجوهر {وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا} 15 الإصحاح الثاني، في الوقت الذي يصرح قبل ذلك وبعد أن الجنة كانت قد تم بنائها وغراسها وهندستها { 9 وَأَنْبَتَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ شَجَرَةٍ شَهِيَّةٍ لِلنَّظَرِ وَجَيِّدَةٍ لِلأَكْلِ، وَشَجَرَةَ الْحَيَاةِ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ، وَشَجَرَةَ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، 10وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ}، وفق منطق السفر كانت مهمة آدم أن يكون فلاحا وحارسا للجنة وليس أكثر من ذلك مع تنبيه الله له أن لا يقرب من شجرة المعرفة لئلا يموت موتا، في الرواية القرآنية قد نجد أن الأمر مختلف قليلا والأمر ليس متعلقا بوظيفة لآدم بقدر ما هي وضعه في التجربة وبيان قدرته على الأمتثال لأن الجنة أساسا لم تخلق له ولزمنه بل لأنها ستكون خلاص التجربة في أنتهاء الوجود كليا وهو ما يتعارض أصلا مع إغواء إبليس (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)، إذا القضية ليست متعلقة بخطيئة محددة ولا بعصيان أمر الله بقدر ما هو بداية تفعيل الخير والشر، مع العلم أن القصة في السفر ورواية القرآن تشترك في قضية محاولة آدم أن يفهم أو يستدل على سر الخلود ومفهوم الملكية. نستخلص من الصورتين أن آدم كان عارفا ما يريد ممتلكا لرؤية بشكلها ونتيجتها وإن لم يكن لإبليس دور لا بد أنه سيحدث ذلك طالما أنه كائن معرفي مكتشف (في سفر التكوين) ويعلم الفرق بين العدل والظلم والحق والباطل والرحمة (في القرأن)، في الحالتين لم يكن آدم جاهلا ولم يكن غير عارف ومميز بين الأشياء وهو الذب سمى الأشياء بأسمائها أول مرة (سفر التكوين) {19وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. 20فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ}، أما في القرآن فقد تجاوز هذا العرض بعد أن هلمه الله الأسماء كلها فعرضها على الملائكة وطلب من آدم أن ينبئهم بأسمائهم (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) البقرة (31)، هذا التعلم والتعليم والعلم كان سابقا حتى على أمر النهي وحتى قبل أن ينزله للجنة، إذا كان آدم عالما عارفا متذكرا بمعنى أنه كان جاهزا من تلك اللحظة أن يكون محل تكليف بما فيه أن بالتأكيد يعرف أن لكل بداية نهاية ولكل حياة موت، ومن هنا فنسبة المعرفة للشجرة كما في سفر التكوين غير حقيقية لسبق المعرفة، والأصح أنها شجرة من أشجار الجنة تعلق برمز خاص لا تملك خصيصة إلا خصيصة عدم الأقتراب والأكل منها يمثل نسيانا لعهد الله وخضوع لمنطق الشر وأغواه بواسطة إبليس. وأيضا من المشتركات الفكرية سواء في تكوين الصورة أو الرمزية المعتمدة هي قضية خلق أدم من طين أول مره، أيضا في كل الخلق جعل الله المخلوقات على زوجين ذكر وأنثى لأن معادلة الأستمرار والتكاثر لا تصلح إلا بالزوجية، في سفر التكوين هذا الامر واضح وإن كان فيه تقديم وتأخير في السرد { 27فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. 28وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»} كان كل ذلك قد تم في نهاية اليوم السادس، لكن وكما في القرآن لم يبين الله مكان الخلق سوى الإشارة إلى أنه قال (أسكن أنت وزوجك الجنة)، بينما في سفر التكوين قال { وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ}، إذا آدم لم يخلق في الجنة ولا في الأرض بدليل قال في القرآن أنزلا منها أي من الجنة إلى الأرض لكم فيها مستقر ومتاع إلى حين، في سفر التكوين قال { 23فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا. 24فَطَرَدَ الإِنْسَانَ، وَأَقَامَ شَرْقِيَّ جَنَّةِ عَدْنٍ الْكَرُوبِيمَ}، النص هنا لربما يشير إلى كون الجنة كانت جزء من الأرض وحدودها حدود الأنهر الأربعة التي تجري من نهر عدن { 10وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ: 11اِسْمُ الْوَاحِدِ فِيشُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ الْحَوِيلَةِ حَيْثُ الذَّهَبُ. 12وَذَهَبُ تِلْكَ الأَرْضِ جَيِّدٌ. هُنَاكَ الْمُقْلُ وَحَجَرُ الْجَزْعِ. 13وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّانِى جِيحُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ. 14وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّالِثِ حِدَّاقِلُ، وَهُوَ الْجَارِي شَرْقِيَّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابعُ الْفُرَاتُ}، لكن النص القرآني لم يحفل بهذا التحديد جاعلا من الجنة والأرض كيانين وجوديين مختلفين. الذي يفرق بين مشهدية الصورة في سفر التكوين وبين رواية القرأن قضية الخلق بالشكلية والبرنامج، مثلا الله عندما أكتشف الخطيئة وغضب رتب جعلا كونيا بناء على ردة الفعل وليس بناء على تصميم مسبق قبل الخلق { 14فَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ لِلْحَيَّةِ: «لأَنَّكِ فَعَلْتِ هذَا، مَلْعُونَةٌ أَنْتِ مِنْ جَمِيعِ الْبَهَائِمِ وَمِنْ جَمِيعِ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ. عَلَى بَطْنِكِ تَسْعَيْنَ وَتُرَابًا تَأْكُلِينَ كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكِ}، هذا القرار ومعه قرارين أخرين كانا ردة فعل تنفي عن الله إرادة التكوين الأولى وهما { 16وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ»} و { 17وَقَالَ لآدَمَ: «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ. 18وَشَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ، وَتَأْكُلُ عُشْبَ الْحَقْلِ. 19بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ »}، بينما في القرآن يجزم أن الله خلق الخلق وفقا لنماذج مختارة ومحددة سلفا وكما هي الآن خلقت لم تتغير ولم تتبدل (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير) النور 45 . كذلك من المفترقات بين النصين التوراتي والقرآني قضية ماذا يريد الله من أصل قضية الخلق كلها، في الوقت الذي يصرح فيه القرآن القضية مجملة مفصلة بقوله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات (13)، نجد أن سفر التكوين يقزم القضية من خلال جعل وجود أدم في الأرض نتيجة خطيئة معاقب عليها حتى تقوم القيامة { 23فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ الَّتِي أُخِذَ مِنْهَا}، هذا الأمر ليس فقط أشارة طارئة عن مهمة الإنسان في الوجود بل تعد أكبر من كونها عقوبة أو جزاء خطيئة، فالنص القرآني يشير إلى مضمون الإرادة الأولى أن يكون الإنسان أولا عابدا لله ومعه من كان محلا للتكليف جن وملائكة وأنس وحتى كل المخلوقات كل بطريقته الخاصة، العبادة في القرآن لا تعني الطقوس أبدا ولكن بمعنى التسليم لأمر الله وإرادته، ولذلك أنزله من الجنة ليمارس هذه العبادة مع وجود الصراع بينه وبين إبليس لتكون محال أمتحان دائم، فهو مكلف بهذا الأمر ومتوافق أصلا مع تنبيه الله له دوما من خلال الرسالات والرسل والأنبياء أن يبقى على الأستواء الأول قبل الخطيئة (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (52). هذا الصراع بين الإنسان والشيطان هو في الحقيقة صراع من أجل الإنسان الذي خلقه الله بأحسن تقويم، الأحسنية هنا الوصفة المثالية لخلق الله، بمعنى أنه النموذج الأفضل من بين كل المخلوقات (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ) الحجر (29)، فالتسوية بمعناها الجوهري هي الأستقامة القابلة للتكليف والتي تجعل من الإنسان عنصر الخير ما لم يدخل الشيطان في تصرفه وسلوكه، النص التوراتي له رؤية مختلفة تماما في هذه المسألة من أن أثر خطيئة آدم في نسله خطيئة أبدية لا بد أن يدفع أجرها دم على الدوام { 11فَالآنَ مَلْعُونٌ أَنْتَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا لِتَقْبَلَ دَمَ أَخِيكَ مِنْ يَدِكَ. 12مَتَى عَمِلْتَ الأَرْضَ لاَ تَعُودُ تُعْطِيكَ قُوَّتَهَا. تَائِهًا وَهَارِبًا تَكُونُ فِي الأَرْضِ»}، هنا تم تبرئة الشيطان من ذنب الدم وإلقائها على آدم وحده، ومن هنا نشأة عقدة الذنب الأزلي وعليه تم بناء منظومة الخير والشر، فعند الكتاب المقدس الإنسان شرير منذ التكوين وأنه ملعون والارض معه لأنه أرتكب الخطيئة الأولى وأن الله نادم وحزين لأنه فشل في تجربته مع الإنسان {5 وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. 6فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ. 7فَقَالَ الرَّبُّ: «أَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ الإِنْسَانَ الَّذِي خَلَقْتُهُ، الإِنْسَانَ مَعَ بَهَائِمَ وَدَبَّابَاتٍ وَطُيُورِ السَّمَاءِ، لأَنِّي حَزِنْتُ أَنِّي عَمِلْتُهُمْ»}، عندها عزم الله أن يعيد التجربة مرة أخرى مع شخص أخر وفي ظرف أخر منها ينتقم من بني البشر ومنها يطهر الأرض من شرهم، فكان نوح هو الخيار الجديد { 17فَهَا أَنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأَرْضِ لأُهْلِكَ كُلَّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. كُلُّ مَا فِي الأَرْضِ يَمُوتُ. 18وَلكِنْ أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ، فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ أَنْتَ وَبَنُوكَ}، فكانت النتيجة كالأتي {21 فَمَاتَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ كَانَ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَالْوُحُوشِ، وَكُلُّ الزَّحَّافَاتِ الَّتِي كَانَتْ تَزْحَفُ عَلَى الأَرْضِ، وَجَمِيعُ النَّاسِ. 22 كُلُّ مَا فِي أَنْفِهِ نَسَمَةُ رُوحِ حَيَاةٍ مِنْ كُلِّ مَا فِي الْيَابِسَةِ مَاتَ. 23 فَمَحَا اللهُ كُلَّ قَائِمٍ كَانَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ: النَّاسَ، وَالْبَهَائِمَ، وَالدَّبَّابَاتِ، وَطُيُورَ السَّمَاءِ. فَانْمَحَتْ مِنَ الأَرْضِ. وَتَبَقَّى نُوحٌ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ فَقَطْ}. بناء على هذه النتيجة المصورة في سفر التكوين أن الله قد محا الخطيئة الأولى من آدم وأثرها ولم يعد هناك سبب لبقائها، فها هو الآن في تجربة مغايرة، تجربة فيها العناصر بريئة ومرضية من الله فهو من أختارهم وهو من أراد أن تبدأ تجربة جديدة {15 وَكَلَّمَ اللهُ نُوحًا قَائِلاً: 16«اخْرُجْ مِنَ الْفُلْكِ أَنْتَ وَامْرَأَتُكَ وَبَنُوكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ. 17 وَكُلَّ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي مَعَكَ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ: الطُّيُورِ، وَالْبَهَائِمِ، وَكُلَّ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، أَخْرِجْهَا مَعَكَ. وَلْتَتَوَالَدْ فِي الأَرْضِ وَتُثْمِرْ وَتَكْثُرْ عَلَى الأَرْضِ». 18فَخَرَجَ نُوحٌ وَبَنُوهُ وَامْرَأَتُهُ وَنِسَاءُ بَنِيهِ مَعَهُ. 19 وَكُلُّ الْحَيَوَانَاتِ، كُلُّ الدَّبَّابَاتِ، وَكُلُّ الطُّيُورِ، كُلُّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، كَأَنْوَاعِهَا خَرَجَتْ مِنَ الْفُلْكِ}، هل هذا كان ما يريده الله في هذه التجربة الجديدة خاصة وأن نوحا قد أطاع الله بكل قوة وأخلاص، لم يرتكب خطيئة ولا أثم ولا جناية تتوارث { 20 وَبَنَى نُوحٌ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ. وَأَخَذَ مِنْ كُلِّ الْبَهَائِمِ الطَّاهِرَةِ وَمِنْ كُلِّ الطُّيُورِ الطَّاهِرَةِ وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ عَلَى الْمَذْبَحِ، 21فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا. وَقَالَ الرَّبُّ فِي قَلْبِهِ: «لاَ أَعُودُ أَلْعَنُ الأَرْضَ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ. وَلاَ أَعُودُ أَيْضًا أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ. 22 مُدَّةَ كُلِّ أَيَّامِ الأَرْضِ: زَرْعٌ وَحَصَادٌ، وَبَرْدٌ وَحَرٌّ، وَصَيْفٌ وَشِتَاءٌ، وَنَهَارٌ وَلَيْلٌ، لاَ تَزَالُ »}. في النص القرآني مع توافق صورة الحدث لكن الموضوع ليس كما ورد في النص التوراتي، فقد كان الطوفان والعذاب والإغراق مخصوصا لقوم نوح تحديدا بناء على دعوة نوح الذي كذبه قومه، الله العادل لا يمكن أن يحل غضبه على غير من عصى بعد التبلغ، أضافة إلى أن ذنب المخلوق هو معيار الجزاء، فما ذنب الحيوانات والبشر الأخرون الذين لم يكونوا من ضمن قوم نوح (إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) نوح (1)، فقد مهد قبل إرسال العذاب بالإنذار ليسقط الحجة على الناس ويقولوا لم يأتينا نذير ولا بشير، الله العادل لا يمكنه أن ينتقم لأنه ندم أو حزن على فشل تجربة أو عصيان البشر وهو الذي خلقهم وهو الذي يعرف أن ما خلق كان ضعيفا وظلوما وجهولا قبل أن يكونوا (يرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) النساء (28)، فلم يبارزهم بقوته المطلقة وقدرته التي لا تحدها حدود فهم ليسوا ندا له ولا يمكن المقارنة بين القوي المطلق والضعيف المطلق، حتى النص التوراتي يقول أن الله بعد تجربة نوح لم يعد مهتما بقضية الخطيئة الأولى واللعنة الأبدية لأنها بداية جديدة بروح جديدة { 9«وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ}.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خلق آدم بين مشهدية سفر التكوين ورواية القرآن. ح1
-
ناري الحائرة
-
الأصلاح الديني طريق إعادة العقيدة المسيحية لمضمون رسالة السي
...
-
الأصلاح الديني طريق إعادة العقيدة المسيحية لمضمون رسالة السي
...
-
المسيح والناموس القديم
-
خربشات قلم
-
المسيح من الولادة للرسالة
-
رسالة عاجلة من الرب
-
الطائفة والدين
-
السرد الخيالي وأثره في القيمة التاريخية للعهد الجديد
-
البحث عن يسوع أو عيسى التأريخي
-
الخلاص والفداء فكرة بلا معنى
-
ثورة إنسانوية
-
الخلاض والفداء ح2
-
الخلاض والفداء ح1
-
الخطيئة الأولى واللعنة الأبدية
-
ماذا يريد منا الله؟
-
البناء القصصي في العهد الجديد
-
من هو الاه؟.
-
أنتصار الإنسان
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|