|
الداروينية الإجتماعية والداروينية الأخلاقية
محمود جلال خليل
الحوار المتمدن-العدد: 6906 - 2021 / 5 / 22 - 01:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إنني لا أجد كاتبا مشهورا يمكنني أن أحتقره احتقارا جامعا كما أحتقر شكسبير ، ولا يسري عني فعلا إلا أن أذهب رأسا الى قبره فأنبشه واستخرج رفاته وأرجمها بالحجارة ، تمر على الانسان لحظات يتساءل فيها وهو يائس لماذا يكتب على مسرحنا أن يبتلى بهذا " النشال الخالد " الذي ينشل قصص وأفكار غيره من الناس والمعروف بإطنابه الممل وفصاحته البشعة وأحاديثه التي لاتطاق ، وبجموده التام عن الإيحاء بالأفكار جمودا لا يمكن تصوره ، وبقدرته الفذة على أن يجمع في جملة واحدة بين الفكرة المطبوخة الجاهزة والعقم الفكري الكامل ، ومن ثم يكشف عن عجزه عن الخروج بشئ من أعماق جمهور المشاهدين حتى ولو كانوا من أجهل الناس .... هذا هو راي برنارد شو في أيقونة الأدب الانجليزي شكسبير ، فماذا لو اضطلع شو على كتاب أصل الانواع لصاحبه شارل دارون وعلم من اين اتخذ مادته – ولا اقول سرقها - وقدمها بصورة بائسة شائهة عقيمة جلبت عليه اللعنات والويلات ولا زالت من رجال الدين والعلم والفكر على السواء ، فتداعت عليه الأمم كما تتداعى الأكلة الى قصعتها وراحت تنهش فيه وفي كتابه وتتهمه - ومن حذى حذوه وآمن بفكرته – بالكفر والإلحاد والاستهزاء بنصوص الكتب السماوية القرآن والكتاب المقدس العهد الجديد والقديم على السواء رغم علمي ويقيني أنه موحد مؤمن بالله ومحب لدينه كما بدى من اقواله ورسائله ، لكن البحث في اصل الحياة وبداية الكون قديم قال به فلاسفة الهند واليونان منذ قرون ، وعندما نزل القرآن على أمة الاسلام وتلي قوله تعالى ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير) ( 20سورة العنكبوت ) نفر العديد من علماء المسلمين للبحث في حقائق الموجودات وأصل المخلوقات عملا بالتوجة الإلهي لهذه الآية الشريفة وقدموا ما توصلوا اليه من رؤى ومشاهدات وتوسمات في صفحات طوال مثل عجائب المخلوقات للقزويني و " الحكمة في مخلوقات الله عز وجل للغزالي " و" تهذيب الأخلاق " و" الفوز الأصغر " لابن مسكويه وغيرهم من علماء وفقهاء المسلمين الأعلام مثل ابن خلدون ، والجاحظ ، واخوان الصفا ، والفارابي المولود في نهاية القرن الثالث الهجري ، ونبدأ بما قاله في شرحه لأقوال المعلم الأول من كتاب " آراء أهل المدينة الفاضلة " حيث قال : إن ترتيب هذه الموجودات هو أن تقدم أولًا أخسها ، ثم الأفضل فالأفضل ، إلى أن تنتهي إلى أفضلها الذي لا أفضل منه ، فأخسها المادة الأولى المشتركة ، والأفضل منها الأسطقسات المعدنية ، ثم النبات ، ثم الحيوان غير الناطق ، وليس بعد الحيوان الناطق أفضل منه ، ويذهب الفارابي على هذا الترتيب في التفرقة بين الإنسان والإنسان بمقدار حظه من القوة الناطقة ، فيجيز أن يكون بعض أشباه الآدميين بالصورة الجسدية غير محاسبين ، أو غير أهل للحياة الأخرى وقال إخوان الصفاء ( من علماء القرن الرابع الهجري ) في رسالتهم العاشرة: اعلم يا أخي أن أول مرتبة النباتية أو دونها مما يلي التراب هي خضراء الدمن ، وآخرها وأشرفها مما يلي الحيوانية النخل ، وذلك لأن خضراء الدمن ليست بشيء سوى غبار يتلبد على الأرض والصخور والأحجار، ثم يصيبها المطر فتصبح بالغداة خضراء كأنها نبت زرع وحشائش ، فإذا أصابها حر الشمس نصف النهار تجف، ثم تصبح بالغد مثل ذلك من نداوة الليل وطيب النسيم، ولا تنبت الكمأة ولا خضراء الدمن إلا في أيام الربيع في البقاع المتجاورة لتقارب ما بينها ، وأما النخل فهو آخر مرتبة النبات مما يلي الحيوانية، وذلك أن النخل نبات حيواني؛ لأن بعض أحواله وأفعاله مباين لأحوال النباتات وإن كان جسما نباتيا ، وهو الأكشوت ، وذلك أن هذا النوع من النبات ليس له أصل ثابت في الأرض كما يكون لسائر النبات، ولا له ورق كأوراقها، بل هو يلتف إلى الأشجار والزروع والبقول والحشائش ويمتص من رطوبتها، ويتغذى كما يفعل الدود الذي يدب على ورق الأشجار وقضبان النبات ، وإن أدون الحيوان وأنقصه هو الذي ليس له إلا حاسة واحدة ، وهو الحلزون ، وهي دودة في جوف أنبوبة تنبت في تلك الصخور التي تكون في بعض سواحل البحار وشطوط الأنهار، وتلك الدودة تخرج نصف شخصها من جوف تلك الأنبوبة ، وتنبسط يمنة ويسرة تطلب مادة تغذي بها جسمها ، فإذا أحست رطوبة ولينًا انبسطت إليه ، وإن أحست بخشونة أو صلابة انقبضت وغاصت في جوف تلك الأنبوبة حذرًا من مؤذٍ لجسمها ، ومفسد لهيكلها ، وليس لها سمع ولا بصرولا شم إلا ذوق اللمس حسب ، وهكذا أكثر الديدان التي تكون في الطين في قعر البحر وعمق الأنهار؛ ليس لها سمع ولا بصرولا ذوق ولا شم ؛ لأن الحكمة الإلهية لم تعطِ الحيوان عضوًا لا يحتاج إليه في وقت جر المنفعة أو دفع المضرة ؛ لأنها لو أعطتها ما لا تحتاج إليه لكان وبالًا عليها في حفظها وبقائها ، فهذا النوع حيواني نباتي؛ لأنه ينبت جسمه كما ينبت بعض النبات ، ومن أجل أنه يتحرك بجسمه حركة اختيارية فهو حيوان ، ومن أجل أنه ليس له إلا حاسة واحدة فهو أنقص الحيوانات رتبة، وتلك الحاسة أيضًا هي التي يشاركها النبات فيها. ويقول القزويني ( 605 - 682 ) صاحب " عجائب المخلوقات " بعد تقسيمه الأجسام إلى نام وغير نام ، وهو ما يقابل اليوم تقسيمها إلى العضوي وغير العضوي: إن الكائنات تراب ، وآخرها نفس ملكية طاهرة ، فإن المعادن متصلة أولها بالتراب أو الماء وآخرها بالنبات ، والنبات متصل أوله بالمعادن وآخره بالحيوان ، والحيوان متصل أوله بالنبات وآخره بالإنسان ، والنفوس الإنسانية متصلة أولها بالحيوان وآخرها بالنفوس الملكية ، وهذا الانتقال من المشابهة بالجسد إلى المشابهة بالنفس شبيه باحتراس النشوئيين المحدثين عند التفرقة بين الإنسان من جانبه الحيواني، والإنسان من جانبه الروحي ، أو جانب القوى الأدبية الوجدانية . وأشار ابن خلدون إلى هذا التدرج — أو التطور — فترقى به من المعدن إلى القرد إلى الإنسان، وعلَّل اختلاف الناس بتأثير الإقليم وأحوال المعيشة على الأبدان والأخلاق ، قال : إن عالم التكوين ابتدأ من المعادن، ثم النبات، ثم الحيوان على هيئة بديعة من التدريج: آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذور له،وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان، مثل الحلزون والصدف، ولم يوجد لها إلا قوة اللمس فقط. ومعنى الاتصال في هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد بالاستعداد الغريب لأن يصير أول الأفق الذي بعده. واتسع عالم الحيوان وتعددت أنواعه، وانتهى في تدريجه التكويني إلى الإنسان صاحب الفكر والروية ، ترتفع إليه من عالم القردة الذي اجتمع فيه الحس والإدراك، ولم ينتهِ إليه الفكر والروية بالفعل. وكان ذلك أول أفق الإنسان من بعده، وذلك غاية شهودنا . ويقول ابن مسكويه — من علماء القرن الرابع والخامس للهجرة — في كتابه « تهذيب الأخلاق » : بعنوان الأجسام الطبيعية : إن الأجسام الطبيعية كلها تشترك في الحد الذي يعمها ، ثم تتفاضل بقبول الآثار الشريفة والصور التي تحدث فيها، فإن الجماد منها إذا قبل صورة مقبولة عند الناس؛ صار بها أفضل من الطينة الأولى التي لا تقبل تلك الصورة، فإذا بلغ إلى أن يقبل صورة النبات صار بزيادة هذه الصورة أفضل من الجماد.وتلك الزيادة هي الاغتذاء والنمو، والامتداد في الأقطار، واجتذاب ما يوافقه من الأرض والماء، وترك ما لا يوافقه، ونفض الفضلات التي تتولد فيه من جسمه بالصموغ، وهذه الأشياء التي ينفصل بها النبات من الجماد، وهي حال زائدة على الجسمية التي حددناها وكانت حاصلة في الجماد، وهذه الحالة الزائدة في النبات التي شرف بها على الجماد تتفاضل ، وذلك أن بعضه يفارق الجماد مفارقة يسيرة كالمرجان وأشباهه، ثم يتدرج فيها فيحصل له من هذه الزيادة شيء بعد شيء، فبعضه ينبت من غير زرع ولا بذر، ولا يحفظ نوعه بالثمر والبذر، ويكفيه في حدوثه امتزاج العناصر وهبوب الرياح وطلوع الشمس؛ فذلك هو في أفق الجمادات وقريب الحال منها، ثم تزداد هذه الفضيلة في النبات فيفضل بعضه على بعض بنظام وترتيب، حتى تظهر فيه قوة الإثمار وحفظ النوع بالبذر الذي يخلف به مثله، فتصير هذه الحالة زائدة فيه ومميزة له عن حال ما قبله ، ثم تقوى هذه الفضيلة فيه حتى يصير فضل الثالث على الثاني كفضل الثاني على الأول، ولا يزال يشرف ويفضل بعضه على بعض حتى يبلغ إلى أفقه، ويصير في أفق الحيوان، وهي كرام الشجر كالزيتون والرمان والكرم وأصناف الفواكه، إلا أنها بَعْدُ مختلطةُ القوى؛ أعني أن قوى ذكورها وإناثها غير متميزة، فهي تحمل وتلد المثل ولم تبلغ غاية أفقها الذي يتصل بأفق الحيوان، ثم تزداد وتمعن في هذا الأفق إلى أن تصير في أفق الحيوان؛ فلا تحتمل زيادة ، وذلك أنها إن قبلت زيادة يسيرة صارت حيوانًا وخرجت عن أفق النبات، فحينئذ تتميز قواها، ويحصل فيها ذكورة وأنوثة، وتقبل من فصائل الحيوان أمورًا تتميز بها عن سائر النبات والشجر؛ كالنخل الذي طالع أفق الحيوان بالخواص العشر المذكورة في مواضعها، ولم يبق بينه وبين الحيوان إلا مرتبة واحدة، وهي الاطلاع من الأرض والسعي إلى الغذاء. وقد روي في الخبر ما هو كالإشارة أو كالرمز إلى هذا المعنى، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " أكرموا عماتكم النخل؛ فإنها خُلقت من بقية طينة آدم " ، ويستطرد ابن مسكويه إلى ذكر الحيوان بما يشبه قول المحدثين عن أسلحة الحيوان في تنازع البقاء ، فيقول ان الحيوان إن كان ضعيفًا لم يعطَ سلاحًا البتة، بل أعُطي آلة الهرب كشدة العدو والقدرة على الحيل التي تنجيه من مخاوفه ، وأنت ترى ذلك عيانًا من الحيوان الذي أعُطي القرون التي تجري له مجرى الرماح ، والذي أعُطي الأنياب والمخالب التي تجري له مجرى السكاكين والخناجر، والذي أعُطي آلة الرمي التي تجري له مجرى النبل والنشاب ، والذي أعُطي الحوافز التي تجري له مجرى الدبوس والطبرزين. فأما ما لم يُعطَ سلاحًا لضعفه عن استعماله ، ولقلة شجاعته ونقصان قوته الغضبية ، ولأنه لو أعطيه لصار كَلٍّا عليه، فقد أعُطي آلة الهرب والحيل بجودة العدو والخفة والختل والمراوغة ؛ كالأرانب وأشباهها. فأما الإنسان فقد عوضمن هذه الآلات كلها بأن هُدي إلى استعمالها كلها ، ثم يتدرج إلى أقرب الحيوان إلى الإنسان ، وهو الذي يحاكي الإنسان من تلقاء نفسه ويتشبه به من غير تعليم كالقردة وما أشبهها ، ويبلغ من ذكائها أن تستكفي في التأدب بأن ترى الإنسان يعمل عملًا فتعمل مثله ، من غير أن تحوج الإنسان إلى تعب بها ورياضة لها. وهذه غاية أفق الحيوان التي إن تجاوزها وقبل زيادة يسيرة خرج بها عن أفقه، وصار في أفق الإنسان الذي يقبل العقل والتمييز والنطق والآلات التي يستعملها، والصور التي تلائمها ، ولا يقف التدرج عند أفق الإنسان، بل يتفاضل الناس بين أمم لا تتميز عن القرود إلا بمرتبة يسيرة، وأمم تتزايد فيهم قوة التمييز والفهم إلى أن يصيروا إلى وسط الأقاليم، فيحدث فيهم الذكاء وسرعة الفهم والقبول للفضائل، وإلى هذا الموضع ينتهي فعل الطبيعة التي وكلها لله عز وجل بالمحسوسات، ثم يستعد بهذا القبول لاكتساب الفضائل واقتنائها بالإرادة والسعي والاجتهاد الذي ذكرناه فيما تقدم، حتى يصل إلى آخر أفقه؛ فإذا صار إلى أفقه اتصل بأول أفق الملائكة، وهذا أعلى مرتبة الإنسان ، وعندها تتأحد الموجودات ويتصل أولها بآخرها، وهو الذي يُسمى دائرة الوجود ، لأن الدائرة هي التي قيل في حدها: إنها خط واحد يبتدئ بالحركة من نقطة وينتهي إليها بعينها. ودائرة الوجود هي المتحدة التي جعلت الكثرة وحدة، وهي التي تدل دلالة صادقة برهانية على موجدها وحكمته وقدرته ووجوده، تبارك اسمه، وتعالى جده، وتقدس ذكره . إلى أن يقول مخاطبًا طالب المعرفة وحدث لك الإيمان الصحيح، وشهدت ما غاب عن غيرك من الدهماء ، وبلغت أن تتدرج إلى العلوم الشريفة المكونة التي مبدؤها تعلم المنطق ؛ فإنه الآلة في تقويم الفهم والعقل الغريزي، ثم الوصول به إلى معرفة الخلائق وطباعها، ثم التعلق بها والتوسع فيها، والتوصل منها إلى العلوم الإلهية، وحينئذ تستعد لقبول مواهب لله عز وجل وعطاياه ؛ فيأتيك الفيض الإلهي، فتسكن عن قلق الطبيعة وحركاتها نحو الشهوات الحيوانية، وتلحظ المرتبة التي ترقيت منها أولًا من مراتب الموجودات، وعلمت أن كل مرتبة منها محتاجة إلى ما قبلها في وجودها ، وعلمت أن الإنسان لا يتم له كماله إلا بعد أن يصل إلى ما قبله، وإذا صار إنسانًا كاملًا وبلغ غاية أفقه أشرق نور الأفق الأعلى عليه، وصار إما حكيمًا تامٍّا تأتيه الإلهامات فيما يتصرف فيه من المحاولات الحكمية، والتأييدات العلوية في التصويرات العقلية، وإما نبيٍّا مؤيدًا يأتيه الوحي على ضروب المنازل التي تكون له عند لله تعالى ذكره، فيكون حينئذ واسطة بين الملأ الأعلى والملأ الأسفل؛ ولذلك تكثر حاجات الناس إلى المقومين والمنفعين وفحوى كلام ابن مسكويه أن الترقي الطبيعي ينتهي إلى غاية وسع الطبيعة من ترقية الجسد، وإتمام حسه وأعضائه، ثم يبدأ الترقي بالعقل والخلق من أفق الحيوان إلى ما هو أعلى وأرفع وأقرب إلى الملأ الأعلى. ولابن مسكويه بحث كهذا في كتابه « الفوز الأصغر " يبدأ فيه من البداءة، وهي ما سماه بالمركز فيقول إن أول أثر ظهر في عالمنا هذا من نحو المركز بعد امتزاج العناصر الأولى - أثر حركة النفس في النبات، وذلك أنه تميَّز عن الجماد بالحركة والاغتذاء، وللنبات في قبول الأثر مراتب مختلفة لا تُحصى، إلا أنها مقسمة إلى ثلاث مراتب: الأولى والوسطى والأخيرة ليكون الكلام عليه أظهر ثم ينتهي كما انتهى بكلامه في تهذيب الأخلاق الى آخر مرتبة الحيوان وهي مراتب القرود وأشباهها من الحيوان الذي قارب الإنسان في خلقته الإنسانية، وليس بينها إلا اليسير الذي إذا تجاوزه صار إنسانًا . هذا ما تفضل به علماء المسلمين قبل أكثر من عشرة قرون من ظهور كتاب السيد شارل داروين ووضع قواعد علوم الوراثة والهندسة الوراثية والنجاح في فك شــفرة المورثات البشرية ، ومشروع الجينوم البشري الذي يصفه البعض بأنه أهم إنجاز علمي في التاريخ ، ولأن اتجاه بحثنا هو الناحية الأخلاقية والاجتماعية وليست المبارزة العلمية والانتصار لفريق على آخر، بل الانتصار للقيم الانسانية التي لا غنى عنها للمجتمع البشري الكوني، ولأنه ليس بيننا من لم يطلع على كتاب السيد داروين ولأن لنا عليه كثير من الانتقادات والتحفظات ليس هذا مكانها ولا وقتها ، نريد ان نركز على النتيجة التي خرج بها وفريقه من النشوئيين والارتقائيين لحدوث التحول في الانواع ( التطور ) فبينما يرجعه علماء المسلمين الى " حكمة إلهية "، يعللونه هم بـ ( الانتخاب الطبيعي والانتخاب الجنسي مع القول بتنازع البقاء لزيادة المواليد الحية على الموارد الكافية لتغذيتها ووقايتها .... !!!) والتي تغيرت في الحال وفي حياة السيد داروين من الانتخاب الطبيعي الى ( البقاء للاصلح ) بناء على رغبة السيد هربرت سبنسر ( 1820 – 1903 )الذي يعتبر الاب الثاني لعلم الاجتماع الحديث بعد السيد (أوجست كونت) الذي تاثر به كثيرا ونمت في نفسه فكرة النشوء والارتقاء وتشعبت ، ورأى تطبيقها على الكائنات الحيّة ، وعلى الإنسان في ميدان علم النفس والأخلاق، وعلى المجتمع في ميدان علم الاجتماع والسياسة ، وقال إن قانون التطور هو القانون الأسمى لكل قانون ، وهو الذي قامت على يديه " الداروينية الاجتماعية " مع العديد من الباحثين الآخرين، مثل والتر باجوت و ويليام جراهام سمر ، ثورستن فبلن ، توماس مالتوس ، وفرنسيس غالتون ، مؤسس علم تحسين النسل ، وتقترح الداروينية الاجتماعية أن البشر ، مثل الحيوانات والنباتات ، يتنافسون في صراع من أجل الوجود. ضمن ظاهرة الانتقاء الطبيعي التي اقترحها داروين ، ويقولون بأنه من شأن القوي أن يرى ثروته وقوته يتزايدان، بينما من شأن الضعيف أن يرى ثروته وقوته يتناقصان ، لكنهم يختلفون حول أي مجموعات من الناس تعتبر القوية وأي مجموعات من الناس تعتبر الضعيفة، ولهم أيضًا آراء مختلفة حول الآليات المحددة التي يجب استخدامها لمكافأة القوي والإبقاء عليه ومعاقبة الضعيف واستبعاده !!! ويختلفون أيضا حول وجوب التحلي بالوقوف على الحياد أو المشاركة الى جانب أحد الخصمين ( وهو بالتأكيد الاقوى ) فمنهم من يرى البقاء بعيدا في مقاعد المتفرجين حتى انتهاء الصراع والتنافس المحموم بين الغريمين ، بينما يرى آخرون وجوب التدخل وضرورة المشاركة والانحياز أيضا وان استدعى الأمر دعم السلطوية ، وتحسين النسل ، والعنصرية ، والإمبريالية ، والفاشية ، والنازية ، والصراع بين الجماعات القومية أو العرقية . ومن ثم أصبح مصطلح «البقاء للأصلح» مستخدمًا على نطاق واسع في الأدب الشعبي باعتباره شعارًا لأي موضوع يتعلق بالتطور والاصطفاء الطبيعي أو ما يماثل ذلك. وبالتالي طُبِّق المفهوم هذا على مبادئ عدم التدخل، وقد استخدم على نطاق واسع من قِبَل أنصار ومعارضي الداروينية الاجتماعية ، والخلاصة تتميز الداروينية الاجتماعية بوجود مجموعة متنوعة من السياسات والنظريات الاجتماعية السابقة والحالية. من محاولات تقليص سلطة الحكومات إلى نظريات تحاول فهم السلوك البشري. يُعتقد أن هذا المفهوم يفسر الفلسفة الكامنة وراء العنصرية والإمبريالية والرأسمالية.كيف ؟ هذا هو مفهوم النشوء والارتقاء والتطور عند الداروينية الاجتماعية الحديثة بينما هو في الديانة الاسلامية أن الترقي الطبيعي ينتهي إلى غاية وسع الطبيعة من ترقية الجسد ، وإتمام حسه وأعضائه، ثم يبدأ الترقي بالعقل والخلق من أفق الحيوان إلى ما هو أعلى وأرفع وأقرب إلى الملأ الأعلى.
#محمود_جلال_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من بيشاور الى رابعة , رايح جاي
-
العلم والموهبة
-
تشتري هدهد
-
الوهابية .. العلمانية , المحلل .. والمحلل له 2 - 2
-
الوهابية .. العلمانية , المحلل .. والمحلل له 2 - 1
-
الى الدكتور سيد القمني
-
عندنا جار
-
من فات قديمه ... تاه
-
وهكذا تتمزق الاوطان بين اراجوزات السياسة وبهلوانات الأديان
-
الدين الاستحماري (قراءة في كتاب النباهة والاستحمار للدكتور ع
...
-
عمرة انتهت في تبوك
-
كشف الاسرار - قراءة في كتاب النباهة والاستحمار للدكتور علي ش
...
-
انحرافات الأمم
-
الشجرة الملعونة في مقابل شجرة النبوة
-
الصحيفة الغائبة 3
-
الصحيفة الغائبة 2
-
الصحيفة الغائبة
-
الوثيقة .. الفاضحة
-
خوارج القرن العشرين
-
الاسلام المحمدي والاسلام السياسي
المزيد.....
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
-
مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط
...
-
وسط التحديات والحرب على غزة.. مسيحيو بيت لحم يضيئون شجرة الم
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|