صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1633 - 2006 / 8 / 5 - 11:11
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
عندما وصلت الى البيت, كان راديو السيارة ينقل مناقشة حول صحة نشر الصحف والتلفزيون لصور ومشاهد مروعة من حرب إسرائيل على لبنان, لذا انتظرت في السيارة قليلاً حتى ينتهي النقاش. ملخص الموضوع انه في حالة ضرورة الصورة لنقل الحالة وعجز الكلام عن وصف الخبر فلا بد من نشر الصور, لذلك لم يكن بداً من ذلك بعد مجزرة قانا (الثانية).
لاشك ان هذا لن يسر الإسرائيليين ابداً, لكنهم لن يكونوا الوحيدين الذين سينزعجون من تلك الصور. هناك في الواقع من سينزعج منها اكثر منهم كثيراً: بلير مثلاً الذي يطارده حزبه وحكومته لموقفه الذي اعتبروه مخزياً.
ولكن هناك من سينزعج من تلك الصور اكثر من اسرائيل وبلير وبوش, وسيراجع الصحف يوميا عدة مرات ويلقي بها على الأرض كلما رأى صورة لطفل لبناني ممزق الأشلاء او مدينة تحولت الى اشباح :الحكام العرب!
بالطبع ليس لحساسية إنسانيتهم, بل لحساسية موقفهم لذا علينا ان نقدر ظروفهم ونفهم مقالقهم.
بشكل عام كان موقف الحكومات العربية جباناً, ربما اكثر من العادة, وقد شمل ذلك كل الحكومات تقريباً فضربت التظاهرات او منعت تماماً وكان الخطاب يدعو الى التهدئة مساوياً بين المعتدي والمدافع, كما حدث بشكل واضح في دول المغرب العربي الثلاثة وليبيا.
ولكن من بين كل العرب, هناك ثلاث دول يتميز موقفها بالخصوصية, ولاشك ان زعمائها في حال لايحسدون عليه, السعودية ومصر والأردن. لقد دفعهم "اصدقاءهم" الى موقف صعب جداً يستحيل إصلاحه, فقالوا كلاماً لم يعد ممكناً ابتلاعه. ليسوا اسوأ من غيرهم كثيراً, لكن لسانهم كان اسرع انزلاقاً فتورطوا بما اعتبر انه اسهم في حماية اسرائيل من النقد وشارك في إعطائها الضوء الأخضر لتستمر في القتل بضعة اسابيع اضافية, مسجلين بضعة مئات من الضحايا بإسمهم.
في العادة لايكون "الضوء الأخضر" لإسرائيل مدعاة للخوف, لكن الأمر مختلف هذه المرة. فعندما قالت اسرائيل ان اجتماع روما اعطاها الضوء الأخضر لتستمر في القصف سارع الأوربيين بل وحتى الأمريكان الى انكار ذلك واستنكاره.
آدم ايرلي المتحدث باسم الخارجية الامريكية: "اي تصريحات من هذا النوع هي تصريحات مشينة."
وما يخاف منه حتى الأمريكان يحق للحكام العرب ان يخافوا منه.
"يرين خان" الامينة العامة لمنظمة للدفاع عن حقوق الانسان فى لندن قالت بان استهداف مدنيين وبنى تحتية مدنية وشن هجمات غير متكافئة ومن دون تمييز يشكلان جريمة حرب.و ان الحكومات التى تزود اسرائيل اسلحة ومعدات عسكرية تضاعف قدرتها على ارتكاب جرائم حرب. وبالطبع يمكننا ان نمد هذا الكلام لتشمل تهمة جرائم الحرب, وهي تهمة جدية, كل من ساهم في استمرار الجريمة حتى وإن كان بالطرق الدبلوماسية, او على الأقل هذا ما قد تفهمه الشعوب العربية.
للقلق الشديد للحكام المتورطين مبرراته بلا شك حين يوجه حتى شخص معروف بتبعيته المطلقة لكل ما تقول اميركا او تريده اسرائيل مثل وزير الخارجية البريطاني السابق "جاك سترو"، انتقادات شديدة للهجوم الإسرائيلي على حزب الله في لبنان، معتبرًا أنه غير متكافئ.
"المُـنعطف قادم لا محالة"، هكذا كتب البروفيسور مارون بنفنستي في صحيفة "هارتس" قائلا: "خسائر الجيش المتواصلة في لبنان والتخطيط غير الكافي وغير المدروس والفشل الاستخباراتي الواضح، ستغيّـر بالتأكيد أجواء السجّـال الداخلي لدينا عما قريب"، و"سرعان ما سيتحوّل المهلِّـلون للحرب، من سياسيين وإعلاميين، إلى أشد ناقديها، وسيبدأ السباق بينهم، من حذّر أولا من هذه الحرب وأهوالها
وإذا كان سباق التخلي عن دعم جريمة الحرب الخاسرة متوقعا قريباً في اسرائيل فهو قد بدأ فعلاً بين الحكام العرب.
فقد سارعت السعودية لحث الولايات المتحدة ثم انتقادها في سابقة قلما تكررت في الماضي: وتحدثت عن "اعتداء إسرائيليا متواصلا"، وتحذيرها واشنطن بشكل خاص من "العواقب التي لا يمكن التنبؤ بها والتي ستصيب المنطقة، والتي من بينها الحرب والصراع الذي لن يستثني أحدا"، إذا لم يتم القيام بوقف فوري لإطلاق النار،
أما صاحب مصر فقد تجرأ على استدعاء السفير الإسرائيلي ودار بينهما حديث لم يعلم به احد, حسب علمي, لكني اتوقع انه تحدث معه عن الإحراج الذي يعاني منه.
وأما ملك الأردن فقد امتطى "زيه العسكري" وراح يتحدث عن "ستراتيجية مواجهة" وقال, وانا اصدقه تماما هنا: " فنحن أيضا غاضبون" لإنكشاف أمره وخوفه الذي يعبر عنه دون تمويه كبير قائلاً : "هنالك إدراك انه إذا لم نتحدث بصوت واحد فإننا سندفع الثمن " فـلايمكن أن "ينام الناس ويفيقوا على صور القتل.. على صور أطفال قانا" وزاد وهو صادق تماماً : "يجمعنا الخوف على المستقبل" وكذلك تحدث عن "خيانة لشعوبنا" واكد ان الأردن " سيستمر يقدم كل دعم ممكن للبنانين ". لكنه حين سئل عن خيار طرد السفير الإسرائيلي أجاب بغموضه المعتاد: "سنفعل كل ما هو في مصلحة وطننا وفي خدمة أشقائنا في فلسطين ولبنان". ويبدوا ان جلالة الملك لم يقصد بـ "كل دعم ممكن للبنانيين" غير الورشة الصحية المتنقلة التي رفض الجرحى اللبنانيين قبول خدماتها وسط دهشة العالم!
وزيادة في الإحراج فأن "اصدقاء" حكامنا لم يكتفوا بتوريطهم بما لاطاقة لهم به فقط بل زادوا الطين بلة بإمتداحهم لهم علنا. فجرت الإشارة إلى تصريحات الدول الثلاثة، التي رحبت بها وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس باعتبارها دليلا على ظهور "شرق أوسط جديد". وأكثر من ذلك ان اولمرت أشاد بتأييد دول عربية (لم يسمها) للحرب التي تشنها إسرائيل, وقال إن هذا التأييد ساعد (إسرائيل) كثيراً. فحبس هؤلاء انفاسهم ثم تنفسوا الصعداء لأن "هذا الأحمق" لم يذكر احداً بالإسم!
لست الوحيد الذي يرى الرعب في عيون الحكام العرب, فهذا صاحبي سفيان الخزرجي يسبقني الى ذلك ويقترح عليهم ان يسكروا ليتمكنوا من قول الحقيقة: http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=71624
والحقيقة ان هؤلاء الثلاثة, ولنسمهم اختصاراً منذ الآن بـ "محور العار" تيمناً بـ "محور الشر" لصاحبه بوش، لم يعودوا يعروفون ما يفعلون.
فهؤلاء الحكام, والعديد غيرهم, يشكلون جزء من ترسانة أسلحة إسرائيل و اميركا في المنطقة, وأملهم الوحيد ان يساندهم هؤلاء الأمريكان والأسرائيليون عند الشدة, وهو ما يحدث عادة, لكنه ليس مضمونا دائماً. فالأمريكان يبدون اليوم مشغولين بالدفاع عن نفسهم في الموقف المخبول الذي وضعوا انفسهم فيه: تخصيص اموال لإغاثة اللبنانيين وتخصيص اضعافها لقصفهم. والأمريكان على اية حال معروفين بالتخلي عن اصدقائهم عند الضرورة ولدى حكام العرب في صدام حسين ونورريغا امثلة مقلقة.
الحكام العرب أسلحة في ترسانة اسرائيل, مع الإضافة الصعبة وهي انهم يعيشون في ارض العدو, ارض العرب! أي ان موقفهم يشابه في خطورته موقف الجواسيس, دون ان تكون لهم جرأتهم وتمرنهم على العيش تحت الخطر.
والحقيقة ان الحكام العرب ليسوا فقط اسلحة اسرائيلية, بل اسلحة دمار شامل اسرائيلية. فالدمار الذي يتسببون به يصيب اعداداً ضخمة من الناس, تشمل الشعب كله, وتغطي مساحات واسعة, بل تغطي البلد كله, وهذا ما تعجز عنه اسلحة الدمار الشامل "التقليدية". ثم يمكن لهذه الأسلحة ان تنشر انفجارها بالضبط على حدود البلاد, او تتعداها الى جيرانها حسبما يرغب من يمتلك زر اطلاق الأسلحة.
و يمكن اعتبار هذه الأسلحة, اسلحة نووية "وسخة", بمعنى ان تأثير اشعاعها يبقى اجيالاً عديدة بعد استعمالها. ومن ناحية اخرى فهم اسلحة "نظيفة" بمعنى انها تدمر البشر دون اصابة المباني والمنشآت. ولا مناص من ان نعترف ان الحكام اسلحة اشد فتكاً من الأسلحة النووية, إذا قارنا نتائج ما احدثته المرة الوحيدة التي جربت بها الأسلحة النووية على البشر في اليابان, بما احدثه استعمال اسلحة الحكام العرب على العرب.
ومثل بعض الأسلحة الكيمياوية فأنها تصيب العدو (اي شعوبها) بالإحساس بالخوف الشديد, والشلل, وتتسبب في سيلان الكثير من الدموع. وكذلك تشابه الأسلحة البيولوجية في تسببها بالكثير من الأمراض المزمنة والحادة.
ليست اسلحة الحكام اسلحة رخيصة جداً, وتحتاج الى تحضير كثير, لكنها في النهاية فعالة جداً بالنسبة لكلفتها. فبمجرد تهيئتها, تقوم هذه الأسلحة عادة بإدامة نفسها وتستمر في الخدمة لفترة طويلة. ويأمل اصحابها ان تتمكن هذه الأسلحة من توريث اشعاعاتها الفتاكة الى ابنائها بعدها, لتستمر في عملها الى اجيال اخرى, لكن هذا الأمر لم ينجح على مستوى عام, ولا يزال هذا التنكيك تحت التجربة. ثم لاننسى ان مخلفات هذه الأسلحة ليست خطرة على الإطلاق ويكفي دفنها في مترين من الأرض بعمق متر واحد للتخلص منها نهائيا.
الى هذا هناك مزايا جانبية غريبة, ولكن هامة, اخرى للحكام العملاء. ففي حين ان استعمال قنبلتين نوويتين ضد مدينتين في اليابان كان ومازال مصدر خزي على الدولة التي استعملتها, فأن ميزة الحكام انك تستطيع ان تستعملها لتحطيم دول بكاملها دون ان يحملك التأريخ اية مسؤولية تذكر!
وهناك ظاهرة بشرية غريبة في تقييم استعمال هذه الأسلحة. فمن ناحية فأن ضحاياها يتصرفون كالمنومين مغناطيسياً. فكلما ضربتهم, نظروا اليها "بعتب" لا كأنها أسلحة موجهة ضدهم, بل كمنقذ لم يؤد واجبه في حمايتهم. فتجد العرب مثلاً, ولعلهم ليسوا الوحيدين في هذا, كلما ضربوا بقنبلة حكام, رفعوا ايديهم متسائلين: اين حكامنا العرب لينقذونا؟
والمتفرجين على المعركة لا يلقون اللوم على مستعمل هذه الأسلحة, بل على ضحاياها انفسهم! فإذا ضرب حاكم شعبه ضحكوا على هذا الشعب, وان تصرف بشكل غير لائق, او اجرم او سرق المال, وجهوا اللوم والإحتقار الى الشعب المسروق المقتول واستنكروا وحشيته (اي الشعب) في قتل نفسه وغيره! هذه الميزة يمكن استعمالها وقت السلم كما في وقت الحرب, فأن اردت الإساءة الى شعب لديك فيه مثل هذه الحكام فما عليك الا ان تجعلهم يقولون ما يسيء للبلاد.
بشكل عام, انها اسلحة الدمار الشامل الوحيدة التي يمكنك ان تستعملها بحرية دون ان تخشى محاسبة!
ليست هذه مقالة ساخرة بل انا جاد في ما اكتب. لقد جرت مناقشة اعتبار المقاطعات الإقتصادية اسلحة دمار شامل لما تنتجه من تدمير فعلي لدى من تستعمل ضدهم. فما يهمنا في النهاية ليس قوة صوت الإنفجارات او الرعب المتسبب من الشيء بل التأثير والنتيجة التدميرية لذلك الشيء.
قارنوا بين نتائج حرب إسرائيل هذه مع نتائج حروبها السابقة وستجدون فرق يصعب تفسيره بغير نظرية "اسلحة التدمير الشامل" هذه. ففي السابق واجهت إسرائيل جيوش عدة دول عربية معاً, فلم تصمد هذه اكثر من خمسة ايام, ثم سارت الدبابات الإسرائيلية بأقصى سرعتها لتحتل الأرض. اما هنا وأمام عصبة صغيرة لاتمتلك سلاحاً يستحق الذكر, في حين تطورت اسلحة اسرائيل بشكل حاسم, فقد عجزت هذه الدولة العسكرية العملاقة عن الحصول على اية ارض بعد ثلاث اسابيع من القتال الشرس, واصيبت ارضها باكثر مما اصابها في الماضي, في معركة قيل ان اسرائيل استعدت لها أكثر من اية معركة سابقة.
لم تكن الهزائم السابقة بسبب المقاتلين العرب الذين قاتلوا وأدوا واجبهم على اتم وجه في الماضي كما الآن. لايبق فرق إلا ان إسرائيل لم تتمكن من استخدام "الحكام العرب" في هذه المعركة, إلا اللهم لدعمها معنويا وسياسياً كما اسلفنا اعلاه. ورغم اهمية هذا الدعم, لكنه بلا شك يختلف جذرياً عن ان يكون هؤلاء الحكام متحكمين في الجيش والبلاد, ويقررون متى يهجم هذا ومتى يستسلم ذاك.
هل تظنون ان لدينا فرصة جيدة لإقناع كوفي عنان بتحريم "الحكام العرب" كأسلحة دمار شامل لمنع استخدامها لتصفية العرب العرقية كما يحدث اليوم؟
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟