|
حدود و امتدادات معركة حد السيف في ضوء المواقف الأممية
المهدي بوتمزين
كاتب مغربي
(Elmahdi Boutoumzine)
الحوار المتمدن-العدد: 6901 - 2021 / 5 / 17 - 23:16
المحور:
القضية الفلسطينية
أدَّى إصدرا قرار للمحكة العليا الإسرائلية ، القاضي بترحيل بعض العوائل الفلسطينية من حي الشيخ جراح إلى منطقة أخرى ، و إحلال مواطني الدولة العبرية محلهم ، إلى انتفاضة شعبية في الضفة ، كانت لها ارتدادات في باب دمشق (باب العمود) و المسجد الأقصى ، الذي شهد مواجهات بين الفلسطنيين من جهة و جنود الجيش الإسرائلي و المستوطنين من جانب اَخر .
إن هكذا حدث طارئ يمكن أن يكون القطرة التي تفيض الكأس ، ما يعطي لخط الأحداث دفقا جديدا و مدَّا طويلا ، حيث يكون عنصرا هاما ضمن منظومة متكاملة الجوانب و محددة الغايات . فهذا العنصر الفجائي يشكل جينوما قادرا على إبراز طفرات تنتقل من الداخل إلى الخارج ، ما يعطي للقضية أو المشهد فرصة للتدويل و العولمة ، و هذا هو الوضع الصحيح للقدس العربي الإسلامي الذي يتجاوز حدود المكان و الزمان و الإيمان و التقديس .
الإنتهاكات الإسرائلية في حق المسجد الأقصى و المصلين تطفو على السطح بين الفينة و الأخرى ، داخل مناط الإستعلاء و الفوقية و الإستبداد الذي يمتح من ضعف الأنظمة و الكيانات و تهلهل الجامعة العربية ، و يستقي قوته من دعم نظام أميركي يغوص في أحلام الترامبية الهوجاء ، و الذي خسر الرهان الإنتخابي أمام فكر الديمقراطيين ، الذين أمكنهم إعادة الإنسكاب داخل مؤسسات الدولة و صياغة رؤية موضوعية جديدة تلقاء الملفات المطروحة ؛ لاسيما القضية الفلسطينية ، بعيدا عن الهَنات و التخرُّصات .
كانت إحداثيات التوافقات بين الدول العربية و إسرائيل قبل معالم حد السيف ديكارتية أو كارتيزية ، حيث تقاطعت مواقف الدول العربية مع الدولة العبرية ، من خلال إعلان التطبيع و فتح مكاتب إتصال و إقامة رحلات جوية بين البلدين ، حتى كسرت حركة حماس هذا المشهد الرتيب ، بتنفيذ ضربات صاروخية استهدفت الداخل المحتل ؛ بعد رفض الجيش الإسرائلي الإنسحاب من المسجد الأقصى و إخلاء سبيل الموقوفين على خلفية الأحداث الجارية في حي الشيخ جراح و القدس . هذه التوطئة العسكرية التي مهدت لها كتائب القسام ؛ لم تكن صَدَفة فارغة ، بل رسائل ملغومة و واضحة ، مفادها أن المقاومة في غزة هي سيف و درع للقدس و الفلسطنيين ، و أن العربدة الإسرائلية و التاَمر الداخلي و الخارجي لا يمكنه خرط القتاد و الفصل بين الفلسطنيين جغرافيا أو بشريا أو حزبيا على أي نحو من الأنحاء .
الرد الإسرائلي لم يكن مفاجئا من حيث إعلان قرار الرد أو توقيته ؛ كما وسائله التي وُظفت فيها الطائرات الحربية التي تقصف المنشاَت المدنية ، لكن المعطى الذي لم يكن متوقعا في تقديري، هو استهداف الطيران الحربي و المسير ، بنك أهداف بشرية ، تمثل قيادات مهمة من الصف الأول و الخطوط الأساسية في بنية حركة حماس و ذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام . من بين العناصر التي تم اغتيالها، نجد قائد لواء مدينة غزة باسم يوسف و رئيس قسم التطوير و المشاريع في هيئة الإنتاج "جمال زبدة" .
كتائب القسام كشفت بدورها عن مقدراتها العسكرية ، عبر قصف عنيف استهدف عمق الدولة العبرية ، و الذي بلغ العاصمة تل أبيب ، عطفا على تطور الصناعة العسكرية التي تشهد تجديدا مستمرا , كان من بين مظاهرها الأخيرة , إدخال صاروخ جديد هو عياش 250" ، الذي يحمل شق من اسمه مداه الأقصى ، و توظيف طائرات مسيرة انتحارية من طراز "شهاب" ، و هو إنجاز استوط معه الوضع الداخلي في إسرائيل ، التي أدرك مواطنوها أنهم ليسوا في مأمن من رد الفعل الفلسطيني .
حدود المعركة الحالية حسب تحليلنا ، ستقتصر على تبادل الصواريخ بين الفصائل الفلسطينية و الضربات الجوية للطيران الإسرائلي ، أما الحديث عن حرب برية من مسافة صفرفأمر غير وارد . حيث من المتوقع أن تحاصر مدرعات الجيش الإسرائلي غلاف غزة ، و ذلك لإعتبارات تقييمية ، أهمها التفوق الكبير لعناصر الفصائل داخل القطاع ، الذين يتخندقون في الأنفاق التي تلعب دورا استراتجيا في المعارك ، و لا يمكن لرئيس الوزراء الإسرائلي بنيامين نتنياهو ، أن يقدم على خطوات غير مضمونة ،لأنه مازال يعاني من إخفاق فظيع في قضية الجنود الأسرى داخل غزة ، و من بينهم الجندي رون أراد و هدار غولدين .
التغول الإسرائلي إلى عمق غزة ، يقتضي بداية استعمال القوة الجوية كاملة لتدمير المنشاَت العسكرية و هدِّ الهيكلة التنظيمية و البنيوية للفصائل المقاتلة داخل القطاع؛ لاسيما حركتي حماس و الجهاد الإسلامي ، دون تجاهل إحتمال دعم ميداني غير مسبوق في هذه الحالة ، من طرف دول داعمة لمحور المقاومة ؛ لأن الحرب الشاملة ستختلف كليا عن الحرب المحدودة . و هذا ما يتطلب دعما دوليا لإسرائيل، و بيئة خاصة للعمل لم تتوفر إلى الاَن . إذن فالدخول إلى أعماق غزة يفرض حربا شاملة ، و التي ستتجاذب فيها أقطاب عديدة ضمن لعبة المصالح و التحالفات ، و توفير محيط إقليمي و دولي مناسب لذلك ، و الذي مازال في بدايته مع مشروع التطبيع أو اتفاقات أبراهام .
المواقف العربية و الدولية كانت إيجابية تجاه القدس و الفلسطنيين ، حيث اعتبرت الأمم المتحدة أن عملية الإخلاء القسري للفلسطنيين من حي الشيخ جراح قد ترقى إلى جرائم حرب" ، و دعت إلى تدبير عقلاني لفض التظاهرات ، و هو الموقف ذاته الذي عبرت عنه وزارة الخارجية الأميركية . رئيس الوزراء نتانياهو رفض الوساطات العربية و الدولية لتهدئة و تصفيف الأوضاع في القدس و غزة ، لأن له تقييماته الخاصة للأمور ، و التي يمكن أن تكون بعيدة عن الصواب السياسي ،و مستمدة من الرغبة في العلاج بالصدمة و هو ما يمكن أن يكون له أثر الكوبرا .
حزب الليكود اليميني يحاول تحقيق انتصار وهمي ، بزعم عملية برية وسط غزة ، قبل أن يذعن لاحقا للضغوطات الدولية و الرأي العالمي ، الذي يقف بين متعاطف مع غزة و من له مصالحه الحالية من التهدئة ، و هو الغرض نفسه بالنسبة لإسرائيل ، التي تحتاج لتهدئة الأوضاع الداخلية و منع حرب يكون طرفاها عرب الداخل و المستوطنين ، و الوصول إلى تسوية مع فصائل المقاومة في غزة ، و ذلك لسبب وجيه و هو إعطاء مسيرة التطبيع نفسا جديدا ، قبل أن تكشف الشعوب العربية حقيقة الدولة الإسرائلية ، التي تخفي خلف قناع التطبيع أقنوم الدولة الحقيقي الذي ظهر في مجازر "صبرا و شتيلا" و "دير ياسين و هلم جرا.
الفذلكات التي يمكن عرضها في هذا السياق ، هو حجم الإستعداد الذي تتمتع به الفصائل داخل قطاع غزة ، و التلاحم بين فصائل الغرفة المشتركة و بين سكان القطاع ، و يبقى لوحدة الظل كذراع استخباراتي بمعية الأجهزة الأمنية ، الكشف عن خيوط الإغتيالات الأخيرة التي طالت قيادات مهمة داخل الحركة في وقت قصير . في المقابل ستجد إسرائيل نفسها ملزمة بإيجاد بديل للقبة الحديدية التي لا يمكنها صد جميع الصواريخ ، التي باتت قادرة على ضرب تل أبيب و بقوة هي الأكبر .
إن هذا الجيل الفلسطيني حقا هو جيل الكرامة و الشجاعة إذا لم يكن جيل الملحمة و معركة التحرير الشاملة .
#المهدي_بوتمزين (هاشتاغ)
Elmahdi_Boutoumzine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المقاربة الأمنية ضد أساتذة أفواج الكرامة تنهي دعاية حقوق الإ
...
-
من صنعَ و ماذا يصنعُ حزب العدالة و التنمية المغربي ؟
-
الأستاذ عبد الكبير الصوصي العلوي .. و سؤال نزاهة و راهنيَّة
...
-
مدخل إلى المنطلقات الإصلاحية الوطنية الكبرى
-
«تنظيم الدولة» واستراتجية بناء القوة اللامركزية الجديدة
-
الفكر الخميني ميثاق للوحدة الدنيوية و الوحدانية الدينية
-
الأساتذة الوطنيون : الإدماج أو الطوفان
-
«القهر» كمفهوم أساسي في السياسة الداخلية للدول العربية
-
أكاديمية أبو غريب للبحوث الحيوانية
-
التطبيع مع العِبرية في اليوم العالمي للغة العربية
-
المغرب يتحدث لغة الواقع التوافقي في صفقة القرن
-
برقية عاجلة إلى مغاربة تندوف
-
سهام المقريني في ميزان العدالة المغربية
-
شارلي ايبدو : حرية التعبير أم حرية التدمير
-
عبد السلام ياسين من البودشيشية إلى الياسينية
-
غيفارية تندوف و سياسة الرباط
-
إحاطة بمهنة التعليم لمن غابت عنه حقيقة التدريس
-
أي بناء للرأسمال البشري في الدول العربية – المغرب نموذج - ؟
-
المملكة المغربية تحاور إسرائيل حضاريا
-
الدولة تسابق الزمن لبناء الوعي الجماعي
المزيد.....
-
ردًا على ترامب.. المكسيك في طريقها لفرض رسوم جمركية انتقامية
...
-
رئيسة المكسيك تحذر من عواقب وخيمة للرسوم الجمركية التي فرضته
...
-
شولتس يستبعد أي تعاون مع اليمينيين المتطرفين
-
تديره شركة إماراتية.. حقل غاز شمالي العراق يتعرض لهجوم دون إ
...
-
كندا والمكسيك.. ردة فعل انتقامية
-
عودة 300 -مرتزق روماني- من الكونغو بعد مشاركتهم في دعم الجيش
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تفجير مبان ومقتل عشرات المسلحين في الض
...
-
الخارجية الأمريكية: روبيو أبلغ الرئيس البنمي بأن ترامب لا ين
...
-
سيدة تلتقي بأطفالها لأول مرة منذ 6 أشهر بعد تحرير قريتها في
...
-
مينسك لا ترى أي مؤشرات لنشوب عدوان عليها
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|