أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الطائفة والدين















المزيد.....

الطائفة والدين


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6899 - 2021 / 5 / 15 - 22:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نجح مدونوا العقيدة في تقديم العقيدة المسيحية من خلال السرد التأريخي والإيمان بما كتبوا على تحويل هذه العقيدة على أنها طائفة من طوائف الدين اليهودي أكثر من كونها دين جديد له رؤيته الخاصة وأصوله المميزة، الطائفة في تعريفها هي جزء من منظومة دينية تشترك مع الدين الأصل الذي تفرعت منه بالكثير من الروابط والمفاهيم والأسس لكنها من جهة أخرى تخرج عليه أما بتفسير أو أضافة أو تخصيص في شيء من صلب العقيدة تميزها بملامح خاصة لكنها لا تحاول فك الأرتباط مع العقيدة الأم أو تقاطعه بما يجعلها شيء أخر مختلف تماما، ومن هذا التعريف المبسط نرى أن كل ما جاء بالعهد الجديد يعتمد بشكل أساسي على ما في العهد القديم من أسس تكوينية لا ينكرها بالتصريح المعلن ولكنه يلبسها لبوس عقدي مميز، بدأ من تأليه السيد المسيح مرورا في قضايا تتعلق بهذا الركن الأساسي وأنتهاء ببدعة الفداء والخلاص، ولو رفعنا هاتين القضيتين من معتقدات ما كتب بالعهد الجديد لا نجد خلافا واضحا بين العهدين أبدا.
إفراغ الرسالة العيسوية من مضمونها التوحيدي وتجريدها من القواعد الأسية التي تعزز من الإيمان بوحدانية الله وقوته وقدرته من خلال جعل النبي شريكا لله ومساويا في الجوهر معه، إنما أخرجت العقيدة المسيحية التي أرسل بها نبي الله عيسى لصالح مفاهيم وطقوس دخيلة ناقضت به دين بني إسرائيل ولم تنجح في تصحيحات مطلوبة على العقيدة القديمة وإكمال ما شابها من محدودية المقصد بأعتبارها دين فئة من الناس وليس رسالة لكل البشر، ومع كل ذلك يتمسك المسيحيون بمقولة أن العهد القديم وبالأخص الوصايا العشر هي جوهر عقيدتهم، هذا التخبط بين قبول العهد القديم ومحاولة دمجه بعقائد وأفكار دينية متعددة المصادر وما تأثرت به من ديانات وثنية تأريخية جعلها تتقوقع داخل مفهوم الطائفة وأنتزاع حقيقي لجوهر رسالة عيسى الداعية لوحدة الله ووحدة الإنسان، من خلال إيمان الفرد بأن الله رب الجميه وليس ربا مختارا أو يختار لنفسه شعبا دون أخر، إنها تكريس لدين بني إسرائيل الذي بعث به موسى وتلطيف في حدوده بفسحة أكبر بأستبدال شعب الله المختار بشعب مؤمن بالثالوث المقدس بدلا عنها.
تبدو المسألة للذين لا يفرقون بين كون المسيحية دين عالمي كوني له رسالة تتعدى التمجيد والتأليه الذي وصلت له نتيجة الانحرافات والتدخلات والتأثيرات الخارجية عنه، ودور اليهود الغير بريء في كل ذلك عن عمد وتقصد الغرض من هذا السعي إفشاله والإطاحة به قبل أن يكون قادرا على مزاحمة الدين اليهودي والحلول محله في بناء شخصية الإنسان المؤمن الحقيقي، وأيضا للتغطية على الانحرافات والتزييف والتبديل الذي مورس لاحقا بعد موسى ع والدليل نشوء وتعدد الطوائف المذهبية داخل كيان هذا الدين، لذا فالمتخصص والقارئ المحترف يعرف ماذا تعني عملية تحويل الدين الجديد إلى طائفة تعتمد في كل أسس بناء شخصيتها على دين جاءت بالأصل لتحرره من عوامل الضعف والخصخصة ليكون دينا عاما وأخلاقيا في المقدمة الأولى.
في الغالب وحسب دراسات علم الأديان المقارن نجد أن نشوء الطائفة الدينية يرجع لتأثيرات جغرافية وثقافية بين مختلف المجموعات، مما يؤدي إلى جنوح مجموعة معينة من معتنقي ديانة ما بأفكارهم بعيدًا عن المعتقدات الأساسية لهذا الدين، وبمرور الوقت يكتشف أعضاء ديانة ما أن أفكارهم التي يعتنقونها تختلف كثيرًا من ناحية الإلهيات والفلسفة والتعددية الدينية والأخلاقيات علاوة على الطقوس والشعائر الدينية، ونتيجة لذلك قد تنشأ العديد من الطوائف المختلفة داخل المجموعة الدينية الام أو المنسلخة عنها بنفس الاسباب والعلل بمرور الوقت تصبح الديانة الاساس مجموعة من الطوائف المتفرقة التي قد لا يجمعها حتى الاسم الاصلي أو العنوان العقيدي الاهم، وفي حالات أخرى قد تنشأ طوائف دينية أخرى بمنتهى السرعة سواء أكان ذلك نتيجة نزاع أو انشقاق ديني في داخل طائفة موجودة بالفعل، أو إذا اشترك مجموعة من الأفراد في شعور بنوع من الانتعاش الروحي أو نهضة روحية واختاروا أن يشكلوا طائفة جديدة بناء على هذه الأفكار أو المبادئ الجديدة.
من هذا الامر نستكشف جملة من القضايا المهمة التي نقدم لها اولا لنصل الى جوهر ومضمون المبحث منها:.
• إن العوامل الجغرافية والثقافات المحلية والإرث الفكري والديني لها دور مهم في نشأة الطائفة وتبلور أفكارها، فالمجتمعات التي تملك إرثا عاليا في مستوى الفاعلية الحضارية وعمق إيمان شعب هذا المجتمع بعقائده تلعب دورا مهما وبارزا في صياغة مشروع الطائفة، على العكس من المجتمعات التي لا تملك عمقا تاريخيا فيما يتعلق بالعقيدة والممارسة الحضارية تصعب لديها عوامل نشأة الطائفة، والدليل أن مجتمعات الحضارة القديمة هي الأكثر نشاطا في طاهرة الطوائف عن غيرها من المجتمعات التي تفد لها الاديان عبر القوة أو التبشير.
• من أهم أسباب نشأة الطائفة هو وجود حال من الرفض والتمرد المبني على عدم قابلية المجموعة الرافضة بالتسليم بجزئيات من أصول الدين الذي تنتمي له، الرفض هنا منبعه أما نفسي أو لا وعي ذاتي لا يسلم بالإيمان بهذه الجزئيات، وبالتالي يحاول أما لتطويعها أو تطويع التعامل معها من خلال اللجوء إلى أقرب مفهوم أو ممارسة إيمانية سابقة في عقيدته الأصل، هذا التحوير والتحويل سوف يتضخم كلما نجح في إيجاد حلول لمسائل القضايا المرفوضة عنده، وبتراكمها وأستسهال العمل بها تتحول إلى منظومة تنمو وتكبر لتخرج إيمان الفرد والمجموعة من شكله العام إلى شكل أخر قد يحتوي تناقضات أساسية مع الدين الأصل كما حدث مع نشأة اللوثرية في أمريكا* .
• من الأسباب الأخرى في نشأة الطوائف وجود شخصيات تأريخية ومحورية داخل مجموعة دينية تتميز هذه الشخصية بالقدرة على التحرك والتأثير شعبويا لكنها لا تلاقي نفس القدر والترحيب من المنظومة الدينية الحاكمة أو السلطة الأجتماعية والسياسية، وكلما كان تأثير هذه الشخصية أقوى ومباشر داخل المجتمع مع أمتلاكه القدرة على مس الثوابت الدينية التي تؤمن بها الجماعة يكون قادرا على جرها إلى مواقف تبدأ من التشكيك ثم الرفض ثم التكوين، لكن هنا العنوان ليس رفضا نفسيا أو عقليا لمبادئ الدين الام وإنما تتكون عملية الرفض نتيجة ردة فعل يقودها شخص ضد المجموعة **.
• أحينا تولد الطائفة نتيجة نزاعات شخصية لا علاقة بها بمواضيع الدين والعقيدة ولكن من خلال شخصنة بعض الرموز القيادية في الدين أو التي لها سلطة أجتماعية أو مالية أو حتى أجتماعية، تستعين ببعض الأفكار والإرهاصات التي تتذمر من هذا الصراع أو تنحاز لجهة ضد أخرى لتكوين ما يعرف بأسس وأفكار الطائفة، والتاريخ يحدثنا كثيرا عن مثل هذه الولادات التي لا تتأثر بعامل الزمن بقدر ما تتأثر بالحدث الأني والنزاعات الشخصية فقط.
• عادة ما يكمن الفرق بين الطائفية والتوظيف الطائفي نحو بلورة مفهوم حماية مصلحة لجماعة قد تكون هذه المصلحة لا علاقة لها بالدين أو العقيدة ولكنها تستخدم كذريعة لهذه الحماية، حيث يمكن أن تستخدم طبقة أو مجموعة بشرية هذه المعتقدات الموروثة والتي لا تتناسب مع الإيمان الجمعي داخل إطار وحدة الدين من أجل تحقيق مصالحها هي، وليس بالضرورة أن تكون هي حاملة لهذه المعتقدات أو مؤمن بها وهنا يتحقق ذلك في دفاع طبقة عن مصالحها ووجودها ضد طبقات أخرى أو ضد شرائح من الطبقة ذاتها، ولهذا ستكون الطائفية هي الميل الفعلي لكسر هذا التشكل عبر الشدّ نحو إعادة إنتاج المعتقدات القديمة وتقديمها بشكل مميز، وهذا الأمر لا يخص الأقليات الدينية فقط بل يخص الأكثرية التي تنشأ فيها فئات تشدّ إلى معتقدات تقادمت لكنها باقية في اللاوعي الجمعي المتأصل.
من هذه العوامل وقد تكون هناك أسباب أخرى لم نستطيع متابعتها بشكل منفصل نرى أن العقيدة المسيحية المعاصرة والتي قدمها العهد الجديد وما تلاه من أدبيات دينية لا تشكل دينا أخر عن اليهودية، بل تفرض علينا أن نعدها مجرد طائفة أخرى من طوائف اليهودية المتطورة عبر العامل الزمني والحضاري والخصيصة الأجتماعية الناشئة من لصراع بين ثقافة العهد القديم وواقع الحياة السياسية في ظل وجود ثقافة وسلطة يونانية مناقضة وصراع أجتماعي ونفسي وثقافي عانت منه المجموعة الدينية الجديدة التي كانت ضحية كل هذه الصراعات والتنازع والتناقض، فكيف نفسها وواقعها وأنصهرت في متون أزمة وصراع محتدم لتحمي نفسها أولا وتحاول أن تتخذ موقفا للنجاة منه عبر تلبية متطلبات وشروط الطائفة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت
*اللوثرية. عندما أبدى مارتن لوثر (Martin Luther) احتجاجه على الطقوس الكاثوليكية، اضطهد هو وأتباعه من قبل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية التي اتهمتهم بالهرطقة. وقد أدى هذا لنشأة كيانات مستقلة أطلق عليهم "اللوثريون" أو "البروتستانتيون" وبمرور الوقت، تجمعت المجموعات المختلفة الذين أطلقوا على أنفسهم لوثريين وبدأوا يمارسون طقوسًا متشابهة (القواعد الخمس, الكهنوت لكل المؤمنين) وقد كونت مجموعة هذه الكنائس عددًا من الطوائف التي تشترك في مدرسة فكرية مشتركة مرتبطة بهذه الطقوس. وحتى في يومنا هذا، هناك فروق أيديولوجية هائلة بين مختلف الطوائف اللوثرية، على الرغم من أنها قد تشترك في جانب أو آخر من هذه المعتقدات.
**هناك أحد الأمثلة في المسيحية وهي طوائف المينونايت وكنيسة الأشقاء (بالإنجليزية Church of the Brethren). تتشابه الطائفتان في معتقداتهما، ولكنهما متميزان لأن عقيدتيهما تأثرتا بالعديد من المؤسسين (مينو سيمونز (Menno Simons) وألكساندر ماك (Alexander Mack) على الترتيب). ويغلب على هاتين الفرقتين الطابع الإداري، وهناك العديد من أوجه التواصل والتشابه بينهما. ومنذ تأسيسها، انقسمت طائفة المينونايت إلى طوائف أصغر تنتمي للطائفة الأساسية، تبعًا لموقعها الجغرافي وأعرافها الاجتماعية ومعتقداتها الإلهية المختلفة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السرد الخيالي وأثره في القيمة التاريخية للعهد الجديد
- البحث عن يسوع أو عيسى التأريخي
- الخلاص والفداء فكرة بلا معنى
- ثورة إنسانوية
- الخلاض والفداء ح2
- الخلاض والفداء ح1
- الخطيئة الأولى واللعنة الأبدية
- ماذا يريد منا الله؟
- البناء القصصي في العهد الجديد
- من هو الاه؟.
- أنتصار الإنسان
- فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى _ ح3
- فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى _ ح2
- فكرة الفادي وعلاقتها بالخطيئة الأولى _ ح1
- محبة الجميع
- النداء الأخير
- عيسى عبد الله ورسوله
- صورة الله في سفر أيوب، الرب الذي يستكرهه الشيطان
- ذاتيات فردية
- عيسى أبن الله ح2


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الطائفة والدين