|
لمحة عن أمراض الرأسمالية السُّمِيَّةِ
مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب
(Mousab Kassem Azzawi)
الحوار المتمدن-العدد: 6899 - 2021 / 5 / 15 - 18:02
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
تعريب فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع لملخص محاضرة قدمها الطبيب مصعب قاسم عزاوي باللغة الإنجليزية في مركز التثقيف الصحي المستمر في لندن.
في عام 1900، كان من المتوقع أن يعيش الطفل المولود في العالم الصناعي حتى سن 45 إلى 50 عام. كان يموت واحد من كل ثلاثة أطفال قبل عيد ميلاده الأول. كانت جميع وفيات الأطفال تقريباً بسبب الأمراض المعدية، والتي يمكن الوقاية منها في الوقت الحاضر مثل الالتهاب الرئوي والزحار والكوليرا والجدري وحمى التيفوئيد والسعال الديكي والحصبة. في الواقع، كان معدل الوفيات (عدد الوفيات لكل 1,000 شخص سنوياً) في مدينة عالمية مثل باريس أو لندن في عام 1800 أعلى بمرتين مما هو عليه اليوم. علاوة على ذلك، في المتوسط، في 1800 كان من الممكن أن يتوقع الناس أن يعيشوا فقط حوالي نصف المدة التي يعيشونها اليوم. على وجه الدقة، عاش بعض الناس في ذلك الوقت حتى سن الشيخوخة، لكن العديد من الأطفال ماتوا في سن الرضاعة، وتوفي الأطفال أثناء الطفولة، والأمهات الصغيرات كن يتوفين أثناء الولادة. وبالتالي، كان متوسط العمر قصير نسبياً بالنسبة للمجتمع ككل. بدأ متوسط العمر المتوقع في الزيادة خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في العالم الصناعي، حيث شهدت المدن الكبرى تغيرات جذرية في بيئاتها أدت إلى تحسينات هائلة في الصحة. قام المهندسون ببناء الخزانات والقنوات لجلب المياه النظيفة للمدن. تم إنشاء أنظمة الصرف الصحي لإزالة النفايات. عملت مجالس المدينة تدريجياً من أجل ضمان حصول شعبها على طعام صحي وسكن لائق. بدأت السيطرة على الحشرات التي تنشر الأمراض. ساهمت هذه التغيرات البيئية في السيطرة على الكوليرا وحمى التيفوئيد والحمى الصفراء والسل وغيرها من الأمراض المعدية القديمة. في الواقع، بدأ معدل الوفيات في العالم المتقدم في الانخفاض بشكل مطرد بداية من سبعينيات القرن التاسع عشر. علاوة على ذلك، تحسنت الصحة العامة على الرغم من حقيقة أن أول مضاد حيوي بنسلين لم يتم اكتشافه لمدة 60 عاماً أخرى في عام 1928. العوامل الرئيسية الأخرى التي استمرت في خفض معدلات المرض والوفاة بين الأطفال في العقود الأخيرة في العالم المتقدم تشمل اللقاحات والمضادات الحيوية، وتحسين التغذية، والوقاية من الولادة المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة، وجميع التحسينات عالية التقنية في رعاية الأطفال المرضى نتيجة للتقدم في الطب الحديث. يمكن ملاحظة نفس التغييرات في الدول النامية، ولكن بحجم أصغر بسبب كثرة الصعوبات التي تواجهها المجتمعات في تلك الدول اقتصادياً وسياسياً. اليوم، لم تعد الأمراض القديمة مثل السل والحصبة والسعال الديكي وشلل الأطفال تقضي على الأطفال في جميع أنحاء العالم. ارتفع متوسط العمر المتوقع إلى ما يقرب من 80 عام في معظم الدول المتقدمة وانخفضت وفيات الرضع في تلك المجتمعات بنسبة 90٪ منذ عام 1900. وقد لوحظت اتجاهات صحية مماثلة في البلاد حيث تحركت الدول خلال مراحل التنمية نحو هواء أنظف وماء أنظف وغذاء آمن ومكافحة الأمراض المعدية. التحسينات مستمرة في الوقت الحاضر. مما لا شك فيه أن البيئة تتمتع بقوة هائلة في تشكيل الصحة والمرض لدى الأطفال وكذلك لدى البالغين، والتي ربما تم توجيهها في الاتجاه الخاطئ على مدى العقود القليلة الماضية، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مما أدى إلى حدوث مأساة كبيرة تمثلت في زيادة في العديد من الأمراض المستحدثة التي لم تكن معروفة من قبل. اليوم، لم تعد الأسباب الرئيسية لمرض الأطفال في الولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا وأوروبا الغربية أمراضاً معدية. على الرغم من التهديدات المستمرة لمرض السل والإيدز والعدوى الناشئة، مثل عدوى فيروس إيبولا وفيروس زيكا، إلا أن الأسباب الرئيسية للمرض والعجز والوفاة بين الأطفال في البلدان المتقدمة صناعياً في العالم اليوم هي الأمراض غير المعدية مثل الربو والسمنة وصعوبات التعلم والتوحد واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط والسكري. تضاعف انتشار الربو بين الأطفال في العالم المتقدم ثلاث مرات تقريباً، من 3.6٪ في عام 1980 إلى ما يقرب من 10٪ اليوم. أصبح الربو السبب الرئيسي لدخول الأطفال إلى المستشفى والتغيب عن المدرسة. تعتبر العيوب الخلقية الآن السبب الرئيسي لوفاة الرضع. تم الإبلاغ عن بعض العيوب الخلقية، مثل المبال التحتاني (تشوه الأعضاء التناسلية عند الأولاد) وانشقاق البطن الخلقي (عيب في جدار البطن حيث تبرز الأمعاء خارج الجسم)، بشكل كبير في جميع أنحاء العالم. يؤثر اضطراب طيف التوحد الآن على ما يقرب من 1 من كل 68 طفلاً في البلدان المتقدمة. يتم تشخيص اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD) في 14٪ من الأطفال في الدول المتقدمة، ثلثاهم يعانون أيضاً من إعاقة في التعلم. على سبيل المثال، تؤثر الاضطرابات النمائية للدماغ، بما في ذلك عسر القراءة والتخلف العقلي واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه واضطرابات طيف التوحد، على من 400,000 إلى 600,000 من أصل 4 ملايين طفل يولدون كل عام في الولايات المتحدة. اللوكيميا وسرطان الدماغ آخذان في الازدياد. بين سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، ارتفع معدل حالات الإصابة الجديدة بالسرطان لدى الأطفال بنسبة 40٪ في جميع أنحاء العالم. على الرغم من أن العلاجات الجديدة قد خفضت معدل الوفيات، إلا أن السرطان الآن هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الأطفال على المستوى الكوني. سرطان الخصية لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 30 عام، وهو مرض من المحتمل أن يكون نشأ أثناء حياة الجنين، قد تضاعف في الحدوث ويحدث في الأعمار الأصغر. داء السكري من النوع 2، المعروف سابقاً بمرض السكري الذي يصيب البالغين، لم يسبق له مثيل تقريباً في مرحلة الطفولة. الآن، مع زيادة السمنة لدى الأطفال، يتم تشخيص مرض السكري من النوع 2 بين الأطفال بوتيرة متزايدة وفي الأعمار الأصغر. هناك أدلة قوية ومتنامية على أن التعرض في البيئة للسموم و المواد الكيميائية الصنعية التي لم تكن موجودة في الطبيعة من قبل من الأسباب المهمة لهذه المشاكل الصحية عند الأطفال. لفهم هذه الأدلة، يصبح من المهم التعرف على التغييرات في المشهد الكيميائي في جميع أنحاء العالم والتي تزامنت مع التغيرات في حدوث مجموعة واسعة من الأمراض المستحدثة التي قد يستقيم تسميتها أمراض نمط الإنتاج الرأسمالي المعولم أو ما لا بد من تسميته الرأسمالية السمية Toxic Capitalism، والتي ستكون موضوع مناقشاتنا اللاحقة في محاضراتنا القادمة.
#مصعب_قاسم_عزاوي (هاشتاغ)
Mousab_Kassem_Azzawi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأكاديميون العاجيون واستنهاض المجتمع الذاوي
-
أسباب وأعراض سرطان البنكرياس
-
الموقع الوظيفي للمقهورين في منظار غيلان الهيمنة
-
ضبط المعرفة وتهشيم العقل البشري
-
نظرية المؤامرة
-
صناعة الإلهاء والتنفيس
-
أسباب وأعراض سرطان المريء
-
خطران مهولان يهددان صحة بني البشر
-
جهود مكافحة الفساد
-
أسباب وأعراض سرطان البلعوم
-
تحولات الرأسمالية بين آدم سميث واقتصاد السوق المتوحش
-
أسباب وأعراض الورم النخاعي (النقوي) المتعدد
-
صيرورة التكوين العقلي لشخصية الجلاد
-
صحة الإنسان في عصر علوم الجينوم (طب المورثات)
-
أس التعايش الوجودي بين عنف الإسلام السياسي والفئات المهيمنة
...
-
أسباب وأعراض سرطانات التجويف الفموي
-
ما هو نموذج الطب التكاملي الشخصي؟
-
بهلوانيات تورية الخطاب السياسي العالمي
-
في رثاء الراحلة نوال السعداوي
-
أسباب وأعراض سرطان الدم النخاعي المزمن
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2)
/ عبد الرحمان النوضة
-
دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج
/ توفيق أبو شومر
-
كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
كأس من عصير الأيام الجزء الثاني
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية
/ سعيد العليمى
-
الشجرة الارجوانيّة
/ بتول الفارس
المزيد.....
|