|
نهاية تولستوي بعد الاعتراف كأديب2 /2
داود السلمان
الحوار المتمدن-العدد: 6897 - 2021 / 5 / 13 - 15:00
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
فهو لا يثق بالعلم، بل يريد العودة الى الدين، معتقدا في ذات نفسه، أن الدين يعطي الاجوبة الناجعة التي لم يجب عليها العلم، وتولستوي لو عاش في القرن الواحد والعشرون ورأى ما ابدعته التكنولوجية اليوم في الصين واليابان والامريكان والروسيون والكوريون، لأنذهل واصيب بالدهشة، حيث أن الدين وقضاياه لا تصمد اليوم ازاء العلم والتكنولوجية والتقدم الهائل في الطب والعمران وسوى ذلك. "وفي خلال بحثي عن دائرة واحدة من المعرفة الإنسانية، ظفرت بعدد لا يُحصى من الإجابات التي تتعلق بموضوعات لم أسأل عنها: ظفرت بإجابات عن تركيب النجوم الكيمائي، وعن حركة الشمس نحو مجموعة هركيوليز، وعن أصل الأنواع وأصل الإنسان، وعن صور الذرات الأثيرية الخفيفة المتناهية في الصغر، ولكني في هذا الميدان من ميادين المعرفة لم أجد جوابًا عن سؤالي «ما معنى حياتي؟» غير هذا «إنما أنت ما تسميه «حياتك». أنت مجموعة من الذرات التي تماسكت عرضًا واتفاقًا، والتفاعل المتبادل بين هذه الذرات والتغيير الذي يطرأ عليها يُحدث فيك ما تسميه «حياتك»، وهذا التماسك يبقى فترة من الزمن، ثم يقف التفاعل بين الذرات فيقف ما تسميه «الحياة» فتنتهي بذلك كل مشاكلك، ما أنت إلا كتلة صغيرة من مادة ما اتحدت أجزاؤها عرضًا، هذه الكتلة الصغيرة تتخمر، وتُسمى الكتلة هذا التخمر «حياتها»، ثم تنحل الكتلة، فينتهي التخمر وتنتهي بذلك كل مشاكلك»، هذا ما يُجيب به الجانب الواضح من العلم، وهو لا يسعه إلا أن يجيب كذلك لو سار على مبادئه سيرًا دقيقًا". تولستوي يحن الى الماضي، ويعتبر أن الذين سبقونا هم افضل مننا، حتي عاشوا الحياة احسن مما نعيشها نحن، فهم عرفوا سر الحياة فعاشوها عيشة هانئة مطمئنة، بعيدة عن الصخب كما يعتقد. وهذا الكلام ذكرني بالكاتب مصطفى محمود، اذ كان له رأي اقرب الى هذا الرأي ذكره في بعض كتبه، ومنها كتابه "رحلتي من الشك الى الايمان". يقول تولستوي: "منذ أن دبت الحياة في الناس على صورة من الصور وجدوا للحياة معنى، وحيوا تلك الحياة التي تحدرت إليَّ، كل ما فيَّ وكل ما حولي - بدني وغير بدني - ثمرة لمعرفتهم بالحياة، وهذه الأداة الفكرية نفسها التي أتدبر بها هذه الحياة وأحكم عليها لم تكن من اختراعي بل من اختراعهم، ولقد وُلدت ونشأت وتعلمت بفضلهم، استخرجوا الحديد من باطن الأرض، وعلمونا قطع الغابات، واستأنسوا البقر والخيل، وعلمونا أن نزرع الحبوب، وأن نعيش مجتمعين، ونظموا حياتنا، وعلموني أن أفكر وأن أتكلم، وها أنا ذا — وأنا من إنتاجهم — وقد أمدوني بالطعام والشراب، وعلموني — وأنا أفكر بأفكارهم وألفاظهم — أجادل في أنهم عبث باطل! قلت لنفسي: «هناك نوع من الخطأ، ولقد ارتكبت خطأ كبيرًا بصورةٍ ما.» ثم انقضى وقت طويل قبل أن أستطيع الكشف عن موضع الخطأ". فهو إذن يبحث عن الله كما يقول، كأنه يريد أن يصبح متصوفا، فالمتصوفة يبحثون عن الله بحسب اقوالهم. لكنه يعتقد أن الله لا يمكن البرهنة عليه، كما استند الى كانت وشوبنهاور، ومع ذلك فهو مصرّ على البحث والتواصل للوصول الى حقيقة الله المخفية خلف سحاب الكون، ذلك الكون الشاسع، وباعتقاده إنه وجد ضالته. "وبرغم اقتناعي التام باستحالة البرهان على وجود الله (وقد بيَّن كانت أن هذا البرهان مستحيل، وفهمته تمام الفهم) كنت أبحث عن الله، وكنت آمل أن أجده، وتوجَّهت بالدعاء - مدفوعًا بالعادة القديمة - إلى ذلك الذي أبحث عنه ولم أجده، واستعدت في ذهني ما أدلى به كانْت وشوبنهور من حجج تدل على استحالة البرهان على وجود الله، وبدأت أحقق هذه الحجج وأنبذها، قلت لنفسي إن «السبب» ليس في نوعه فكرة كفكرة «الزمان» أو «المكان»، إن كنت موجودًا، إذن فلا بُدَّ لوجودي من سبب، ولا بُدَّ للأسباب من مسبب، وذلك السبب الأول هو ما يُسميه الناس «الله»، ووقفت قليلًا عند هذه الفكرة، وحاولت بكياني كله أن أعترف بوجود ذلك السبب، وما إن اعترفت بوجود قوة تملكني في قبضتها، حتى أحسست في الحال أني أستطيع أن أعيش، غير أني سألت نفسي: «ما ذلك السبب، أو تلك القوة؟ وكيف لي أن أفكر فيها؟ وما الذي يربطني بذلك الذي أسميه «الإله؟» ولم تطرأ لي سوى الإجابات المألوفة فقلت «هو الخالق والحافظ» غير أن هذا الجواب لم يقنعني وأحسست أني كنت أفقد في نفسي ما كنت أحتاج إليه في حياتي. ومع اعترافه بأن تعاليم الدين فيها حق وباطل، لكنه اصر على الرجوع الى الدين، معاهدا نفسه بأنه سيمسح التراب والغبار عن الحق المدفون تحت الباطل ليظهره للناس، بعد أن ازدادت قناعاته بذلك. "ولا شك عندي أن في تعاليم الدين شيئًا من الصدق. ولكني موقن كذلك أن بها شيئًا من الباطل، ولا بُدَّ لي أن أميز بين الحق والباطل، ولا بد لي أن أخلص هذا من ذاك، وأنا مقبل على هذا العمل، وسأبيِّن بعد ذلك ما وجدت بالتعاليم من باطل وما وجدت بها من حق وما وصلت إليه من نتائج، وأغلب الظن أني سأقوم بطبعها يومًا ما إن كانت تستحق ذلك وإن كان يريدها أي إنسان".
#داود_السلمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نهاية تولستوي بعد الاعتراف كأديب1 /2
-
الغزالي يفضّل الشرع على العقل!
-
قصة الجنس..دراسة علمية تاريخية
-
الغزالي إمام التكفير
-
العقل عند المعري1/ 2
-
العقل عند المعري2/ 2
-
علي شريعتي المفكر الثائر2/ 2
-
علي شريعتي المفكر الثائر1/ 2
-
شقشقة
-
نعم
-
هل الاسلام يحرّم الفنون الجميلة!؟
-
شذرات
-
سعدي الحلي صوت نشاز لخراب آخر
-
عبد الجبار الرفاعي وخزعل الماجدي
-
بعد طول انتظار
-
برهان البعرة وابتسامة ايمانويل كانت
-
من هو المثقف الديني الناقد؟
-
(غبار الهذيان) قصيدة داود السلمان.. رؤية انطباعية
-
غبار الهذيان
-
نداء البحر
المزيد.....
-
بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من
...
-
عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش
...
-
فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ
...
-
واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا
...
-
إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
-
هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
-
هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
-
-مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال
...
-
كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|