أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منسى موريس - هل تقدم الغرب بعد أن تخلى عن المسيحية ؟















المزيد.....

هل تقدم الغرب بعد أن تخلى عن المسيحية ؟


منسى موريس

الحوار المتمدن-العدد: 6893 - 2021 / 5 / 9 - 17:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هل تقدم الغرب بعد أن تخلى عن المسيحية؟ الكثير من غير المؤمنين بالمسيحية عامة و من المُلحدين واللادينيين خاصة سواء كانوا من طبقة الفلاسفة والعلماء أو حتى المثقفين يعتقدون أن الحضارة الغربية نهضت وتطورت وعرفت التنوير بعدما تخلت عن المسيحية وتحررت من سلطان الكنيسة وقاطعت كل فلسفتها وتراثها لأن الدين في نظرهم يتعارض مع قيم الحداثة والتنوير والتطور والعلم ويكرس للجهل والخرافة والتسلط والتعصب فكل الأديان خربت المجتمعات ودمرت العقول لذلك بدأت عملية التقدم عندما تخلى الغرب عن الدين.
وبغض النظر على أن المسيحية ليست دين يقوم على الفرائض والطقوس بل هى تجربة روحية بين الله والإنسان تقوم على أساس الحب وهذا ليس موضوعنا الآن لكن هل فعلاً تقدم الغرب بعد أن تخلى عن المسيحية؟ هل فعلاً لم تُساهم القيم المسيحية في بناء الحضارة الغربية؟ وهل المسيحية تتعارض مع قيم الحضارة والحداثة ؟ كل هذه الأسئلة علينا طرحها ومناقشتها بكل حيادية وموضوعية بدون إسهاب لأن هذا الموضوع لايمكن إختزاله في مقالة لكن يحتاج إلى كتاب بحياله وعلى قدر المُستطاع سوف أُسلط الضوء على بعض النقاط الهامة التي تساعدنا فى تفكيك هذا الموضوع حتى نصل إلى إجابات تتوافق مع الواقع التاريخى والسياق الحضارى للحضارة الغربية .
بعض النماذج من المُلحدين المعاصرين أمثال " ريتشارد دوكنز ، سام هاريس ، كريستوفر هيتشنز " يعتبرون الدين في العموم بمثابة فيروس خطير يهدد الحضارات البشرية ويضر بالإنسان ويسمم كل شيء في هذا العالم والكثير يردد هذه الأفكار الآن حتى من بعض الشباب المسيحيين الذين تركوا المسيحية في الشرق الأوسط وهذه النظرة ليست وليدة هذا العصر لكن لها جذور تاريخية قديمة لن نخوض فيها في هذا المقال لأن مقالنا يدور حول نقد هذه النظرة .
فى البداية التعميم هو من المغالطات المنطقية و التاريخية الكبرى ولكن في الحقيقة ليست كل الأديان خيرة بطعبها وقادرة على خلق مجتمعات وحضارات راقية حديثة وأيضاً ليست كل الأديان شريرة تسمم وتدمر كل شيء كما يقولون ومن يلقى نظرة على تاريخ الحضارات سيرى وبكل وضوح تأثير الدين الإيجابى أوالسلبى في وقت واحد وعلى سبيل المثال لا الحصر حضاراتنا المصرية القديمة كان الدين وفكرة الحياة الأخرى وعودة الروح فيها عنصر أساسى لقيامها وإبداعها العلمى والفنى والأخلاقى " فماعت" إلهة الأخلاق والحق والعدالة ساهمت بشكل كبير في بناء وتشكيل ضمير أجدادنا القدامى وكل المتاحف الأثرية الغنية بالجمال والإبداع والتي تعتبر من عجائب دنيانا هى إنعكاس للتصور الدينى القديم ، وفى المقابل نرى بعض الأديان الوحشية التي تقوم على القتل وعبادة الجنس والتضحية بالأطفال كذبائح لإرضاء الإله هي نموذج سىء بالفعل يسمم كل شىء فوضع كل الأديان في سلة واحدة يعد إنكاراً للتاريخ وقتلاً للموضوعية والحيادية العلمية فهذه هي أول مغالطة لأصحاب هذه النظرة التعميمية أما المغالطة الثانية لهؤلاء هى إختزالهم للمسيحية في الجانب الغربى فقط وهو موضوعنا الذى سنتحدث عنه في تضاعيف هذا المقال وإهمالهم لتاريخ المسيحية الإيجابى والحضارى فى مختلف بقاع العالم وعلى سبيل المثال لا الحصر " الحضارة المسيحية السريانية " فالمسيحيين السريان كانت لهم حضارة عالمية ساهمت في تطور العلوم والفلسفة والمنطق والطب والموسيقى وقد كتبت مقالاً مفصلاً عن إنجازات السريان الحضارية بعنوان " المسيحيون السريان وحضارتهم المنسية"(1) يمكن للقارىء الرجوع إليه ، فهؤلاء لانجدهم يذكرون مثل هذه النماذج الإيجابية التى تقوض رأيهم من الأساس بل يتجاهلونها تماماً وكأنها لم تكن يوماً.
وعلينا أن نفكك هذا الإشكال القائم بين المسيحية والحضارة الغربية على أسس قيام الحضارة الغربية وأسس المسيحية فالحضارة الغربية من أهم عوامل قيامها " العلمانية ، العلم ، حقوق الإنسان " فهل أسس المسيحية تتفق تماماً مع هذه العوامل أم تتناقض معها؟
أولاً العلمانية : Secularism"" أول من صك هذا المُصطلح هو "جورج هوليك1851 " وهى لم تنتج من فراغ ولم تأتى دفعة واحدة بل هي جاءت نتيجة تطور الفكر الإنسانى عبر قرون طويلة ونظر لها كبار الفلاسفة والمُفكرين في الحضارة الغربية وهي أفضل نموذج سياسى ناجح حتى الأن حيث أنها تضمن للإنسان حقوقه وعن العلمانية يقول الفيلسوف " سبينوزا " « ينتج الضرر للدين وللدولة إذا ما أعطى رجال الدين سُلطة سياسية في الدولة ولا ينشأ الإستقرار إلا بفصل السلطتين والحد من سلطة رجال الدين حتى يتفرغوا لأمور الدين»(2) ويعرف " الدكتور مراد وهبة " العلمانية على أنها « التفكير في النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق»(3)
والعلمانية في الحقيقة لم تكن منتوج إلحادى أو لادينى بل على العكس تماماً المسيحية هي من رسخت لهذا النظام بداية من قول المسيح " أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله " ومن كبار الفلاسفة الذين نظروا إلى العلمانية هو " جون لوك" الذى كان يناضل من أجل حرية الإنسان وحرية الضمير حيث كان يقول « إن التسامح بين أولئك الذين يعتقدون عقائد مختلفة في أمور الدين يتسق تماماً مع العهد الجديد الذى أتى به السيد المسيح ، كما يتمشى مع مقتضيات العقل الإنسانى الحق »(4) فالعامل الأول أي العلمانية لايتناقض أبدأ مع العقائد المسيحية بل المسيحية تدعم هذا العامل وهى من شجعته ودعمته .
ثانياً العلم : أصحاب نظرة الأديان تخرب العلوم وترسخ للخرافة والجهل يستدلون دائماً ببعض الأمثلة التي حدثت في تاريخ الكنيسة مثل " جاليلو"و قصة الخلق ونظرية التطور ويتخذون منها حججاً وأدلة لإثبات صحة رأيهم على أن المسيحية ضد العلم والعلماء ولكن فى واقع الأمر هذا إختزال بسيط ومخل للتاريخ وللرد على موضوع " جاليو" الرجل نفسه كان مسيحياً وكثير من رجال الدين المسيحيين دعموا نظرته العلمية الجديدة للكون لكن فئة من رجال الدين ومن أساتذة العلوم كانوا ضده لأن " جاليلو" كان ضد التصور الأرسطى للعالم القائل بمركزية الأرض فلماذا يتم ذكر بعض رجال الدين ومن ثم القفز وتصوير أن المسيحية ضد العلم وفى نفس الوقت نتجاهل العلماء الذين كانوا ضد جاليلو؟ أما الكلام بخصوص نظرية التطور فهم أيضاً يختزلون المسيحية في تيار واحد الذى يقرأ قصة الخلق قراءة حرفية لكنهم يتغافلون عن باقى التيارات التي تقرأ قصة الخلق على أنها قصة لها أغراض روحانية وليس المقصد من ورائها علوم طبيعية لأن الكتاب المقدس ليس كتاب علم وليس هدفه شرح كيف بدأ الكون من الناحية المادية لكنه هدفه الحقيقى شرح لماذا خلق الكون فهناك فرق بين النظرة العلمية والنظرة الوجودية التي تكشف عن هوية الله وهناك الكثير من العلماء والفلاسفة الذين يؤمنون بالتطور ويؤمنون بالمسيحية أيضاً .
ومن جهة تاريخية أخرى ففلسفة العصور الوسطى المسيحية التي صاغها كبار الفلاسفة المسيحيون أمثال " توما الأكوينى ، أوغسطين " ساعدت في التطور العلمى بشهادة عالم الرياضيات ومؤرخ العلم السير " الفرد وايتهد" حيث أن اللاهوت المسيحى في العصور الوسطى رسخ لفكرة وجود نظام في الطبيعة فكتب يقول «أن الإيمان بهذا الإفتراض مستوحى من إصرار العصور الوسطى على منطقية وجود الإله »(5 )
ومؤسس المنهج التجريبى وأبو العلم الحديث " فرانسيس بيكون" كان مسيحياً وكان يرى «أن الاختراعات هي ضروب من الخلق الجديد ، ومن المحاكاه للأعمال الإلهية »(6 ) وهناك الكثير والكثير من العلماء المسيحيين الذين أفادوا العالم أجمع بعلومهم وإكتشافاتهم فالقول بـأن المسيحية ضد العلوم وإعتبارها من ضمن الأديان التي تكرس للجهل والخرافة والتخلف هو قول يخالف التاريخ والحقيقة .
ثالثاً حقوق الإنسان : هذا العامل أحد أهم ما يميز الحضارة الغربية وتقريباً هو العامل الذى يدفع أغلب الناس للهجرة إلى المجتمع الغربى لأن حقوق الإنسان هي مصدر رئيس لبناء مستقبل الإنسان فلا وجود لمستقبل لحضارة تحتقر حقوق الإنسان ، وأصل المسيحية يقوم على أن الإنسان مخلوق على صورة الله ذكراً وأنثى ومن يقلل من حرية أو قيمة أي إنسان هو في الحقيقة يهين الله نفسه ومن لايحب كل البشر بمختلف عقائدهم فهو حسب المسيحية لايعرف الله لأن معرفة الله لابد وأن تتحقق في محبة كل البشر ومساعدتهم والتضحية من أجلهم نعم نختلف مع بعض الأفكار والمعتقدات لكن الإنسان هو كيان مقدس فالله يحب جميع البشر هذا الأصل المسيحي لايضر بحقوق الإنسان بل على العكس تماماً يؤكد عليها يُعطيها بُعداً روحانياً والكثير من المسيحيين دافعوا عن حقوق الإنسان عالمياً وحاربوا العنصرية " كشارل مالك ، وإليانور روزفلت " و" مارتن لوثر كينج " .
في الأخير لايمكننا التعميم والقول بأن المسيحية هى ديانة مثل باقى الأديان التي تحارب العلم والحضارة والحداثة لأن التاريخ يروى لنا عكس ذلك فالمسيحية كان لها تأثير بالغ في نهضة وتقدم الحضارة الغربية كما ساهم أيضاً التراث اليهودى والفلسفة اليونانية والقوانين الرومانية في بناء الحضارة الغربية.
ـــــــــــــــــــــــــــ
المراجع والمصادر :
1- منسى موريس " المسيحيون السريان وحضارتهم المنسية رابط المقال
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=702849
2- باروخ سبينوزا : رسالة في اللاهوت والسياسة ص(97) دار التنوير للنشر بيروت الطبعة الأولى 2005
3- مراد وهبة : مُلاك الحقيقة المُطلقة ص (29) مكتبة الأسرة 1999
4- جون لوك : رسالة في التسامح ص (23) المجلس الأعلى للثقافة مكتبة الإسكندرية الطبعة 1997
5- ستيفن ماير : توقيع في الخلية ص (193)
6- فرانسيس بيكون : الأورجانون الجديد ص (129)



#منسى_موريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهويد المسيح فى الكنيسة القبطية
- الله والحوذى والحصان
- أمور غريبة عن القديسين فى التراث القبطى
- الكنيسة وهويتها الحقيقية
- المسيحيون السريان وحضارتهم المنسية
- الكنيسة والترجمة
- الغرور المعرفى بين المؤمن والملحد
- صلاة لايصليها رجل الدين
- الله بين يوسف كرم وإيمانويل كانط
- العقل والوجود
- لماذا لم يرفع المسيح السيف ؟
- فلسفة القديس وفلسفة إبليس
- فلاسفة أهملناهم
- المرأة التى قتلناها
- مغالطات العقل القبطى
- نقد نظرية المؤامرة .
- دفاع عن الفلسفة .
- فك الترابط بين الإلحاد والتنوير
- النقد والإدانة فى الفكر الكنسي .
- شبهات حول العلمانية .


المزيد.....




- بايدن يعترف باستخدام كلمة -خاطئة- بشأن ترامب
- الجيش الاسرائيلي: رشقات صاروخية من لبنان اجتازت الحدود نحو ...
- ليبيا.. اكتشاف مقبرة جماعية جديدة في سرت (صور)
- صحيفة هنغارية: التقارير المتداولة حول محاولة اغتيال أوربان م ...
- نتنياهو متحدثا عن محاولة اغتيال ترامب: أخشى أن يحدث مثله في ...
- بايدن وترامب.. من القصف المتبادل للوحدة
- الجيش الروسي يدمر المدفعية البريطانية ذاتية الدفع -إيه أس 90 ...
- -اختراق شارع فيصل-.. بداية حراك شعبي في مصر أم حالة غضب فردي ...
- بعد إطلاق النار على ترامب.. بايدن يوضح ما قصده في -بؤرة الهد ...
- ترامب يختار السيناتور جي دي فانس لمنصب نائب الرئيس


المزيد.....

- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - منسى موريس - هل تقدم الغرب بعد أن تخلى عن المسيحية ؟