حسن مدن
الحوار المتمدن-العدد: 6891 - 2021 / 5 / 7 - 11:17
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لسنا بصدد الحديث عن الرواية الشهيرة لإميل حبيبي: «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل»، ونكاد نجزم أن حبيبي هو من اجترح فيه هذه المفردة غير المعروفة قبله، في توصيف شخصية بطل روايته، فهو سعيد وأبو النحس في آن واحد، ومن بعد هذه الرواية صارت هذه المفردة متداولة ليس عند الحديث عن أدب إميل حبيبي فقط، وإنما لتوصيف أحوال الناس حين يقعون في منتصف المسافة بين التفاؤل والتشاؤم.
كاتب أجنبي أطلق هذا الوصف على كاتب فلسطيني آخر، هو المفكر إدوارد سعيد، والكاتب الأجنبي الذي أطلق الوصف يدعى كريستوفر هيتشنر، واستعاره منه الناقد الفرنسي وأستاذ الأدب العام والمقارن إيف كلفارون الذي وضع كتاباً تعريفياً عن سعيد عنوانه «إدوارد سعيد - الانتفاضة الثقافية»، والشكر للمترجم المغربي محمد الجرطي الذي أتاح لنا ترجمة عربية له صدرت في مدينة طنجة بالمغرب.
يصف كلفارون، المفردة التي اجترحها إميل حبيبي في الجمع بين ميلي التشاؤم والتفاؤل ب «شبه الفلكورية»، لكنه لم يجد سواها في وصف النتاج الفكري لإدوارد سعيد الذي «يجمع، حسب رأيه، بين اليسر والعسر، بين المد والجزر، وبتعاقب الأمل واليأس».
ويطلق كلفارون على إدوارد سعيد وصف «المثقف الإعلامي»، لا بغية الانتقاص من قيمة إنتاجه أو من شخصه كما قد يتبادر إلى الذهن، وإنما العكس، لإبداء الإعجاب بأداء سعيد لدوره كمثقف، وهي الطريقة التي جعلت منه مؤهلاً «لإذكاء جذوة النقاش في شاشة التلفزيون ونشر أفكاره بشكل شاسع لدى جمهور عريض مثقف في الشتات، مهاجر عابر للقارات».
يلاحظ المؤلف أن أعمال سعيد ترتكز على استراتيجية التكرار بالمعنى المسرحي لأنه يختبر أفكاره وحججه على شاكلة ممثل يتمرن على دوره، ولكنه مرة أخرى لا يورد ذلك كمأخذ على إدوارد سعيد، لأنه يرى في طريقته هذه محاولة لإقناع جمهور عريض من القراء الذين غالباً ما يكونون أبعد عن مناصرة قضيته، أي القضية الفلسطينية.
من أوجه التكرار لدى سعيد التي قصدها المؤلف، قيامه بسرعة فائقة بنشر مقالاته العديدة ومحاضراته في كتب، كما تسمح المقابلات التي يجريها بإنتاج كتب جديدة، ويوظف ذلك دون كلل، ساخطاً من أجل أن تظل قضية فلسطين حاضرة، لا في الأوساط الأكاديمية والفكرية وحدها، وإنما لدى الرأي العام في الولايات المتحدة والغرب عامة.
وكان على إدوارد أن يدفع ضريبة ما يقوم به، حيث تعرض لهجوم وتهديدات، خاصة من عصبة الدفاع اليهودية الأمريكية التي وصفته في عام 1985 بالنازي.
#حسن_مدن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟