|
هل نحن بصحة جيدة
حازم كويي
الحوار المتمدن-العدد: 6889 - 2021 / 5 / 5 - 15:05
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إيريش فروم (هل نحن بصحة جيدة)
هذا هوعنوان فصل من كتاب أيريش فروم*، والمعنون (طرق الخروج من مجتمع مريض)والذي نُشر قبل ستة عقود،الذي يحتفظ براهنيته الى اليوم. لاتوجد فكرة شائعة مثل تلك التي نعيشها في العالم الغربي،نحن في القرن العشرين،حيث نتمتعُ بصحة جيدة للغاية،رغم أن الكثيرين في الحقيقة يعانون قليلاً أو كثيراً من أمراض عقلية،وبالكاد نشكُ وبشكل عام إن كان جيداً في حالة صحتنا العقلية. ونحن على يقين بتجاوز ذلك وتقديم أفضل أساليب الصحة النفسية لاجل أستمرار تحسن الصحة العقلية. وحين يتعلق الامر بالاضطرابات النفسية لدى الافراد،تلك التي نراها أحداثاً فردية ومن منظور ثقافتنا، يُفترض أنها صحية للغاية. هذه الحالات الفردية شائعة جداً،فهل يمكن حقاً أن نكون على يقين من أننا لسنا مُخطئين؟ بعض نُزلاء مستشفى الامراض العقلية مُقتنع،أن المتواجدين معه،لاعلاقة له بهم، كونه ليس مجنوناً. ولإلقاء نظرة على الحقائق وفق الطرق النفسية المُجربة والمُختبرة في مجتمعنا الغربي ومنذ مائة عام،فقد خلق العالم ثروة مادية ناجحة أكبر من أي مجتمع آخرفي تأريخ الجنس البشري. ومع ذلك شهدنا مقتل الملايين في مُنشأة نُسميها (الحرب)،تضمنت ثلاثة حروب كبرى في أعوام 1870،1914،1939،كان كل مشارك فيها، يؤمن إيماناً راسخاً بأنه يدافع ويقاتل من أجل شرفه،أو أن الله يقف في صفه،وهي حروب قاسية وسيئة وغير معقولة،يتوجب فيها تدمير الاعداء من أجل إنقاذ العالم من الشرور. لكن،بعد سنوات من الذبح المتبادل،أصبح أعداء الأمس أصدقاء،وأصدقاء الأمس هم أعدائنا،هذه المذابح تتجاوز أكبر الاكتشافات في مجال العلوم الطبيعية. ويجري تجاهل حقيقة،أن رجال الدولة هؤلاء،هُم من يشنونَ الحروب(المستعدين لنقل الشعوب الى الجنة)وهو ناتج عن التعاملات غير المعقولة والخاطئة مع مُوكليهم. بهذه النوبات الهدامة والشك بجنون العظمة،دعونا لانتصرف بشكل مختلف عن الجزء المتحضرمن الانسانية،وبما فعلته على مدى ثلاثة آلاف للسنوات الماضية من تأريخها،منذ 1500 عام قبل الميلاد وحتى عام 1860،التي تم فيها توقيع مالايقل عن ثمانية آلاف معاهدة سلام،كان يُفترض لكل منها أن تضمن السلام الابدي،ولكل منها أستغرق ما مُعدلهُ عامين. وحتى هذه الطريقة التي نتعامل فيها مع الشؤون الاقتصادية ليست أكثر تشجيعاً،رغم أن نظامنا الاقتصادي في الوقت الحالي يعمل بشكل جيد للغاية،(كما يُشير الى ذلك فروم)،لكنناجنباً الى جنب مع الكثيرين ولاسباب مختلفة نُنفق مليارات الدولارات سنوياً على صناعة الاسلحة،رغم أمكانية صناعة بدائل مفيدة ومطلوبة. 90% من السكان يستطيعون القراءة والكتابة،لدينا التلفزيون،الراديو،السينماوالصحف اليومية،وبدلاً من تقديم أفضل مايمكن من أعلانات عن الأدب والموسيقى،يجري حشر رؤوس الناس بالقمامة الارخص،التي تفتقر الى أية إشارة للواقع،أو مع التخيلات السادية،التي تجعل الجميع في منتصف الطريق،يخجل المتعلم فيها إعطاءها للصغير أو الكبير،كونها تُسمم العقل،ويظهراللاأخلاقي على الشاشة لتثقيف الناس وتطويرهم بأسم الحرية والمثالية. لدينا الآن ساعات عمل أقل من أوقات الفراغ مقارنة بما كان قبل 100 عام،والتي كان أسلافنا يحلمون به. لكن مايحدث هو أننا لانعرف ماذا نفعل بأوقات الفراغ الجديدة،معتبراً نفسه سعيداً،عندما ينتهي اليوم ليستقبل يوماً آخر،على أية حال لاحاجة الى الاستمرار في رسم هذه الصورة التي يعرفها الجميع. وحين يقوم شخص ما بذلك،فستكون لديه من المؤكد شكوك جدية بشأن صحته العقلية،مُدعياً وبصوت عالٍ،أنه لم يكن مُخطئاً،كون المرء يتصرف بحكمة حتى الآن، كي لاتكون صحة هذا التشخيص موضع شك. ولايزال العديد من الاطباء النفسيين وعلماء النفس يرفضون الاعتراف بذلك،قد لايتمتع المجتمع ككل بصحة جيدة بعد الآن بالادعاء، أن مشكلة الصحة العقلية في المجتمع تتعلق فقط بعدد من الافراد(غير المعدلين)وليس مع أمراض الحياة الطبيعية،خاصة مع علم أمراض المجتمع الغربي المعاصر،والمنتشرة في بلدان مختلفة من العالم الغربي،هي حقيقة مدهشة للغاية. ولاتتوفر بيانات للاجابة على سؤال،كم مرة تحدث الامراض العقلية في بلدان مختلفة في العالم الغربي؟ لكنه في المقابل توجد هناك أحصائيات مقارنة دقيقة حول الموارد المادية،التوظيف،معدلات المواليد والوفيات،أما مايخص الامراض العقلية فلا تتوفر معلومات كافية، وهناك بيانات دقيقة لبعض البلدان، مثل الولايات المتحدة والسويد، الا أنها تتعلق بالمرضى المقبولين في مستشفيات الامراض العقلية،والحقيقة أن أكثر من نصف مجموع (أسِرة المستشفيات في الولايات المتحدة في الخمسينات)التي أُثبتت فيها الاضطرابات النفسية،يُنفق عليها سنوياً أكثر من مليار دولار،وبتأكيد أنَ 17% من هؤلاء لايصلحون للخدمة العسكرية، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الامراض العقلية . هناك بيانات مقارنة وحيدة تعطي إشارة تقريبة عن الصحة العقلية،وهي عن حالات الانتحار والقتل وإدمان الكحول، تكمن أسبابها في عدم الاستقرار العقلي،وليس نتيجة الفقر المادي،عكس حالات الانتحار في البلدان الفقيرة، بمعدلات أدنى. ويسير الازدهار في أوربا جنباً الى جنب مع عدد تزايد حالات الانتحار بسبب الادمان على الكحول،ترجع أسبابه بلا شك الى أعراض عاطفية وعدم الاستقرار. كذلك ظهرت وبشكل لافت، أن حالات الانتحار في الدنماراك وسويسرا وفنلندة والسويد والولايات المتحدة أعلى منها عن بقية الدول الاوربية، كحالات مُقلقة وصعبة،وهي أشارة الى ضعف الصحة العقلية لدى السكان. لايعيش الانسان على الخبز وحده،الحديث هوعن فشل الحضارة في تلبية الاحتياجات العميقة للانسان وإرضاءه،لذا فإن من المناسب هو التعامل مع المشكلة العامة وعودة الحياة الى طبيعتها.
*أيريش فروم:عالم نفس في التحليل النفسي والاجتماعي وفيلسوف ألماني. أضطر الى ترك ألمانيا بعد أستلام النازية الحكم بقيادة هتلر،الى جنيف ومن ثم الى أمريكا،عمل استاذا في جامعاتهاوكذلك في المكسيك. حاز على العديد من الجوائز التكريمية العالمية.
ترجمة وأعداد:حازم كويي
#حازم_كويي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أميركا أولاً ،بوسائل أخرى
-
ماذا تعني الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين؟الجزء الثاني
-
ماذا تعني الاشتراكية في القرن الحادي والعشرين؟
-
150 عاماً على ميلاد أيقونة الثورة روزا لوكسمبورغ
-
لا نهاية للعنف، لماذا لايستطيع المجتمع البرجوازي أن يجلب الس
...
-
فكرة الشيوعية لدى ماركس والماركسية لاحقاً
-
المشاكل الخمس لمناقشة الاشتراكية اليوم/ إنغار سولتي
-
أمريكا :هل يفي الديمقراطيون بوعودهم
-
ماالذي يمكن توقعه من سياسة جو بايدن الخارجية
-
كيفية الوصول الى الاشتراكية؟/إنغار سولتي
-
الأزمة الايدولوجية للرأسمالية
-
من أجل أشتراكية القرن الحادي والعشرين
-
الفاشية :المفهوم والتطور
-
اليسار والفاشية
-
المانيا: من يتحمل التكاليف طويلة الاجل للازمة الاقتصادية بسب
...
-
فيروسات وادي السيليكون
-
كورونا وأزمة الليبرالية الجديدة
-
موت الليبرالية الجديدة
-
بيرني ساندرس - الاشتركية الديمقراطية ،الطريق الذي أدعوا له
-
سيناريوهات مستقبلنا بين الكارثة والامل
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|