|
الشرق المتوسطي على مشارف اللاارضوية؟
عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 6889 - 2021 / 5 / 5 - 14:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كان لابد مع صعود الغرب الحديث من ان تشيع اجمالا، بلاهات مفهومية مصدرها الظاهرة الصاعدة والغالبه على مستوى المعمورة، ومنها في منطقة الشرق المتوسطي، وبالذات منطقة احتشاد الأنماط المجتمعية، مصر، والجزيرة العربيه، والعراق، مع ساحل الشام، ماعرف في حينه باسم "عصر النهضة"، ومقابله في الجزيرة العربيه "استعادة النبوة في غير اوانها وخارج زمنها" المعروف بالسلفية، في حين وجدت ظاهرة عملية تطبيقية، كان لابد ان تبدو ضخمه ضمن محيطها، بما انها قامت داخل كيان كبير مساحة، عريق، وله موقع جغرافي حساس قبالة اوربا مع الرابط بين اسيا وافريقيا، ومكانة كانت قد تعززت ابان فترة الانهيار / الانقطاع التاريخي الثاني، المستمر من القرن الثالث عشر، بعد انهيار بغداد، ليتحول الى حد ما الى كيانيه بدل عن ضائع، او قيادة زمن الانقطاع وتوقف الدينامية، الامر الذي تكرس منذ الفاطميين والايوبيين، الى بعض المماليك. هذا عدا الميزة النموذجيه المصرية الأهم، كون هذا الموضع يتمتع بالكيانيه المجتمعية والانصهار المجتمعي ضمن الدولة، فمصر هي اعرق مجتمعية أحادية دولة في التاريخ، تكوينها ك (دولة/ امه) افتتاحي في التاريخ المجتمعي، ماقد وفر اليوم وفي العصر الحديث الأساس اللازم لاعتبار هذا المكان قابلا للتشبيه باوربا الحديثة، ان لم يجعل منها حتى صاحبة الإنجاز الأسبق في التاريخ على هذا الصعيد، وهو مايتعرض له الجغرافي المصري "جمال حمدان" معتبرا اياه اهم منجز تاريخي، بينما رآى طه حسين مرة ان "مصر جزء من اوربا" ومع توقف الاليات التاريخيه الشرق متوسطية المستمر منذ القرن الثالث عشر كحالة صعود وتشكل ضمن دورة من دورات المنطقة التاريخيه، والق المنجز الأوربي الضخم والهائل، الشامل على الصعد كافة، لم يكن متوقعا في حينه ان لا تظهر علامات توهم حداثي، تصل لحد التبشير الزائف ب "النهضة"، واكبت ظاهرة "محمد علي" وماترافق معه من مظاهر تفكرية، تعود الى الطهطاوي قبل جمال الافغاني ومحمد عبده، وماتبعهما من دعاوى اللحاق بالغرب او مضاهاته. وماتزال واقعة محمد علي الالباني تعتبر من قبيل العلامة على دخول المنطقة عالم الحداثة والعصر، لا كمناسبه تاثر، ونوع تجل يحتاج الى وقفه، والى تفحص، بل وكانه نوع من حضور المنجز الأوربي الحديث وانتقاله، فلم يجر مثلا النظر فيما اذا كانت البنية الكيانيه " الوطنيه" المصرية، قابله، او هي من نفس نوع الوطنيات "الحديثة" ام انها نوع وشكل كيانيه اخر، خاضع لحكم اليات أخرى مختلفة من حيث الأساس المحرك، والمترتبات والنتائج،بالاخص في ظل الحدث الأوربي وانعكاساته، من قبيل مثلا اجراء المقارنه بين "وطنيه" نهرية سكونيه اجترارية، ذات منجز وحيد وواحد تاسيسي، يفتقر الى الديناميات التي من شانها جعله قابلا للانتقال الى طور اعلى من " الوطنيه" الدينامية الانشطارية الطبقية كما حال اوربا. وماتزال النظرات المخصصة لمصر محمد علي، تتوقف دون ظاهرة التغيير او محاولة التغيير من اعلى، الامر الذي يطابق ويناسب خاصية مصر الأساسية، باعتبارها كيانا رقبته في الأعلى حيث مركز القرار، على تبدل القيمين عليه، وتواليهم، وتتابعهم على مر التاريخ، مع مكانه خاصة للجيش باعتباره الركيزة الأساس، والعمود الفقري للدولة البيروقراطية السكونية النهرية كما قامت بالاصل، وظلت على ماهي عليه، تحاكي شروط الملائمه الكلية للبيئة، والاشتراطات الإنتاجية النهرية لليد العاملة في الأرض، وعمودها الفقري النيل الذي يفيض كانما بحسب مايحلم الفلاح، متوافقا مع الدورة الزراعية، ومزيلا من امام المنتجين والعاملين في الأرض أية تحديات او منغصات، مايجعل من عملية قيام الدولة كاطار اعلى بمنتهى السلاسة الأقرب للبداهة، كما يجعل من الدولة الغالبة على المجتمع، والتي تحتوية وتتاله باعتبارها كينونته العليا الفرعونيه ابتداء، مقارنة على سبيل المثال بالحالة الرافدينيه حيث شروط الإنتاج المجافية، وحيث الحاكم والدولة وكيل ارضي للاله الأعلى، لم تلبث ان تصبح لها وبوجهها دولة سماوية مفارقة، قاعده فعلها رفع السلطة من الأرض وايكالها للمطلق الأعلى. ليست الوطنيه الاوربية "نهرية" توافقية بيئية إنتاجية، فهي بالاحرى نتاج فعل ديناميات تاريخيه انشطارية "طبقية"، متغيرة لاثابته واحادية كما في الحالة المصرية "النيلية" ابتداء ونهاية، والحالتان لا تتتشابهان على الاطلاق، ولاشي غير الوحدة الكيانيه الظاهرية يمكن ان تجمع بينهما، فالوطنيه الاوربية الحديثة هي منجز حصيلة تاريخيه وقفزة مجتمعية، لامنجز تاريخ ثابت لايتغير من البداية الى الوقت الحاضر، بما يجعل من مصر كما قال عنها المؤرخ هيرودوت بالفعل :"هبة النيل"،وبالمقارنه على الراهن، فان الوطنيه الاوربية الحديثة "برجوازية آلية"، بينما الوطنيه المصرية عائده الى عامل وحيد ثابت لايتغير منذ البداية، هو النيل، الذي هو قوة انتاج بنية كامله، ثابته وراسخه، لاتتغير الا بتغير أساسها. ليس هنالك بالطبع مايمكن ان يمنع التوهمات و أنواع التخيل التي قد تذهب ملاحظة حضور مايسمى البرجوازية المصرية، ومختلف المتغيرات الإنتاجية الحاصله اليوم بفعل وتحت ىقوة تاثير الظاهرة الراسمالية الاوربية، وقد توجد مثل هذه الطبقات، او مايمكن ان ينسب منها الى الحداثة المنقولة، الا ان مثل هذه الظواهر لم يحدث ان عولجت كظواهر مستجدة تحت وقع واثر الغرب وظاهرته من ناحية، والقاعدة التي هي منها ومحكومة لها، أي اذا ماكانت هنالك بالأحرى "برجوازية نيلية"، وجدت تحت طائلة المتغير الأوربي، وكيف يكون نوعها او طريقة حضورها، ناهيك عن أدائها من ضمن حزمة المكونات المجتمعية، ومايرافقها تقليديا وتاريخيا من فئات وطبقات وقوى اجتماعية، وقبل هذا وذاك، علاقة هذه بالأساس البنيوي للكيانيه الوطنيه هنا، ممثلة بالدولة وحضورها المركزي الحاسم. ليست مصر طبقية تكوينا تاريخيا لكي تنتج "طبقة برجوازية"، تصعد ابان مرحلة من مراحل التاريخ بعينها، فالكيانيه هنا هي بالاصل كيانيه دولة، موقعها حاسم مجتمعيا، الياتها نهرية اجترارية، ليس بمقدور البرجوازيه ان تخترقها او تحل محلها مفتعلة اليات وعناصرفعل مجتمعي لاوجود لها، الامر الحاصل والبارز الرئيسي في البنية المجتمعية، والسلوك الكياني والمجتمعي بمواجهة مختلف اشكال التفاعل الحديث. فالكيانيه الضخمه المصرية ظلت ل سبعين سنه تحت الاحتلال البريطاني، وانتهى الاحتلال بانقلاب قام به الجيش العمود الفقري للدولة، من دون ان يظهر خلال الاحتلال مايدل على حضور مصري مضاد، او دال على الاستقلالية الكيانيه، فضلا عن التناقض الكلي مع الطاريء الغربي كما كان عليه الحال في العراق كمثال ابتداء من ثورة العشرين، ومااقتضته وتطلبته من تغيير الطاريء الغربي لطبيعته، بحيث اضطر للانتقال الى شكل من الاستعمار لم يكن معروفا من قبل هو "الاستعمار الجديد" بالواسطة، عن طريق فبركة" حكومة من اهل البلاد تكون واجهة لابد منها لاستمرار النفوذ البريطاني في العراق، وهو مالم تثبت جدواه، وعاش وسط بحر من الرفض والانتفاضات المتوالية، وفي عزله مجتمعية تامة، الى ان سحق وجرى اكل رموزه في الشوارع بعد 38 عاما. هذا علما بان البرجوازية المصرية كانت اضخم بما لايقاس من البرجوازية العراقية، وكان لها حزبها الكبير، بينما لم يقم في وادي النيل حزب شيوعي له وزن او اثر، مقارنه بمناظره العراقي الذي يحتل فيه الحزب الشيوعي بين الثلاثينات وثورة 14 تموز 1958 موقع راس الحربة في التعبير الرافض المتلائم مع الظرف المستجد، من دون طبقة برجوازية، مايعكس في الدلاله اثر التكوين والبنيه التاريخيه، وتحوراتها خارج الطبقية ومفاهيم الايديلوجيا، ويقدم الجانب البنيوي التاريخي على الافتراضات الالحاقية التي تريد التماهي مع الحدث الأوربي، وتفرض الياته وقوانين حركته على واقع مغاير ومخالف له. واغرب مافي المنطوقين الحداثي الالحاقي بالغرب، والسلفي الوهابي خصوصا، ان كلا منهما يتوقف دون اخذ الكلية التاريخيه الكيانيه بالاعتبار، فالمنظور المصري الشامي لايضع الجزيرة العربيه ضمن اعتباراته، او يعتبرها موضوعا واجب المعالجة حداثيا ابان لحظة انعطاف كبرى واستثنائية، علما بان المنطقة ثبت انها وحده ابان مناسبة كبرى تاريخيه، هي الأقرب، واخر اشكال الحضور التاريخي، مع انطلاقة الدورة الثانيه في القرن السابع من الجزيرة العربية، ومااعقبها من صعود امبراطوري رافديني، نتج عن تحرير الفتح الجزيري للاليات العراقية المعطله لاسباب ذاتيه، وبفعل وطاة الاحتلال الفارسي. بالمقابل لم يكن متوقعا لمحمد بن عبد الوهاب ان يرى الى الظاهرة المصرية، او عموم الظاهرة الحداثية بناء على حكم الاشتراطات الواقعية، والظروف وتبدلها مابين اشتراطات الاحتلال الفارسي الروماني، التي انتجت بفعل وطاتها، القراءتين المسيحيه، والمحمدية، تعبيرا عن الخاصيات الابراهيميه البنيوية وردة فعل منطقة الاحتشاد الانماطي الثلاثي: الازدواجي الرافديني، ومجتمع الدولة الأحادي المصري، ومجتمع اللادولة الأحادي، بما هو قمة ومنطقة دينامية عليا، مقارنه بخلفية الإمبراطورية الرومانيه الأحادية الانشطارية الطبقية العبودية، وخلفية الإمبراطورية الفارسية العبودية الشرقية، وما استوجب ونتج عند نهاية حضورهما الطويل في المنطقة الشرق متوسطية، بتحولهما الى الابراهيميه، بالمسيحية غربا، والإسلام شرقا، وصولا الى الصين والهند. هل كانت المنطقة قد عاشت حاضرها، بتوهم انتسابها للغرب الحديث، او الإسلام الجزيري المنقضي، ومانتج عنه من دورة صعود حضاري في حينه، وحسب، ام ان الحاضر مر على هذا الجزء من العالم وهو ماخوذ في العمق لعمل آلياتة الغائبة عن الادراك، العائدة لبنيته التاريخه، وقد تغيرت كليا شروط مواجهتها لما سبق لها ان واجهته تاريخيا من قبل، بغض النظر عن توهمات الانتساب الى مايعرف بالغرب وحداثته ومعاصرته؟ ـ يتبع ـ
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الانسايوان- والطبيعة: مقاربتان عقليتان؟/4
-
-الانسايوان- والطبيعة: مقاربتان عقليتان؟/3
-
-الانسايوان- والطبيعه: مقاربتان عقليتان؟/2
-
-الانسايوان-والطبيعه:مقاربتان عقليتان؟
-
قصور العقل الغربي-حداثيا-؟/4
-
قصور العقل الغربي - حداثيا-؟/3
-
قصورالعقل الغربي -حداثيا-؟/2
-
قصور العقل الغربي -حداثيا-؟/1
-
ظاهرة قمامة التاريخ/7/ ملحق استطرادي2
-
ظاهرة -قمامة- التاريخ؟/6/ ملحق استطرادي1
-
الحزب الشيوعي وتخنيث الشعب العراقي؟/5*
-
الحزب الشيوعي وتخنيث الشعب العراقي؟/4
-
الحزب الشيوعي وتخنيث الشعب العراقي؟/3
-
الحزب الشيوعي وتخنيث الشعب العراقي؟/2
-
الحزب الشيوعي وتخنيث الشعب العراقي؟/1
-
بلاهات-يقظوية-و-حداثوية-العراق؟/ (2/2)
-
بلاهات-يقظوية-و-حداثوية- العراق؟*/(1/2)
-
الشيوعية ومسارات -قران العراق-؟ملحق4/ 16
-
الشيوعيه ومسارات-قرآن العراق-؟/ ملحق 3 / 15
-
الشيوعيه ومسارات-قرآن العراق-؟ ملحق 2/ 14
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|