|
كل يوم كتاب؛ عين المرآة
مهند طلال الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 6888 - 2021 / 5 / 4 - 16:40
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
#كل_يوم_كتاب عين المرآة ليانة بدر، رواية تقع على متن 410 صفحات من القطع المتوسط وهي من اصدارات دار شرقيات للنشر والتوزيع في القاهرة بطبعتها الاولى عام 2000.
الرواية تتناول احداث ووقائع حصار ومجزرة تل الزعتر في لبنان، وهي رواية غنية ومليئة بالاحداث والاوجاع، وعلى من يرغب في قرائتها ان يتحوط لذلك بالكثير من الدموع.
الرواية كتبت باسلوب سردي سلس وجميل وبعيد عن التكلف والتعقيد، وتبدأ احداث الرواية من خلال بطلتها عائشة حيث تأخذنا ليانة بسرد سلس وجميل لنشاهد المخيم بعيون الفتاة الحالمة "عائشة"، وتجعلنا نلتقط المفارقات بين الإنتقال الصادم بين حياة الدير و خشونة الحياة وصعوبتها في المخيم. وبالنتيجة فإننا نعيش احداث الرواية بعيون الفتاة ومن خلال الصوت النسائي المضحي والبطل والصابر على كل الصعوبات والمتحمل لكل انواع العذابات والمآسي، ومن خلال تلك العيون والاصوات نعيش بين العلاقات الاجتماعية للمخيم ونعيش الحصار والسقوط والألم ونشم رائحة الموت.
بطلة الرواية عائشة؛ تلك الفتاة ابنة مخيم تل الزعتر والتي يتم تربيتها في دار الكنيسة وتتلقى تعليمها وتربيتها على ايدي راهبات الكنيسة الى ان تقع حادثة الباص " مجزرة عين الرمانة" فيقرر اهل عائشة استدعائها واعادتها لحضنهم؛ كونه بعد هذه الحادثة اخذ الجميع يتلمس سير بقية الاحداث والى ماذا ستفضي الايام ...
تعود عائشة لبيتها وتبقى في عزلة ومنطوية عن اهلها لاسباب كثيرة مما ينعكس على صحتها وحالتها النفسية، الاب سكير والام تعمل شغالة في البيوت لدى المسيحيين، اضف الى ذلك التغييرات البنيوية والجسدية التي تطرأ على جسمها...
يتقدم لخطبتها حسن وتلح اسرتها بالموافقة ، تحاول عائشة الرفض فلا تستطيع، كانت متيمة بصديق العائلة جورج، وجورج لا يعرف عن ذلك شيئا، بل الانكى ان جورج هو سبب هذا العرس وهو الذي عرف الطرفين على بعضهما واخذ يلح على جميع الاطراف بالزواج.!
تتسارع الاحداث وتبدا الاشتباكات ومعها يبدا حصار المخيم، تتزوج عائشة من حسن وتحبل منه، ويتزوج جورج من هناء وتتداخل العلاقات وتتشابك مؤدية وظيفة اساسية بتقديم صورة عن طبيعة الحياة والعلاقات الاجتماعية في المخيم، من ضنك وعوز وعلاقات نسائية وتعليم وجهل وبؤس دون ان تغفل عن التطرق لصور النضال والتضحية واسترجاع صورة الوطن السليب وكل هذه الصور تخدم وتساهم في حبكة الرواية بشكل شيق.
في الحصار يستشهد حسن زوج عائشة وينضم الى اخيه فايز والى قافلة طويلة من الشهداء على هذا الدرب..في الحصار صور ومأسي حية تم التقاطها وتوظيفها بعناية في احداث الرواية كصعوبة الحصول على المياه والادوية والاطعمة.
تصل الرواية الى ذروتها عند استعراض حصار المخيم والمجازر التي ارتكبت بذلك اليوم، وتبلغ الرواية اوج ذروتها عند الخروج من المخيم للاطفال والنساء والختايرة وما رافق ذلك من اعمال قتل وتصفية يندى لها الجبين، وعلى الخط الموازي تنحبس الانفاس وتلهث مع المجموعات المقاتلة وهي تنسحب عبر الحبال والاودية ...
تنجح المجموعات الفدائية بالتسلل والخروج من المخيم ليلا، تستشهد هناء على الحاجز بعد موقف بطولي في مواجهة الانعزاليين من الكتائب والنمور وحراس الارز. وبالمقابل تنجح عائشة بالخروج وفي بطنها الجنين ابن الشهيد، وتترك عائلة الشهيد حسن وتعود لعائلتها وتتعهد بتربيته وان يبقى في حضنها وان تقوم على رعايته في اشارة لاهلها برفضها لما قاموا به بتركها لراهبات الكنيسة ليقمن برعايتها وتربيتها، وفي اشارة واضحة الى ان كل حي يعود لاصله عندما تختل الموازين.
وربما هذه الاشارة بالذات هي ما دفعت الكاتبة وعلى لسان بطلتها عائشة من طرح السؤال الموجع والمؤلم في الصفحة 400 حين تسائلت عائشة بقولها: اذا كان الموت موتا ، فلماذا لم يقبل الاهل ان يموتوا هناك، ولم ينتحروا حيث كانوا؟ لماذا اندفعوا وراء رعبهم الى ما يتصورونه حياة في الخارج؟ لماذا لم يعرفوا انهم سيواجهون ما يلقونه الان، بعد رحلة المرارة والتعب. افنوا اعمارهم في تأسيس حياة اولادهم ، وهاهو ما يلحق بهم ، لو كان لديهم ذرة من الحكمة لعرفوا ان كل ما سعوا من اجله هباء، وانه كان من الافضل ان يبقوا هناك. يعيشون او يموتون.
الرواية نسائية من الطراز الرفيع، فهي كتبت بقلم نسائي وبطلاتها جميعهن نساء، وتفاصيل الاحداث والوقائع برمتها نسائية، وهي اضافة واسهام جيد للاصوات النسائية الروائية وللشخصية النسوية الفلسطينية والعربية، فالكاتبة تهدف هنا الى ان يكتب التاريخ من خلال عيون النساء كي نرى تاريخ شعب كامل في بطولته وصراعاته وأشواقه للحياة، كون النساء هن من يتجرعن كأس الحزن والفقد والفجيعة في كل الاحوال، وهذا بالذات ما يفسره الحوار الدائر بين مجموعة من النسوة على ظهر الشاحنة التي نجحت بتخطي الحواجز وهن على متنها سالمات إلا من صور الاسى والمجزرة، هنا سنسمع اهات وانات وادعية وابتهالات ، لكنا ايضا في الصفحات 407-408 سنسمع كثيرا من الاصوات التي تشق ملابسها وتدعوا الله بقولها: اللهم باسم الله وبجاه الانبياء كلهم. لا تبارك لهم بسبب ما عملوه فينا. الهي، وانت جاهي، لا تنس الظالم.
#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل يوم كتاب؛ ابو علي شاهين مسيرة شعب
-
كل يوم كتاب؛ بيروت 1982
-
كل يوم كتاب؛ احلام بالحرية
-
كل يوم كتاب؛ قالت لنا القدس
-
كل يوم كتاب؛ لبنان آخر واطول حروب اسرائيل
-
كل يوم كتاب؛ الرفاعي رواية لجمال الغيطاني
-
كل يوم كتاب؛ حقل ارجوان رواية لحيدر حيدر
-
كل يوم كتاب؛ الحفار رواية لصالح مرسي
-
كل يوم كتاب؛ من أين يأتي الفدائيون؟
-
كل يوم كتاب؛ ابو جهاد الوزير امير الشهداء
-
كل يوم كتاب؛ ثلاثون عاما من العبث
-
كل يوم كتاب؛ العقيد ابو موسى يتكلم
-
كل يوم كتاب؛ يوميات طبيب في تل الزعتر
-
كل يوم كتاب؛ تل الزعتر الرمز والاسطورة
-
كل يوم كتاب؛ بابلو نيرودا
-
كل يوم كتاب؛ البحث عن كيان
-
كل يوم كتاب؛ من فيض الذاكرة
-
كل يوم كتاب؛ بحيرة وراء الريح
-
كل يوم كتاب؛ الجذور والتراب حوار مع محمد ابو ميزر
-
صاحب الصافرة والزمن الجميل 2-2
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|