أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زاغروس آمدي - (6) تأريض الإسلام















المزيد.....


(6) تأريض الإسلام


زاغروس آمدي
(Zagros Amedie)


الحوار المتمدن-العدد: 1632 - 2006 / 8 / 4 - 10:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لماذا البدء في تأريض القرآن؟
إن تأريض الإسلام بإبعاد صفة الألوهية عن النص الديني الذي هو القرآن، يفسح المجال للعقل الإسلامي بالإنطلاق في ممارسة نشاطه وعمله الطبيعي ، ويفتح أمامه آفاقاً واسعة ، ويساعده في الإنعتاق من القيود الوهمية التي تكبله ولاتسمح له بالقيام بوظيفته، إلا في حدود ضيقة جداً. إن هذا التضييق الديني للعقل أثَّر ويؤثّر سلباً وبشكل كبير ومفزع في القيام بدوره الطبيعي الذي يجب أن يقوم به، وبالتالي يؤدي إلى ضموره وإنكماشه وإنعزاله، ومن ثم بالضرورة إلى تخلفة وعجزه عن مسايرة الزمن. وهذا يدفع بالمجتمعات الإسلامية أكثر إلى مستنقعات الإنحطاط والتخلف لدرجة الغرق، والمدهش في الأمر أن الغريق العادي يخفف من حمله كي لايغرق أما الغريق المسلم فإن تمسكه بحمله يزداد كلما إزداد إنغماسه في الماء.إن تقييد حركة العقل ووضع خطوط حمراء كثيرة حوله، يدفعه إلى إرتكاب أفعال إنتقامية وإنتحار ذاتي أحياناً، كي لايتجاوز الحدود الموضوعة له.ويتمثل ذلك في التورم السرطاني الذي أصاب الإنتاج التراثي الإسلامي المتشابك ببعضه والمجتر لنفسه لدرجة أنها تعيق حركة التقدم الصبيعي للمجتمعات،ومما يدعم ماذهبت إليه أن أغلبية النخب الإسلامية العربية منها خاصة، ومن مختلف الإختصاصات العلمية والثقافية ومختلف الإتجاهات السياسية علمانية كانت أم دينية، ماتزال تعاني من وطأة هذه التراكمات التراثية، ومازال التعصب الديني يطغى على عقليتها، وماتزال تصر أن الإسلام هو الحل، رغم الإشكالية الكبيرة في الإختلاف في مضمون الإسلام عندهم، فمنهم من لايلحق وزر هذا التراث بالإسلام وبالقرآن، لكنه في الوقت نفسه يعجز عن تقديم تفسير أو تأويل جديد للإسلام والقرآن، ويحلم أن يعيش مثلما عاش محمد وأبوبكر وابن الخطاب وابن أبي سفيان، بل وتعتبر ذلك العصر رمزاً للإنسانية وقمة المثالية في التاريخ البشري على الإطلاق،لكنه ينسى أن ذلك المجد القديم قام على إستعمار شعوب أخرى، ولم يهبط إلى العرب من السماء، وينسى مارافق ذلك المجد من سفك للدماء وقتل وتدمير وتشريد للملايين من البشر وتفريق للملايين من الأسر أثناء الغزو العربي الإسلامي الخارجي. لذلك علينا أن لانستغرب عندما نرى أن أغلبية المفكرين العرب وأكاد أقول جميعهم ماتزال متشبثة ومتمسكة بقوة بقداسة القرآن الذي خاطب به محمد قوما عاشوا قبلنا في بيئة وظروف مختلفة كلياً عن ظروفنا الآن ، قرآنا نشأ أغلبه في جو غير سليم مفعم بالكراهية والحقد والقتل والسلب والنهب وإنتهاك الأعراض على الطريقة الجاهلية التي شرعها محمد قرآنياً في ظاهرة الفيء والإمات والسبايا، التي أباحت للمسلمين إمتلاك أموال وأطفال وبنات ونساء ونعاج وبعير المشركين كأملاك خاصة يفعلون بها مايشاؤون كالبيع وممارسة الجنس معهم دون زواج وغير ذلك..هذه الغنائم التي كانت الدافع الأساسي ـ كما أشرت ـ التي دفعت بأتباع محمد إلى خوض هذه المعارك والحروب التي استمرت طيلة ثمان سنوات أخضع فيها محمد العرب إلى إعتناق الإسلام كرهاً بحد السيف. وقد بلغت عدد الغزوات أكثر من سبعين غزوة، قاد منها محمد بنفسه سبعاً وعشرين غزوة تحت شعار: "يامنصور أمت" أو "أمت أمت"[1]. وكان من الطبيعي أن تؤثر هذه الأجواء الغير طبيعية في الوحي المحمدي، الذي تعرض للتغيير والتبديل ،ولولا حصول هذا التغيير الإضطراري المتواصل والدينامكية المرنة في الوحي القرآني المحمدي، لما أصاب محمد وأتباعه من النجاح ما اصابوا. هذا التغيير المتواصل يعتبر من أهم العناصر في نجاح الدعوة المحمدية وإنتصارها، وغياب هذا العنصر بموت محمد كان لابد أن يزحف الصدأ ويصيب الآلة الأسلامية ويؤدي إلى تعطيبها وتوقفها بعد فترة. وقد كان "الرجل الأعظم" يدرك تماماً ضرورة التغيير في القرآن بعد موته،ولذلك تردد كثيرا في أمر جمع القرآن، ومات ولم يأمر بذلك ،كما نهى الناس عن تجميع أحاديثه أيضاً، كي لايضع بين إيدي الناس نصاً يتحول لامحالة بفعل الزمن إلى نص متحجر، يتحول من نعمة إلى نقمة، كما حصل فعلاً، فبعد أن كان القرآن عامل وحدة وتجميع أصبح ببعد فترة قصيرة من وفاته عامل تشتيت وتفريق، وبعد أن كان عامل نمو وتطور تحول إلى عامل تخلف وإنحطاط، وبعد أن كان سببا للإيمان تحول عند كثير من الجماعات والفرق الإسلامية إلى سلاح لتكفير المسلمين. ولاشك أن رحيل صاحب الرسالة من هذه الدنيا ترك فراغاً كبيراً عند المسلمين،فبعد موته لم يجد العرب من يلجؤون إليه عند كل محنة جديدة بظرفها الجديد ليسألونه حلاً لها، وبذلك أصبحت أعمال محمد وأفعاله وأحاديثه وقرآنه المصادر الأساسية للمسلمين، وأصبح المسلمين في مغارب الأرض ومشارقها بإعتمادهم على هذه المصادر،يستقون مادة حياتهم من تلك اللحظة الزمنية التي عاشها هذا الرجل الكبير ومن ذلك المكان، هذا المكان وذلك الزمان اللذان ارتبطا بحياته، لكنهما أصبحا جزء من السكون وجزء من العدم، وبالتالي صار المسلمون بدورهم مرتبطين بهذا السكون وهذا العدم عن طريق تمسكهم وتشبثهم بالقرآن ، ومع أن رجال الدين المسلمين العرب وغير العرب والمفكرين المسلمين والعرب منهم خاصةً، من أكثر من يعلم بنسبية النص الديني وأكثر من يعلم مايحتوي هذا النص الإلهي من أخطاء وعيوب وفجوات وتناقضات وإختلافات، والمفارقة الكبرى هنا أنهم من أكثر من يزعم بأن هذا القرآن هو نص إلهي مقدس ومطلق ،أنزله الله على محمد من فوق سبع سموات طباق بإخراج اسطوري مثير ومدهش، يصلح عرضه كفيلم على أطفال تحت السابعة من عمرهم. مثلما تعرض بعض الأساطير والخرافات والحكايات الخيالية المثيرة الأخرى، والأغرب من ذلك أن رجال الدين الإسلامي وأغلبية النخبة العربية المسلمة تشيع أن القرآن بالإضافة إلى كونه كتاباً دينياً مقدساً مطلقاً، تعتبره أيضا كتاباً علمياً فيه من الطب والفلك والفيزياء وعلم الأرض وسائر العلوم الأخرى ،لمجرد وجود بعض الإشارات البسيطة إلى بعض الظواهر التي كانت معروفة قبل محمد بمئات السنين ، ويستهلكون آلاف الأطنان من الورق لترويج ذلك،معتقدين أنهم يحسنون صنعاً، وإن دل هذا النشاط العبثي على شيء فإنه أول مايدل عليه هو ضعف إعتقادهم بالوهية القرآن،ثم أن الله الذي على فرض أنه أنزل هذا الكتاب ما كان بعاجز أن يثبت للناس أجمع نسب هذا الكتاب لنفسه، وما كان في حاجة إلى بهلول أوزغلول من الناس ليساعده في ذلك، ومن الصعب أن نستوعب أن يعجز إلهاً بالمواصفات الهائلة والقاهرة كالتي ذكرها القرآن عن إثبات نسب كتاب له،في حين لايعجز أضعف كاتب على هذه الغبراء من إثبات نسب كتاب له. وهذا يؤكد لنا أن هؤلاء السذج الذين يساعدون الله لبيان نسب القرآن لله يخدعون ليس فقط أنفسهم بل يخدعون أكثر من مليار مسلم، ليزدادوا تمسكاً وتعصباً للقرآن ، وبالتالي إبقاءهم متخلفين، مسرورين بتعصبهم وبجهلهم ونزعاتهم السقيمة، وهذا العمل في حقيقته ليس إلا رد فعل منعكس من أنفس هؤلاء لإقناع أنفسهم بقيمة وصحة ما ورثوه من تاريخهم، وهم بذلك يدينون الله ونبيهم محمد من حيث لايدرون، لأنه لو كان القرآن كتاباً علمياً كما يزعمون ، كيف نزل إذن على قوم صم بكم عمي لايفقهون شيئاً؟ وطلب منهم أن يفقهوه ويؤمنوا به ، أليس جريمة كبرى أن تفرض على إنسان جاهل لايفقه الحرف أن يستوعب ويفهم ويؤمن بهذه العلوم كلها وهو لايقدر على فك الخط ، وإن لم يفعل فجزاؤه ضرب رقبته ، فأي إله هذا وأي نبي هذا الذي يرتكب مثل هذه الحماقة؟. تماما كأن نلقي بكتب العلوم المختلفة أمام الأطفال ونطلب منهم أن يفقهوها وإلا فالعقاب والضرب لهم بالمرصاد. إن ما يقوم به هؤلاء السادة من إظهار لإعجاز القرآن،والتي أصبحت تجارة رأئجة هذه الأيام، ماهو إلا زيادة في تشديد البراغي في القيود التي تكبل العقل المسلم، وبالتالي بقاؤه في مستنقع التخلف وهو راض ومفتخر ومسرور. وإذا كانت النخبة الإسلامية تجعل من الخرافات والأساطير وبعض الأشارات الخفيفة والبسيطة إلى بعض العلوم، وبعض الحكم التي تفتق ذهن محمد بها، وجمعها كلها في كتاب على مدى ثلاث وعشرين سنة، كتاباً مقدساً علمياً، فما بال عامة المسلمين إذن ؟ ثم إذا كان كل كتاب يحوي ثمة أشارات إلى بعض حقائق الكون تجعل منه كتاباً إلهياً مقدساً، فبماذا يمكن أن نصف تلك الكتب التي حوت ليس مجرد إشارات بسيطة بل نظريات وحقائق علمية مع إثباتاتها ككتب أرخميدس وأبقراط وأرسطو وغيرهم الذين عاشوا قبل محمد بمئات السنين ؟ ناهيك عن العلماء الذين اكتشفوا بعض الحقائق الكونية، أو الذين أخترعو الأدوية التي خلصت البشرية من الأوبئة القاتلة.

إن إعتبار المسلمين للقرآن بأنه نص إلهي مقدس شامل لكل شيء "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء"،وإلى جانبه الحديث المحمدي الضخم والإشكالي ، يضفي على القوانين والشرائع التي تستمد من هذين المصدرين هالة من القداسة والصرامة في التقيد والإلتزام التام بها، كما يجعل من "الثبات" صفة ملازمة لهذه الشرائع التي تتحكم في إدارة شؤون الحياة الإسلامية بكل مناحيها، ابتداءً من الإجتماع والسياسة والأقتصاد والعلوم وإنتهاءَ بأصغر وأتفه شأن من شؤون الحياة اليومية مثل ما إذا كان يجوز للمسلم أن يلعب كرة القدم بشرط قصير؟ وهل يجوز للمرأة المسلمة مشاهدة مباريات كرة القدم وغيرها في الملاعب الرياضية أو على شاشات التلفزيون؟.

إن الإيديولوجية المحمدية الشمولية إيديولوجية فريدة من نوعها ولا يمكن مقارنتها بأية أيديولوجية أخرى أرضية كانت أوسماوية، لسبب مهم جداً وهو أن محمد بنفسه كان المفكر المبدع والمنفذ المطبق لها في آن واحد. وهذا ماوفر له مرونة عالية في التحكم بالنصوص وتغييرها لدرجة كبيرة بحيث كانت له القدرة على إلغاء مالاينسجم مع المستجدات والمتطلبات والمقتضيات المتغيرة التي كانت تعترضه دون إعتراض من أحد، وبذلك حد كثيراً من الخلافات بين المسلمين، ووفر آلية دينامكية مرنة في التعامل مع الأحداث ،ولاشك أن هذا ساعد على نجاح دعوته كثيراً، لكنه غفل عن ناحية هامة جداً وهي أنه سد الطريق أمام المسلمين لأي تغيير ضروري ونافع في هذه النصوص التي كان يغييرها هو بنفسه بإستمرار وقت الحاجة في حياته كما أشرت إلى ذلك قبل قليل. وبذلك حاصر المسلمين ضمن أسوار وحدود مقدسة غير قابلة للإختراق، لأنه أورث المسلمين كتاباً محنطاً ومتحجراً، لا يسمح للعقل بالتفكر والتدبر خارج آياته، واقتصر التأويل في مجال الغيبيات وبضوابط صارمة وحدد للإجتهاد حدوداً لايجوز تجاوزها، إلى آخر القيود والحدود التي سوَّر بها العقل، مما حدا بالعقل المسلم ـ بعد فترة من التوهج القصير بفعل استعمار الشعوب والتلاقح بالحضارات الأجنبية كالفارسية واليونانية والهندية ـ إلى الضمور والإضمحلال والتقوقع والإنعزالية وعدم التفاعل والتعاون مع الآخر وعدم الإعتراف به. حتى إن تأخر دخول المطبعة ديار الإسلام استمر أكثر من قرنين ونصف القرن لتلك الأسباب[2].

أن إضفاء النسب الإلهي لنصوص القرآن جعلت منها نصوصاً صلدة وصلبة غير قابلة للمرونة والتغيير، وبذلك ثبتت هذه النصوص وتحجرت وفقدت تماشيها السابق في حياة محمد مع التغيرات الزمنية الطبيعية المتتالية، وبذلك أبقى هذا البيان القرآني الشعوب الإسلامية في حالة نوسان مملة لانهائية في مجال محدد وضيق،لعدم إمكانية هذا البيان مسايرة الزمن المتغير دائماً والتوافق مع مستجداته، مما تسبب في إنحطاط مستمر للشعوب الإسلامية، وليس من العجب أن نجد أن أقوى الإتجاهات الحالية السائدة في الساحة الإسلامية ،هي الحركات الإسلامية الإصولية بتعدد درجاتها، وخلفها مايسمى بالإسلام المعتدل ،المطالبة بالعودة إلى عصر الخلافة الراشدة، لأن الإسلام يدفع أصحابه إلى العيش في عمق التاريخ، بفعل العسف الديني الذي يلف بحباله حول رقاب المسلمين، بحيث لايمكن لهم تجاوز الحدود الموضوعة لهم، مثلهم في ذلك كمثل الناقة العقول بجذع نخلة لاتستطيع الحراك أكثر من طول الحبل الذي حدده له صاحبها. ولتقويض هذا العسف الديني لابد من تأريض هذا النص الديني حتى يتم وقاية العقل المسلم من العسف الديني نتيجة إمداده المتواصل ببيان النص القرآني، وذلك بالكشف عن زيف إرتباط هذا البيان القرآني بالسماء بأي شكل من الأشكال. وذلك بالتركيز على الحلقات الضعيفة في سلسلة حبالها المتدلية من السماء, وليس أسهل من تحقيق ذلك فالقرآن مثلاً ـ ناهيك عن الأحاديث ـ يطفح بالآيات والسور التي يقدر على دحضها الأطفال الصغار لو سمحنا لهم بذلك، فالعفاريت والجن والشياطين صارت بنظر الكثير من أطفال اليوم مجرد أشباح وهمية ، لكننا بالضغط عليهم وبالخوف نجعلهم يصدقون حقيقة وجود هذه الكائنات الوهمية ونملأ رؤوسهم بالخرافات والأساطير والقصص المستمدة من القرآن لنجعلهم يؤمنون بأن هذا القرآن نزل من السماء وهو كلام الله، وبالتالي نعيدهم إلى الوراء قرونا طويلة بسلخلهم عن عصرهم الحالي ونروي لهم بشغف وحماس كبيرين قصص معارك وغزوات المنصور "خاتم الأنبياء والرسل" وأصحابه ضد المشركين، ونقرأ على مسامعهم آيات القرآن التي تروي الأساطير على أنها حقائق علمية كحديث سليمان مع الهدهد ، ونقل العفريت الجني عرش بلقيس ملكة سبأ من اليمن إلى أورشليم بطرفة عين، وسماع سليمان حديث النمل، ثم نصور لهم الخلافة الراشدة بأنها قمة التطور والحضارة والإنسانية، ونحكي لهم عن مزايا العتيق ابن أبي قحافة والفاروق ابن الخطاب الذي سار من المدينة عاصمة الخلافة إلى دمشق راكباً حماراً، وبعد أن نرسخ في عقولهم تلك الصور بإعتبارها المثل العليا، ثم نلومهم لماذا لايفكروا بأن يصنعوا طائرة او سيارة. إن تحميل خيال الطفل في سنينه الأولى التي تعتبر المرحلة الحاسمة في تكوين شخصية الطفل بتصورات بدائية عن زمن الخلافة الراشدة، وترديد النص القرآني الذي كتب لأهل الصحراء العربية المتخلفين قبل أربعة عشر قرناً على مسامعه، يقصيه منذ نعومة أظافره عن المستقبل وعن الإندفاع والمشاركة في صناعة الحضارة المعاصرة، ويضعه عقلياً وفكرياً وروحياً في زمان ومكان تاريخيين، معزولاً عن عالمه المعاصر، وهكذا يبقى الفرد المسلم وبالتالي المجتمع المسلم متعلقاً بتلك النصوص التاريخية ومتشبثاً بها ومعتقداً بشدة أن الخلاص من هذا الوضع المزري من التخلف الشامل المحيط به لايمكن أن يتحقق إلا بالعودة إلى هذه النصوص التاريخية وتبنيها وتطبيقها وفي ذهنه صورة التغيير التي أحدثتها هذه النصوص التاريخية والتي تدفعه إلى الإعتقاد أنها ستغير الواقع الحالي مثلما حققت ذلك في الماضي. مما يزيد هذا من إنعزال وتخلف المجتمع المسلم، وليس أدل على ذلك من أن المجتمعات الأسلامية من أكثر المجتمعات العالمية تأخراً وتخلفاً وإنعزالاً عن العالم وتمسكاً وتعلقاً وإنبهاراً بالماضي العتيد. أما التطور النسبي الذي أصاب عدد قليل جداً من دول العالم الإسلامي كماليزيا مثلاً فسببه عدم وجود الأئمة والراسخون في العلم الديني عندهم أمثال سيد قطب وابن باز والقرضاوي والبوطي والخميني، كما أن ضعف تأثر المجتمع هناك بالإرث الثقافي الإسلامي واعتماده في طريقة تفكيره ومعيشته على ثقافات محلية قديمة لاتمانع التفاعل مع الحضارة الحديثة والمشاركة فيها، بعكس الإسلام الأصولي الذي يعتبر ذلك ضرباً من الكفر، كما أن وجود تنوع اثني وديني وفكري فيها يضفي سمات وأفكار جديدة نتيجة التلاقح فيما بينها، مما يؤدي إلى إغناء المجتمع بأفكار متجددة تدفع بالإنسان قدما إلى التطور والإزدهار إذا أحسن توظيفها. وإذا أردنا كمسلمين فعلاً أن نصبح شركاء حقيقيين في بناء الحضارة المعاصرة علينا أن نبدأ بتكوين عقل مسلم جديد وذلك بأن نبدأ من الأطفال ,لكي نبدأ من الأطفال علينا أن نقتنع نحن الكبار أولاً بعدم فائدة التمسك بأكثر مما جاء في القرآن والسنة، وإجراء عملية تبويب وترتيب لسور القرآن وآياته ، كباب للعبادة وباب للأخلاق وباب للمعاملات وآخر للأساطير والحكايات والقصص وهكذا، وبهذا نكون قد ألغينا المفهوم المطلق من نصوص القرآن ، ويمكننا التعامل معه بعد ذلك بكل حرية وإرتياح ، كتعامل الخبير مع القنبلة وفك أجزائها ودراستها بعد نزع الفتيل منها، وبالتالي يمكن تطويع هذه النصوص القرآنية وتوجيهها بحيث لاتعيق المسلمين عن المساهمة في دفع عجلة الحضارة الإنسانية التي هي مسؤولية العالم أجمع، لأن التعامل مع نصوص القرآن بخوف وحذر، يخنق الإبداع، ويسد الطريق أمام إي تغيير .

ثم أن التأريض الديني يسهل جداً من إجراء عملية فرز وغربلة لأكوام الإرث التقافي الإسلامي المستلقح بالمقدس والذي يشكل بدوره عبئاً ثقيلاً يقصم العقل المسلم وعائقاً أساسياً أمام أي تغيير أو تطور في العالم الإسلامي،إذ إن معظم هذا التراث الهائل ما هو إلا تكرار وإجترار لنفسه،فقط الإختلاف في المسميات والعناوين ومواضع الكلمات،وهو أشبه بعملة قديمة غير قابلة للتداول في هذا العصر، وصار التراث والمسلم اليوم أشبه بمن يحمل على ظهره كيساً من عملة بالية قديمة يتجول بها في الأسواق منذ قرون شغله الشاغل وهمه الوحيد أن يلقى لها مصرفاً. ولكن للأسف فإن الغالبية الساحقة من المسلمين ولاسيما العرب تمتنع عن إتخاذ أية خطوة من هذا القبيل، والسبب الأساسي في ذلك ليس هو إقتناع هذه الأغلبية بألوهية البيان القرآن والحديث المحمدي، وإنما هو الضمور والضّحل الذي أصاب العقل المسلم من جراء إقصائه عن لعب دوره في محاولة إيجاد البدائل في تطوير حياته، وعدم وجود هذه البدائل أتاح للقرآن الدور الرئيسي والأوحد في كل شؤون الحياة الإسلامية، فالمعضلة الأساسية كما أرى ليست في الإسلام بقدر ما هي في تنحية العقل جانباً، وبالتالي الإفتقار إلى الأفكار البديلة.

والحقيقة المرة التي يتجاهلها المسلمون ـ والتي سأتناولها بإسهاب في الفصل التالي ـ ولايودون الإقرار بها،هي أنهم في حقيقتهم لايؤمنون بألوهية النص القرآني، ولا بالأحاديث المحمدية ولا بنبوة محمد نفسها، وليس أدل على ذلك شيءٌ، من عدم خضوعهم لله والحكم بما أمر به القرآن، فالعدد الذي يحكم بما أمر الله ويؤدي واجبه الديني من المسلمين ويعمل طبقاً للشريعة الإسلامية غير مخالف لما نص عليه القرآن عدد ضئيل جداً، وكلنا نعي هذه الحقيقة لكننا نُنسها أو نتناساها ولانريد الخوض فيها، لأنها تطلعنا على فاجعة نفاق وفسوق كبرى تصيبنا جميعاً بشظاياها، وهذا ما لا نريد الإقرار والإعتراف به، لأنه يعرينا ويصارحنا بأنا نخدع أنفسنا عندما نعتبر أنفسنا مسلمين.

وقد أشار العديد من المفكرين ورجال الدين الى هذه الظاهرة أثناء تشخيصهم لواقع المجتمعات الإسلامية، ومنهم من تجرأ على قول الحق وقال صراحة أن هذه الظاهرة ليست إلا إرتداداً مستتراً عن الدين. وقد قام المفكر ورجل الدين الإسلامي سيد قطب بدراسة مستفيضة عن هذه الظاهرة عند المسلمين فاعتبرهم مرتدين إلى عصور الجاهلية العربية، وجاهد جهاداً مريراً، أنفق كامل عمره وضحى بنفسه من أجل تخليصهم من هذه الجاهلية الجديدة وفي كيفية إعادتهم إلى حظيرة الإسلام من جديد. ويبدو أن سيد قطب قد أصاب الهدف تماماً، وقد آمنت معه جماعة كبيرة بذلك، لكن بعض منافسيه من رجال الدين ممن يحاولون إدخال بعض التعديل إلى الإسلام، الإدعاء بغير ذلك ومحاولة تضليل المسلمين عن هذه الحقيقة التي يدركها كل مهتم بهذا الشأن.ومع ذلك يتعمد هؤلاء وغيرهم تجاهل هذه الظاهرة الواضحة، هذا التجاهل الذي لن يفضي الا الى مزيد من التضليل والتشعب الذي يسبب المزيد من الحيرة للمسلم العادي الذي يكتفي بما يسمعه أو يقرأه هنا وهناك دون التقرب والخوض في المصادر الاولى للإسلام التي بينت حقيقة الإسلام وجوهره.



--------------------------------------------------------------------------------

[1] المزيد في فصل: محمد من مكة إلى المدينة ومن الجدال إلى القتال.

[2] تم إختراع المطبعة عام 1454م، بعد إنتشارها في اوروبا خلال خمسين سنة تقريباً ، وخوفاً من دخولها ديار المسلمين بادر العلماء المسلمين إلى إصدار فتاوي تمنع وتحرم دخول المطبعة بلاد المسلمين، واستمر ذلك إلى عام 1712م. إلى أن أقنع أحد التجار السلطان العثماني بفائدة المطابع والذي بدوره طلب من رجال الدين إصدار فتوى معاكسة للسماح بدخول المطبعة، فافتى شيخ الاسلام بجواز إنشاء مطبعة شريطة ألا تطبع القرآن الكريم ولا كتب ا لتفسير والحديث والفقه.



#زاغروس_آمدي (هاشتاغ)       Zagros__Amedie#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (5) تأريض الإسلام
- (4) تأريض الإسلام
- تأريض الإسلام-الفصل الأول الحلقة الثانية
- (1) تأريض الإسلام
- (2) تأريض الإسلام


المزيد.....




- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - زاغروس آمدي - (6) تأريض الإسلام