|
تونس:الإعلام الرسمي المشهدي في العهدين
صبري الرابحي
كاتب تونسي
(Sabry Al-rabhy)
الحوار المتمدن-العدد: 6887 - 2021 / 5 / 3 - 12:56
المحور:
الصحافة والاعلام
عندما كنت طفلا كنت أكره نشرة الأخبار، كان والدي يجبر العائلة على مشاهدتها قسرا في تلفازنا الوحيد.كل مساء كانت تطل علينا السيدة فتحية عدالة خنشة بتسريحة شعرها الملتوية كطريقة النظام في إيهامنا بأن كل شيء على ما يرام.كانت إفتتاحية النشرة مخصصة لنشاط الرئيس، ذلك الطيب الإجتماعي المستنير المحفز للحريات و المتقبل للمعارضة حسب تلفازنا الذي كان يكذب في كل شيء حتى في أخبار الطقس. كان الوزير الأول وفقا لدستور 59 موظفا بسيطا لدى الرئيس فبعد حامد القروي أتى محمد الغنوشي لترسيخ ذلك في ذهني و أنا إبن أواخر الثمانينات.كان يتم تصويره كموظف كادح يدخل مسرعا للقصر يتجاوز سياف القصر و هو موظف بروتوكولي يتبع طاقم التشريفات يظهر عليه دائما الإرهاق، يدخل الوزير حاملا حقيبته ليطلع الرئيس-الملك على حصيلة نجاحاته الفردية و يتم تصوير حركات الرئيس و هو يسدي تعليماته بالمزيد، فيستفيق التونسيون على مزيد من الفقر و اللاعدالة الإجتماعية و ضرب حرياتهم.كانت بقية فقرات النشرة مهمة أيضاً، كانت تصور مجازر روندا و البوسنة و الهرسك فكنا نحمد الله على الأمن و الأمان و تونس المصطبغة بالإستقرار السياسي كشعر صوفية صادق.كان كل شيء لصالح النظام و كان الإعلام العمومي في طريق مفتوح لتلميع النظام حتى إذا ما لم يجد ما يلمع إنبرى يشوه المعارضة.كان أبي المعارض السياسي حازما في تصنيف النظام كاذبا و مضللا و هو ما جعل الوعي السياسي لدي يجنح إلى سوء النية متى تعلق الأمر بالروايات الرسمية في حقل السياسة الغير قابل للأخلقة.هذه المشاهد العالقة بذاكرتي أصبحت تطفو بشدة هذه الأيام عندما أتصفح النشاط الرئاسي و النشاط الحكومي.. فالرئيس منشغل بصلاته و قنوته في محراب خصومته مع المشيشي فصار يؤذن في كل مكان و يقيم صلاته، صلاة الغرباء، و كأنما ينازعه أحدهم عن قبلته. هذا الرئيس هو متقاعد ينبغي لمن بلغ سنه في التقليد التونسي إظهار ورعه و تقواه كل ما دعت الحاجة كإظهاره لبعض الحزم و البذاءة أحيانا كي لا يحس بالتقليل من شأنه لأسباب فيزيولوجية بحتة.لقد صار المنبر الإعلامي لمؤسسة الرئاسة مكرسا لورع الرئيس و علاقته بربه و كأنها شأن قومي قد يعني التونسيين على إختلافهم و الذين أجمعوا على ضرورة تحييد الدين عن السياسة بوعي سنوات الإستقطاب و صراع الهوية المصادرة من سنوات البناء.الرئيس الطيب و المستنير و الملتزم و رئيس كل القوات كما يحلو له و للقائمين على صورته الإعلامية إخراجه قد يضطر يوماً إلى طلب الغفران من شعبه لتأخره عن خدمة مشاغله الدنيوية التي إنتخبه من أجلها قبل أن يصلي عليه صلاة الغائب!! رئيس الحكومة بدوره يظهر من حين إلى آخر في صورة موظف الدولة النشيط فيحرص على إكثار تنقلاته في اليوم الواحد شمالا جنوبا مظهرا حيويته و نشاطه كحرصه على إظهار الحزم المبالغ فيه ما يخفي خجله و تخبطه في أخذ القرار و هي السمة المسيطرة على خريجي العلوم الإنسانية و أنا أحدهم.المشيشي يحاول إستحضار صورة يوسف الشاهد في كل شيء، في إندفاعه، في مراهقته السياسية و حتى في إدارة خصومته مع ساكن قرطاج و يحرص المشتغلون على صورته و آخرهم مفدي المسدي على تصوير إنتصاره على الرئيس بواقع الحيوية و النشاط و تضخيم الإنجازات البطيئة.كان لا بد كي ننجز أي مقارنة بين صور العهدين أن نلتزم بالموضوعية و أن نحدد موقعنا منها من حيث إلتزامنا بالمعارضة لعدة أسباب..لقد شكل الأشخاص هنا ديكورا مشهديا ليس أكثر مع فارق أزمات الوطن وفقا لسيرورة التاريخ المنفلتة.اليوم و أكثر من أي وقت مضى أصبح الإعلام الرسمي عائقا أمام تونس المتصالحة مع نفسها و القادرة على تشخيص مكمن الداء دون إصطفاف لأحد المحاور لذلك سوف يتأخر فهم التونسيون لعمق معركة التعيينات على رأس المؤسسات الإعلامية العمومية و آخرها وكالة تونس إفريقيا للأنباء.. من المؤكد أننا سوف نضطر لخسارة أكثر من هذا الزمن المهدور من معركة البناء ما دام المشهد يصطبغ بألوان من يحكم و ليس بواقع الحكم نفسه... حتى ذلك الحين لا فرق لدي بين نشرات الأخبار و إن تغير المقدمون و المضمون و الزمن السياسي أيضاً.
#صبري_الرابحي (هاشتاغ)
Sabry_Al-rabhy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيفر غيفن-مصر و إدارة الأزمة
-
فايروس كورونا... صديق الرأسمالية
-
تونس: أسبوع الكيوي
المزيد.....
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
-
شاهد ما رصدته طائرة عندما حلقت فوق بركان أيسلندا لحظة ثورانه
...
-
الأردن: إطلاق نار على دورية أمنية في منطقة الرابية والأمن يع
...
-
حولته لحفرة عملاقة.. شاهد ما حدث لمبنى في وسط بيروت قصفته مق
...
-
بعد 23 عاما.. الولايات المتحدة تعيد زمردة -ملعونة- إلى البرا
...
-
وسط احتجاجات عنيفة في مسقط رأسه.. رقص جاستين ترودو خلال حفل
...
-
الأمن الأردني: تصفية مسلح أطلق النار على رجال الأمن بمنطقة ا
...
-
وصول طائرة شحن روسية إلى ميانمار تحمل 33 طنا من المساعدات
-
مقتل مسلح وإصابة ثلاثة رجال أمن بعد إطلاق نار على دورية أمني
...
-
تأثير الشخير على سلوك المراهقين
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|