|
المتعصبون_جنون الإيمان
اشواق سلمان حسين
(Ashwaq Salman)
الحوار المتمدن-العدد: 6884 - 2021 / 4 / 30 - 00:50
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
المتعصب : هو انسان ( المقدس) ، لكنه ليس اي انسان ، ولا المقدس اي مقدس ، فهذا الإنسان يهب نفسه جسداً وروحاً فيغالي في افتداء قضيته ، بل يستبد به وَلَه جنوني بما يؤمن به.
هذا هو تعريف ( المتعصب ) عند ( برنار شوفييه ) البروفيسور في علم النفس المرضي من جامعة ليون ، في كتابه .(المتعصبون _ جنون الإيمان ) لا يعرض هذا الكتاب كما يقول ( شوفييه ) تفكراً نظرياً مجرداً بعيداً عن الأسباب العامة للقضية ، بل هدفاً للإقتراب من مرتكبي العنف المتعصب للوقوف على الديناميكية النفسية لديهم.
يسلط الكتاب الضوء على بعض الشخصيات التاريخية التي تعطي صوراً للتعصب من جوانب متعددة ، حيث يحاول ( شوفييه) في كتابه الغوص في الدوافع النفسية لهذه الشخصيات ، للوصول الى فهم وادراك البنية النفسية التي تصنع المتعصب يقسم ( شوفييه ) التعصب الى خمسة انماط يدرس في كل واحد منها نمطاً من المتعصبين وهم: 1.( المتعصب المُلهم ) وهو يمثل اقدم نماذج التعصب والتي لها علاقة بالموضوع الديني ، وهذا النوع يكون مشبعاً تماماً بالإله او المقدس ويمتلئ بالحماس الذي يجعله ساخطاً او مجنوناً لدرجة يمكن ان تصل به الى الموت الرمزي او الجزئي ، ويعطي المؤلف على هذا النمط ثلاثة امثلة لكهنة الآلهة ( ايزيس و سيبيليا و بيلونيا ) وكيف اثرت بهم تلك الآلهة حتى ينتابهم هذيان مقدس يعملون من خلاله على إراقة دمائهم او خصي انفسهم امتثالاً للأساطير التي جاءت مع كل آلهة.
2.(المتعصب المُطلع) وهو نوع اكثر مكراً وليس بعيداً عن مفهوم العنف ، لكنه يكون شغوفاً بالعقل ، وبذريعة الأبحاث العقلانية ، يرتدي المتعصب هنا قناع المفكر العارف الباحث عن الخير والحقيقة المطلقة ، إذ يكون الزعماء في هذا النوع متلاعبون بالبشر ، ويقدمون انفسهم بوصفهم فلاسفة ، بينما هم في الحقيقة محرضون على شكل جديد من اشكال التعصب. يضرب المؤلف مثالا على هذا النوع فيتحدث عن شخصية ( فيتاغورس ) ذلك الفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني ، ومن منا لم يدرس في مراحل دراسته ( نظرية فيتاغورس ) الشهيرة عن اضلاع المثلث ؟ كان ( فيتاغورس ) رجلاً عبقريا يعزى له الفضل في الكثير من المعادلات الرياضية التي انطلق منها العلماء من بعده وقاموا بالعديد من الإنجازات العلمية ، لكن عبقريته لن تكون مبرراً لتجاوز الأوجه الأخرى من شخصيته التي اتضحت حين قام بتأسيس مدرسة علمية برزت فيها كل عوامل التعصب ، فهو يفترض عالماً اجتماعياً من دون وهم يخضع للأرقام والعقل ، اي ان كل شئ عنده عبارة عن ارقام وإن الرياضيات هي اساس كل شئ ، حتى انه كان يقول ان الروح تكمن في الدماغ وهي خالدة وتنتقل من كائن الى آخر ، وربما من إنسان الى حيوان ، وكان من اوجه التعصب لديه هو اجبار طلابه على العزوف عن اكل اللحوم وتحريم اكل الفول ، ولم يكن الدخول في مدرسته متاحاً لكل من هب ودب بل كان يخضع لأصعب الأختبارات تصل الى ثلاث سنوات ، فإما ان يعاد الطالب الى بيته او يتم قبوله ، تلك القسوة البالغة والصرامة جعلت من فيتاغورس واتباعه جماعة فئوية طائفية منحازة لنفسها حتى انها استحدثت طريقة لنقل العلوم تتناقل بين الأعضاء سراً ، ومن يفش اسرارها جازت عليه عقوبة الموت.
3.(المتعصب المملوك) وهو نوع خاص من المتعصبين المملوكين جسدياً او نفسياً بمعنى بلوغهم مرحلة من فيض الهيجان الذي يدفعهم الى الخروج من ذواتهم والتأثير على الخارج ، وهؤلاء يحتاجون الى نشر القناعة التي تسكنهم خارج انفسهم ، فيسعون الى اسماع اصواتهم لا سيما القيام بأفعال تحدد وجود ايمانهم الداخلي ، او قيامهم بشعائر او طقوس عنيفة ، او خضوعهم لممارسات يمكن حتى ان تكون جنسية قاصدين فيها التخلص من ( المس ) ، ونجد هذا النوع ايضاً غارقاً في العمى الكلي ولا يعود ملكاً لنفسه بسبب حالة ( التثوير ) التي تنتابه مع موسيقى معينة او مخدرات ، فيتحول هذا النوع الى اداة بيد رئيسه ويصبح المملوك او (الممسوس ) قادرا على ارتكاب العنف ضد الآخرين.
4.لمتعصب الساخط) وهو التعصب الناشئ عن الإلتزام العاطفي ، حيث يبذل المتعصبون فيه قوتهم الضاربة لخدمة القائد ويتفانون في سبيله جسداً وروحاً ، اي ان المتعصب الساخط هنا هو مقاتل من اجل القائد في المقام الأول ، والعقيدة هنا ليست سوى غطاء مؤقت ولازم لضبط التلاميذ ، ويمكن القول ان المتعصب الساخط مضطرب العقل والشخصية ( سيكوباتي ) ومبرمج وفق مشروع رسمته سلطة عليا وخير مثال على هذا النوع هم ( الطائفة النزارية او الحشاشون ) التابعون لشيخ الجبل ( حسن الصباح ) المتوفى سنة ( 1124 م ) المؤسس لتلك الطائفة ذات المذهب الإسماعيلي ، إذ كان اتباعه يقومون بأغتيال كل من يتعارض معه او يقف ضده او ضد افكاره وسياسته.
5.(المتعصب الإرهابي ) وهو المتعصب المقتنع جداً بصدق افكاره والمستعد لأستخدام العنف من اجل نقلها للآخرين او فرضها عليهم ، حيث لا تعد القناعة الخاصة للعارف مقتصرة عليه ، فصار بحاجة الى تقاسم افكاره مع آخرين ، فإما ان يخضع الآخر لأفكار ذلك المتمسك بقناعاته او ان يتم اجباره على الإقتناع ، ويضرب المؤلف مثالين على هذا النوع لشخصيتين تمثل احداها الأيمان الديني والأخرى تستند الى نظريات عقلانية وهما : *( روبيسبير ) وهو محامي فرنسي ورجل دولة وكان احد الشخصيات المؤثرة في الثورة الفرنسية ، الذي دعا الى تأسيس جيش لسحق اي متآمر ضد الثورة ، وقام بأعتقال واعدام عدد كبير من السياسيين المعارضين لسياسته واعتبرهم معارضين للثورة. *(سافونارول ) وهو متدين وسياسي ايطالي ينتمي الى نظام الرهبان ( الدومينيكان ) كانت تراوده منذ طفولته رؤى وتخيلات وصلت لحد الهلوسة وسرعان ما ارتبطت عند نضوجه بالعامل الديني ، تزعم فلورنسا عام ( 1494 ) حتى اعتقاله واعدامه حرقاً بسبب خطابات الأرهاب والهرطقة التي كان يدعو بها ، ومواعظ التخويف من عقاب الله اذا ما تم معارضة سياسته ، ويرى المؤلف ان ( سافونارول ) كان متعصباً لأنه كان يفضل الموت على الحياة ، ولا يطمح إلا لمجد التضحية ، ولكي ينتصر عليه ان يبتر القوى التي تعيقه. يتحدث المؤلف عن جوانب اخرى كثيرة في كتابه ، منها ( الكاميكاز الياباني ) وكيف وصل الى المفهوم الأسلامي المتعصب. ( و( الكاميكاز ) هي كلمة يابانية تعني الرياح المقدسة او الأعصار المقدس الذي يقال انه انقذ اليابان من غزو الأسطول المغولي ، حيث هب هذا الإعصار ودمر جزءاً كبيراً من الأسطول اضطرهم الى التراجع ومنذ ذلك الوقت أُطلقت تسمية (الكاميكاز ) اي الريح الإلهية على هذا الإعصار. في عام ( 1944 ) بينما كان الأمريكان على وشك النزول على الأرض اليابانية ، قرر الإمبراطور تشكيل فرق كومنداس انتحاريين لأغراق سفن العدو ، حيث كان الإنتحاريون يصطدمون بسفن الحلفاء عمداً بطائراتهم المحملة بالمتفجرات بهدف تفجيرها ، وكان من الطبيعي ان تسمى هذه الوحدات ب(الكاميكاز ) تيمناً بالقوة المخلصة اي( الإعصار القديم).
وبما ان مفهوم ( الكاميكاز ) معني بالإنتحاريين ، فقد ارتبط بكل العمليات الإنتحارية التي يضحي فيها منفذوها بأنفسهم بشكل طوعي من اجل نصرة معتقداتهم ، ومن هنا فقد ارتبط ( الكاميكاز ) ايضاً بالمسلمين المتعصبين الذين نفذوا العديد من التفجيرات حتى ظهر ما يسمى ب( الكاميكاز الإسلامي).
يتحدث المؤلف عن ( الكاميكاز الإسلامي ) مشيراً الى احداث ( 11 سبتمبر ) في عام ( 2001 ) حيث صُدم العالم بسلسلة من التفجيرات شهدتها الولايات المتحدة ، قامت بها مجموعة مدربة على الإنتحار.
يضيف ( شوفييه ) قائلا:ً "إن الكاميكاز يُقاد بخضوعه الأعمى للمجموعة التي ينتمي اليها نحو القبول بقلب القيم من دون الإحساس بالذنب ، وقتل الأبرياء مبرر لأنه وسيلة لبلوغ الكمال النهائي". ويوضح قوله بمثالين كل منهما يشكل نقيضاً للآخر ، ويمثلان نوعين من ( الكاميكاز الأسلامي ) هما: *(داوود علي احمد ابو صوي ) رجل في السادسة والأربعين من العمر ، وأب لعائلة ، كان يملك قطعة ارض صغيرة في قرية بالقرب من بيت لحم ، وكان رجلاً مسالماً بلا مشاكل ، إلا انه فاجأ الجميع في صباح الخامس من كانون الأول عام(2001) بتفجير نفسه امام احد الفنادق الذي كان يُعقد فيه اجتماع يضم بعض الشخصيات الإسرائيلية ، وتبنت العملية مجموعة فلسطينية تسمى(الجهاد الأسلامي) ولم يسقط ضحية هذا التفجير سوى الكاميكاز نفسه. *(جون ووكر ليند ) شاب امريكي يبلغ من العمر ( 20 ) عاماً ، لُقب ب( الطالبان الأمريكي ) لأنه سُجن في افغانستان عام (2002) بعد إقامته في معسكر تدريب دولي للإرهابيين ، كان شاباً شغوفاً بالرقص والموسيقى ، وشارك بإهتمام في مناقشات عبر الإنترنت بموضوعات تخص علاقة الإتجاهات الموسيقية الجديدة بالإله والدين وهو ما ربطه تدريجياً بالجماعات الإسلامية المسلحة ، حيث انتقل الى افغانستان بعد ان جنده ( تنظيم القاعدة ) وبدأ التدريب في المعسكر الذي يقوده ( بن لادن) شخصياً ، وفي خضم التدريبات على العمليات الإنتحارية وقتاله في صفوف طالبان أُلقي القبض عليه وحُكم عليه بالسجن(20) عاماً.
ترى ما الذي يقود رجلاً مسالماً في السادسة والأربعين من عمره ، كان شغله الشاغل منصب على عائلته ومعيشته ، وكذلك ما الذي يقود شاباً امريكياً محباً للرقص والموسيقى ،نشأ في محيط منفتح ومتحرر ، ان ينقادا وراء جماعات مسلحة تصل بهم الى القتل والتدمير والتضحية بأنفسهم؟ قد تكون هناك اسباب كثيرة منها ما يتعلق بالنشأة في سنوات الطفولة ، او التعبئة العقائدية الفئوية التي تعمل كالتنويم المغناطيسي في تأثيراتها على المتلقي ، فتحيله الى متعصب كاميكازي لا يعرف إلا الطاعة واليقين التام بصحة قضيته.
#اشواق_سلمان_حسين (هاشتاغ)
Ashwaq_Salman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدين في حدود مجرد العقل
-
هذا هو الإنسان
-
لماذا النشوء والتطور حقيقة؟
-
هل الحب فن؟
-
كانديد ، مراجعة ورؤية فلسفية
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|