|
كل يوم كتاب؛ حقل ارجوان رواية لحيدر حيدر
مهند طلال الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 6880 - 2021 / 4 / 26 - 22:15
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
#كل_يوم_كتاب حقل ارجوان رواية لحيدر حيدر، الرواية تقع على متن 141صفحة من القطع المتوسط وهي من اصدارت دار ورد للنشر والتوزيع في سوريا وهذه النسخة هي الطبعة الثالثة من الكتاب والصادرة سنة 2000 علما بأن الطبعة الاولى صدرت ابتداء من اواخر سبعينيات القرن المنصرم.
الرواية تمثل صورة حية من مأساة نكبة الشعب الفلسطيني وحله وترحاله وتشريده وتهجيره، والرواية تسلط الضوء على العديد من نصوص التوراة الدموية واسفارهم السادية التي تحض وتحرض على القتل وسفك الدماء وابادة كل اصحاب الارض العرب الفلسطينيين وقد احسن الكاتب في هذا الاسقاط التاريخي والتوظيف ضمن سياق النص واحداث النكبة والمجازر المتلاحقة.
ورغم مأساة النكبة وهول النصوص التوراتية الدموية وساديتها فإن الرواية وفي نفس الوقت وعلى مسار متصاعد تجسد حكاية النهوض الفلسطيني بعد النكبة والنكسة وانطلاقة الثورة المعاصرة في 1/1/1965 وتجلياتها وابرز الصعوبات والمعوقات التي اعترتها .
الرواية تبدأ احداثها في حيفا في شهر نيسان من سنة 1948 ، ذلك الشهر العصيب الذي هُجرت فيها حيفا بفعل العجز العربي والتواطيء البريطاني الصهيوني والذي ادى الى نزوح العائلات الحيفاوية والعكاوية الى مدينة صور في لبنان عبر البحر.
يظهر عجز المقاومة الفلسطينية والعربية امام العصابات الصهيونية وينجح الكاتب في التقاط احدى صور تلك المأساة ويجسد منها احداث الرواية.
تبدأ احداث الرواية مع والدة نافز علان ابنة الاسرة الحيفاوية الكبيرة وسليلة اسرة مناضلة وعريقة فأخوها الكولونيل الشهيد صاحب الجولات والبطولات وقاهر البريطانيين والعصابات الصهيونية.... وهي صاحبة الشكيمة والشخصية القوية والمتمردة تصاب بشظية تتسبب ببتر رجلها لتحل مكانها رجل خشبية. ووالد نافذ يعمل سائقا للقطار لدى البريطانيين، واثناء اندلاع حرب النكبة ومع تداعي المقاومة الفلسطينية وكثرة اخبار المجازر المرتكبة في حيفا يهرع الناس ويصابوا بالتخبط والحيرة وتتكاثر الاسئلة ويكون الجواب من المعظم بالرحيل والنزوح عن حيفا!
وهذا كان خيار اسرة نافذ علان ابتداء، والذي رفضته والدته واصرت على البقاء تمسكا بارض الاباء والاجداد وتمسكا بالكرامة الوطنية ونكاية بزوجها المغاير لنهج خالها واعمامها المناضلون والعابد للقرش والمال.
تتصاعد احداث النكبة ويطال القصف كل البيوت والشوارع والاحياء وتضعف المقاومة، ومع ذلك صمدت العائلة حتى الرمق الاخير. اذ دخل البيت بعض افراد المقاومة واخبروا العائلة بضرورة الرحيل كالبقية ، فخطوط المقاومة انهارت تماما ، واليهود يفتشون البيوت ويذبحون الاطفال ويغتصبون النساء ويسوقون الرجال للاعدام في الشوارع زرافات زرافات...
في هذه الاثناء كان لسان حال بطلنا نافذ علان يقول: "كان ينبغي أن تسميني أمي علاء الدين بدلاً من نافذ علان. وكان على علاء الدين هذا أن يطلب يد حبيبته من والدها فيقول له: إذا أحضرت لحبيبتك حليب البلابل من جزر واق الواق تكن لك. وحتى يصل علاء الدين الى غابة البلابل في تلك الجزر النائية، كان عليه أن يجتاز المخاطر والدروب الثلاث الوعرة: درب الحريق، ودرب الغريق، ودرب السد الذاهب فيه لا يرد. لقد كنت واقعاً في شباك هذه الأسطورة وفي مخاطر دروبها القاتلة: درب الحريق كان اليهود، ودرب الغريق كان أهلي، ودرب السد كان العرب، هكذا كنت مطوقاً بالأعداء من كل الجهات، والحصار يكاد يسد المنافذ كلها في وجهي. عبر كل الأصقاع العربية كان الطغاة العرب قد نفوني كأجرب أو كقبيلة من الغجر الى الأرياف وأحزمة المدن البعيدة، وهناك طوقوني بالأسلاك الشائكة وحراس البوليس وخنازير المخابرات".
تصل العائلة ميناء حيفا بمساعدة رجال المقاومة، ينجح الكاتب بالتقاط كثير من الصور المفزعة في تلك اللحظة، اهمها ان معظم القوارب التي تقل اللاجئين قد انطلقت باتجاه مدينة صُور، ولم يبق إلا القليل منها، وهذه كانت مخصصة للاطفال والنساء والمرضى، كانت الاجراءات صارمة وتحتم ان تذهب النساء والاطفال بالقوارب باتجاه صور وعلى ان يذهب الرجال والشباب مشيا او ركوبا باتجاه نابلس وقرية عينا بوس حيث بقية الاهل والاقارب من الاخوال هناك.
يصل نافذ عل الى قرية عينا بوس ولن يتمكن المركب من الوصول الى صور، وتبدأ رحلة مؤلمة من البحث والتحري بغية لم شمل العائلة، كانت الاحلام التي تراود معاذ العلان قريبة او تشبه لحد كبير تلك الاخبار التي حملتها المراكب في تلك الرحلة المميتة، كانت الاخبار تقول ان العصابات الصهيونية غيرت وجه البحر ولونه كذلك!؟ كانت الجثث والايادي والارجل والرؤوس المقطعة تطوف على طول الطريق باتجاه صور....كان لون الطريق والبحر قد اصبح احمرا لعدة ايام...
يتنقل نافذ علان بين سوريا ولبنان والاردن والعراق والكويت، فيدرس علم نفس في بغداد ويعمل لعدة سنوات في الكويت، ثم يقرر العودة للاردن والالتحاق بالخدمة العسكرية...
اثناء التخريج من الدورة العسكرية بالاردن يحدث نقاش بالكتيبة يتمحور حول السخرية من الفلسطيني ويتهمه بانه باع ارضه وولى هارب، ويتطور ويتفرع النقاش حول الاردني والفلسطيني، ويحتمي الاردني بصورة الملك ويحاول ان يتخفى بعنصريته خلف الملك، لا يتوانى صاحبنا نافذ من ايضاح كثير من المسائل العالقة والتي تدور في ذهن كل اردني وفلسطيني في هكذا نقاشات، ويحتد النقاش بين نافذ والضابط الاردني، يكتمل المشهد حين يطلق نافذ علان النار على الضابط ويصيبه في مقتل.
يسجن نافذ في الاردن، وفي السنة الثالثة من حبسه تحدث النكسة وتحتل باقي فلسطين، في السجن ينقل الكاتب كثير من المشاهد التي تحيط بالاسرى وحياتهم واهتماماتهم اثناء الحرب، وصولا للاضراب والسيطرة على السجن في اليوم الاخير من الحرب ومن ثم الهروب منه.
يتجاوز نافذ النهر ويصل الى بيته في عينابوس"بيت جده" ويبدأ العمل في العطارة والطب العربي الشعبي، ويخدمه التجوال في التعرف على الارض اكثر ومعرفة احوال الناس وملامسة همومهم وقضاياهم. ثم يبدأ بتنظيم مجموعة من الاصدقاء من اجل ممارسة العمل الفدائي، وبالتزامن يقوم بجمع الاسلحة من مخلفات الجيش الاردني الذي تركها خلفه وولى هاربا في حرب حزيران 1967.
يبدأ نافذ علان واعضاء المجموعة العمل الفدائي؛ وقبل شروعهم بعمليتهم الاولى يسمعون عن ثوار اخرون سبقوهم بخطوات واعلنوا الثورة في 1/1/1965.
تقرر المجموعة التواصل مع الفدائيين في قواعد الثورة الموجودة في الاردن ويتحصلون على التمويل والسلاح والتوجيه اللازم، واول حلقات الاتصال والدعم والتمويل كانت بواسطة خطيب الجامع وامام البلدة وشيخها الجليل احمد حسن قطناني؟! اذ قام الامام الجليل باهداء المجموعة مبلغا من المال ومجموعة من القنابل التي لا تنفجر!!
ينجح قائد المجموعة نافذ علان بعدة عمليات اهمها تدمير مبنى الحاكم العسكري في نابلس وتصفية الحاكم العسكري وتصفية بعض الخونة العرب (كجعفر) وتصفية الكثير من الجنود الصهاينة في كمائن متعددة واعطاب الياتهم والقاء القنابل على عربات ومدرعات الجيش الصهيوني.
تُحاصر المجموعة الفدائية في قرية جماعين، وذلك اثناء احدى التدريبات السرية للمجموعة الفدائية التي يقودها نافذ علان والذي بدا الكل يطلق عليه لقب "الجبل" واصبح يعرف ويشتهر بهذا الاسم، حتى اصبح اسمه اكبر كابوس مرعب للاحتلال في كل منطقة نابلس وريفها.
تحاصر المجموعة الفدائية قوة اسرائيلية ضخمة وتفاجئهم بالهجوم ويبدا الاشتباك، يستشهد معظم افراد المجموعة الفدائية في حقل الاشتباك "حقل الارجوان"، ولا ينجوا الاّ اثنين احدهم صاحبنا -بطل الرواية- "الجبل" فيلتجيء هو وزميله الى مغارة بعد ان اثخنتهم الجراح...في المغارة تبدأ الاسئلة بالثوران؟ ما الذي حصل وكيف حصل؟ من الواشي؟ايكون من القرية ام من الفدائيون؟ أيعقل ان يكون بين الفدائيون جاسوسا؟ وان حصل ذلك كيف تم الاختراق؟! وتثور الاسئلة تباعا وتتلاحق وتبدأ الاجوبة بالهطول تباعا.
لكن الجرح كان كبيرا واكبر من ان تحتمله العقول والقلوب، ولان المصائب لا تأتي فرادا فقد تم اعتقالهم لاحقا، ويدخل "الجبل" للمستشفى على ان يعرض لاحقا على المحكمة العسكرية للاحتلال.
بعد سنتين من هذه الحادثة وجد الشيخ احمد حسن القطناني -إمام البلدة وخطيبها ومدرسها الجليل- امام عتبة بيته مقتولا بواسطة سكين بقي نصلها مغروسا في رقبته، حيث تم نحره نحرا، كان نصل السكين مغروسا وبه رسالة مقتضبة من سطرين كانت الرسالة تقول: "الشعب يمهل ولا يهمل". "لا يمكن للخونة بعد الان ان يهدونا قنابل لا تنفجر"...
هذه الخاتمة في اخر صفحة من الرواية تشير الى القيمة التعبوية والوطنية التي ذهبت اليها الرواية، هذا علاوة عن تمكن الكاتب من الوصول الى ذروة الحبكة وسرعة الحل عند اخر سطور الرواية، وهذا يحسب للكاتب في هذا البناء المحكم، ومما يزيد الرواية جمالا قدرة القاريء على التقاط بذور التأسيس المنثورة والمبذورة عبر صفحات الرواية بعناية، والتي جائت عبر مقولات تعبوية تختصر مخاضا طال انتظاره، كقول الكاتب :"من الممكن لعود واحد من الثقاب ان يشعل غابة باكملها" وكقوله : في نهاية الصفحة 82 "لقد اتخذت قرارا بمواجهة الرياح".
بقي ان نقول ان احداث الرواية علاوة على احداثها الشيقة؛ فهي احداث حقيقية مستقاة من من وقائع تجربة نضالية حقيقية بطلها الدكتور الثائر ابو عجاج العينبوسي.
رفعت الاقلام وجفت الصحف ولم يبق ما يقال غير انها رواية تستحق ان تقرأ وان تعتلي رفوف مكتباتنا بجدارة...
#مهند_طلال_الاخرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كل يوم كتاب؛ الحفار رواية لصالح مرسي
-
كل يوم كتاب؛ من أين يأتي الفدائيون؟
-
كل يوم كتاب؛ ابو جهاد الوزير امير الشهداء
-
كل يوم كتاب؛ ثلاثون عاما من العبث
-
كل يوم كتاب؛ العقيد ابو موسى يتكلم
-
كل يوم كتاب؛ يوميات طبيب في تل الزعتر
-
كل يوم كتاب؛ تل الزعتر الرمز والاسطورة
-
كل يوم كتاب؛ بابلو نيرودا
-
كل يوم كتاب؛ البحث عن كيان
-
كل يوم كتاب؛ من فيض الذاكرة
-
كل يوم كتاب؛ بحيرة وراء الريح
-
كل يوم كتاب؛ الجذور والتراب حوار مع محمد ابو ميزر
-
صاحب الصافرة والزمن الجميل 2-2
-
صاحب الصافرة والزمن الجميل 1-2
-
صنع الله ابراهيم 1970، لحن الرجوع الاخير
-
النخلة العاقر
-
صاحبي الذي رحل
-
حمامة تصعد الى السماء
-
مارادونا في حواري المخيم!
-
صلاة العشاء في ساحة الشهداء
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|