أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - شريهان ... فراشةُ البهجة ووهجُ الحياة














المزيد.....

شريهان ... فراشةُ البهجة ووهجُ الحياة


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 6872 - 2021 / 4 / 18 - 13:28
المحور: حقوق الانسان
    


Facebook: @NaootOfficial
Twitter: @FatimaNaoot

يكفي أن تنظرَ إلى وجه "شريهان" المصريّ الفاتن؛ لتوقنَ أن بالحياة ما يستحقُّ أن يُعاش. يكفي أن تتأملَ رقصَها كفراشةٍ مُحلّقة بين رؤوس الزهور، لتتعلمَ أن لا شيءَ في الحياة بوسعه أن يكسرَ الإنسانَ، إلا إذا أراد "هو" أن ينكسر. الانكسارُ قرارٌ، والصمودُ قرار. الضعفُ والهزيمةٌ قرارٌ، والبأسُ والانتصارُ قرارٌ. لا أحدَ بوسعه أن يكسرَ أحدًا، إلا نفسُه. إعلانٌ صغير لا تتجاوز مدّتُه الدقيقة، فاجئتنا به الجميلة "شريهان خورشيد"، لكي تعطينا درسًا مُبهجًا وصعبًا، يعلّمنا أن الحياةَ منحةٌ غالية يمنحها اللهُ للجميع، ولكن لا يعرف قدرَها وقيمتها إلا ذوو العزم. في لقائي الأخير معها قبل بضعة سنوات، في الحفل الذي أقامه "العدل جروب" على شرفها في أحد الفنادق الكبرى، عانقتُها طويلا وعانقتني. ضممتُها إلى صدري ليس كما تضمُّ الصديقةُ صديقتَها ولا الشقيقةُ شقيقتَها، ولا الكاتبةُ فنانةً أحبتها وألهمتها. بل عانقتُـها كما يعانقُ الإنسانُ الحياة. عانقتُ نموذجًا عصيًّا على التصدّع، لكي أستمدَّ منها طاقةً على المواجهة ورفض الانكسار. كنتُ سعيدةً بعودتها إلينا، ومبهورة بقوتها الفولاذية التي تسكنُ هذا الجسد الرقيق وتلكما العينين السوداوين النجلاوين.
عرفناها في الأفلام فنانةً من الطراز الرفيع تؤدي الأدوار الصعبة، فهي الصعيدية المكلومة التي تُعدّد حزنها، وهي الصبية المقهورة التي تُدفن في القبر حيّةً، فتتمرد على جبروت الذكور. وعرفناها في الفوازير والمسرحيات عصفورةً تملأ الدنيا رقصًا وشدوًا. ترسم في الفضاء بجناحيها الصغيرين، وجسدها النحيل، تابلوهاتٍ أوبراليةً، تُلوّنها بألوان ريشها. وفي فترة غيابها، تساءلتُ: هل يمكن لأحدٍ أن يجرحَ تلك العصفورة ويكسرَ جناحَها؛ فتقرّرُ أن تعتكفَ وتعتزل العالمَ حتى يبرأ جناحُها من النزف وقلبُها من الحَزَن؟! نعم. فالعصافيرُ تكره أن يرى الناسُ دموعَها أو أن يسمعَ أحدٌ وجيبَها. العصافيرُ خُلقتْ للغناء لا للنحيب. لذا، اختارتِ العصفورةُ قفصًا حديديًّا، فتحتْ بابَه ودخلت، ثم ركلتِ البابَ بكعب حذائها. مكثت في القفص سنواتٍ ؛ لكيلا ترى جراحَها عيٌن، ولا تسمع أنينَها أُذُن. كانت العصفورةُ جريحةً تنزفُ، وتتجرّع الوجعَ ووحيدةً. أبتْ كبرياؤها أن تلمحَ في عيوننا نظرةَ إشفاق لا تليقُ برفعتها. رفضَت أن تسمع عبارة مثل: "انظروا العصفورةَ الذي ملأتِ الدنيا شدوًا كيف صمتت! انظروا الساحرةَ الآسرةَ التي لوّنتِ السماءَ بألونها ورقصها وغنائها، كيف أقعدَها الوجع!”
جميعُنا شاهد تلك العصفورة، وأحببناها. بحثنا عن القفص الذي تاه بين الحدائق والغابات. سألنا الشجرةَ فقالت: "أنا مثلكم أفتقدُ زقزقتها بين أغصاني. ابحثوا عنها في الغابة الأخرى، وارجعوا لي بخبر عنها.” سألنا الزهرَ الذي مررنا به، فقال: "مازلنا ننتظرُ رقصتها التي كانت تجعلنا نمدُّ أعناقنا لنشاركها الرقصَ والتمايل مع النسائم، لولا أن جذورنا مُكبّلةٌ في الطمي! لكننا رقصنا معها بسيقاننا وأوراقنا. ابحثوا عنها وردّوا إلينا الخبر.” بحثنا عنها طويلا لكي نفتح بابَ القفص، ونحرِّرَ العصفورة الحبيسة في معتقلها الاختياريّ. لكن أحدًا لم يعثر على القفص، ولا على العصفورة. كانت تسمعُ نداءاتِنا إليها: (أنْ عودي إلينا!)، فلا تبالي. تسمع الأشجارَ والأزهارَ التواقة إلى صدحها ورقصها، فتهمسُ : (لم يحن وقتُ العودة أيها الأحباء. أمهلوني حتى أطيبَ وأتعافى وأعود إليكم جميلةً مشرقةً كما عرفتموني.)
إنها "شريهان". فراشةُ البهجة التي اختبرها المرضُ ودثّرتها المحنُ، فابتسمتْ في وجه الصعاب قائلة: (سلامُ الِله عليكَ أيها المرضُ، ورحمتُه وبركاته. أهلا بكِ يا آلام. اليومَ عرفتُ أن الَله يُحبُّني فأرسلَ لي ابتلاءً هائلاً لكي يختبر إن كان حبيّ له مكافئًا لحبه لي. اصعدْ أيها المرضُ برسالتي إلى الله وخبّره أنني استلمتُ هديته وفرحت بها.) شكرتْ ربَّها على مرضِها ورضيت به مثل طفلة تلاعبُ نحلةً، ولا تعلم أن في لعبها لسعًا ووجعًا. فما كان من النحلةِ إلا أن خجلتْ من نفسها؛ ومنحتها الشهدَ المُصفَّى. حبُّ الناس لها لم يخفُت وكأنها ما تركتنا ساعةً. وفرحنا بعودتها كان بحجم عشقنا لها. عادت إلينا لتمنحنا درس الحياة والقوة والعزم على التحمّل العصي على الكسر. شكرًا للدرس العظيم، وأهديكِ يا صديقتي قصيدتي التي كتبتُها عنك ذات نهار:
"هي الخُلاسية/ التي تركتنا سنواتٍ لكي تُربّي شَعرَها/ في ضواحي إشبيليّة/ وتغزلُ مع الغجرياتِ فساتينَ واسعةً بكرانيشَ زرقاءَ/ تناسبُ أحزانَ الفلامنكو./ بشرتُها لوّحتها الشمسُ/ والنجومُ سقطتْ/ لتُرصِّعَ جدائلَ جاوزتِ الخِصرَ/ تتماوجُ في الهواء/ مع قدمين/ تدقّان الأرضَ على إيقاع الكاستينيت./ هي الخلاسيةُ/ ترقصُ في دوائرَ منذ دهور/ فمتى يعودُ إليها الفرحُ/ كي تُحرّرَ الضفائرَ، من شرائطها؟"
“الدينُ لله، والوطن لمن ينثرُ البهجةَ على صفحة الوطن.”
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحبةُ المنثورةُ على وجه رمضان
- ماذا يقول المسيحيون عن رمضان؟
- ملكاتُ وملوكُ السَّلف الجميل ... يجوبون العالم!
- كمال الجنزوري …. وداعًا فارسَ البسطاء!
- هل أنتَ متسامحٌ دينيًّا؟ لستُ متسامحة!
- نوال السعداوي … عيناها في وهج الشمس
- هدايانا لأمهاتنا في عيد الأم… وهداياهن لنا!
- المصريون في وداع قداسة البابا شنودة
- مقتل سيدة السلام … والتطهُّر الأرسطي
- براءةُ أطفالنا … في رقبة من؟
- بيتٌ لا يعرفُ الحَزَن!
- الانفجارُ السكّاني … والضفدعُ المغلي
- في انتظار … كوكو!
- القليلُ كثيرٌ … في الطعام والعيال والفرح!
- ثروت عكاشة … أسطورةٌ مصريةٌ خالدة
- هل نستحقُّ كورونا وما يليها؟
- البرنيطة … أمّ شريطة صفراء!
- إلهام شاهين … فارسةُ دراما الرسالات
- الإنسانيةُ بوابةُ النهوض والحضارة
- صخرةُ محمود أمين العالم


المزيد.....




- الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة ...
- الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد ...
- الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي ...
- الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...
- صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي ...
- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - شريهان ... فراشةُ البهجة ووهجُ الحياة